قضايا

الإذعان!!

الإذعان: الإنقياد

وأذعن له: خضع وذل

وأذعن: أقرّ، وأسرع في الطاعة، وإنقاد

"وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين" 24:49

فكرة جاء بها الإسلام فوجّهت الأنظار والطاقات والقدرات نحو صيرورة كبرى بعيدة عن قيد الآخرين، فالبشر لا يذعن إلا لخالقه، ولا يمكنه أن يكون مذعنا لمخلوق آخر من حوله، وفي هذه الإذعانية الإسلامية ثورة إنسانية كبرى، نادت بتحرير العبيد وتخليصهم من قيود الإمتلاك لأسيادهم، فالإنسان حرّ بإرادته وخياراته وقراراته.

ولم تكن الإذعانية صيغة أخرى للقهر والإستعباد، فجميع الخلق عليه أن يذعن لإرادة خالقه، وجميعهم متساوون أمام عرشه، ولا تميزهم عن بعضهم إلا درجة التقوى والإخلاص لبارئهم.

بهذا المفهوم الثوري أطلق الإسلام الطاقات الكامنة، ووجهها بإتجاه أهداف واضحة يحققها العمل الصادق والعزم الشديد، الذي يعززه الإيمان بقدرات التوثب والإنجاز الأكيد.

هذه القوة الإذعانية حشّدت في الأعماق آليات أصيلة وتفاعلات متوثبة، جعلت من المسلم إرادة متوهجة بالوعي والإدراك والإيمان،والإندفاع الفائق نحو غاياته العالية وتطلعاته السامية، التي إستطاع تجسيدها في الدنيا، والتعبير عنها بصياغات وصيرورات عمرانية ومعرفية وعلمية غير مسبوقة.

فعاش المسلمون بإذعانهم الأعظم أنوارا ساطعة وشُهبا ثاقبة، وسِهاما ناشبة لا تعرف إلا المروق في بدن الهدف المطلوب، ولهذا أمسكوا بإمرة الدنيا، وتفاعلوا مع الشمس والقمر والكواكب والعوالم الأخرى بمفردات ما عندهم، وما تشرّب في مداركهم ومدارات عقولهم.

فالإذعان ثورة تفجّرت في أعماق المسلمين، وأمدّتهم بالقوة والثقة والعزيمة، وأهلتهم للقيادة وحمل مشاعل التنوير واليقظة، التي طاردت الظلمات وفسحت الفضاء للأنوار الصافية المتهادية المنسكبة من عيون الوجود المشعشعة البراقة اللامعة.

والإذعان حرية وإستثمار أعظم بالإنسانية، وما أن تجاهل المسلمون معاني الإذعان، وإنغمسوا بالتبعية والتصاغر والخضوع لغير الله، أصابهم الويل والضعف والهوان، وصاروا يركضون وراء سراب الآخرين ويقبعون في أحضان إراداتهم، فتكسّر إذعانهم الخالص الطاهر، وتحطم عزمهم وتبددت إرادتهم، وإنطفأ نورهم، وراحوا يتخبطون في أروقة البطحاء، كأنهم الجهلاء بما فيهم وعندهم، وهم الممرغون بأوحال الذين يفترسونهم ويذلونهم، ويأخذون ثرواتهم ويقررون سوء مصيرهم.

لقد تبدل كل شيئ في أعماقهم، فصاروا كالعصف المأكول، فهل سيدركون بأن الإذعان لغير الله مذلة؟!

وهل سيتعلمون أن الذين ينسون أنفسهم يبوؤن بخسران مشين؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم