قضايا

جواد غلوم: الاقتراب من اليوتوبيا.. مشروع فينوس أنموذجا

jawadkadom gloomيعيش الانسان ردحا من عمره في خضم هذه الحياة، يرى النور والظلام والمعافاة والسقام والخيرات والسوءات وربما تؤرجحه السعادة قليلا بينما تلعب به الأوزار والبلايا والهموم غالب عمره، ويتمنى عالما خاليا من كل مايعكّر صفو الحياة فلم يجد مراده ومناه الا في عالم طوباوي سماه العالم الفاضل الخالي من الشرور، عالماً قريباً من متخيّل الفردوس في الفكر الاثني والماورائي، فعندما يتسافل الواقع وينحدر أمام مرأى الإنسان ولم يعد يحقق ابسط انواع المعيشة المقبولة تبدأ الشكوى من الزمان اولا حتى تصبح تلك الشكوى ابدية او ازلية طالما بقيت الشرور والآثام في عالم مضطرب غير قويم فلا مناص سوى الحلم في واحة مريحة تختلف جذريا عن الغابة الموحشة المخيفة التي تسمى الحياة بنزاعاتها وأسقامها واهتزاز موازينها وجشع أناسها وحروبها

بدأ الفيلسوف الاغريقيّ افلاطون يتخيل تلك المدينة الفاضلة في كتابه " الجمهورية " وتبعه الكثيرون فهذا سانت اوغسطين يؤسس لمدينة سماها مدينة الربّ ؛ وكامبانلا يؤسس لمدينة الشمس بعدها ثم جاء فرانسيس بيكون لمتخيّل طوباوي سماه " اتلانتس الجديدة  " عدا الكثير من الأحلام القريبة الى " اليوتوبيا " وفق تسمية  توماس مور الذي ألف كتابه بنفس الاسم (يوتوبيا) وتوالت بعد ذلك خيالات الادباء والشعراء وانتشرت مبثوثة هنا وهناك فيما كتبوا ولا ننسى مفكرنا الكبير ابا نصر الفارابي الذي وضع مؤلفه (الدولة الفاضلة)

وقد بقي حلم تحقيق شيء ولو يسير من سمات المدينة الفاضلة من ابرز سمات العقل الراجح الطموح الى النقاء والنفس التوّاقة الى الهدأة والراحة والانسجام خاصة وان البشرية عاشت اعواما طويلة في اجواء المدينة السافلة  لا الفاضلة او مايسمى " الديستوبيا "  Dystopia وهي بالضد من ملامح اليوتوبيا حيث الشرور والخبث وتفاقم الفساد وشيوع الكآبة اضافة الى انتشار الفقر والعوز والقحط والمظالم الجمّة وكل ماهو قاتم ومكدّر كالذي نراه في المجتمعات الدكتاتورية القمعية وفي سطوة العسكريتاريا والقوى الغاشمة، ذلك المحيط البغيض المليء بالدمار والظلم المفرط والحروب العبثية والكوارث البيئية والسكانية وانتشار الجهل والتجهيل وفقدان الإيثار واتساع الإثرة وتمزق الأخلاق بسبب الطمع والانانية والاستحواذ، فالديستوبيا هي ارض الفقر المدقع والكوابيس المرعبة واللاعدالة والمرض المزمن بلا اية رعاية صحية والانهيار المجتمعي خُلُقيا والقمع السياسي نتيجة النظام الشمولي وهذه كلها فايروسات اجتماعية وسياسية تعصف وتنخر بالمجتمع الفاسد اصلا وتضعف مناعته بحيث لايستطيع ان ينهض ويستعيد عافيته حتى تُحيله ركاما وسقما دائما وجسدا متهالكا في النزع الاخير وكأن صندوق " ديبورا " المحشو بكل ماهو دنيء ومتسافل ومنحط من القيم والاخلاق البذيئة والشرور قد تم تفريغه في ارض الوباء والهلاك لاجل تدميره بحيث لم يُبقِ شيئا لامعا مشرقا الاّ والسخام قد لوّثه ولا ضوءا الا أطفؤوه ولا أيادي حانية وسواعد شهمة الاّ بتروها

