قضايا

قاسم حسين صالح: الارهابيون من خلفيات مختلفة الى جماعة موحّدة.. تحليل سيكوبولتك (1)

qassim salihyانشغل الفكر العالمي المعني بالارهاب بتحليل أخطر ظاهرة يشهدها القرن الحالي في تقديم اجابة علمية لهذه الأشكالية:

 يأتي الأرهابيون الى العراق وسوريا وليبيا من خلفيات مختلفة:دينيا، اجتماعيا، ، تربويا، ايدولوجيا، دوليا، عمريا...، وتنجح المنظمات الجهادية في تجنيدهم ودمجهم في مجموعة  واحدة متجانسة: اجتماعيا، وايدولوجيا، ودينيا..فكيف يحصل هذا؟.

 ولتقديم مساهمة عراقية علمية فقد تبنى الباحث مشروعا يستهدف استطلاع رأي النخب التخصصية والاكاديمية والمعنيين بظاهرة الارهاب من المفكرين والمثقفين، لتشكّل وثيقة عربية وعالمية لجهود العقل العراقي في تحليل اشكالية اخطر ظاهرة تهدد العراق والعرب والعالم.

 تتحدد هذه الحلقة باستطلاع رأي الأطباء النفسانيين في داخل العراق والعاملين منهم في المؤسسات الطبية البريطانية، بوصفهم الأكثر معرفة بالدوافع السيكولوجية للنفس البشرية، وبينهم من شارك وقدّم ابحاثا في مؤتمرات دولية عن الارهاب.

  وننوه مقدما الى ان القاريء الكريم قد يجد في بعض الآراء ما يعتقد انه يخدش مشاعره او يسيء الى معتقداته، مع انها تمثل رأيا يعتقد صاحبه انه مصيب فيه، سيما وانه صادر من حملة دكتوراه في الطب النفسي، ولا يعني اننا مع هذا الرأي او ضد ذاك..فلهذه المهمة ستكون الحلقة الختامية.

  كانت دعوتنا لزملائنا الأطباء النفسانيين قد حظيت بالاهتمام:"ان السؤال الذي طرحه الأستاذ قاسم مهم جدا لأنه يمس مستقبلنا، سواء كنّا داخل الأوطان الإسلامية أو خارجها،  فالعالم لن يبقى متفرّجاًعلينا ونحن نمارس الإرهاب لفترةٍ طويلة ومن يظن ذلك فهو واهم "، وأنه "سؤال يستحق الدراسة المستفيضة والتأمل".ونبّه آخرون الى "اننا نريد أن نناقش موضوعاً مهمّاً جدا، لذلك يجب أن يكون رأينا علميّاً وأن نضع التابوهات والمقدسات جانباً، ولنغادر قضية التحسس و جرح المشاعر وكأن المتدين على رأسه ريشة كما يقال" .

 اتفق الزملاء الأطباء من حيث ان اسباب الارهاب متعددة: سياسية، اقتصادية، نفسية، اجتماعية، دينية.. فيما شخّص عدد منهم السبب الرئيس بأنه " معرفي او ابستمولوجي، وان الاسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية..هي نتاج للمشكلة المعرفية"

  وكان بينهم من اثار قضية غاية في الحساسية..بعدّهم الحج سببا في انتعاش الارهاب. اذ انهم أسفوا "ان تجربة الحج ناجحة فقط  من وجهة نظر القائمين في حين هي السبب في أنتاج الدمار والموت والخراب التام، وهي التي لعبت دورها في صهر هذه الآلاف المؤلفة من المسلمين في بوتقة داعش وفي جعلهم على استعداد لبذل حياتهم خدمة لأهدافها". وكان الردّ حاضرا من آخرين بأن المسيحيين والديانات الأخرى يمارسون زيارات الفاتيكان والمعابد ولا تشكل هذه الطقوس سببا في الارهاب، وأنه ينبغي عدم تجريح مشاعر مليار مسلم يخدشها عدد يسير ممن يدّعون انهم منهم ويسيئون اليهم"، ليردّوا ثانية" بان الشرع الاسلامي قد حدد اركانا مهمة مكملة لهذه الطقوس الواجبة التطبيق على المسلم،  منها ركن الجهاد في سبيله، وهنا تكمن المشكلة وموضوع نقاشنا، "فالجهاد في معناه العميق هو قتل كل من يقف ضد فكر انتشار الدين الاسلامي او الدفاع عنه".

