قضايا

دور المرأة في التنمية الريفية في الريف الشرقي من سوريا

مؤتمرات دولية حول المرأة كان آخرها المؤتمر العالمي الرابع الذي عقد في الصين، والذي كان امتداداً للمناقشات وللقرارات التي اتخذت في عدة مؤتمرات دولية (Delacey, 1990). تبع ذلك مؤتمرات تناولت الجوانب الاجتماعية ومنها دور المرأة وحقوقها ومسؤولياتها إضافة إلى دراسات عديدة تناولت نسبة مشاركة المرأة في العمل وأهمية الدور الذي تمارسه في الحياة المدنية والمجتمعات الريفية وقدرتها على تنمية هذه المجتمعات والتطور الذي يمكن أن تساهم به (حمزة، 1977).

ويعد الدور الذي تلعبه المرأة في المجتمع الريفي والزراعي أساسياً وجوهرياً في التنمية الريفية في بلدان العالم الثالث بشكل عام، والمهم هنا هو إدراك ودعم هذا الدور على أساس أنه حاسم لتنمية المرأة وتفعيل اقتصادياتها الكامنة (الأحمد، 2000).

تصرف المرأة الكثير من ساعات يومها في الإنتاج النباتي والحيواني، وبعد أن تترك العمل في الحقل فهي مسؤولة بشكل أساسي عن بيع وتصنيع وتخزين منتجات الحقل بالإضافة إلى تحضير وطبخ الطعام لتغذية أفراد العائلة، كما أنها تأخذ مسؤولية الاهتمام بالإنتاج الحيواني والدواجن (رمسيس، 1999). فهي تقضي أغلب وقتها بالعمل على حساب أوقات الراحة والاستجمام، فإذا ما حسب وقت عمل المرأة المأجور وغير المأجور فإننا نجده يصل إلى حوالي 19 ساعة باليوم، وبشكل روتيني كل يوم تعيد عمل جميع الأعمال وتقريباً بنفس الوقت وذلك لتأمين سبل العيش لعـائلتها الريفـــية (Rostow, 1960). أما من ناحـية المعيــار الثقـــافي فإن النسـاء يمكـن أن تأخــذ دوراً غير مباشــر في أغـلب المشـاكل المهمة العـائلية والريفـية (World bank, 1999a).

 

• مفهوم التنمية الريفية Rural Development

يفكر المرء عادة عند ذكر موضوع تنمية المجتمع بتنمية المجتمع المحلي سواء كان (ريفياً, أو حضرياً, أو بدوياً, أو غير ذلك) ويعود ذلك إلى أن أنشطة تنمية المجتمع وتنظيمه كانت ولا تزال تهتم بالمجتمعات المحلية نظراً لتعرضها إلى كثير من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية.

وقد اجتهد كثيرون لوضع تعريف للتنمية الريفية فتنوعت هذه التعاريف وتباينت وجهات نظرهم في ذلك ولكن يمكن القول: بأن التنمية الريفية ما هي إلا عملية تنمية بكل أبعادها مخصصة للسكان الريفيين (جدوع، 1997).

حيث أشار (محرم, 1990) إلى أن التنمية المحلية عملية تغيير ارتقائي مخطط للنهوض الشامل بمختلف نواحي الحياة, اقتصادياً, واجتماعياً، وثقافياً, يقوم بها أساساً أبناء المجتمع المحلي بنهج ديموقراطي, وبتكاتف المساعدات الحكومية بما يحقق تكامل نواحي النهوض من جهة, وتكامل المجتمع النامي مع مجتمعه القومي الكبير من جهة أخرى.

 

• دور المرأة في التنمية الريفية:

تهدف التنمية إلى إحداث تغيير بنياني في المجتمع ووظائفه يقوم على أساس المشاركة الواسعة لأفراده، وتسعى لإدخال تحسينات مادية تتضمن تحقيق المساواة والعدل الاجتماعي والحرية، والتنمية في هذا المستوى تشمل الجنسين: الرجل والمرأة إذ لا تنفصل دراسة أوضاع المرأة ومشاركتها في عملية التنمية عن دراسة واقع المجتمع وطبيعته وبنيته واتجاهاته، كما إن الارتقاء بموقع المرأة ودمجها في عملية الإنتاج هو جزء من إستراتيجية عامة تهدف إلى حل المشكلات والأوضاع حلا جذريا شاملا (ألكسندر، 2001).

وتعمل المرأة الريفية في كل المجالات الاجتماعية والزراعية، وتقوم بدور فعال في تنمية أسرتها، وتلعب الدور الأعظم بصفتها أم مانحة للرعاية، إلا أن دورها ما زال غير محدد بالكامل بسبب تغلغل القيم والتقاليد التي تعيق جمع البيانات عن عملها ولضعف تثمين المرأة لدورها ولجهلها بقيمته الاقتصادية (منصور، بلا تاريخ).