مثل هذه الظلامات والحروب والكوارث التي يصنعها الانسان والاساءات المتكررة للطبيعة كالتلوث بكل اشكاله  وتخريب البيئة النظيفة جعلت حلم تحقيق جزء ولو صغير من سمات اليوتوبيا هدفا لمجموعة من العقول والقلوب الرحيمة والنزيهة  فكان تأسيس مشروع " فريسكو " في أيامنا هذه، وفريسكو هذا هو الرأس المدبّر والمخطط والمبتكر باعتباره مهندسا خلاّقا ومصمما من الطراز الرفيع وفنانا وعالما للمستقبليات وهدفه الاساس ان يُرسي دعائم مجتمع ولو مصغّر يحنو على البيئة من خلال تكاتف العلم والعمران والتقنية الحديثة مع نتاج الفن والادب والارتقاء بهذا كله لإسعاد الانسان للوصول الى افضل وسائل عيش كريم قد لايحقق المدينة الفاضلة وانما يقترب منها بقدَر معيّن وربما يلامس شيئا من اطرافها لأن تحقيق الكمال يمكن ان يكون في عداد المستحيلات فلا فردوس في الأرض مهما عمل الانسان جهده الجهيد عقلا خارقا وسواعد صلبة وضمائر حية 

يقع المشروع الانموذجي المذهل حقا في اجمل البقاع من ولاية فلوريدا على مساحة من الارض تزيد قليلا على  العشرين فدانا، قريبا من بحيرة " اوكي تشوبي " الساحرة، وهو مشروع مستقبلي صممه العجوز " جاك فريسكو " هذا المهندس والعالم والفنان والمصمم المثابر الموسوعي المعارف الذي لايكلّ ولا يملّ رغم اقترابه من المئة عام ويحتوي على عشرة أبنية تمارس فعايات فنية في صناعة افلام حياة المستقبل المزدهر وإظهاره في السينما بشكل يهدف الى خلق انسان راقٍ عقليا وفائق نفسيا ونشاطات ادبية ترافقها تكنولوجيا وتقنيات حديثة صديقة للبيئة وهذه كلها بوادر لرؤى مستقبلية لانشاء مجتمع مستقبلي قائم على تحقيق اعلى وفرة من السعادة للانسان من خلال القضاء على الجهل والفقر والجريمة وكل مخلفات " الديستوبيا " وقذاراتها واعادة ترتيب عقل الانسان الحداثوي ليكون انموذجا لترسيخ مجتمع متعلم جدا خالٍ الى حد كبير  من العنف والجوع والغشّ والخديعة والمكائد والإطاحة بالآخرين ومنعدم من الكوارث الانسانية " تشويه وتلويث البيئة " ومتطهّر تماما من التمايز الطبقي او العرقي او العقائدي ولا وجود للجريمة فيه  فلا اضطهاد ولا محاكم تفتيش ولا سجون او اعتقالات بسبب الاختلاف في الرأي

والجميع في مشروع فينوس))    (( The Venus project الذي تم استحداثه وتنشيطه فعليا عام / 1994 يعملون ما باستطاعتهم على إحياء المتخيل الطوباوي والعمل على تجسيد ما امكن من صفاته وخلق مشروع بناء انسان مستقبلي وفق النمط الذي اراده فريسكو ورهطه وصياغة نظم واساليب جديدة تختلف كليا عن الانماط التي نألفها في مجتمعاتنا الحالية اذ توجد في المركز وسائل تعليمية تعمل على تشكيل فكرة مجتمع انساني فائق تصميميا ونمطيا عن الانسان الحالي بعقله ونفسه لابشكلهِ وهيأته ؛ اي انه سوبرمان بصفاته وخلُقه ونبله واهتماماته العلمية والادبية والفنية ؛ فالمستقبل بالتصميم كما سمّوه (Future by design ) وصوّروه فيلما وثائقيا بنفس الاسم " المستقبل في التصميم " يرينا كيف يتم بناء اجزاء من اليوتوبيا للاقتراب من الكمال على الاقل، ومحال على الانسان مهما بلغ شأوا عاليا واهدافا سامية ان يصل صميم الكمال في تكوينه لكنها محاولات لصنع تركيب مجتمعي افضل بكثير مما نحن فيه

فالرقوق السينمائية والفيديوهات المنتجة هي الاخرى تُرينا كيف سيكون انسان المقبل الصاعد بخطى واثقة نحو الارتقاء المجتمعي وصولا الى محيط حسن ونبيل ومعافى خلْقا وخُلُـقا على الدوام، صديقا للتكنولوجيا منظِّما لموارده ؛ فلا إسراف ولا تقتير وكلٌ وفق حاجته ومايريد دون اية  إثرة او استحواذ كما يفعل المجتمع الرأسمالي الصانع للبطالة والجوع والفقر والجرائم

