قضايا

الدولة والأمة والدين!!

علاقة الدين بالدولة من خلال الأمة التي يصنعها، ولا يمكن لدين أن يبني دولة إذا لم يبني الأمة أولا، وأي إختلال في توازن هذه المعادلة وأولوياتها، يعني صناعة ما يقضي على الدولة والأمة والدين.

وفي زمن الديمقراطيات الناشئة في مجتمعاتنا وتصدّر الأحزاب الدينية للسلطة، فأنها أمام محنة وإمتحان صعب لابد لها من النجاح فيه لكي تتمكن من بناء الدولة.

وفي حالة نسيان الأمة والإنزواء في صندوق الحزب، فأن الخسران هو العنوان.

وهذه الحالة تنطبق على جميع الأديان وبلا إستثناء، فهل ستدرك الأحزاب آليات صناعة الحياة وفقا لإرادة الدين؟

فالدين الإسلامي لم يبدأ ببناء الدولة، وإنما سعى إلى بناء الأمة، التي وضع أسسها الرسول الكريم منذ بداية الدعوة وأول يوم للهجرة، وعندما تم صناعة الأمة وتمتين أواصرها وتنامت قدراتها، ولدت الدولة المعبّرة عن معانيها وقيمها وأخلاقها وعقيدتها.

وقد تواصل العمل بالحفاظ على قوة الأمة وإقتدارها ووحدتها، مما أدامها على مدى قرون متعاقبة ومتنوعة الإتجاهات والإبتكارات والتناميات.

وقد مرت الأمة بإنكسارات وصراعات متناوبة، تناسب فيها ضعف الدولة مع وهن الأمة، وتفرق ما فيها من القدرات واستنزاف أحوالها وتدمير عناصر قوتها.

ولهذا فلا يمكن الفصل ما بين الأمة والدولة عندما يتعلق الأمر بالدين، والأساس هو الأمة وليس الدولة، لأن الدولة تولد من رحم الأمة وليس العكس.

ولهذا فأن المسؤولية العظمى التي تقع على عاتق الأحزاب الدينية هو صناعة الأمة لكي تتمكن من بناء الدولة، وإلا عليها أن تترجل وتبتعد عن السلطة، لأنها ستقضي على الدولة والدين والحزب الذي تمثله.

فالحالة السائدة في مجتمعات الديمقراطيات الناشئة، أن الأحزاب التي تسلمت السلطة قد عجزت عن بناء الأمة، وهذا يعني أنها ستفشل في بناء الدولة، لإغفالها الركن الأساسي للقوة والنماء والسلامة والتواصل والأمان.

والدول المجاورة لمجتمعاتنا صنعت الأمة اللائقة بها فأوجدت دولها، وهذا واضح في الجارة الشرقية والشمالية، حيث تم لهاتين الدولتين تحقيق بناء الأمة قبل الدولة، فإنتصرت الأمة على الدولة القائمة وغيّرت أنظمتها.

وفي مجتمعاتنا جاءت أحزاب دينية بلا خبرة، وإندفعت في تغيير الدولة، وهي في حالة عدم توافق، وتصارع مع أركان الأمة، أي أنها تحارب الأسس الحيوية الضرورية لبقائها وتنمية قدراتها وقوتها وتواصلها.

وما يجري في هذه المجتمعات هو إغفال هذه العلاقة الحيوية ما بين الأمة والدولة، مما أدى إلى تداعيات متضاعفة وذات نتائج وخيمة، وجميع الأطراف لا تتفاعل مع جوهر العناصر المسؤولة عن المشكلة المؤثرة سلبا في مسيرة الأيام.

ولكي تنجح الأحزاب الدينية عليها أن تصنع الأمة أولا، وأن لا تتخذ من الكرسي وسيلة لتأكيد بقائها المناهض لبناء الأمة في البلد الذي تريد أن تنجح في حكمه.

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم