قضايا

حاتم حميد محسن: نظرية الفوضى والغد المجهول

hatam hamidmohsinليس المستقبل كما نتصوره، التطبيقات المتزايدة لذلك الفرع من الرياضيات (نظرية الفوضى) تشير الى ان الظروف المستقبلية للانظمة المعقدة ديناميكيا كالطقس، ودماغ الانسان، وسوق الاسهم والسندات، والتطور، والتاريخ ذاته، هي ليست كما كان يُعتقد .

نظرية الفوضى، تقترح ان سلوك الانظمة المعقدة يمكن ان يتبع قوانين لكن مع ذلك تبقى ظروفها المستقبلية من حيث المبدأ لا يمكن التنبؤ بها.ان سلوك الانظمة المعقدة هو حساس جدا للظروف، بحيث ان تغييرات بسيطة منذ البدء يمكن ان تؤدي الى تغييرات كبيرة بمرور الزمن. وبهذا، فان نظرية الفوضى تنطوي على ان المستقبل لا يمكن التنبؤ به على اساس أحداث الماضي، كما كان يُظن. وحسب تعبير الفيزيائي Niels Bohr "ان التنبؤ صعب جدا، خاصة بشأن المستقبل".

وهنا يؤكد ايضا الفيلسوف الاستثنائي George Carlin بقوله: "لا احد يعرف ما سيأتي غدا، ولكن كل شخص يسعى لذلك". هذا يذكّرنا بان المستقبل لا يعتمد علينا، كما لو انه يتبع خطا مستقيما من الماضي، وانما هو يتشكل بما يقوم به كل شخص وكل شيء بمزيج ملتبس من افعال الناس والفعاليات الفيزيائية والبايولوجية التي تغذي كل واحدة منها الاخرى. واقعنا المعاش هو الذي توجد فيه التأثيرات مجتمعة في عملية التحول الى اسباب. اي ان "القادم"هو حتمي، لكن القادم حقا لا يمكن التنبؤ به طبقا لنظرية الفوضى.

 

الفوضى في الميدان العملي

محاكاة الكومبيوتر تبيّن ان الانظمة المعقدة هي حساسة جدا للظروف الاساسية: اي ان ما تبدأ به يقرر بالضبط كيف ينكشف النظام بشكل واضح. هذا ما اكتشفه الرياضي والميترولوجي ادوارد لورنز في محاكاة متكررة للطقس في الكومبيوتر، والتي تغيرت فيها نقاط البدء الاولى للبرنامج فقط بنقطة عشرية ضئيلة من الاختلاف، ومع ذلك كانت نتائج الطقس دراماتيكية. في ورقة اكاديمية نُشرت عام 1972 بعنوان "تأثير الفراشة"، تذكر ان حركة اجنحة الفراشة في موقع معين تؤثر على نماذج الطقس في مواقع اخرى.

ان الظروف الاساسية للنظام المعقد لا يمكن تعريفها بما يكفي من الوضوح اللازم لعمل تنبؤات دقيقة حول السلوك. القياسات لا يمكن ان تكون دقيقة. تقرير الظروف الاساسية للنظام الطبيعي المعقد سيعتمد دائما على دقة ادوات القياس المستخدمة، وانها لن تكون حادة بما يكفي للدقة مطلقة. ربما نتسائل ان سلوك النظام المعقد قد يكون في الحقيقة حساس جدا في الاعتماد على سلوك ماهو اصغر من الذرة . في عام 1905 اظهر البرت اينشتلين ان الحركة العشوائية الظاهرة في حبوب اللقاح يمكن ان تُعزى الى التصادم مع الماء الفردي للجزيئات. ولكن مع ان حركات الجزيئات هي عرضة لقوانين نيوتن في الحركة، وحتمية من حيث الاساس، فان القوى التي تعمل فيها لا يمكن قياسها بدقة ابدا، ولذا فان مساراتها لا يمكن التنبؤ بها.

التقريب ربما يكون كافيا في معظم الأغراض. درجة الحرارة، مثلا، هي تقريب جيد لطاقة جزيئات الهواء المحيط. فعندما تكون درجة الحرارة في الخارج 75 درجة، سندرك اننا لن نحتاج الى معطف مالم يكن الجو ممطرا . لكن درجة الحرارة هي متوسط لمختلف الطاقات لجزيئات الهواء المجاور، وعلى الرغم من ان المتوسط هو كل ما نحتاجه كي نقرر الحاجة الى ارتداء المعطف ام عدمه، فان المتوسط يمكنه اخفاء الاختلافات في حركة الجزيئات الفردية التي ربما تكون هامة في سلوك النظام الفوضوي مثل الطقس.

ومما يعقّد الموقف اكثر، عندما يتطور النظام المعقد بمرور الزمن، فان كل تطبيق متكرر لنتائج التطبيق السابق – كل من حلقات المخرجات – توفر ظروف جديدة تعود بالتغذية للنظام. هذا ما يشير اليه J.A. Scott Kelso في (نماذج الديناميكية، 1995) بـ "السببية الدائرية". نحن الآن نرى العديد من العمليات الطبيعية الهامة، كتلك المرتبطة بتغيرات المناخ، لا تجري بشكل خطي، وانما تركز على ذاتها، تزيد او تقلص تأثيراتها، وتعيد توجيه ذاتها. كل تطبيق متكرر جديد يضع السياق للتطبيق القادم، ومن ثم ظاهرة جديدة ستتشكل.

توضيح جيد للسببية الدائرية جاء في تفسير Iain McGilchrist لدماغ النظام المعقد:

"الأحداث في كل مكان من الدماغ هي مترابطة، ولها نتائج تنعكس في مناطق اخرى، ربما تستجيب، تعزز، تدعم او تطور ذلك الحدث الاساسي، او انها تعيد معالجته بطريقة ما، تكبحه، او تكافح لإعادة تأسيس التوازن. لا توجد هناك وحدات صغيرة، وانما فقط شبكات، ومجموعات لا متناهية من المسارات" (The Master and His Emissary,2010).

في الحقيقة، ان التفاعل بين الاجزاء ضمن النظام المعقد يمكن ان يحدث بمستويات مختلفة ضمن النظام، موجدا علاقات متعددة المستويات لحساسية كبيرة لكل نظام اخر. انظر في وصف Enrico Coen لنظام التنفس في الانسان:

"مقدرتنا على التنفس تعتمد على التفاعل المتبادل بين جهازنا العصبي، العضلات، الهيكل العظمي، الرئتين. وظيفة رئتينا تعتمد على مركب الهيكل العظمي الذي يضع الحدود لجدران الرئة. مركب الهيكل العظمي يعتمد على البروتينات التي تنقل ايونات الكلورايد. التغيير في عنصر واحد فقط للنظام المتكامل تكون له نتائج كارثية. المرضى بالتليف الكيسي لديهم صعوبة بالتنفس لأنهم يحملون تغييرا في الجين مطلوب لنقل الكلورايد. انه يحتاج فقط تغيير واحد من بين ثلاثة بلايين زوج في الجينيوم ليسبب المرض. عمل كل فرد يعتمد على التكامل بين العديد من المركبات المختلفة"(Cells to Civilization, 2012).

 

الموت اللامتوقع للتنبؤ

لماذا تنتابنا الرغبة بالاعتقاد اننا نتجه نحو مستقبل محدد؟ ربما نرغب ذلك لأن الاشياء التي حولنا ليست عشوائية وانما على شكل نموذج منتظم. النهار يتبع الليل، الفصل الموسمي يتبع الآخر، الشيء في سكون يميل ليبقى في سكون، والشيءفي حركة يميل ليبقى في حركة. عالمنا فيه ما يسميه الرياضي جون كاستي الاستقرار الهيكلي structural stability في كتابه (التعقيدية، 1994) – الاستقرار الذي يجعل الحياة ممكنة على هذه الارض، والذي يمنح درجة جيدة للتنبؤ. وبشكل اكثر تحديدا، لكي يحدث شيء ما، لابد لشيء اخر ان يحدث قبله في سلسلة من الاحداث. هذا هو مستوى السبب والنتيجة. لذا من المغري رؤية الحتمية كطريق للاحداث. في الفلسفة، هذه الرؤية تُعرف بالقدرية: نحن قد لا نعرف المستقبل، لكن المستقبل سيأتي في نفس الوقت والمقدار كحصيلة لسلسلة من الاحداث، فيها شيء ما يؤدي ميكانيكيا لشيء آخر.

قوانين نيوتن في الحركة تمثل انتصارا للتنبؤ في المستقبل المبني على الماضي. المنظور النيوتني يرى العالم كنظام معقد كالماكنة. النموذج هو ساعة. قوانين نيوتن يمكن استخدامها لعمل بعض التنبؤات الهامة. انها فعلا اوصلتنا الى القمر.

