قضايا

حسن عبد الهادي اللامي: كيف نقرأ أحداث عاشوراء؟

hasan abdulhadiallamiإن واقعة عاشوراء كحدث تاريخي لم يرد الينا نص ثابت ومُحكم في صياغته حول تفاصيل الواقعة ولذا كان القارئ المثقف والباحث المنصف يحاول مطالعة اكثر من مصدر لكي تكتمل لديه صورة الحادثة بشكل شامل وتام بحيث يستطيع ان يهتدي الى واقعية الاحداث بعيدا عن انطباعية المؤرخين او هيمنة اسقاطاتهم النفسية في صياغاتهم للنصوص، اوما تُحرفه الاقلام المأجورة في صناعة التاريخ ..

ولكي تتحول القراءة الى صورة اعتقادية سليمة كان لِزاماً على القارئ الواعي ان يتخذ التحليل محورا لاستيعاب الحوادث التاريخية  الواردة بنصوصها التي ينبغي عدم الركون بثقةٍ الى واقعيتها، وان يبحث المُطالع بحيادية، محاولاً تصّيد اطراف خيوط اي واقعة عبر ادوات العقل والمنطق لإعطاء تفسير عن الاحداث بصورة تقترب من الحقيقة ان لم تكن هي كذلك …

وإن عدم إخضاع النصوص للتحليل والنقد سيوقع القارئ في تغذية عقائدية متناقضة أو تختلط عليه الاسطورة من الواقعيات التاريخية ...

فمن كتب تلك النصوص لم يكن معصوما او راعى ضوابط النقل التاريخي بحيادية ومهنية دقيقة بل ان الذوقية والوجدانية لا تفارق قلم اغلب الموروثات التاريخية وسيطرة الاضفاء (الاسقاطات النفسية) على النص التاريخي لمؤرخيها ومهما كانت هويتهم المعرفية والعلمية ..

إن محاولة التفكيك بين الموروث النصي للحوادث التاريخية واصل الحادثة يحتم علينا ان ندخل في دراسات كثيرة ومعمقة بُغية التوصل الى الحقيقة التاريخية التي تسهم في بناء المعتقدات واِبْطال كثير من الخرافات والاساطير التي هي وليدة القراءة السذاجة القائمة على اخذ كل ما ورد في بطون التاريخ اخذ المسلمات

فيجب ان يطول بال القارئ والباحث ويتسع صدره في مطالعة الكتب التاريخية وان لا يتسرع في تلقفها دون دراسة تحليلة خاضعة للفلترة والمنطق..

ومنها حوادث يوم عاشوراء  التي ينبغي ان نحذر فيها من سيطرة الانطباعية والوجدانية على  القراءة الموضوعية والتي  تهدف الى الواقعية لكي يصل الباحث و المطالع الى الصورة التي لا تُخرِج ابطالها وشخوصها عن بشريتهم وعن ماهم عليه من اعتقاد واهداف… .

ولقد وَهِم من نظر لحادثة عاشوراء على ان كل ما وردنا فيها مادة ادبية لتراجيديا فقط أو يحاول ان يقرأها بمعزل عن مبادئها التي نهض لأجلها سيد شباب اهل الجنة الامام الحسين عليه السلام فيضعها في نمط الفانتازيا (أدب الخيال) او الميلودراما (المبالغة في تصوير الادوار )  فهذا من الوهم الذوقي لخيالات الادباء او الشعراء وهو ظلم ٌ عظيم لنهضة القيم والمُثل العليا …

إن القراءة التحليلية (استخدام العقل وادواته الفكرية) هي السبيل لمطالعة حوادث كربلاء وان هيجان العاطفة كخط موازي لتلك القراءة هو امر لا يحتاج الى التصوير الفني  التراجيدي المبالغ فيه !  ما دمت الواقعة لم تخرج عن الاطر الانسانية التي يتحسسها الوجدان الانساني وتلامس مشاعره وتثار عواطفه امام مأساة عاشوراء الاليمة... 

والحزنُ قيّمةٌ فاعلة في نفس الفرد الواعي لأهداف النهضة، ومؤصل للاعتقاد والقيم، فالمشاعر الحيّة هي نتاج الوعي والايمان وهما نتاج الصورة الاعتقادية المتولدة من قراءتنا للأحداث التاريخية المستندة الى الواقع لا الاسطورة كما اسلفنا، وان الدمعة ترجمان تلك المشاعر !، والذي يفقدها في قراءته لحوادث عاشوراء فقد حُرم تأصيل الاعتقادات والقيم ..

 

حسن عبد الهادي اللامي - كربلاء المقدسة

 

في المثقف اليوم