وكم عانى الانسان من البيئة القاسية والتغيرات الحاصلة في المناخ والاساءات التي لاتعد تجاه البيئة بدعوى التحضّر وهول التقنيات الحديثة التي لاتراعي الانسان والنبات والمخلوقات الاخرى بسبب مفاهيم انطلت علينا تحت مفاهيم التطورات والتقنيات العالية واكتشفنا انها زائفة لانها لم تستطع ان تكوّن تعايشا سليما بين التكنولوجيا وبين الطبيعة وشاغليها من الانسان وبقية الكائنات بل على العكس فقد عملت على تدمير احدهما الاخر مع ان الضرر الاضخم قد وقع على أرضنا بفعل التغيرات السلبية التي كان من نتيجتها ظهور ثقب الاوزون والاحتباس الحراري والتلوث البيئي الهائل واقتلاع الغابات واستثمارها اقتصاديا لاجل الربح على حساب تدمير الاخضرار في الارض، عدا ماحيق بالانسان من تشوّه اخلاقي وغرائب السلوك غير السويّ جرّاء الركض وراء الربح بهوسٍ لامثيل له وانتشار الجريمة واتساع العنف وامتداد الحروب زمكانيا من اجل تشغيل مصانع السلاح وتحريك ماكناتها على حساب قتل الأمل والسلام وتعمية التطلع الانساني نحو مجتمعات متآخية  كما تتآخى ألوان القوس لتطوّق الارض جمالا

واذكر ان مشروع فريسكو له أذرع ساندة تعمل بدأب على ترسيخ اهدافها النبيلة، واهم هذه الاذرع  هي حركة روح العصر " زايتجايست " التي انطلقت منذ العام / 2010 وتسعى الى اعتبار جميع ثروات الارض ومواردها إرثا عاما مشاعا لكل سكان الارض بما في ذلك الغذاء والمسكن وغيرهما وان تكون التكنولوجيا موحّدة لكل سكان المعمورة بما في ذلك المكننة الذاتية او ماتسمى " الأتمتة " لتحرير الانسان من قيود الآلة ومراقبتها وتشغيلها كي يغادر الى شواطئ الابداع والخلق والاعمار وابتكار كل ماهو جديد في مجالات العلم والادب والفن واية نشاطات انسانية مبدعة من اجل تشييد مجتمع فاضل ذي اهداف سامية خلاّقة وهناك أغراض اخرى تسعى اليها حركة روح العصر منها تغيير معايير النظام المصرفي وبالاخص نظام الفوائد العالية النسب مما يثقل عبء الانسان من تراكمات الديون واستنزافه ماليا ليقع في فخّ الاستهلاك المتعاقب يوما بعد يوم مما ارهق البشر ذوي الدخول المحدودة وتعطيل طاقاتهم لكونهم اضحوا عرضة للاستنزاف المالي تحت وطأة الديون المتراكمة

ومن طموحات " زايتجايست " ايضا في مجال نشر الوعي الجمعي والتعريف بمبادراتهم الرفيعة الخلاّقة باعتبارها احد أهم أذرع بناء مشروع فينوس هو انشاء وخلق عالم ميديا مرئي ومسموع ومقروء عالي المستوى (أفلام وصحافة وتلفاز بقنوات عريضة وشاسعة البثّ في كل بقاع العالم) يختلف كثيرا عمّا ألفنا في دنيا الاعلام الواسعة من خلال استخدام القوى الناعمة المؤثرة عوضا عن الحروب واستخدام عوامل الشرور والكراهية والتعنيف والإرغام وسيكون له شأن جاذب آسر في تغيير القناعات السائدة وتدوير العقل الانساني نحو مفاهيم مشروع فينوس باهدافه العالية السامية للارتقاء بالبشرية خطوات غاية في الرقيّ الاخلاقي وحتما سيتمخض ذلك على منهاج عمل ناهض سيعيد بناء الانسان مجددا بناءً مستقيما يبشر بالخير لاجيالنا المقبلة بدلا من هذا الواقع المزري القائم على قرن ثور هائج

