قضايا

صالح الطائي: صور الخطر في حديث: زوى لي الأرض

saleh altaeiحديث نبوي، يصور لحظات حياتنا المعاصرة بنظام التصوير فائق الجودة(HD) حيث تأكل أمتنا بعضها، رواه مسلم، وأحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه. وقال الترمذي: حسن صحيح، جاء هذا الحديث عن ثوبان، وثوبان هو خادم النبي (ص)، ذهب إلى الشام، وعاش قرب معاوية بن أبي سفيان، ومات فيها سنة أربع وخمسين للهجرة، قال: قال رسول الله (ص): "إن الله زوى لي الأرض [أي جمعها] فرأيت مشارقها ومغاربها.

وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها.

وإني أعطيت الكنزين، الأحمر والأبيض.

وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكوا بسنة بعامة، ولا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، وإن ربي، عز وجل، قال: يا محمد، إني إذا قضيت قضاء، فإنه لا يرد، وإني أعطيت لأمتك أن لا أهلكهم بسنة بعامة، ولا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها - أو قال: من بأقطارها - حتى يكون بعضهم يسبي بعضا.

وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين.

وإذا وضع في أمتي السيف لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة.

ولا تقوم الساعة حتى يلحق قبائل من أمتي بالمشركين.

وحتى تعبد قبائلُ من أمتي الأوثان.

وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي.

ولا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خالفهم، حتى يأتي أمر الله ، عز وجل".

 

ومن مصاديق هذا الحديث أن أمتنا بالرغم مما تعرضت له على مر التاريخ حيث يخرج محتل ليدخل محتل آخر لم تهلك، وبقيت، وصمدت، ونجت من الأعداء الذين تسلطوا عليها، إلى أن ظهر فيها الأئمة المظلون الذين تخوف منهم النبي(ص) على أمته بقوله: (وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين) فبعد ظهور تلك القيادات المنحرفة، مرة باسم المذهب، وأخرى باسم القومية والأمة العربية، وثالثة باسم الحزب، ورابعة باسم المنطقة، وخامسة باسم البلد، تسلط بعضُ الأمة على بعضِها، وسبى بعضُها بعضَها دون أمل بهدنة أو سلام أو غد خال من سفك دم واستباحة عرض، حيث وضع السيف في الرقاب، ولن يُرفع أبدا! في الأقل هذا ما جاء في الحديث: (وإذا وضع في أمتي السيف لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة).

المشكلة أن جميع الفرق الإسلامية الراديكالية المتطرفة التي تمارس اليوم ثقافة الدم في مجتمعاتنا، تدعي أنها الفرقة الظاهرة على الحق طبقا لما جاء في الحديث: (ولا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خالفهم، حتى يأتي أمر الله ، عز وجل) مع علمها بأنها تنفذ الجزء الأهم والأخطر من مشروع الخراب الكبير، ومع علمها أن سفكها للدم البريء بهذا الشكل الهمجي المقزز سوف يحدث فعلا عكسيا بثلاثة اتجاهات:

الأول: اللحاق بالمشركين (ولا تقوم الساعة حتى يلحق قبائل من أمتي بالمشركين) وهو ما حدث ويحدث الآن حيث الهجرة المستمرة إلى الغرب هربا من جرائم الإسلامويين.

والثاني: النكوص والردة (وحتى تعبد قبائلُ من أمتي الأوثان) حيث تجرأ الكثير من المسلمين للإعلان عن تركهم الدين والتحول إلى أكثر درجات العلمانية تطرفا. وأقصد بها العلمانية المشركة أو الملحدة ، هذا باعتبار أن بعض العلمانيين غير ملحدين، وهو فعل جاء وفق النظرية الفيزيائية "لكل فعل رد فعل مخالف له بالاتجاه ومساو بالمقدار".

والثالث: الإسهام الفعلي، بل قيادة حركة تمزيق الأمة، وتحويل رايتها الواحدة إلى رايات تتصارع فيما بينها من أجل مصلحتها وذاتها (وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي) حيث يهرول جهلة الأمة وسذجها خلف الأنبياء المزيفين.

إن المسير في هذه الاتجاهات هو المسمار الأخير الذي سيدق في نعش الأمة بعد أن ماتت، والدليل على موتها أن السعودية تذبح الشعب اليمني دون أن يعترض أحد، وحكومة البحرين تذبح الشعب البحريني العربي دون أن يعترض أحد، والدماء تجري في العراق بمعونة ودعم العرب، والخراب والقتل يستشري في سوريا على يد العرب، والمأساة تزحف إلى مدن ليبيا على يد العرب، وما ينتظر العرب من ويلات على يد العرب لا يعلمه إلا الله.

وأنا هنا لا أحب أن ارسم صورة سوداوية لمستقبل الأمة العربية المبتلاة برجالها، ولكن هذا ما فهمته من الحديث، فإذا آمنا بصحة الحديث واستحالة كذب رسول الله(ص) فما جاء فيه لابد وأن يقع ويحدث. وإذا ضعفنا الحديث أو شككنا فيه فإن ما يحدث يكاد يعضده ويبطل التشكيك والتضعيف. علما أن هناك أحاديث أخرى وردت فيها الإشارات نفسها، والتخويف نفسه، منها حديث في البخاري: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، حدثنا أبو الزناد، عن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أن رسول الله (ص)، قال: "لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة دَعْوَاهمَا واحدة، وحتى يُبْعَث دجالون كذابون قريب من ثلاثين؛ كلٌّ يَزْعم أنه رسول الله، وحتى يُقْبَض العلمُ، وتَكْثرَ الزلازلُ، ويَتَقَارَبَ الزمانُ، وتَظْهَرَ الفتنُ، ويكْثرُ الْهَرْجُ وهو الْقَتْلُ، وحتى يَكثر فيكم المالُ حتى يهِمَّ رب المال من يَقْبَل صَدَقَتَه، وحتى يَعْرضَه، فيقول الذي يَعْرضه عليه لا أَرَب لي به، وحتى يَتَطَاوَلَ الناسُ في البنيانِ، وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانَه، وحتى تطلعُ الشمسُ مِن مَغْرِبها، فإِذَا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون، ولكن حينَ لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أَو كسبت في إيمانها خيراً، ولتَقومن الساعة وقد نَشَر الرجلانِ ثَوبهمَا بينهما فَلاَ يَتَبَايَعَانِه ولا يَطْويَانِه، ولتقَومنَّ الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لِقْحَتِه فلا يَطْعمهُ، ولتقومَن الساعة وهو يليطُ حَوْضَه".

مع ما عشناه وما ننتظره، لا حيلة لا، وليس بأيدينا سوى القول: اللهم نحن عبادك فتلطف بنا، ولا تأخذنا بما فعل السفهاء منا، اللهم آمين!.

 

في المثقف اليوم