قضايا

زعيم الخير الله: الموقف القرآني من الصور النمطية

الصورة النمطية اومايعرف بالقولبة "Stereotype": "هي الحكم الصادر في شيوع فكرة معينة عن فئة محدودة لوجود فكرة مسبقة، يقوم المنمط بتعميم هذه الصورة على كل الافراد" .

 

الصور النمطية والتعميم

ليس كل تعميم، هو عمل سلبي، فاحيانا قد يكون التعميم عملا ايجابيا، وموقفا معرفيا تقتضيه ضوابط البحث العلمي، يختلف تماما عن التعميم في الصور النمطية، الذي هو عمل عدواني  استفزازي موجه ضد الاخر. فلو اجرى عالم الطبيعة اختبارات على مجموعة من قطع الحديد، واثبت انها تتمدد بالحرارة، الحالات التي اجريت عليها التجربة هي حالات محدودة، ولتكن مئة حالة، ثم ياتي التعميم بعد ذلك، فيقول " كل حديد يتمدد بالحرارة "، الحالات التي اختبرها هذا العالم محدودة ثم عممها الى كل الحديد، هذا التعميم هنا هو موقف معرفي تتطلبه ضوابط البحث العلمي، ولكن التعميم في الصورة النمطية، هو ليس موقفا معرفيا، وانما هو موقف عدواني استفزازي ضد الاخر.

 فالمتطرفون من المسلمين عددهم محدود بالقياس الى الاغلبية الساحقة من المسلمين الذين هم طيبون، وديعون، مسالمون، يحبون العيش مع الاخرين بسلام ومحبة، والتطرف ليس ظاهرة اسلامية محصورة بالمسلمين، بل هو موجود في كل الامم والشعوب، وفي كل الاديان والثقافات، ولكن الصورة النمطية العدوانية تقول: " ان المسلمين متطرفون"، " المسلمون ارهابيون"، " الاسلام دين همجي يحرض اتباعه على العنف"، هذه صورة نمطية، رسخها الاعلام الغربي  في ذهنية المواطن الغربي عن الاسلام والمسلمين.

 

موقف القرآن الكريم من الصور النمطية

الموقف القرآني من الاخر، اتسم بالانصاف والموضوعية والعدل، وقد رفع الاسلام شعار "ليسوا سواء" في التعامل مع الاخر . فحينما يتحدث القرآن عن الاعراب، لايضعهم كلهم في صعيد واحد، ويصدر عليهم حكما واحدا، اذ لا توجد صورة نمطية للاخر في الرؤية القرآنية، فعندما يقول القرآن: " الاعراب اشد كفرا ونفاقا واجدر ان لايعلموا حدود ما انزل الله على رسوله والله عليم حكيم" (التوبة: الاية: 79) . فهو لا يتحدث عن كل الاعراب، وانما عن قسم خاص، وشريحة خاصة من الاعراب، فالقرآن عندما يتحدث عن شريحة معينة من الاعراب، بقوله تعالى: " ومن الاعراب من يتخذ ماينفق مغرما ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء " (التوبة: الاية: 98) .، وبنفس الوقت يقدم لنا صورة اخرى عن شريحة اخرى من الاعراب مغايرة تماما للاولى، فيقول الله تعالى: "ومن الاعراب من يؤمن بالله واليوم الاخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول الا انها قربة لهم سيدخلهم في رحمته ان الله غفور رحيم" . (التوبة: الاية: 99) .