ومن طموحات المشروع الطموح المقبل انشاء شبكة انترنيت واسعة ومجانية خالية من الدعايات والابتزازات المالية تقوم بها احدى الشركات المعنية بالاتصالات تسمى " Z.net " لأيصال خدمات الشبكة العنكبوتية لكل منازل العالم ومن اجل التعريف بمهام السيد جاك فريسكو وطاقمه وهذا الانجاز " أنترة العالم " مشاعيا ومجانيا لو ظهر للنور قريبا سيكون ثورة في نشر الوعي الجمعي وسيتيح المجال ايضا لنشاطات مشروع فريسكو ان تترسخ على ارض الواقع بمدة زمنية أقصر فهذا المشروع هو برنامج عمل حقيقي لانشاء حضارة عالمية حديثة تقوم على اساس مصلحة الانسان والاصلاح في البيئة وتقليل مباعث الخطأ وقتل رؤوس الشرور وتقدِّم للمجتمع سلسلة موسعة من الخيارات الاكثر نقاءً وقبولا باتجاه عهود جديدة من السلام والاستكانة والاستدامة للجميع من خلال عرض اقتصاد قائم على الموارد والاستفادة منها وفق الحاجة الفعلية دون الاستحواذ عليها وتدويرها تجاريا من اجل الربح اضافة الى استخدام التقنيات الصديقة للبيئة وتطويعها لخدمة النظام الاجتماعي الجديد وهذه حتما ستقلص وربما تلغي مظاهر السوءات التي ابتليت بها الانسانية مثل الجريمة والفقر والجوع الذي وصلت نسبة الجائعين من سلالة البشر في اخر احصائية هذا العام  الى 13% وكذا التشرّد وما الى ذلك مما تتصف به بذاءات ورزايا وويلات الديستوبيا

هنا يجدر ان اذكر ان كل العمليات التمويلية واللوجستية كي تقف مثل هذه المبادرات والمشاريع القريبة من الاحلام على اقدامها لم تكن ابدا من خزانة اية دولة ولم تسهم حتى الولايات المتحدة في الاغداق عليها ماليا مع ان مشروع فينوس يشغل حيزا مختارا بعناية في أراضي فلوريدا وكل مبادرات الدعم المالي والفني والعلمي رفدت اولا من جيب فريسكو نفسه ومن خيرة المهندسيين والتقنيين والفنانين والاعلاميين وصنّاع السينما والافلام الذين تبرعوا ويتبرعون من اموالهم الخاصة لاستمرارية ومواصلة مشاريعها المستقبلية ليس هذا فحسب بل ان جهودهم واعمالهم تترسخ وتتوالى بمبادرات ذاتية ودون اجر او مرتّب طالما ان الأهداف المتوخاة منها تحسين حياة الانسان ليعيش سعيدا في مجتمع خالٍ او اقلّ شرورا من وضعنا الحالي باستثناء الدعم الذي يأتي من منظمات خيرية وانسانية مستقلة وبعيدة عن الاجندات الدولية النفعية والمغرضة، نابذة للحروب وساعية الى الخيرات واسعاد الناس ويهمها ان تكون حياة البشرية أقل معاناةً مما يحدث الان، حياة خالية من المكر في السياسة والاقتصاد وجنون المال والتي انتجت الفوضى الاقتصادية والفروقات الطبقية الهائلة وأتاحت المجال لتفشي الامراض والاكتظاظ السكاني في المدن التي تعجّ بهدير الآلات ليلا ونهارا وتكنولوجيا مهووسة بالربح والاستحواذ وتخريب النقاء في الارض مما عجّل بظهور الاحتباسات الحرارية وثقوب الاوزون وتلويث المياه والهواء

علينا الاعتراف اننا نعيش في ارض وفيرة جدا بمواردها وعطاءاتها كما ان لدينا تكنولوجيا هائلة ومتطورة تستطيع تغطية كل حاجات البشر غير ان النظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المعمول بها حاليا قد افسدت وعاثت خرابا بهذا الكوكب السخيّ بموارده، فهذه الموارد هي إرث للبشرية ومخلوقاتها الاخرى التي تشاركها العيش من الحيوان والنبات ولها الحق من ان تأخذ نصيبها من الماء والهواء والغذاء النقي على سبيل المثال لو عولج تقنيا بالصورة الحسنة لكن شهوة المال والتكالب على الربح ونظام الديون والفائدة كانت وبالا على الانسان وعبئا ثقيلا عليه حينما شرعت الملكية الخاصة بحيث فتحت الابواب على مصاريعها للاستحواذ غير المشروع على الارض وخيراتها وعلى التقنية وابداعاتها