 ويرى فريق ثالث بانه ليس كل من ذهب الى الحج هو مشروع ارهابي وبينهم أهلنا والمخلصون لدينهم، انما يمكن تشبيه القوة التي تدفع بالارهابي ومن جنسيات وديانات وخلفيات مختلفة، لترك اهلهم وذويهم والانظمام الى داعش بأنه اشبه بمن يذهب لممارسة طقوس متعبة كطقوس الحج، فالأثنان يقف خلفهما هدف مقدس بغية ارضاء الله والفوز بفردوسه، و لتحقيق ركن مقدس من اركان الاسلام والجهاد في سبيله،  فالسبب الايديولوجي المقدس هو الاساس، فيما الأخرى ثانوية والا لكانت الدول الفقيرة مثال الهند وسيرلانكا ودول افريقيا اخرى  غير مسلمة اولى بالانظمام من ابناء دول الخليج المترفين".

  وكانت (الفكرة الجهادية) موضوع جدل، اذ أوضح بعضهم انها مدركات وتفسيرات مختلفة. فبرغم انها تأمر المؤمن بممارسة العنف ضد الاخر في الدفاع عن الدين الحق، فان الأمر لا يحتاج الى الانظمام لتنظيم ارهابي، بل يكفي فقط قراءة كتب تراثية او حديثة او الاستماع الى خطب حية او مسجلة تحث على تأدية واجب الجهاد.واستشهد احدهم بسائق تكسي مسلم من برادفورد – بيرطانيا،   سافر الى كلاسكو لسبب وحيد هو الاعتداء على رجل من الطائفة الأحمدية قيل انه ادّعى النبوة، لانه اعتبر ان من واجبه الدفاع عن الاسلام وذلك بإسكات وانهاء الرجل الاحمدي الذي لم تكن له اي معرفة شخصية به إطلاقاً.وان الفحص الطبي النفسي له توصل الى ان القاتل لم يكن يعاني من اي مرض عقلي، ولا يوجد دليل على انتمائه الى اي تنظيم متطرف".وتساءل مضيفا: كيف نفسّر ان أشخاصا عاديين مسلمين قاموا بالاعتداء على مكاتب لصحف في أوربا قامت بنشر الكاريكاتيرات المعروفة وأدت الى خسائر هائلة؟، فيجيب آخرون بأن:هنالك مجموعة اقترفت جريمة ارهابية مماثلة قتلت سائق تكسي باكستاني الاصل في لنكولن - بريطانيا لسبب مماثل وهم متطرفون مسيحيون.ويوضحون بأن الاٍرهاب لا يتوسل بدين او مذهب او حج الى مقدسات او غيرها إنما بالفعل النهائي ودوافعه ومغرياته المادية والمعنوية التي يعتقد بها الشخص او المجموعات التي تعممها وتستغل بعض الجوانب لتجنيد الانصار لها.

 ويرى عدد من الأطباء النفسيين ان مصطلح (الجهاد) صار يستعمل فقط بمفهومه السلبي ولا تذكر جوانبه الإيجابية، " فالجهاد ليس القتل وليس الاٍرهاب ومنه جهاد الذات الفطرية في ضبطه والسلوك المتحضر الذي تدعو له معظم الأديان والأفكار الإنسانيه والسماوية.والجهاد ان تردّ الظالم بما  يتناسب وفعله وان عفوت فان ذلك قمة الجهاد، وهذا مذكور في الكتب السماوية والقرآن الكريم ".

