قضايا

قاسم حسين صالح: ترامب.. قراءة في سماته الشخصية ومخاطرها على امريكا والعالم

qassim salihyظاهرة فوز ترامب هزّت العالم وصدمته..بل ان بعضهم وصفها بالزلزال، والسبب الرئيس يعود الى الانطباع الذي احدثته شخصية ترامب حدّ وصفه بالمجنون، وتوقعهم لخطر قد يوازي خطر النازية بصفته سيكون رئيس أقوى دولة في العالم.

 ولأن الأمر يتعلق بسمات او خصائص او صفات شخصية ترامب، فان الموضوع يخص علم نفس الشخصية الذي يستقطب خيرة علماء النفس. وبعيدا عن اشكاليات وتعدد وجهات النظر والمفاهيم الأكاديمية التي لا تعني القاريء هنا، ولكي نصل الى مبتغانا بتقديم مؤشرات علمية عن شخصية ترامب، فان الشخصية تتألف من اربعة مكونات، هي:

1.الفكر، ويقصد به نوعية الأفكار التي يحملها الفرد ما اذا كانت عقلانية ام غير عقلانية، واقعية ام خيالية، واضحة ام غامضة، تفاؤلية أم تشاؤمية.

2.الانفعال.ويقصد به نوعية الانفعالات والأحاسيس والمشاعر لدى الفرد ما اذا كانت ايجابية ام سلبية، منفلته ام منظبطة، وقدرته على التحكّم بها.

3.السلوك. ويعني التصرفات او الأفعال التي يبديها الفرد في المواقف المختلفة ويلاحظها الآخرون.

 في ضوء هذا التعريف الموجز للشخصية، نلتقط أهم وأخطر سمتين في شخصية ترامب، هما تضخم الأنا والتعصب..وما يترتب عليهما من مخاطر بوصفه رئيس الدولة التي يمكنها ان تشعل حربا وتطيح بأنظمة وتهلك شعوبا.

 

اولا: تضخّم الأنا.

 يعني (الأنا)..الفكرة او الصورة التي يحملها الفرد عن نفسه، وتكون على ثلاثة انماط:موضوعية، تكون فيها احكام الفرد عن نفسه وقدراته مطابقة لما يمتلكه فعلا..وهذا ما يتصف به الأفراد الذين يتمتعون بالصحة النفسية.وتبخيسية، يتم فيها الحط من قيمة الفرد وقدراته ويصل فيها الحال الى ان يصف نفسه بأنه (تافه) في الأكتئاب الحاد.وتضخيمية، يحصل فيها ان الفرد ينظر الى نفسه بانه يمتلك قدرات استثنائية، ويعتبر نفسه بأنه (فلتة زمانه) ان وصل مرحلة النرجسية المرضية.

 والغريب في شخصية " الأنا المتضخم " إنها تجمع صفات في " توليفة " من ثلاث شخصيات مختلفة هي : النرجسية والتسلطية والاحتوائية . فهي تأخذ من الشخصية النرجسية حاجتها القسرية إلى الإعجاب..أي إنها تريد من الآخرين أن يعجبوا بها بالصورة التي هي تريدها، وأن لا يتوقفوا عن المديح والإطراء، فحالها في الإعجاب كحال جهنم، يسألونها : هل امتلئت ؟ تقول : هل من مزيد !. وتأخذ أيضا منها شعار النرجسي : " أنا مميز "، وخاصيتها الأساسية المتمثلة في الإحساس بتفخيم أهمية الذات، والتظاهر بامتلاك قدرات فريدة، وان على الآخرين أن يتعاملوا معه على أساس أنه مميز. وتأخذ من الشخصية التسلطية، انفعالاتها الغاضبة واندفاعيتها، وتصنيفها الناس بثنائيات، في مقدمتها ثنائية الأصدقاء مقابل الأعداء، أي من كان معي فهو صديقي وما عداه فهو عدّوي. وتأخذ من الشخصية الاحتوائية السعي إلى السيطرة على الآخرين واحتواء وجودهم المعنوي وأفكارهم، سواء بالإبهار أو بأساليب درامية أو التوائية.

 وواضح لدينا نحن المهتمين بدراسة الشخصية ان ترامب لديه تضخم أنا عال، ولكنه ليس من النوع المرضي او الذي يدّعيه الفرد بل ناجم عن انجازات استثنائية في ميدان المال والشركات والعقارات وناطحات السحاب..اوصلته الى ان يكون مليارديرا مميزا واستثنائيا فعلا.وبالتعبير العراقي فان الرجل حقق ما عجز عنه آخرون (بزوده) وليس ادعاءا او هبة من آخرين.فضلا عن ذلك فأنه يمتلك جسما رياضيا بمواصفات (البطل) الأمريكي في السينما الأمريكية، ويتصرف بطريقة البطل الخارق الهوليودي!

 والخطر في المصاب بتضخم الأنا يتعلق بـ(المعتقد) الذي يعني الفكرة التي يكّونها بخصوص شيء او موضوع ما اذا كانت عقلانية ام غير عقلانية، واقعية ام وهما.ولأنه يتصف بالعناد فانه يرى في معتقداته غير العقلانية وافكاره غير الواقعية بأنها حقائق مطلقة.ومن هنا كان خوف العالم..ان يتخذ ترامب قرارات غير عقلانية ويجبر الآخرين على تنفيذها.ومثل هذه الأوهام لها سوابق..فقد اعتقد صدام حسين بامكانية توحيد الدول العربية في دولة واحدة يكون هو رئيسها، واعتقد هتلر بأنه يمكن السيطرة على العالم، ومن هنا خشي الناس ان العالم سيدفع اضعاف ما دفعه في حرب الخليج والحرب العالمية الثانية، ان عمد ترامب الى تنفيذ أخطر اوهامه!

 والأشكالية، ان القائد المصاب بتضخم الآنا يكون مستبدا برأيه، واذا ما اضفنا لها أن مزاج النرجسي لا يراهن عليه، وان من يحاول عقلنة ترامب لم تلده أمه بعد!، وانه لن يكترث حتى بالمؤسسة الأمريكية، وانه يريد تحقيق شعاره ((Make America Great Again..فأننا سنكون بين خيارين:اما ان يطيح تضخم الأنا والنرجسية بصاحبهما..ترامب، او ان يطيحا بعالم ما كان في حساباته ان يحكمه (مجنون)!.

 

ثانيا:التعصب.

  هو الحكم المسبق، Prejudice ان المعنى الحرفي لكلمة التعصب في اللغة الانجليزية 

 فيما ينظر علماء النفس الاجتماعي للتعصب على أنه اتجاه سلبي غير مبرر نحو الفرد، قائم على أساس انتمائه الى جماعة معينة لها دين أو طائفة أو عرق مختلف، أو اتجاه عدائي نحو جماعة معينة قائم على أساس الانتماء اليها. ويعني أيضا النظرة المتدنية لجماعة أو خفض قيمتها أو قدراتها أو سلوكها أو صفاتها ليس لها أساس منطقي، واصدار حكم غير موضوعي بشأن جماعة معينة. بهذه المعاني فان التعصب اتجاه مؤذ لصاحبه والآخرين قائم على تعميمات غير دقيقة بخصوص جماعة على أساس لونها أو عرقها أو دينها أو جنسها.

 وعلى وفق نظرية التصنيف الاجتماعي فان الناس ينزعزن الى تصنيف عالمهم الاجتماعي الى صنفين "نحن" (أو الجماعة الخاصة بالفرد) و "هم" (أو الجماعة الاخرى) . وانهم يتحيزون لجماعتهم ويبالغون ويعظّمّون ايجابياتها ويغمضون اعينهم عن سلبياتها، فيما يعمدون الى تضخيم سلبيات الجماعة الاخرى وغض الطرف عن ايجابياتها.

 ومع ان ترامب يوصف بأنه ارثذوكسي محافظ الا انه من أشدهم تعصبا وفيه تتجسد أخطر صفات سيكولوجيا التعصب، وتحديدا تعميمه بأن كل المسلمين ارهابيين وانهم خطر على امريكا يجب عدم السماح لهم بالهجرة لها، فيما لصق تهمة (اللصوص) على المهاجرين المكسيكيين، ونيته بناء جدار عازل بين اميركا والمكسيك.

 ولهذا كان تعصب ترامب هو الذي اصاب الأمريكيين بالفزع، ففي مدينة نيويورك وحدها تظاهر اكثر من عشرين الف وهم يهتفون (انت لست رئيسي..Not My President)، وآخرون هتفوا امام برج ترامب بسخرية لاذعة (Fuck Trump) لأنهم وجدوا فيه انه متعصب ضد السود والمرأة ايضا.

 والتساؤل:هل سينعكس تعصبه هذا على السياسة الأمريكية؟

ان الجواب التقليدي هو ان اميركا دولة مؤسسات وليس بامكان رئيسها فعل ما يشاء.غير ان الأمر يختلف مع ترامب..ليس فقط لما تفرضه عليه اخطر سمتين في شخصيته (تضخّم الأنا والتعصب) في اتخاذ القرارات، بل ولأن الجمهوريين يشكلون الأغلبية في الكونغرس الأمريكي، وأنهم يشاركونه بعض صفاته السيكولوجية في التعالي والفوقية في التعامل مع الآخرين، وان امريكا ستحكمها طبقة أثرياء غالبيتهم مصابون بتطرف ديني يهدد مجتمعها بمزيد من التفكك بدل ان يجعلها عظيمة ( Great ).

 ولهذه الأسباب فان سيكولوجيا القلق ستحصر أكثر معظم الأمريكان والناس في العالم بزاوية ان الأمر سيكون فعلا بين خيارين: اما ان يطيح تضخم الأنا النرجسي والتعصب بصاحبهما..ترامب، او ان يطيحا بعالم ما كان في حساباته ان يحكمه (مجنون)!.

 

أ.د.قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

 

في المثقف اليوم