ولا أغالي لو قلت ان مثل هذه المشاريع الحلم ستكون واقعا ولو بعد لأيٍّ طويل وكم من الاحلام التي تخيلناها مثالية حققت رسوخا على ارض الواقع ومشروع فينوس لايعرض شكلا للمقبل فحسب وكيف سيتشكل انما يقنعنا من خلال بحوثه الرصينة والجادة انه هو البديل ومايمكن ان يكون عليه لاحقا من خلال اعادة تصميم الحياة وترتيب هرجها ومرجها وتشذيب شعثها  فلم يعد مقبولا ان يستمرّ العذاب البشري الى مالانهاية طالما ان الانسان السوبرمان وعيا وثقافة واحساسا بالظلم يستطيع ان يقدّم البديل الافضل والاقرب للرضا فالظلم والعذاب ليس أبديا ولكن لنجعله أمديا مخففا من وطأته على البشرية لاننا نعلم يقينا انه لاينتهي بل من الممكن ان لانجعله يفرض سطوته كل حين وكل مكان ولنجعل مساحة السعادة والفرح والجمال اكثر سعة ورحبا وشمولية، ولا ننسى ان هناك العديد من الانبياء والقديسين لازالوا يعيشون في كوكبنا وقد وصلوا الى مدارج اخلاقية غاية في الرفعة والنبل حينما تترافق وتنسجم مع العلم، انهم يفوقون حتى على الآلهة الخيّرة في عوالم الميثولوجيا التي كنّا نقرأ عنها ؛ فمثل هؤلاء الذين يعيشون بين ظهرانينا في هذه الحياة من امثال " فريسكو ورهطه " هم الاحقّ بالتقديس والاعتبار

العالم المثالي ممكن بشرطين إثنين : الشرط الأول: وجود نخب طليعية مبادرة ذات رؤى تنموية و توحيدية واضحة و محددة .... الشرط الثاني: وجود شعوب مدركة لضرورة النضال من أجل مستقبل أكثر أمنا و عدلا أو على الأقل من أجل مستقبل أقل إجراما و ظلما .... أعتقد، بناء على هذين الشرطين، أن مشروع فينوس قد يكون بداية للتفكير في إنشاء أحزاب عالمية أو إئتلافات حزبية عالمية تساعد على توجيه السياسات الإقتصادية نحو المزيد من الإنصاف . قد يقال أن هذه الفكرة الرومانسية مجرد مشروع طوباوي مقتصر على مجموعة صغيرة جدا من الحالمين بمجتمع مثالي، لكن الإجابة على هذا التيئيس هي إنتشار حركة روح العصر zeitgeist في أغلب دول العالم، كما يبدو من عدد المتابعين لها في مواقع الشبكات الإجتماعية بمختلف اللغات، مثل فيسبوك و تويتر على سبيل المثال . أعتقد أن ما بدأه Jacque Fresco و Roxanne Meadows سنة 1994 و ما صارت تمثله حركة روح العصر بإستقلالية عن مشروع فينوس منذ 2011 بداية لأجيال جديدة من المناضلين السياسيين القادين على تقديم البدائل التنموية الواقعية و العقلانية عوض الإكتفاء بإنتقاد الأنظمة الظالمة و الثقافة السائدة . و هذه القدرة على تقديم البدائل مؤشر على أن بعض النخب المثقفة و القوى الشبابية قد إقتربت من صياغة برامج تنموية عالمية متكاملة و من تأسيس أحزاب و منظمات متنوعة قادرة على تنظيم الجماهير الشعبية ضمن خطط جديرة بالثقة و الإحترام و بتولي المسؤولية في إدارة الشؤون العامة و حكم الدول . يبدو بالفعل أننا بصدد، ليس فقط يوتوبيا المدينة الفاضلة أو المجتمع المثالي، بل بصدد ظاهرة سياسية عالمية حقيقية تبشر ميدانيا و عمليا بمستقبل خال من الحروب و من الفقر و تبرهن على أنها تستطيع أن تساهم في إصلاح الكثير من الأوضاع و المواضيع . –

 

جواد غلوم

 

في المثقف اليوم