قضايا

المدينة المواطنة

elmrazik almustafaيعيش العالم الحضري اليوم تحديات كبرى على أكثر من صعيد، ذلك أن المدينة (وصناعها)، باتت تحتل صدارة لا يستهان بها على مستوى التفكير في تدبير الفضاء العام وجعله فضاء للعيش المشترك.

إنها مناسبة  لاستحضار الإرث السوسيولوجي  الذي أفرزته جامعة شيكاغو التي تأسست  سنة 1892، والتأمل في ما راكمته  في ميدان علم الاجتماع الحضري،  وما احتلته المدينة المواطنة  من مكانة  في دراساتها وأبحاثها  باعتبارها " مركزا للسيطرة الاقتصادية والسياسية والثقافية، ومحورا تدور حوله جماعات وأنشطة متنوعة دون أن ترتبط فيما بينها بصلات أو علاقات شخصية أو اجتماعية حميمية"، حسب تعبير "لويس ويرث" المنتمي لنفس الجامعة.

و المدينة المواطنة كانت ولا زالت عنوان أبحاث علمية مختلفة ومتعددة، اختار منها أحد مؤسسي وقياديي مدرسة شيكاغو، "روبرت بارك"،  سنة  1915، مواضيع تهتم بدراسة مشكلة الهجرة ومحدودية الحلول المتاحة لمعالجتها، والأسباب التي أدت إلى ظهور امتداد المدينة خارج مدارها وتوسعها على شكل ضواحي. 

أما عالم الاجتماع الألماني، ماكس فيبر فهو الآخر اهتم بالمدينة المواطنة في كل أبعادها سنة 1921..اهتم بفكرها وتاريخها الاجتماعي. كما اهتم بها أفلاطون، مرورا بابن خلدون، وجوفاني بوترو،  وتونيس وسمييل، واللائحة طويلة.

إن استحضار جامعة شيكاغو- في هذا الظرف بالذات، أي بعد مرور أزيد من 120 سنة-  هو استحضار ل"لايكولوجية الحضرية" وتطورها داخل الأقسام الجامعية الأنتروبولوجية والسوسيولوجية. والتي شهدت قمة أوجها من 1920 إلى نهاية الثلاثينان، من خلال الأبحاث التي قدمها العديد من الرواد  الأوائل مثل الانتروبولوجي "ويليام طوماس" قبل الحرب العالمية الأولى، وعلماء لاجتماع أمثال " روبرت بارك، لويس ويرث، رودريك  مكنزي..."، اضافة الى الجغرافيين ك"ارنيست بوركيس" وغيرهم. واستحضار رواد سوسيولوجية العالم الحضري بفرنسا منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية، وعل رأسهم المهندسين الكبار والرواد المرموقين أمثال  " موريس هالبواك" صاحب كتاب "المورفولوجية الاجتماعية" وكتاب "الإطارات الاجتماعية للذاكرة" والذي يعتبر الوحيد من بين "الدوركايميين" الذي أدخل الرابط بين المورفولوجيا والطبقات الاجتماعية. حيث اعتبره " فيريت" العمر الثاني لدوركهايم مابين الحربين.

 الفرنسي "بول هونري شومبار دو لو" صاحب كتاب "الحياة اليومية للعائلات العاملة"، وموريس هالبوك".. اشتغلا معا على إرساء اللبنات الأولى لدراسة ظاهرة التمدن والنظر للمدينة في ارتباطها بالتركيبة الاجتماعية الطبقية، كما لا بد من استحضار "شومبار" الحياة اليومية وأنماط عيش الطبقة الشعبية، في مرحلة اشتداد أزمة السكن.

  ومع خمسينيات القرن الماضي، زادت حدة أزمة السكن في فرنسا وأصبحت  المدينة قضية سياسية، ما عجل بالتفكير في كيفية توجيه النمو الحضري ابتداء من الستينات، على خلاف بلجيكا التي كان المشكل يطرح لها من ناحية الكيف وليس الكم، أو كندا التي كان همها هو خلق التوازن بين  مونريال وباقي الأقاليم.

و يبدو أن  فرضية هونري لوفيبر، قد تحققت. حيث في كتابه "سوسيولوجية العالم الحضري" يشير إلى أن الأرض تسير نحو تمدن كلي  شيئا فشيئا، حيث أصبح عدد المتمدنين مضروبا في 12. كما أن ما شهده سكان العالم منذ العشرية الأولى من القرن الحالي من زحف حضري وتزايد حجم السكان بشكل ملفت للانتباه، وصل سنة 2000، 50%  من سكان العالم إلى ساكنة حضرية في أفق ما يعادل 63% سنة 2005.

 كما يوضح لوفيبر، أن أزيد من  3,4 من الأفراد يسكنون في المدينة، أي ما يعادل 50% من سكان العالم.و يضيف هونري لوفيبر أن هؤلاء الحضر تلتحق بهم 60 مليون أخرى، وهكذا في 2030، سيكونوا ما يقرب 5 مليار، خاصة في آسيا وافريقيا.

 إنها سابقة لم تعشها الإنسانية من قبل، ولا يجب أن تنسينا أن هؤلاء المتمدنون الجدد سيكونوا فقراء ومستقبلهم رهين بالتوجهات السياسية الاقتصادية التي يتحكم فيها المتحكمون.

 

المريزق المصطفى

 

في المثقف اليوم