من غير المدهش ان ما كان يُلاحظ من انتظام في معظم تاريخ الانسان جعل الناس يعتقدون ان العالم كان نتيجة لمصمم ذكي، وانه نظّم العالم بطريقة هادفة، وقرر مصير كل شيء بدءا من الفعل الاول للخلق الديني. وبالتالي، كان الاستنتاج، لو نحن نعيش في كون منتظم كالساعة، فان ذلك يتطلب وجود صانع للساعة. حتى علوم اليوم تميل لتعمل وفق افتراض انه مع البحث العميق ومزيد من القياسات الدقيقة والكثير من الرياضيات المؤثرة، فان نماذج منظمة ومتنبأ بها سيتم اكتشافها في تلك المجالات التي لا يظهر فيها الانتظام والتنبؤية.

ذكر اينشتاين عبارته الشهيرة "الاله لا يلعب الحظ مع الكون". لكن الالكترونات لم تدعم فكرة اينشتاين بالاله الذي لا يلعب النصيب، طالما ان الالكترونات مثلما جميع الجسيمات دون الذرية تبدو غير قادرة على الانتقال الى اي مسار ممكن بين هنا وهناك، وانها تبدو عشوائية تماما في اي مكان تنتهي اليه. ان مسار الالكترون يمكن فهمه جيدا كمسألة احتمال، وليس يقينا قدريا. الجسيمات دون الذرية يبدو انها حقا تلعب لعبة اليانصيب، في نادي فعال جدا نزولا الى المستوى الجزئي للواقع. هذا هو اول عنصر لعدم التنبؤ المطلق الذي يسلب ثقتنا بالعالم كآلية يمكن التنبؤ بها.

النتيجة الفلسفية الهامة لنظرية الفوضى هي انها تخلق صدعا ثانيا في فكرة الكون المنتظم والمتنبأ به، ولكن الان على مستوى تجربتنا اليومية. في الماضي نحن توقعنا سببية تؤدي الى تكرارية، والتكرارية تؤدي الى تنبؤية. لكن نظرية الفوضى تقول لنا مادامت الانظمة الديناميكية المعقدة حساسة جدا للظروف الاولى، فان اي محاولة لآداء عمل مكرر لمثل هذا النظام ستكون في وضع حرج لو كانت هناك اخنلافات ضئيلة جدا في الظروف التي ابتدأ بها النظام. وهكذا، بينما لايزال الشيء يتبع اخرا، هذا لا يعني ان النتيجة ستكون ذاتها، حتى لو ان المستقبل يتقرر بالماضي.

 

التاريخ كلغز

نحن ايضا لم نعد ننظر الى التاريخ كمجرد"حقيقة ملعونة بعد اخرى"، حسب قول هنري فورد. اي اذا كان انكشاف الانظمة المعقدة يعتمد على حساسيتها لظروفها الاصلية فذلك يعني ان التاريخ لا يمكن فهمه افضل من المستقبل. طالما احداث الماضي هي ذاتها نتيجة السلوك الفوضوي، فان ما يعقبها سيكون من الصعب اعادة بنائه تماما بنفس صعوبة اعادة بناء المستقبل.

ليس فقط التاريخ يصعب اعادة بنائه، وانما تعقيديته تخلق بدائلا مقابلة او ما يسمى بـ "ماذا لو". المؤرخون والفلاسفة ونحن الناس العاديين نسأل انفسنا، "ماذا لو حدث شيء بدلا من ذلك؟"لنأخذ السيناريو "ماذا لو لم يُقتل الرئيس جون كيندي؟"يرى بعض المؤرخين ان الرئيس كندي كان قلقا جدا من تخصيص اكثر من مستشارين لفيتنام الجنوبية في بدايات الستينات. لو انه عاش وقرر عدم استخدام القوات الامريكية في حرب فيتنام، فهل كان بالامكان منع الحرب؟ ولو افترضنا ان كندي ابقى امريكا بعيدة عن الحرب، فما هي الاحداث الاخرى التي يمكن ان تقع؟ كيف نستطيع الابلاغ عن ذلك؟ نحن لا نعرف حتى مجموعة الاحداث الضرورية له ليعيش، ولا احتمال حدوثها. من السهل جدا القول ان كندي كل ماكان عليه القيام به هو ان يتجنب الظروف الاولى ليكون في دالاس في ذلك اليوم المشؤوم. ماالذي يجب فعله لتجنب دالاس، وماذا ستكون نتائج ذلك في التاريخ اللاحق؟ حتى لو ان الرئيس كندي لم يُقتل فان اي سياسة سعى لتبنيها تجاه فيتنام ستكون عرضة لقوى تعويضية قوية، مثل ما اذا كان يُعاد انتخابه او مصالح الصناعات العسكرية، او القلق من انتشار الشيوعية، والدور السري لادارة كندي والسي اي ايه في اول دعم ومن ثم ازاحة رئيس فيتنام الجنوبية Ngo Dinh Diem . وهذه فقط القليل من الاعتبارات التي ربما لعبت دورا في امكانية حدوث حرب فيتنام. في الحقيقة، دور الرئيس كندي ومستشاروه في دعم انقلاب عام 1963 الذي اطاح بديم، جرى الاعتراف به من قبل المؤرخ والمحلل الامني جون برادوس كونه جعل امريكا مسؤولة عن مستقبل فيتنام.

