قضايا

الحِجَابُ والمِينِي- جِيبْ" صِرَاعُ أديانٍ أمْ صِرَاعُ حَضَارَاتٍ؟

eljya aysh (في رد على مقال السيدة حدة حزام مديرة يومية الفجر الجزائرية)

لفت انتباهي مقال السيدة حدة حزام  مديرة يومية الفجر الجزائرية نشر في اليوم العالمي للمرأة، ثم أعيد نشره اليوم الخميس 30 جوان 2016 عدد 4788، حمل عنوان: " يا جزائرية ارتدي ما شئت"، هل هي تخاطب المرأة الجزائرية بكل ما تحمله من خصوصيات مهما كانت درجة اختلافها  الفكري، الثقافي أو المذهبي أو العقائدي إن صح القول، فهناك المسلمة، والعلمانية، والشيوعية، والمسيحية، واللادينية، أم أن رسالتها موجهة إلى "المحجبة" فقط، فقد وضعت السيدة نفسها موضع "المُرشد"، عندما بدأت مقالها بـ: يا جزائرية البسي"شكارة” أو ألبسي "القاط"، فليس هذا هو التحدي المضروب عليك اليوم .. الخ، وربطت حقوق المرأة ومصيرها بقطعة قماش (على الرأس أو فوق الركبة).

وبغض النظر عن التغييرات التي جاءت من "الخارج" التي أشارت إليها في مقالها، أقول أن المرأة الجزائرية كانت تعيش داخل الأسرة معززة مكرمة، وكانت تستر نفسها عندما تخرج إلى الشارع  حيث تضع ما اصطلح عليه بـ: " الحَايَكْ" أو "الملاءة " باختلاف كل منطقة، وكان لا يظهر منها شيء سوى الوجه، وأحيانا العينين فقط، ولكن  في ظل الاحتلال الفرنسي  اضطرت المرأة الجزائرية لأن تتخلى عن الحَايَكْ الذي يعتبر حجابا، وأن تكشف عن وجهها بنزع " العْجَارْ" الذي نسميه اليوم بـ: "النقاب"،  وتكشف عن شعرها وتقصه وتتفنن في تصفيفه حتى تظهر أمام العدو الفرنسي بأنها من المستوطنات، وبهذا تمكنت المرأة الجزائرية أن تشارك في الثورة وتحمل السلاح وتفجر قنابل في المقاهي وقاعات السينما، ولا أظن أن الجزائريين لا يتذكرون هذه المشاهد التي قامت بها المرأة الجزائرية.

الحقيقة أن تلك الفترة كانت أولى بدايات " التبرج"، إلى أن جاءت الصحوة الإسلامية في بداية الثمانينيات على يد علماء ودعاة مسلمون نادوا بالعودة إلى الأصل وإلى تصحيح العقيدة، وإعادة النظر في دور المرأة في المجتمع، مركزين على فرض " الحجاب" كونه أمر من الله تعالى وليس ابتكار من ابتكارات البشر  طبقا لقوله تعالى:  (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ..الخ الآية 31 من سورة النور، ولا يسع هنا المجال للحديث عن التبرج والسفور، وما يترتب عليهما من ظهور الفواحش وارتكاب الجرائم وقلة الحياء وعموم الفساد،  وإن كان الحديث في هذه المسائل من اختصاص الفقهاء وحدهم، ما هي الصورة التي رسمتها للخمار، أليس هو ذلك " الفولار" الذي كانت وما زالت تضعه المرأة القبائلية والشاوية على رأسها إلى اليوم، أليس هو الفولار  الدي تضعه المرأة الغربية على رأسها في الشتاء، فهل أصبح الخمار أو الفولار  (ولتسميه كما تسميه) عُقُدَةً في وقتنا الحاضر؟ أم أن صاحبة المقال  تريد القول أن الحجاب  موضة بالية، وصاحبته رجعية، ثم كيف تحكم على المتحجبة بأنها أكثر تبرجا، صحيح أن هناك فهم خاطئ للدين في الجزائر أو خارج الجزائر،  وأن جدلا كبير يدور حول لباس المرأة المسلمة، بين (منفتح وبين منغلق، وبين متشدد ومتسامح)  وكيف يكون الزيّ الإسلامي للمرأة المسلمة من حيث القماش واللون، ولكن ألا يعتبر هذا الكلام تعدّي على الحريات الفردية؟