ويتوقع عدد من أطبائنا النفسيين ان التنظيمات الارهابية هي الان  في مرحلة التقهقر لانها أدت أدوارها المرسومة من المستفيدين الذين يقودونها كظاهرة وقتية، فيما يرى آخرون "أن خطر الإرهاب بات يهدد وجود المسلمين بشكل جدي وللأسف لازالوا يلقون باللوم على غيرهم أو يلوم بعضهم بعضاً مع  أنهم جميعاً شركاء فيه".

 وعلى حادثة قتل (الأحمدي) يرى آخرون وجود فرق جوهري بين جرائم الكراهية العرقية والإثنية كالتي حدثت في لينكولن او في أماكن اخرى من اوربا والجريمة التي لها أساس ديني كالتي ارتكبها سائق التاكسي، من حيث أن جرائم الكراهية العرقية والإثنية غالباً ما تكون ضحاياها ضحايا صدفة ويتم اختيارهم لمجرد كونهم من الجماعة المكروهة، وان المجرم لا ينفذ تعليمات صادرة عن جهة دينية،  ولم يثبت ان اي كنيسة او رجل دين مسيحي قد حرّض او أيّد او استحسن مثل هذه الجرائم وهي لذلك جرائم فردية.ويلفتون النظر الى حقيقة ان جريمة قتل "الاحمدي" من كلاسكو لم تكن جريمة صدفة بل تم استهدافه شخصياً لكون القاتل يؤمن بأن النبي محمد هو خاتم الأنبياء ولذا من واجبه ان يوقف مدّعي النبوة الاحمدي عند حده..ولك ان تسأل:  ما هو حكم مدّعي النبوة لدى رجال الدين..هل سيؤيدون ما فعله القاتل؟.

ويتفق فريق منهم على أن" الطقوس هي وسيلة لإخضاع التابعين وجعلهم منقادين لفكر رجال الدين الذين يرون أن فلسفة العبادة هي الطاعة،  "ما يعني ان  ممارسة الفرد للطقوس هي الخطوة الثانية بعد الإيمان بالفكرة ليصبح  منقاداً و مطيعاً". ويخلصون الى ان  التجنيد يبدأ بالإيمان بالفكر ثم ممارسة الطقوس العبادية (الطاعة)،  ثم الإختيار ممن هم الأكثر إنقياداً، ثم التركيز على الجهاد كفريضة غائبة لابد من إحيائها لكي تنهض الأمة الإسلامية.وهم يستخدمون لغرض الإقناع استراتيجية مشابهة لـ( motivational interviewing ) من خلال تعظيم الفرق بين حالين : الأول هو ما وصل له المسلمون من ذُلّ و هوان في الوقت الراهن، والثاني ما كانوا عليه من عزّة و غلبة في صدر الإسلام، ثم عزو ذلك الى ترك الجهاد.

  اللافت، ان الأطباء النفسيين اتفقوا، او تجاهلوا، او نفوا ضمنا ان يكون الأرهابي مصابا بـ(مرض نفسي) او خلل عقلي، وخلصوا الى ان السبب الرئيس هو الفكر..ويقصدون به المعتقدات التي شخصوها بفكرة (الجهاد) سواء بوصفها الفرض الأول على المسلم، او ما يغري من متع  مادية ومعنوية وامتيازات  سيحصل عليها في الجنة من يستشهد في سبيل الله. واختلفوا بشأن الطقوس الدينية ما اذا كانت هي الوسيلة لتنفيذ فكرة الجهاد التي تلزم بالطاعة، او لا علاقة لها بصناعة الارهابي..مسلما كان ام من ديانات اخرى.ولم يتطرقوا الى الأسباب التي دفعت اجانب من ديانات اخرى جاءوا من اميركا ودول اوروبا ليلتحقوا بالتنظيمات الأرهابية، التي قد يشخصّها آخرون انها تتعلق بالحصول على المال والجنس وحب المغامرة، او التعبير عن الشعور بالغبن والاغتراب. 

 في الحلقة الثانية سنعرض وجهات نظر عدد من المفكرين والمثقفين.

 

أ.د.قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

 

في المثقف اليوم