وبالعودة الى الصورة الاكبر للحياة ذاتها، وحقيقة ان الانظمة الفوضوية هي شديدة الحساسية للظروف الاصلية ذلك يقترح بالفعل ابداعية معينة في الطبيعة، طالما مثل هذه الحساسية تخلق امكانية لنوع من الهامش، يوفر مكانا لنتائج العمليات الطبيعية لتكون متميزة، بمعنى عدم التكرار في التفاصيل. عالم الحفريات الاخير ستيفن جاي يجادل بان الصدفة التاريخية تلعب دورا كبيرا في التطور مثلما يفعل الاختيار الطبيعي. في (الحياة المدهشة، 1990) هو قال اننا لو اعدنا التطور على الارض الى بدايته وبدأنا العملية مرة اخرى مع قليل من الاختلاف في الظروف الاصلية، فان الكائنات الحية على كوكبنا ستكون مختلفة كليا.

الصدفة التاريخية تلعب دور ايضا في قوانين الطبيعة. في كتابه (الزمن يولد مرة اخرى، 2013)، يرى الفيزيائي لي سمولن ان قوانين الطبيعة ذاتها"تنشأ من داخل الكون وتتطور زمنيا مع الكون الذي تصفه". هو يقتبس من فيزيائيي الكوانتم امثال بول ديراك و ريتشارد فينمين في هذه المسألة. يلاحظ ديراك "في بداية الزمن كانت قوانين الطبيعة مختلفة جدا عما هي عليه الان. وهكذا، نحن يجب اعتبار قوانين الطبيعة تتغير باستمرار مع العصر، بدلا من الانتظامية الثابتة طوال المكان-الزمان". يلاحظ فاينمن "ان الحقل الوحيد الذي لم يعترف باي سؤال تطوري هو الفيزياء. هنا نحن نقول هذه القوانين، .. ولكن كيف وصلت لذلك الطريق في نفس الوقت؟ .. لذا انها ربما ليست نفس القوانين وهناك سؤال تاريخي، تطوري".الكون ربما نظام فوضوي تطوري، صعودا حتى لقوانينه.

 

الفوضى الكونية

في دراستها عن الاصول الاجتماعية لإطلاق النار في المدارس، Rampage 2005 تحذر كاثرين "عندما نكون في خسارة من توضيح شيء ما (مثل اطلاق النار في المدارس)، سنبحث عن اقرب سبب مباشر" بدلا من محاولة فهم الشبكة الاكثر تعقيدا للعوامل المسببة.

لكن نظرية الفوضى تجعل من الواضح ان سلوك النظام المعقد لا يمكن فهمه بالنظر فقط الى الاسباب المباشرة للسلوك، لابد من فهم النظام.

في الحقيقة، ان ما تتميز به الانظمة المعقدة من حساسية شديدة للظروف الاصلية يعني ان تلك الانظمة غير معزولة بل مترابطة مع كل ما يحدث من اشياء اخرى.هذا يجعل وضع حدود ثابتة بين الانظمة الديناميكية المعقدة الفردية امرا عشوائيا. بل ربما خيالا. لذا يبدو عند البحث عن الظروف الاصلية المحددة للنظام المعقد، سنكون بحاجة للبدء بخلق الزمن ذاته، لأن الانفجار الكبير(البغ بانغ ) يمثل نقطة منفصلة انضغطت فيها كل طاقة ومواد الكون. نظرية الفوضى تؤمن بانه، من تلك النقطة فصاعدا، التغيير البسيط في الاحداث يقود الى اختلافات كبيرة في الظروف المستقبلية للمجرات.(كما تثبت النظرية النسبية لاينشتاين، ان الكتل الكبيرة تحدد الزمان والمكان، وهي بدورها تُوجّه في مساراتها المدارية عبر التشوهات في الزمان والمكان التي تخلقها كتلها. لذا سنحتاج لاضافة التأثير السببي للمجرات على كل واحدة منها- حلقة كبيرة جدا من السببية).