وفيما يلي نستعرض أهم الأدوار التي يمكن للمرأة أن تمارسها، وهي:

 

1- دور المرأة في تحسين الوضع الاجتماعي للأسرة:

يبدأ دور المرأة الاجتماعي على مستوى الأسرة ويتحدد بالمجالات التي يمكن أن تشارك بها الرجل لتطوير الوضع الاجتماعي بدءاً من الأسرة، وتعتمد عملية تطوير مشاركة المرأة على تطوير ثقافتها بمختلف الأعمار والمستويات التعليمية وتطوير طرائق التفكير لديها لمواجهة المشكلات التي تعترض أسرتها وكيفية تطوير المهارات للمرأة وتقديم الدعم اللازم لممارسة حقوقها، وعادةً تؤثر الظروف السياسية والاجتماعية على المرأة في إنجاز واجبات الأسرة التي تعتمد على الخدمات الاجتماعية التي تقدمها الدولة أو المنظمات الشعبية  والعلاقات التي تسود المجتمع الريفي وعمل المرأة ضمن مجموعات محددة ونشاطات زراعية أو مهنية أو إنتاجية تتبع الظروف السائدة ((RPAWANE, 2000.

 

2- دور المرأة في تحسين المستوى الاقتصادي للأسرة:

تعتبر المرأة الريفية من الأعمدة الأساسية التي يشاد عليها اقتصاد الأسرة في الريف، فهي جزء من القوة العاملة في الحقل وعليها يتوقف إلى حد كبير التعاون بين أفراد العائلة، حيث تقوم بالكثير من الأعمال الزراعية وبتربية الحيوانات وكذلك تقوم بتنظيف المنزل وتأمين الاحتياجات الغذائية للأسرة، وتشتغل في ميدان الصناعات الريفية وتبيع فائض الإنتاج المنزلي وتعمل في مزارع الغير في مواسم العمل الكثيف (RPAWANE, 2000).

 

3- دور المرأة في تحسين المستوى الصحي للأسرة:

نظرا لكون الأسرة هي النواة الأساسية في تشكيل المجتمع فإنه يمكن تصور دور المرأة في تحسين المستوى الصحي للأسرة وبالتالي للمجتمع ككل من خلال دورها كزوجة وأم، إذ تعد المرأة شريكة الرجل في هذا البناء الأساسي للمجتمع وتكتسب دورها من خلال عنايتها بأطفالها وصحتهم وتغذيتهم ونقل العادات الصحية السليمة لهم، بالإضافة إلى دورها في تحصين أفراد أسرتها ضد الأمراض المزمنة والأمراض التي قد تصيب الإنسان من توعيتها وتثقيفها صحيا (المحمد، 1995).

 

4- دور المرأة في تحسين المستوى الثقافي للأسرة: 

أظهرت دراسات أن الطفل يكتسب القيم والعادات والاتجاهات الثقافية والتعليمية من الأسرة ويتمثل الدور الأول بدور الأم التي تقوم على تربية أطفالها وإكسابهم مجموعة من السلوكيات والمعارف الأولية والمهارات البسيطة، فالأم هي المربية والموجهة التي تقوم بدور حيوي في نقل المعلومات التقليدية والحديثة وبالتالي تزويد أبناءها بالثقافة الأولية التي تؤثر على مستقبلهم (الأحمد، 2000).

 

5- دور المرأة في حماية وتنمية البيئة:

من الطبيعي أن يكون للمرأة بصفتها قوة فاعلة في المجتمع دور أساسي في حماية البيئة، فهي بحكم مسؤولياتها داخل الأسرة وخارجها، أكثر شعوراً بالخلل، لكونها المنظمة لشؤون المنزل والعناية بنظافته، والمشرفة على صحة الأسرة واقتصاد المنزل. وهي أيضا أكثر تحسساً من غيرها بالخطر لكونها أميل إلى البحث عن أساليب الأمان والاطمئنان. والمرأة في الحقيقة ركيزة هامة في المجتمع كله فلا غرابة أن تحتل مركز الصدارة في مجال صيانة البيئة، والمحافظة عليها في البيت وأماكن العمل (القش، 2000).

ومن الناحية التطبيقية يمكن القول أن 10% من نساء شرق سوريا لهن دور إيجابي في العملية التنموية، بينما حوالي 41% منهن لهن دور ضعيف، في حين أن حوالي 49% منهن تعتبر مساهماتهن متوسطة، وهذا يدل على ضعف إدراك دورهن التنموي.

 

د. احمد جدوع - أستاذ في جامعة حلب

 

في المثقف اليوم