قضايا

بتول فاروق: تحديات الفكر الاسلامي المعاصر واثره على المراة

لعل ابرز التحديات التي يواجهها الفكر الإسلامي المعاصر هو تحدي علاقة المسلم مع الآخر غير المسلم، وقبول التعددية الطائفية داخل الدين الإسلامي . وما استتبع هذا التحدي الإشكالي من تداعيات خطيرة على الواقع العالمي لما أنتجه التطرف الإسلامي من إرهاب طال اغلب مناطق العالم . وما أحدثه التكفير الطائفي أيضا من إرهاب داخل البلدان الإسلامية، كما ان من جملة التحديات التي تواجه الفكر الإسلامي،  توجهه تجاه المرأة المسلمة خاصة، ورؤيته الخاصة لها في عصر أصبحت القوانين الدولية هي العرف السائد بين الدول الحديثة .فاغلب الدول التزمت بمعايير الأمم المتحدة تجاه حقوق الانسان .مما ولد نوعا من الضغط على الدول الاسلامية لمراعاة الشرعة الدولية والشريعة الاسلامية، أو التوفيق بينهما .؟

لعل التحدي الكبير الذي يواجه مفكري الإسلام المعاصرين المتنورين، أنهم لم يعودوا يستطيعون  مواجهة هذه الموجة الشرسة القادمة من النهج السلفي الذي يكفر كل الناس، بمن فيهم المسلمين بما تملكه من آلة اعلامية كبرى، وتزييفهم للحقائق بشكل مخز، نظرتهم للمرأة يحصر دورها في الحياة،على الحياة الجنسية .  وراحوا يصورون ان هدف الحياة والدين وخلق البشرية بعظمتها، من اجل ان يفوز الرجال المؤمنون السلفيون بحوريات في الجنة، يقتصر دورهن على امتاع الرجل بطريقة لا مشاعر فيها . مما أدى الى تشويه صورة الاسلام والى تحريف فهم تفسير القرءان والى تحريف السنة النبوية،  وتراث الصحابة الأجلاء ،كما انهم في الحياة الدنيا أفتوا بجهاد من نوع جديد للمراة قائم على النكاح من المجاهد السلفي، الذي يسبي النساء ويأمرهن بان يكن  عبدات جنسيا له .

هذا يحدث الان في القرن الحادي والعشرين، وعلى مرأى من العالم .

هذا التحدي الجديد أضاف صبغة اخرى على تحديات أخرى، تواجه الإسلام في كيفية التعامل مع الاخر المختلف دينيا،والتعامل مع اخر منتجات الحداثة الفكرية والمادية، وكذلك وضع المرأة في المجتمعات المسلمة وانعدام حقوقها بسبب غلبة النزعة العشائرية الذكورية، وحرمان المرأة من حقوقها في التعليم والحياة الكريمة . كما ان هناك تحديات كبرى في ضياع الهوية المسلمة ضمن نطاق عال من العولمة، واكتساح وسائل الاتصالات لشبابنا وتغيير نمط تفكيرهم، وضياعهم وسط عالم متسارع من الأخبار والمعلومات، التي تحمل قيما مغايرة لما يحمله المجتمع المسلم من ضوابط ومعايير اخلاقية .

لمواجهة هذه التحديات لابد من العودة الى جذور المسألة، وهي اعادة النظر في نظرتنا الى الدين وما نريد منه . هل الدين هو ينمي النزعة الروحية في الانسان بالدرجة الاولى ام انه يهذب السلوك اولا، بمعنى ان الالتزام بتعاليم الدين هل لغرض المعراج الروحي للكمال والاتصال بالله من اجل طمأنة الانسان امام اهوال الكون الغامضة ام ان اننا نريد من الانسان ان يكون سلوكه المجتمعي متناسقا مع احكام الدين ؟ . ان الاجابة على اسئلة تطرح حاليا في حقول معرفية جديدة، وايضاح رؤيتنا وفلسفتنا للدين، وطرحها بشكل مناسب، يساهم في عقد حورات بناءة مع الاخر المختلف ومع ابن الدين الواحد نفسه، من اجل رسم رؤية متقاربة للحياة المؤطرة باطار الدين . كما لابد من رسم حدود تدخلات الدين والشريعة في حياة الناس وايضاح المفاهيم والاسس النظرية التي ينبني عليها التشريع الديني في الاسلام وما هي خصوصية هذه المقولة، واختلافها عن الأديان الأخرى .

ان التحديات الكبرى والعقبات المعاصرة تحتاج منا الى إجابات تفصيلية، وتدخل مباشر من قبل علماء الاسلام وتوضيح الملتبسات، وإلا صرنا في تهديد وجودي يستهدف اقتلاعنا من الوجود، وقتلنا بأبشع أنواع القتل . وبدم بارد، بل ان بعضهم يتصور ان قتل الناس وتكفيرهم هو عمل عبادي يتم  التقرب به الى الله تعالى . اننا نعيش في مرحلة تاريخية مصيرية نحتاج الى ان نكون بمستوى التحدي، فكريا اولا ووجوديا ثانيا . ان استهداف الشباب والنساء وجعلهم يشعرون بالضياع نتيجة فتاوى لا انسانية يدلي بها البعض، وحرفهم عن دينهم وتشويش افكارهم . هي قضية لابد من تناولها عبر حوارات وندوات وكتابات متعددة، يلاحظ فيها كل انواع العلوم الاجتماعية والانثروبولوجية، من اجل ان نسير بخطى رصينة بعيدة عن الشعاراتية والغوغائية احيانا .

هذا هو دور المؤسسات الثقافية والدينية والعلمية وكل الصروح الاكاديمية التي يفترض لديها خطة عمل واضحة من اجل كشف المخبوء والمغطى مما يجري علينا من احداث قد لا نعرف ابعادها الخطيرة علينا كمجتمعات مازالت توصف بالنامية .

 

د. بتول فاروق النجف

 

في المثقف اليوم