في الحقيقة كلما فكرنا بعمق اكبر حول الحدود في الطبيعة، كلما لاحظنا ان الحدود مصطنعة. رغم ما لدينا من نزعة لاختزال الانظمة الى اجزاءها المكونة، هناك سبب جيد للاعتقاد ان الاجزاء المكونة ليست وحدات ملائمة للطبيعة ذاتها، لا على المستوى الجزئي ولا على المستوى الكلي. الطبيعة ذاتها تبدو حول العلاقات والنماذج التي تبرز بها الاجزاء. بوهر، هيزنبيرج واخرون في فيزياء الكوانتم اثبتوا صحة هذاعلى مستوى ما دون الذرة، لأن المشاهدات التي نقوم بها للظاهرة الكوانتيمية يجب ان تأخذ بالحساب المشاهد او المراقب كجزء مكمل للنتائج المتحصلة. على المستوى الكلي، اينشتاين بيّن بان الزمن ذاته نسبي بالنسبة للاطار المرجعي للمرء. على المستوى الكلي، الظاهرة ايضا مرتبطة بالكلي بشكل حتمي. وفي كتاب (قلب الظلام، 2013)، يلخص الكاتبان اوسترايكر و سيمون متن، بشيء من الفزع، الاستنتاج الذي توصل اليه ستيفن هاوكنغ و ريتشارد الس:"ان القوانين الفيزيائية المحلية تتقرر بواسطة البناء الكبير للكون. هذا يعني ان علم الكونيات او الكوسمولوجي يجب ان يُفهم كاساس للفيزياء المختبرية التي هي فكرة غير مستقرة ". اي انها تؤكد فكرة ان ما يبدو من احداث محلية لايمكن فصله عن الاحداث الكبيرة للكون. ولكي نتقدم خطوة اخرى في هذا الجدال، هناك دليل على ان سلوك الجسيمات دون الذرية يمكنه ان يرتبط فورا بمسافات لامحدودة، وهي الظاهرة التي تسمى بـ التشابك الكوانتمي اللامحلي non-local quantum entanglement.هذه الظاهرة ترفض الفكرة الشائعة بان الفصل في المكان والزمان يجعل الاحداث مستقلة عن بعضها البعض.اينشتاين وصف بازدراء هذا التشابك بـ "الافعال المخيفة من بُعد ".ان تشابك الجزيئات يثير فعلا قضية المدى الذي تُعتبر فيه الاحداث مستقلة الحدوث، ام انها يجب النظر اليها كاجزاء مكونة للكل.

 

الوعي الكوانتمي

اخيرا، ماذا نستفيد من تفسير كوبنهاغن لفيزياء الكوانتم؟ طبقا لتفسير كوبنهاغن فان اختيارنا لما نريد مراقبته من سلوك ذري يقرر ما هو موجود.باسكال جوردن احد مؤسسي نظرية الكوانتم، يقول بايجاز، "المشاهدة لا تعكر فقط ما يقاس وانما هي تنتجه".في هذا التفسير، لا توجد حدود واضحة بين المشاهد والمشاهد، بين الوعي والظاهرة الذرية المقاسة.هذا الاستنتاج ازعج اينشتاين اكثر مما ازعجه السلوك العشوائي للذرات، لأنه يضع امام التساؤل وجود الواقع الفيزيائي بعيدا عن المراقب.

من الواضح ان نظرية الفوضى كشفت عن عمليات طبيعية قوية نحن في بداية فهمنا لها. هناك احساس بان المستقبل منفتح. بما ان الانظمة المعقدة حساسة جدا للظروف الاصلية، وللتغذية الدائرية، وللتفاعل مع الانظمة المعقدة الاخرى، فان ما سيحدث في العالم يعتمد على الكيفية التي تتصرف بها جميع انظمة العالم المعقدة من لحظة الى اخرى. المستقبل منظّم ذاتيا ولكن دون اي هدف او خطة او غاية معينة.

 

 

في المثقف اليوم