 

الموقف من اهل الكتاب ليس موقفا نمطيا واحدا

القرآن الكريم رفع شعار "ليسوا سواء" في حديثه وتعامله وتعاطيه مع اهل الكتاب، يقول الله تعالى: " ليسوا سواء من اهل الكتاب امة قائمة يتلون ايات الله اناء الليل وهم يسجدون" . (ال عمران: الاية: 113) .وعندما يتحدث عن الامانة والنزاهة والخيانة هو لايعمم الصورة على كل اهل الكتاب، وانما يستخدم حرف الجر من في التعبير، ومن تفيد التبعيض هنا، فيقول الله تعالى: " ومن اهل الكتاب من ان تامنه بقنطار يؤده اليك، ومنهم من ان تامنه بدينار لايؤده اليك الا مادمت عليه قائما ذلك بانهم قالوا: " ليس علينا في الاميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون " . (ال عمران: الاية: 75) .، وقوله تعالى: " ومنهم اميون لايعلمون الكتاب الا اماني وان هم الا يظنون" (البقرة: الاية: 78) .

  في القرآن الكريم، المشركون ليسوا سواء، واهل الكتاب ليسوا سواء، ولاوجود لصور نمطية في التعامل مع الاخر.

 

هل الموقف من المشركين واهل الكتاب موقف يقوم على العنف؟

القرآن الكريم يعتبر الاصل في العلاقات بين الدول والافراد يقوم على السلم، اما الحرب فهي الاستثناء، ومحصورة في رد العدوان، وبالتالي التعامل مع المشركين واهل الكتاب على اساس منطق " ليسوا سواء"، وحصر القتال بالمقاتلين فقط، يقول الله تعالى: " قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولاتعتدوا ان الله لايحب المعتدين "  (البقرة: الاية: 90) . اما الذين لم يقاتلونا ولم يعتدوا علينا، فلا مانع من البر بهم، واقامة علاقات طيبة معهم، يقول الله تعالى: " لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين " (الممتحنة: الاية: 8). والله تعالى يامرنا ايضا بالتعامل الطيب مع الوالدين المشركين حتى وهم يبذلون كل جهدهم لارجاعك الى الشرك، يقول الله تعالى: " وان جاهداك على ان تشرك بي ماليس لك به علم فلاتطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من اناب الي الي مرجعكم فانبئكم بما كنتم تعملون (لقمان: الاية: 15) . بل القرآن يدعونا لاستجارة المشرك ان استجارنا، يقول الله تعالى: " وان احد من المشركين استجارك فاجره حتى يسمع كلام الله ثم ابلغه مامنه" (التوبة: الاية: 6). والقرآن الكريم انصف النصارى ولم ينظر اليهم نظرة نمطية موحدة، يقول الله تعالى: "لتجدن اقربهم مودة الذين قالوا انا نصارى"، لماذا؟ الجواب: انهم ليسوا على شاكلة واحدة، ففيهم القسيسين والرهبان، وفيهم من لايستكبر اذا سمع الحق، يقول الله تعالى: " لتجدن اقربهم مودة للذين امنوا الذين قالوا انا نصارى ذلك بان منهم قسيسين ورهبانا وانهم لايستكبرون" (المائدة: الاية: 82)، وامرنا القرآن الكريم ان نعدل حتى مع خصومنا الاعداء الالداء، لان العدل قيمة لاتتجزا، فكما تقيم العدل مع المقربين والاصدقاء، انت مطالب باقامته مع الاعداء والخصوم، يقول الله تعالى: " ياايها الذين امنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولايجرمنكم شنان قوم على ان لاتعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى، واتقوا الله ان الله خبير بما تعملون" (المائدة: الاية: 8) . وذلك لان العدل قيمة من القيم الكبرى، وهي غير قابلة للتجزئة، فالعدل مطلوب اقامته مع العدو والصديق، عكس الحضارة المعاصرة التي تتجزا فيها القيم الكبرى، فالحرية كقيمة كبرى، يريدونها لشعوبهم ويتبنونها بقوة، ولكن حين يتصل الامر بشعوب وامم اخرى، فتراهم يدعمون اعتى الدكتاتوريات .

 والخلاصة، ان القرآن لاينظر للاخر على اساس الصور النمطية، وانما ينظر للاخر نظرة فيها الانصاف والموضوعية والعدل .

 

زعيم الخير الله

 

 

في المثقف اليوم