قضايا

عامرة البلداوي: يانساء الحضر .. انتن في خطر

amira-albaldawiفي حديث عن المدنية والتمدن ومظاهر التحضر تمتم بعبارات ألم وحسرة وتشي بتجربة قاسية (قتلونا بهذه المصطلحات ..المرأة الحضرية لا طعم لما تطبخ ولا نكهة حتى للفاكهة التي تغسلها الا طعم المطهرات والمعقمات ..اين عبق الريف وطعم ماء النهر الجاري حيث تحافظ الخضرة على لونها وطبيعتها وطعمها .. لم تتلوث الاغذية بل تلوثت حياتنا بهذ الهاجس الذي قتل الطبيعة وما تنتجه من عناصر الغذاء والجمال)، وعندما دافعنا بأنشغالها والتزاماتها ومساهماتها في مسيرة التنمية، أشاح بوجهه واشار بيده وكأنه يقول (لن تدفع فاتورة ذلك سواها) .

تابعت التقارير التي تثبت حجم التلوث الذي ادى الى عودة أنتشار امراض استطاع العراق ان يتخلص منها نهائيا كشلل الاطفال والكوليرا وحبة بغداد وغيرها، ومن الطبيعي ان المرأة المثقفة والمتعلمة تضع ذلك بحسبانها وتستخدم كل الوسائل لحماية اسرتها، ولكن يبدو ان الرجال لايهمهم ذلك وان غسل الخضار بماء النهر الجاري هو اطيب لأنفسهم وأحب اليهم حتى اذا كان نتيجة تناولها الاصابة بكل الامراض .. ان الدعوة التي أطلقت في اواخر القرن الماضي بـ (العودة الى الطبيعة) والتي ترجمت بالتداوي بالاعشاب والزراعة العضوية كان غايتها التخفيف من حجم المواد الكيمياوية التي نتعاطاها ولكن هذا لايعني ان لانهتم بالنظافة لمجرد الحنين الى طعم التراب

في جلسة نساء من محافظات شتى، كنت اتطلع وجوههن المتعبة لفت انتباهي سيدة في الخمسينيات ومعها ابنتها الشابة في نهاية العشرينيات من اهالي البصرة سألت الام سيدة اخرى من النجف (هل ابنتك متزوجة؟) ضحكت السيدة وقالت (ابنتي هذه ابنتها متزوجة !! نحن نزوج بناتنا وهن صغيرات ما ان يبلغن ثلاثة عشر او خمسة عشر عاما نزوجهن ..لا طلبات لنا ..نحن نطلب الرجال والوجوه، لا نطلب المال والجاه)، دهشت وانا اسمع  واراقب المرأة النجفية تجيبها بنبرة احترام وتقدير (أحسنتِ .. ليس للبنت الا بيتها)، والبصراوية مسترسلة (كل بناتي زوجتهن وكل حفيداتي تزوجن، اسرتنا لاتحتفظ بالبنات) !!!

نحن نتابع الاحصائيات الخجولة غير الموثقة او المؤكدة بأن عدد العوانس يتزايد ونبرر ذلك بكثرة الحروب وسوء الوضع الاقتصادي والبطالة، بينما هذه السيدة قامت بتفنيد كل مدعياتنا ومبرراتنا بان بناتها وحفيداتها تزوجن وهن طفلات لم يعيق زواجهن كل المؤشرات التي سقناها لتفسير تلك الظاهرة التي تنتشر كما هو واضح في المناطق الاكثر تحضرا وخاصة في بغداد . ان زواج القاصرات بالرغم من مخالفته قانون الاحوال الشخصية ومعايير الامم المتحدة واتفاقياتها، الا انه من جانب آخر بين وبشكل لايقبل الشك ان النساء الاكثر تحضرا وخاصة في بغداد هن على الاغلب من يعانين من العنوسة، لأنهن يفكرن بالمستقبل ويخططن لحياتهن ..تعليمهن عالي وهدفهن العمل والاستقلالية والتعبير عن الرأي، اي انهن لن يقبلن الزواج قبل اكمال الدراسة والعمل ليعشن حياة كريمة ..ويبدو ان ذلك احد الاسباب التي يجب اخذها بعين الاعتبار في تقييم ارتفاع نسبة العوانس في الحضر

فهل تواجه المرأة الحضرية نتيجة ثقافتها وتعليمها وتطلعها للمشاركة في الشأن العام، واتباعها كل جديد في التعليم والصحة وامورها الشخصية مشاكل في حياتها الاجتماعية، هل عليها مواجهة العنوسة او الطلاق او الاهمال وسوء المعاملة . ومتى سنعالج التناقض الذي بات يتفاقم في مجتمعاتنا بين التحضر والترييف، بين التعليم والتجهيل، بين المشاركة الايجابية و الركون للكسل والتواكل ؟؟!!

 

13/9/2016

 

في المثقف اليوم