قضايا

الزاد الثقافي ودوره في الخروج من الأزمه (2)

ayad alzouhiriأن ما نعيشه من فوضى عارمه، لا يمكن الخلاص منها الا بحركه واعيه تنتشل هذه الجموع من حالة البؤس الشامله، ولا شك سوف تتفاقم الأقدار ويغرقوا بأمواج الحروب المتلاطمه أذا لم تسعفهم حاله نهضويه ثقافيه شامله، تجند لها كل الأمكانيات وتقدم على كل الأولويات لأنها الطريق الذي لا مفر منه للخلاص من واقع مأزوم، وأنا لا أرى بالأفق من يسعى بهذا الأتجاه، بل أرى أن الجموع تنتظر أن يأتي شخصآ ليخلصها من هذا الواقع الغير مرغوب فيه، حتى أننا نسمع البعض من يتمنى للعراق شخصآ أشبه بالسيسي، وهذه أمنيات الكسالى والمتواكلين. نحن نحتاج بالحقيقه الى قاده من طراز خاص على رأس السلطه من أمثال الدكتور حسين مهاتير، رجال ثقافه وعلم، كما نكون بأمس الحاجه ألى رجال ثقافه تعمل داخل ومن خلال الأوساط الشعبيه أشبه بمؤسس الحركه الواعيه السويدي السيد أوسكار أولسن، الذي أسس حركته من أجل رفع المستوى الثقافي والفني والعلمي للشعب السويدي، معتبرآ أن الحركه الواعيه هي حجر الأساس لتقدم أي مجتمع، فبدون الوعي لا يمكن النظر للأمام، وأستيعاب ما يحدث من تغير في العالم، كما أن الحركه الواعيه لا يكتب لها النجاح أذا لم يدين الجمهور لهؤلاء القاده بالولاء والطاعه والرغبه بالمشاركه، وهذا هو عين ما ذهب له الأمام علي (ع) حيث يقول (لا أمر لم لا يطاع).

يتضح بما لايقبل الشك أن التعليم والحركه الثقافيه هي الطريق الوحيد لمجتمع أفضل. قد ينخدع البعض بأن الوفره الماليه دليل على تحسن وتقدم المجتمع، والحقيقه هذه مظاهر خادعه ولأن الوفره الماليه بدون ثقافه مجتمعيه تقود الى حاله أستهلاكيه سلبيه، بل الى حاله خطيره يفقد المجتمع فيها أصالته، ولطالما تتعرض هوية هكذا شعوب الى الذوبان، ولا تبني الا مجتمعآ متواكلآ يفتقد الى كل مواصفات الشعوب الفاعله.

خلاصة القول تقودنا الى أن التعليم والتثقيف الجماهيري الحقيقي ممكن أن يكون العامل الأكبر في وضع الكثير من الحلول للمشاكل الأجتماعيه، وهو المفتاح الحقيقي والشافي للكثير من أمراضنا، وبنفس الوقت يكون الأداة الحقيقيه والفعاله في تنمية المجتمع وتقدمه، كما أثبتت التجارب أن القيم الراقيه يجب أن تربى عليها الأجيال القادمه والتأكيد على دور ممارستها لأن الشعارات وحدها لا تجدي نفعآ ولا تصلح واقعآ. أن منظومة القيم العاليه هي من تصنع واقعآ صحيآ، ومستقبلآ واعدآ بشرط أن لا تبقى في علياءها، بل تتحول الى واقع عملي، نراها في السوق وفي الدائره والمدرسه . قيم مثل الأيثار والتضحيه من أجل الوطن والأخلاص بالعمل وأستهجان الرشوه ومن يتعاطى بها ويروج لها، كذلك بالتركيز على قيم العمل والأشاده بها وأبراز أثر العامل الروحي في الدعوه لها، وخاصه ونحن نمتلك تراثآ عظيمآ يمجد العمل والعامل كقول رسول الله (ص) عندما رفع يد أحد العاملين وقال ( هذه يد يحبها الله ورسوله)، كما العمل بالوقت نفسه على محاربة كل مظاهر الفساد والدعوه الى أستهجانها أجتماعيآ ودينيآ بكل الوسائل المتاحه، من وسائل أعلام وفن وأدب، وأعتبارها قيمآ منحطه لا يزاولها الا المنحطون من الناس.

أن عمل ثقافي بهذا الحجم لا يمكن العمل به، وتطبيقه على أرض الواقع الا بوجود أستراتيجيه ثقافيه يساهم فيها خبراء التربيه، وعلم النفس، والأجتماع، والدين، لكي تأخذ منحآ جديآ وعمليآ يساهم في تطوير الأنسان العراقي وتجديد رؤيته لما يدور حوله.

كما أن التجارب علمتنا وجه التشابه التاريخي بين الظواهر الحاليه، وما كان عليه المجتمع من متبنيات ثقافيه وقيميه، لذا أن ما نلمسه ونرها هو نتيجه وأنعكاس لمتبنيات وممارسات الأمس، كما تشير الكثير من الوقائع بأن وجود النخبه المثقفه والحاصله على الشهادات العاليه عمليه غير كافيه لأستنهاض وأرتقاء الأمم لأنها تعتمد على فئة النخبه، وهؤلاء دائمآ يمثلون الأقليه من المجتمع وقد يعيشون العزله فيه بل والأغتراب الثقافي مما يجعلهم فئه غير ذات أثر فيه. لذا ينبغي التأكيد على أن الحركه الواعيه هي حركه جماهيريه تسعى الى عدم تهميش فئه، لأن تهميش أي فئه سوف يخلق حاله من التوتر الأجتماعي، تساهم في خلق الكثير من المصاعب للمجتمع، بل وتسبب له الكثير من الأذى والتوتر المجتمعي . أن ما ينبغي عمله هو القيام بمهمة نقل الثقافه والفن للناس، ونقل الناس للثقافه والفن.

هذه العمليه سوف تساهم في ترسيخ قيم الجمال بين الناس وهذه خطوه ضروريه في أنتخاب وأختيار الجميل من الأشياء لأن الشارع النظيف والجميل هو بما يمر به من ناس يتمتعون بهذه القيم والعكس صحيح، كذلك لا يمكنك تطبيق القانون مهما كان راقيآ أذا لم يوجد أناس تقدر وتحترم القانون وتنشد العداله.

أن الرغبه في صناعة مجتمع يتمتع بمقومات المجتمع المتعافي، عليه الأعتماد على قدرات الأنسان، لأنها قدرات لا تنضب بعكس الثروات الطبيعيه عندما تكون العامل الأوحد في عملية التنميه، سوف يتوقف كل شئ بنضوبها وهذا ما هو متوقع للكثير من بلدان الشرق الأوسط والتي تعتمد بشكل رئيسي على الموارد النفطيه، لذا يمكننا القول بأن الوعي الثقافي القائم على رؤيه حضاريه بات أحد أهم عناصر البنيه التحتيه لبناء أي مجتمع متقدم .

 

أياد الزهيري

 

في المثقف اليوم