قضايا

حسن عبد الهادي اللامي: أسس الادارة تحت أضواء النقد

hasan abdulhadiallamiيعتبر للمناهج الرائجة في الجامعات والإكاديميات دور مؤثر في بناء الشخصية الإدارية والقيادية بما تتضمنه تلك المناهج من نظريات ودراسات توضح ابعاد الشخصية الادارية والقيادية و وتؤسس لِما ينبغي ان تكون عليه من سمات وخصائص تؤهله للعمل الاداري وتجعله مرشحا للمناصب القيادية وتوجيه الجماهير الى غاياتها واهدافها،

والمنهج الذي عليه خريجو هذه الدراسات فيه ايجابيات واقعية في نجاح المؤسسات والمشاريع وهذا مما لا يمكن انكاره

ولكن فيه بعض الجوانب السلبية الصميمية التي تؤثر على سير العمل ونظامه في المنظمات وهذا التأثير اخذ أشكال سلبية كثيرة منها :

غياب البُعد الاخلاقي وهيمنة المصلحية في سلوك اغلب المدراء والقياديين، ومنها : أتباع صيغ تعامل محرمة مع الموظف وتبرريها بعناوين مشروعه، ومنها : تأثر المدير بنموذج لا يؤمن بالقيم والروابط الروحية كأن يكون مثله الاعلى دكتاتور ما او شخصية مصلحية ينتقيها ويحاول ان يعيش أدوارها.

وهذا يرجع الى طبيعة المنهج المُعطى لتنمية الشخصية الادارية والقيادية الذي يُدرس في الجامعات والمعاهد فأنها توضع من غير مراعاة المحورية والاسس التي ترتكز عليها مسائل علم او فن الادارة والقيادة

وهناك عشوائية في وضع المقررات في غالب الجامعات لمن يلاحظ وإن مسائل مصادر تلكم المقررات تلتقي ببعض الخطوط العامة والعناصر المشتركة ويلحظ فيها ايضا غياب المحور الاساسي في مواضيع تلك المصادر والمقررات وهو البعد الروحي والاخلاقي وجعله امرا ثانويا وهامشيا بل ان الانتقاد للمنهج الاخلاقي في الادارة متوجه من البعض باعتباره ضعف في الشخصية ورخاوة في الاداء وان المدير الناجح والحازم هو الغليظ الشديد الذي لا يعبئ بالجوانب الانسانية وهمه هو مصلحة العمل والانتاج ودر الارباح

فالمحورية للمصلحة والموارد ولو على حساب سحق المشاعر والاضرار بالإنسان ...

فنلاحظ المُدير او القائد ينطلق في سلوكه الشخصي مع الموظفين او جماعته بدوافع المصلحة ويتخذ من السلطة منفذ في اتخاذ الحَدّية والصرامة في التعامل فهو يحاول ضبط الموظف بمنطق العسكرة ان لم نقل الديكتاتورية فتبرز العجرفة والعنجهية والفوقية في الاسلوب ويعتبر اي ابداء رأي من الموظف هو تمرد وخروج عن

" القانون "، " التعليمات "، " إرباك سير العمل "

فهو يجعل من هذه العناوين الفاعلة في نظام المؤسسة او المنظمة شمّاعة يعلق عليه كل ما يصدره من إجراء في حق الموظف ليعاقبه او يوبخّه او يشعره بالخوف من الطرد من العمل !

والسلبية الاخرى في المنهج هو محاولة الاطلاع على كل تفاصيل ما يفعله الموظف خشية ان يقصر الموظف او العامل بأداء واجبه فيلجئ الى اساليب مؤثرة نفسيا وتزرع نحو كره بينه وبين موظفيه كأن يبث الجواسيس والمراقبين، وتعيين هؤلاء يحتاج الى ضوابط و ينبغي تحديد الكفوء المؤهل و الصادق الامين لمثل هكذا مهمات لا من هب ّ ودب او ممن لا يراعي الله تعالى في نقله او انه صار عين وجاسوس للمدير نتيجة لادعائه الحرص على العمل وسيره ومن ثم يتحول شيئا فشيئا الى سلطة نافذة في قرارت الادارة (سلطة الحواشي ) او ( قيادة البطانة) التي تؤثر على قررات المدير او القائد في مصير الموظفين او عقوباتهم او ترقياتهم

ويصطلح عليه في العامّية بـ(الحارو گة) كما هوسائد في العرف الاجتماعي ايضا إذ لا ينقل الى سيّده سوى ما يثير غضبه !

ينقل السلبيات وقد يضخمها ويضع عليها شيء من (البهارات المنفرزة لمزاج المدير) ليوغر صدره بتوابلها الحارة ....

ومن الجدير بالذكر: يصبح المناخ ملائم لهؤلاء -الفيروسات والجراثيم- لتصفية حساباتهم مع من يبغضونه او لا يعجبهم من الموظفين لما يتمتعون به من مقبولية وقرب من المدير او الرئيس او القائد في العمل والمجموعة إذا ما تحولوا الى قنوات نشطة في الرشاوي وتمرير الصفقات ...

وفي ظل هذه " الحالة " يكتشف الموظفين ان هناك من ينقل ما يدور بينهم للمدير فينقسمون الى حالات :

فمنهم من يصاب بعدوى الملق فيتزلف للمدير ويتقرب اليه بـ(حر گ) الاخرين، او يصاب بعضهم بالخوف والقلق فيلازم الصمت والانزواء ..، وبعض ٌ ينفعل فيتحول الى ناقد ومتذمر فيشتم وينتقد بمحضر من يعتقد انهم ثقاته ويلازم الصمت بمجيء المشكوك في امره ....

فهذا اللون من القيادات والادريين الفاشلين يحوّلون المنظمات الى بيئة موبوءة بالنفاق والنميمة والتحاسد والتقاطع وشياع الظنون السيئة بين الموظفين ويشعر الموظف بانعدام الثقة حتى بجدار غرفته لئلا تحتوي على {اجهزة تنصت} وما شابه او هناك من ينقل كلامه في رأي يتبناه لا يتوافق مع مذاق مديره وقائده .. وتصبح الاجواء مشحونة بالوجوم وملغومة بانفجار المشاكل والضوابط الفجائية المنطلقة من دوافع وانفعالات نفسية غير مدروسة .. وبصورة مختصرة روابط المحبة والثقة مقطعة بين الادارة والموظف وهناك مبدء يحرك الموظف اسمه الخوف والقلق

وهذا المنهج هو يرتكز على الفهم الخاطئ للبعد السياسي والسلوكي (أسلوب التعامل ) مع الموظف والجماهير في صيغها المتنوعة

صيغة المنهج العام

وصيغة التعامل مع المقصر

وصيغة التعامل مع المنتظم ومع المبدع

ومحور التعامل ينبغي ان يؤسس على "المحورية الاخلاقية" لا محورية سلطة القانون او صلاحيات المدير

والمحورية الاخلاقية ترتكز على البعد العقائدي والبعد القيمي :

فالمدير يجب ان يكون:

1- مؤمن برقابة الله تعالى على سلوكه اولا

2- ومؤمن بانه محاسب يوم القيامة على ما تم توليته عليه وانه سيحاسب في يوم العرض الاكبر {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات: 24]

3- وان يتخذ القيم الاخلاقية والروحية مفاتيح في تقويم سلوك المقصرين بمكافئة المبدعين والمنتظمين وان يعمل بمبدء الحكمة في مسايسة الموظفين وجماهيره ويشعرهم بالأمان والاهتمام جميعهم وان لا يحيف او يداري بعض دون بعض لان ذلك يخلق فجوات من اهمها نمو العفن التملقي وتهيج الفيروس الحارو گي ..

4- ان يتحلى بالمرونة والشدة ويمزج بينهما وان يبتعد عن الصلابة والجفوة الدائمة أو ينعزل انعزال الملوك والامراء وينظر بعين الدون والتحقير للموظف فهذا محرم شرعا وسيجعل الموظف يسيء الظن به ولا يرغب بالعمل في محضره

5- ان يبتعد عن اجواء الغيبة التي يحاول ان يثيرها الحارو گة والمتملق بحجة التشاور في شؤون العمّال والموظفين فهي غيبة والغيبة محرمة شرعا وتثير الاحقاد أكثر واكثر

6- ان يستشعر الانسانية وانه خادم للجميع لا انه قاهر وجبار وان يشعر موظفيه انهم اخوانه،

وليضع في ذهنــــه ان الروابط المزيفة زائلة ومتلاشية الا روابط الايمان وكل خُلة واخوه الى عِداء الا خِلة وأخوّة الايمان فهي رابط سميك وممتد الى ما بعد الموت {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67]

وان هؤلاء الذين هم سماسرة ويدّبون بالنميمة ويثيرون الاحقاد في صدر المدير والقائد على موظفيه ما هم الا "وباء مضر " يجب استئصاله لانه كما نمّ وتملق لك فسيجد من ينمّ ويتملق اليه ممن هو فوق واعلى سلطة

فلا امان له واما بعد الموت فيتبرأ بعضكم من بعض ويلعن بعضكم بعضا

قال الله عزوجل { إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) } [البقرة].

وقد يحاول ان يبرر بعض المدراء سلوكهم في التجسس بانه يحاول ضبط الموظف المقصر فنقول له :

متى ما أصلحت حالك انت مع الله تعالى فان الله تعالى قد تكفل بإصلاح حال رعيتك وهذا ينتج من سمات الهدى والخير وحسن سياستك وادبك مع نفسك ومع الموظفين

عنه (ع): حسن السياسة قوام الرعية

عنه (ع): من ساس نفسه أدرك السياسة

الإمام علي (ع): استعن على العدل بحسن النية في الرعية، وقلة الطمع، وكثرة الورع...

واما " النمذجة " وهو اتخاذ النموج الاكمل والفاضل والقدوة الحسنة في محاكاة وتقليد ذالك الكامل والقدوة فالمقررات الدراسية ممتلئة بنظريات ورؤى اصحاب الفكر الرأسمالي والاشتراكي وغيرها امثال فردريك تايلور و هنري فايول .. فيتامل الدارس خلوها من اعتماد القيم والاخلاق محورا في سلوك المدير بل يركزون على الانتاج وجُل نظرياتهم تفقد الطابع الروحي، بينما ينبغي ان يضاف لتلك المقررات النموذج الاكمل والاتم في القيادة والادارة وهو ادارة الانبياء والاولياء والمصلحين امثال النبي الاكرم والاوصياء من بعده كالإمام علي وكذلك ادارة النبي موسى وسليمان وداود وذو القرنين ممن كان محور ادارتهم يرتكز على الاخلاق والعقيدة في انجاح العمل والمشاريع

فإذن السياسة الناجحة في الادارة هي سياسة الاخلاق والايمان لا سياسة السلطة والتخويف وان ثمة فرق بين الشدة والحزم وبين الإرهاب الذي يمارسه بعض المدراء في منظومتنا الادارية المتهرئة مع الاسف الشديد التي دائما تضع موظفها في دائرة التقصير وغير مغفور له ولا تنظر الى حجم اخطائها وتقصيرها في اداراتها وهو نتيجة طبيعية لما يحمله هؤلاء من فكر غير مرتكز على تعاليم الاسلام المعطاء:

 

حسن عبد الهادي اللامي

 

في المثقف اليوم