تقول السيدة حدة حزام في مقالها: " اللعبة خطيرة وخطيرة جدا، تستهدفنا نساءً ورجالا، فالمصائب التي حلت بالعراق وسوريا وليبيا وغيرها من البلدان، لم تستثن المحجبات وأبنائهن مثلما لم تستثن السافرات، ولا أقول المتبرجات لأني أرى في محيطي أن المحجبات أكثر تبرجا من السافرات"، ما يعاب على صاحبة المقال أنها صبت غضبها على المحجبات وراحت تحارب الحجاب تحت غطاء ما يحدث في الدول التي ذكَرَتْهَا، كما أنها بدت متناقضة مع نفسها، فمرة تنتقد المحجبات وتقول: "إني أرى في محيطي المحجبات أكثر تبرجا من السافرات"، في نفس الوقت تدعو الفتاة الجزائرية إلى الانفتاح الأعمى والتحرر المطلق، وتدعوها إلى التبرج والسفور، وهذا ما  جاء في مقالها: (أيتها الجزائرية البسي ما شئت، سروال الجينز أو "الميني جيب"، لا يهم ما ترتدين، اتركي شعرك للريح تعبث به، مثل الصورة التي خلقك عليها الله، أو ..الخ، ليس هذا هو التحدي اليوم، فقط حرري عقلك واختاري بنفسك، الحجاب أو السفور، لكن لا تضحكي على نفسك وتجعلي من الخمار شباكا لاصطياد العريس، لا تدّعي الوقار والتدين، بينما تضمرين لغيرك من غير المحجبات الكراهية والحقد..الخ)، اسمحيلي سيدتي ومع كل الاحترام، أليست هذه دعوة  إلى رفض أوامر الله وما جاء  به الله  في كتابه؟، ما كل هذا الحقد على المحجبات سيدتي؟، المرأة تظل امرأة  مهما كان لونها، ومهما كانت عقيدتها، أو جنسيتها، ومهما كانت ثقافتها أو مستواها العلمي،  تتقاسم هموم بنات جنسها،  حتى لا نقول بنات جلدتها، ودعيني أسالك، هل تفرقين في البيت بين المحجبة والسافرة؟..

نعم لم يمنع الميني جيب كما قلتِ أنتِ من الوصول إلى الفضاء واحتلال المراتب العلمية الأولى، كما لم يمنع الحجاب المرأة المسلمة من التفوق علميا؟ ألم تلد المرأة المسلمة رجالا تفتخر بهم الأمم؟، نعم إن اللعبة مصيرية وأكبر من صراع الحضارات، بل صراع بقاء مثلما تفضلت به في مقالكِ، وأنا بدوري تثيرني الغيرة عندما أقرأ عن نساءٍ غربيات تخلين عن السروال والميني جيب، ولباس البكيني في الشواطئ، تخلين عن الحرية المزعومة، اعتنقن الإسلام عن حبٍّ وقناعة، وارتدين الزيّ الإسلامي (الجلباب والنقاب ولبسن القفازات والجوارب)، وحفظن القرآن، وهُنَّ اليوم داعيات، ينصحن المسلمات اللاتي  انحرفن عن تعاليم دينهن (لا هن مسلمات ولا هن كافرات)، فكيف تنشئ هذه الأخيرة أبناءها على احترام القيم  الإنسانية والإسلامية؟، وعلى حب العمل والغيرة على الأوطان؟..، تمنيت إن اقرأ في مقالك دعوة للنساء الجزائريات لكي يضعن اليد في اليد ويبنين البلاد بسواعد جزائرية، ويحمينها من كل اعتداء أجنبي، ولا يهم إن كن سافرات أو محجبات..، لأن محاربة الحجاب دعوة تبنتها جمعيات نسوية مُتَحَرِّرَةٌ أقول مُتَحَرِّرَةٌ من أجل محاربة  الإسلام وعفة المرأة  بحجة مواكبة التقدم والرقي والحداثة..

ولكِ مني كل التقدير .

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم