قضايا

حسن عبدالهادي اللامي: المُسلم المثقف وتيارات الحداثة

hasan abdulhadiallamiفي عصرنا يتطلع المسلم المثقف الى مواكبة عصره بما فيه من حداثة وتطور ولعل الذي يدعوه الى ذلك مُدّعى ناتج من رد فعل - نفسي- وهو خشية النقد واتهامه بالتخلف والكلاسيكية والمُدّعى الاخر هو حاجته الواقعية الى التعايش مع ما يفرضه الواقع من متغيرات ومحاولة ايجاد صيغ تتناسب مع ثوابت الشريعة التي يستند عليها ايمانه بالله وبما يرتبط بذلك الايمان من اصول وفروع ، وفي تصوراتي ان هناك مساران إزاء هذين الداعيين:

الاول مسار الافراط والانجرار وراء الاتجاهات المتطرفة بضرب ثوابت  الدين على حساب الاصالة – كبعض اتجاهات العلمانية المتطرفة لا جميعها - حتى سمعنا عن بعض من يلبس الزي الديني يُنكر البرزخ وينكر الامام المهدي ويحل بعضهم المحرمات والبعض يستنكف من الانتساب الى عظماء الدين وقادته ويرى ان هذه تشبث بالقديم والتراث والماضي الذي لا وجود له الان سوى انه احاديث تقال وتُسطر في الكتب ...

والثاني مسار التفريط وهؤلاء بلغ اصرارهم على المحافظة على الموروث وحُب الاوراق الصفراء ورائحة غبار الاجداد الى درجة ان اعتبروا ان اي (فكر حداثوي) وان لم يتقاطع مع ثوابت الاسلام هو خروج عن مسار العقيدة الحقة وسقوط في مخطط الغرب الكافر وهؤلاء بلغ بهم الحال الى تكفير وتفسيق اي مفكر نطق بلغة معاصرة ،فعلى سبيل المثال ما كان يعانيه الفقيه الشيخ الطوسي – ره –من ابناء زمانه فيذكر في مقدمة كتابه الفقهي المبسوط {وكنت على قديم الوقت وحديثه منشوق (متشوق) النفس إلى عمل كتاب يشتمل على ذلك تتوق نفسي إليه فيقطعني عن ذلك القواطع و تشغلني الشواغل وتضعف نيتي أيضا " فيه قلة رغبة هذه الطايفة فيه، وترك عنايتهم به لأنهم ألفوا الأخبار وما رووه من صريح الألفاظ حتى أن مسألة لو غير لفظها وعبر عن معناها بغير اللفظ المعتاد لهم لعجبوا منها وقصر فهمهم عنها،} لاحظ كيف يُبين همه ووهن عزيمته في التأليف لما هو حديث ومعاصر بسبب حُب الناس لما اعتادوا عليه وألفوه وتوحشهم من كل جديد و تخوفهم من كل مُفكر مُجدد او فكر يدعو الى التعايش مع الواقع ومعالجة مشاكل الواقع ، وهذين المسارين ألقيا بتأثيرهما على المجتمع والمثقفين بصورة خاصة ، والكتّاب بصورة أخص ، فمقالات ومؤلفات البعض كمن يغرد خارج السرب فكلامه لا يلامس الواقع كأنه في كهوف وجحور الماضي لايزال في الابجديات والاف باء في طروحاته واما معالجة بعض المشاكل الاجتماعية او السياسية – على فرض تطرقه لها – فهي اقرب الى المثالية والبدائل المطروحة لمشاكل الناس غير مرحب بها في الوسط الاجتماعي لأنها لا تتعشق مع روح العصر ومتطلباته في عصر صراع الحضارات وحوار الامم وتداخل الثقافات ، فيُصِر هؤلاء –البعض- على ان يؤطر الفكر الاسلامي بأطر التقديس ليجعله مفصول عن الحياة الواقعية ولا يدخل بقضايا المجتمع و الوانه التي بتنا نألف وجودها في اكفنا ونحن نتصحف الاجهزة الالكترونية ، يحاول هؤلاء ان يتخذوا من عنوان القداسة خط احمر بعدم السماح لأنفسهم او لغيرهم ان يدخل الى الخليط الاجتماعي بمكوناته واطيافه التي تفرضها متغيرات الزمان مبررين الحفاظ على قدسية الفكر الاسلامي بينما الركب بكل طاقمه يسير غير عابئ بتلك الخطوط ومتخذا الفكر البديل - الغير الاسلامي - ومُمتَطياً أطروحات دعاة الحداثة والتجدد بمسارهم المتطرف والمفرط ويتخذ من رؤاهم محور للحياة والواقع في كل مفاصل الدولة والمؤسسات والتكتلات بل يصدح بعض اولئكم المعجبون بذلك الفكر البديل بعدم جدوى الفكر الاسلامي لانه غير مواكب لمتطلبات الفرد والمجتمع وان دعاته منغلقين وهذا ما يُحرك المثقف المسلم - كما اسلفنا- في التترس بمفردات الحداثة في مقالاته تقيةً ودفعا عن خطه الذي يسير فيه كمثقف مسلم يعتز بأصالة فكره ويحافظ على ثوابته ، وما الذنب الا ذنب أولئكم الذين فصلوا المُسلم و الفكر الاسلامي عن التعايش مع الواقع ومتطلبات العصر وحداثته كما يعبرون ويُسقطوا اي ناشط يحاول إيجاد صيغ تنسجم مع الثوابت ومتغيرات الحياة بمبررات واهنة بالية خاوية حتى شنّع عليهم دعاة الحداثة بمسارهم المتطرف.. ونمط الثقافة الفكرية التي تصدر من تلك الجهات بل اغلب مشاريعهم الفكرية ماهي الا " محفوظات " يرددوها في كل عمل ونشاط ونشر ، ومواضيع تُسرد بأسلوب إنشاء مدرسي تتناثر في مَعرِض سطوره إقتباس لنصوص مقدسة ، ويغيب الطرح الواقعي بنقده لمظاهر المجتمع ومعالجة انحرافه علاجا مستساغا يوفر المُعادل الموضوعي ويغير بُنى واساس قناعات المجتمع ويؤسس لبناء الفكر الاسلامي المعتدل والذي يجد القارئ حرارة تلامس مشاعره وتثير عواطفه وتضعه على حد المسؤولية وموقع التغيير وهو يطالع تلك المقالات والمنتوج الفكري فيندفع الى العمل بروح الايمان ومُتذوقا المفاهيم الاسلامية ومراعيا لقيمتها الواقعية وانها نظام للحياة الانسانية في كل تفاصيلها فليس الاسلام منحصر وجوده في المسجد او المناسبات الزمانية او البقاع المقدسة بل هو حياة تسير مع من يؤمن بصدق بفاعليتها واثرها وان المسلم المثقف هو محور حركة المجتمع من خلال رساليته وأخذه مواقع المسؤولية والتأثير لا انه منزوي ويؤطر نفسه بهالة من القداسة والتميّز الفارغ مهتما بالماضي وشكلياته الموروثة.

 

حسن عبدالهادي اللامي

 

في المثقف اليوم