قضايا

ليس القضاء على الفقر غاية مستحيلة!!

hamid taoulostهل يمكن أن نصدق كشعب فقير، أنه يمكن أن يأتي اليوم الذي يُقضى فيه على الفقر نهائيا في بلادنا، وتغيب مظاهره البئيسة عن شوارعنا، وتختفي آثاره السيئة عن نفوس المحرومين الذين يرزحون تحت وطأته، ليس في أبعاده المادية فقط، بل في كل دلالاته المتعددة، ومفاهيمه المراوغة، وعوامله الكثيرة، ومحدداته الخطيرة، من قبيل عجز الولوج إلى الشغل، والصحة، والتعليم، والماء الشروب، والكهرباء، والتطهير، والسكن، وعدم القدرة على الادخار، والاستثمار، وكذا عدم القدرة على المشاركة في صنع القرار، والمساهمة في التدبير الجماعي، وما يترتب عنها من إحساس بالإقصاء الاجتماعي، والحرمان، والضياع، والعجز عن مجابهة متطلبات الحياة، والوصول للخدمات الاجتماعية، ومؤشرات النمو، والاندماج الاجتماعي، والمواطنة النشيطة ؟ أسئلة محيرة، بدأت تنقر في رأسي مند سماعي لرد السيدة الحقاوي على سؤال أحد نواب الأمة حول "مي فتيحة" التي أحرقت نفسها، والذي أكدت فيه بأنه لم يعد للفقر وجود في المغرب، وأنه قضي عليه نهائيا، الأمر الذي لا يمكن لأحد إنكار حدوثه في أي بلد من بلدان الدنيا،  لأنه ليس بالغاية المستحيلة، والتي تتحقق بيسر -رغم ما يكتنفها من الصعوبات - في حال ما لم تكن حلما يراود الخواطر، وأمنية تداعب الأفئدة فقط، دون جهد ولا متابرة لتحقيقها، فينطبق عليها قول الشاعر: "وما نيل المطالب بالتمني ولكن ..تؤخد الدنيا غلابا ".

وما لم تكن مجرد شعار مناسباتي يرفع للتخذير السياسي وليس للقضاء على الفقر، الذي يبقى رهين توفر الإرادة الحقيقية القادرة على تحويل أمنية القضاء عليه، إلى أولوية، تترجم  مجموعة من القرارات الجادة، والخطط المثالية، والمناهج العلمية التي تعمل على معالجة الإشكالية وحلها، والتي من أهمها: تشخيص المشاكل ومعرفة أسبابها ووضع الحلول الناجعة والموارد والجهود في إطارها الصحيح، كما فعلت الكثير من الدول التي جعلت غاية الوصول إلى عالم خال من الفقر والعوز على رأس قائمة أولوياتها، فنجح بعضها بالفعل في القضاء على تلك الآفة الخطيرة، بينما اصطدمت طموحات دول أخرى -إلى جانب ما عرفته من صعوبات اقتصادية تمويلية تقليدية - بغياب الإرادة الجادة وانعدام الرؤية الموضوعية والتشخيص الدقيق، وعدم وضع الحلول الناجعة، تارة، أو تغييبها تارة أخرى، مع تضافر ذلك ببعض التعقيدات الثافية والمعتقدتية العقائدية السائدة لدى العديد من حضارات العالم والتي لا تعتبر الفقر عيبا ولا نقيضة ولا نقيضا للغنى الذي زخرف حياة يرفضون مظاهره تقربا لله، كما هو حال (المتصوفة على سبيل المثال) والذين يفضلون العيش على الكفاف، الذي هو نوع من "الفقر الاختياري"، الذين يجب احترام اختيارهم -لأنه من تقاليد الشرق- رغم أنه يزيد من حدة الفقر وإنتشاره  بين الناس، وانعكاسه على تصرفات الإنسان كلها .

وقد أثبتت التجارب الإنسانية على مرّ العصور بأن القضاء على الفقر، تلك الإشكالية الاجتماعية/الاقتيصادية، لا يتم إلا بتضافر جهود الحكومات وأفراد المجتمع، الغاية التي لا تتم إلا بإقناع المواطنين بأن الحكومة جادة في اصلاح وتغيير أحوال المواطنين، الذين هي في خدمتهم وليس العكس، وأن الوظيفة الحكومية بالنسبة لهم عبء وتكليف وليس تكريم، وأن السلطة قلق وهم وليست راحة، وأنهم ليست مجالا  لتحقيق المكاسب والمغانم، وإنما هو واجب تقوم به دون إنتظار لجزاء أو شكر، كما علمنا السلف الصالح الذي أدرك حقائق السلطة ووعى خطورتها، وتغلب على نزواتها ودوافعها الأنانية . الأمر الذي لن يصدقه المواطن البسيط، إلا إذا أحس بصدق نوايا الحكومة، ورأى الدليل القاطع في على ذلك في انفاق حكومي في حدوده معقولة، ويتم توظيفه من اجل توفير الحد الأدنى من الخدمات الجيدة للمواطن على الأقل، ومقابل الحفاظ على أمنه وسلامة الوطن واستقراره وانتصار الحق والعدالة والرخاء به، ولن يؤمن بمصداقية ذلك إلا شاهد وبالملموس القدوة الحسنة التي تساعده على السير في طريق الصلاح، ولعل ما أقدم عليه الرئيس الفرنسي "فرانسوا هولند" والرئيس المصري السيسي، وغيرهما، مباشرة بعد توليهما مقاليد الحكم في بلاديهما، من تقليص من راتبيهما، لدليل قاطع على حسن النية وصفاء العزم وعظيم القرار على إصلاح الأمور المالية لبلادهما التي جاءا لخدمتهما وليس العكس..

لكن أين نحن من هذا وذاك، وقد جعل بعض مسؤولينا من نزيف الإسراف في الانفاق الخاص والعام وعلى المشاريع الوهمية والرواتب والامتيازات والتقاعدات الخيالية، خطوطا حمراء لا تمس، ما يستدعي عدم تصديق أي تصريح حول القضاء على الفقر بالبلاد، وينشر الاستياء العام والاستهجان الكبير، ويكرس الاحتقان الخطير الذي يهدد سلامة وأمن البلاد ؟؟؟؟

 

حميد طولست 

 

في المثقف اليوم