قضايا

مؤتمر: التراث الحي والصراع في الشرق الأوسط هل حقق أهدافه؟

qassim salihyعقد المعهد الفرنسي للشرق الادنى مؤتمرا بالعنوان اعلاه في مبنى الجامعة الامريكية في العراق-السليمانية خلال يومي (10 و11 أيار 2016)، حضره باحثون أجانب وعرب وعراقيون. وجاء في حيثيات المؤتمر الذي استهدف (البحث في سياسات التراث الثقافي والهوية في اوقات الحروب والنزوح)، أن التراث الثقافي (يدخل في صلب الصراع الدائر حاليا في كل من سوريا والعراق وليبيا واليمن)، وانه يجري في كثير من الحالات (استهداف التراث الحي عمدا من قبل أطراف تسعى لأجراء التطهير الثقافي).

وفي الوقت الذي نحيي فيه (المعهد الفرنسي للشرق الأدنى) على اختياره هذا الموضوع الحيوي، ونثمن الجهود الكبيرة التي بذلها القائمون عليه بمن فيهم لجنة التنسيق وفرع المعهد في اربيل، فان التساؤل المطروح هو:هل حقق هذا المؤتمر الأهداف التي دعت الى عقده..والتي يمكن تحديدها بهدف واحد هو:الحفاظ على التراث في بلدان الصراع وفي العراق بشكل خاص؟

بلغ عدد (البحوث) والاوراق التي تم عرضها في ست جلسات بحدود الثلاثين.وباستثناء ثمانية بحوث فان الأوراق الأخرى كانت سردا وصفيا معززة بصور مأخوذة من الانترنت لما جرى من تدمير لمعالم حضارية، واخرى لا علاقة لها بالتراث انما تدمير بيوت للمواطنين وجسور عادية الناجمة عن الحرب(كوباني مثلا)، واخرى تخص قضايا سياسية، واخرى تتحدث عن الصراع بين الأديان والمذاهب، بل ان ورقة فيها وصفت (الزرداشتية) بانها افضل من الاسلام، وحرضّت احد الشعوب على التخلص من الاسلام لكونه يضطهد المرأة وضد التطور، فيما التوجه العالمي الآن يدعو الى الحوار بين الاديان واحترام معتقدات الآخر حتى لو كانت تبدو من وجهة نظرك انها سخيفة.

لقد تساءل المؤتمرعن قضايا جوهرية: (ماذا سيحدث للتراث الحي والهوية الجماعية في المناطق المتضررة من الحرب والتي تقع تحت سيطرة السلطات السياسية الجديدة؟. ما مصير التراث وهويات ملايين النازحين بسبب الصراعات الأخيرة في المنطقة؟.وماذا يمكن ان يقدمه تحليل الممارسات والخطابات للفاعلين المحليين في فهم العلاقة بين التراث الثقافي، الهويات، الصراعات المسلحة والنزوح السكاني في الشرق الأوسط أمس واليوم؟). والمفارقة، ان المؤتمر لم يقدم اجابات على هذه التساؤلات البالغة الأهمية، لأن أوراقه قدمت وصفا لما جرى، بل ان بعضها كان اشبه بتقارير خبرية موثقة بالصور، ولم تبحث في الاسباب التي تدفع الشخصية الارهابية الى تدمير المعالم والكنوز التراثية كما جرى في مدينة الموصل، وكيفية معالجة هذه الاسباب، ولم يكن هنالك بحث يتناول محنة آثار بابل..التي تتعرض الان الى استهداف من جهات دينية نافذة تسعى الى محوها من الوجود بحجة انها وثنية!

والقضية الأخرى الأهم تتمثل بان الهدف الرئيس لكل مؤتمر علمي يناقش قضايا يكون طرفاها السلطة والناس..أن يخرج بتوصيات يدعو السلطة الى الأخذ بها، ويقترح على المؤسسات التربوية والثقافية ووسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة تضمينها في برامجها التوعوية، فان المؤتمر انتهى كما بدأ، من غير ان يصدر توصيات ولا حتى بيانا ختاميا باعماله!

المأخذ على المؤتمر انه انشغل اكثر في تقديم وصف لما حدث للتراث من تدمير في العراق وسوريا واليمن، ومعرفة ثقافية اقتصرت فائدتها على مشاركين اكاديميين ومثقفين هم اصلا على علم بما حصل، ولم يوفق للأسف الشديد في تقديم المعالجات للحفاظ على تراث هذه البلدان، سواء على صعيد السلطات المسؤولة عن هذه المهمة او على صعيد المواطن الذي يجهل قيمة تراثه الوطني، ويقوم هو احيانا ببيعه او بنهبه كما جرى للمتحف العراقي في نيسان 2003 حيث نهب العراقيون ذاكرة وطنهم!.

ومرة أخرى نتساءل: ما القيمة التطبيقية لمؤتمر يناقش قضية او ظاهرة سلبية تقتصر فائدتها على نخبة مثقفة هم اصلا يعرفون ما حدث ويدركون قيمة الموضوع الذي يتحدث عنه، فيما الأطراف التي يعنيها الأمر لا تعرف عنه شيئا؟

ومع ذلك، تبقى للمركز الفرنسي والسفارة الفرنسية في العراق فضل المبادرة في تبيان اهمية (التراث) بوصفه كنزا حضاريا وهوية وطنية اهتم بها هو ولم ينل الاهتمام الكافي من السلطات المسؤوله والمؤسسات العلمية الوطنية.وكما هو مميز في اختيار موضوعاته، فاننا نأمل منه مستقبلا أن يكون مميزا علميا في مؤتمراته بوصفه (مؤسسة عامة للبحوث العلمية في مجال العلوم الانسانية والاجتماعية ويوجد في العديد من بلدان الشرق الاوسط).

 

 أ.د.قاسم حسين صالح

 

في المثقف اليوم