قضايا

سايكولوجية العامود!!

في معبد الكرنك بمصر هناك عمودان منتصبان منطلقان نحو الفضاء، ومنذ ذلك الوقت وهذا الرمز يتكرر في جميع الحضارات والقوى والإمبراطوريات، وتراه شامخا وسط العاصمة الأمريكية واشنطن.

وتكرر ظهوره في الحضارات اليونانية وغيرها، وفي حضارات وادي الرافدين، هناك ما يشير للعامود ولكن بأساليب أكثر تعقيدا وتعبيرا عن أفكار كامنة في الفن المعماري.

وفي معبد الكرنك تم ترجمة الطقوس الدينية المتخيّلة، والتي خطرت على بال البشرية، حتى لتجد  فيه جذورا لجميع الطقوس الدينية.

والسؤال: لماذا تبني الدول الكبرى والإمبراطوريات نصبا عاموديا مدبب الرأس للتعبير عن قوتها وإرادتها وشموخها؟!

في مدينتي سامراء، وفي عز الدولة العباسية وقوتها وجبروتها، تحوّلت المنارة إلى طود شامخ يريد الإنطلاق إلى الفضاء الأرحب، وكأنها تريد أن تقول بأن القوة التي أدركتها الدولة تؤهلها للخروج من إرادة التراب والإنتصار على جذب الأرض.

ومعظم المعابد الدينية لجميع الديانات فيها ما يشير إلى ذات الإتجاه، وفي الإسلام المنارة أوضح دليل على ذلك.

هل أن ذلك تعبير عن تحدي الموت والإنتصار على الغياب والقول بإمتلاك الخلود؟

هل أنها صرخة جلجامش التي لا زالت مدوية في أعماق البشرية والباحثة عن جواب لهذا المرور العجيب فوق بطحاء تدور؟!

هل يطمح الإنسان للعيش في عوالم أخرى، وأنه سيعثر على كائن آخر في الكون؟

هل أن في ذلك إشارة إلى أننا قد جئنا من كواكب أخرى بعيدة؟

هل وهل...؟!

وهل أن الأجناس البشرية المتنوعة في هذا الكوكب قد نزحت من عدة كواكب أخرى؟

هذا السلوك المتكرر إلى يومنا هذا، لابد أنه يفصح عن إرادة كامنة في لا وعينا، أو أنه ينطق بلغات موروثات فينا لا نعرفها.

إنها تتكلم وبفقداننا القدرة على معرفة لغاتها، نترجمها بالعمارة التي يبدو أنها أكثر إفصاحا عن الفكرة من الكلام.

فالدنيا في أصلها تنظر للأعلى ولا يستقيم نظرها أو ينحني للأسفل.

الدنيا لا تنظر إلى أقدامها وخطواتها، وإنما مجتهدة في إكتشاف مسارات الفضاء المتفاعل مع مدياتها القصوى.

والعمود مستطيل مكعب وينتهي بهرم، المصريون توصلوا إلى أن جوهر الفكرة يكمن في الهرم، فلا حاجة للعمود الذي يحمله، فاستنزلوا الهرم ومنحوه حجما أكبر واكبر.

وكما هو معروف، فأن الرؤوس المدببة تفرغ الشحنات الكهربائية، والصخور المدببة ربما تجذب الأمواج الفكرية، فتسري الأفكار في الصخور وتُنقى، مثلما يحصل في أحواض تصفية المياه، حيث تتخلص من الشوائب، حتى تصل إلى آخر مرحلة فتكون نقية صافية زلال.

فهل هذا صحيح؟

هل ان الأعمدة الصخرية المدببة النهايات آلات لجذب أفكار، وتفريغ شحناتها في الأرض فيتلقفها البشر؟!!

لا أدري مدى صحة ذلك، لكن تكرار هذا الموجود العامودي المدبب، يعني أشياء كثيرة لاندركها ولا نزال أبعد ما نكون عنها.

هل أن البشر أدرك ومنذ أمد بعيد جدا، أنه يُهاجَم بافكار كثيرة قوية مرعبة، وعليه أن يفرغها في بدن الأرض، بدلا من أن يسمح لها بالتفاعل الهدّام في عقول البشر، ويترك الأرض تتصرف بها؟

لا أدري؟!

لكن مصر أكثر عقلا من العرب ربما لوجود عمودي الكرنك فيها والأهرامات، التي تمتص الأفكار وتشذبها من السيئات وأدوات التعبير عن الشر!!

ولا بد لجميع الدول أن تبني أعمدة ذات نهايات مدببة لكي تساهم في السيطرة على الأفكار السيئة من التنامي والعمل القاسي!!

قد يبدو ما تقدم غريبا أو مجنونا ، لكن التفسير النفسي لسلوك تكرار العامود المدبب في الحضارات القوية، إنما يعني شيئا ما، ويبدو أن أول من نهض بهذه الفكرة حضارات وادي الرافدين وحضارات مصر، والذين لا نعرف عنهم إلا القليل بالقياس لِما كانوا يدركونه، ويتفاعلون معه.

وقد أكد ذلك "إمحودب" في رسالته للفرعون، والتي أفصح فيها عن أن ما وصلت إليه مصر من معارف خفيه وكونية ستكون طلاسم لن تفهمها الأجيال.

وتلك إرادة الأرض ونواميس الدوران التي تتحكم بمصير الموجودات وتأخذها إلى حيث تريد، وتطلق ما فيها وفقا لحاجات الأرض البقائية، وتوازناتها الدورانية المُحكمة.

فالأرض فيها جبال وتلال، وهي كالأهرامات بشكلها وهندستها الطبيعية، لكنها قد تفتقر إلى التدبب الذي تميزت به الأهرامات، وهذا التفاعل الجيومتري مع مفردات الكون الهندسية، ليكتم أسرارا نفسية وفكرية ذات تاثيرات سلوكية لا ندركها.

هذا تفسير نفسي خالص لسلوك بناء العامود المدبب النهاية الذي تكرر عبر العصور، لكن التفسيرات المادية وغيرها من الإقترابات قد ترى ما تقدم لا يمت بصلة إلى كون هذا العمود مجرد تعبير عن القوة والإرادة والشموخ.

لكنه أكثر من ذلك بكثير وكثير، إنه مانعة صواعق أفكار؟!!!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم