قضايا

محمد جواد سنبه: وِحدَتُنا بالاقتِداءِ بنَبيّنا مُحَمَّدٍ

mohamadjawad sonbaمرّت مسيرة الرُّسل والأَنبياء، بمراحل تاريخية عمرها عمر البشرية جمعاء. وهدف كل تلك المسيرة، ايجاد الانسان الادمي الطباع، والقضاء او تحجيم، وجود الانسان حيواني الطباع.

لقد اثبتت وقائع التاريخ، ان هذه المهمة ليست باليسيرة، بسبب عوامل السلطة والقوة، والسيطرة على موارد الحياة. هذه العوامل نجدها مترسخة بوضوح في عقلية الانسان، مهما كان بسيطاً، لأنها جزء من تركيبته المادية، ما لم تُسقل وتهذّب، تلك التركيبة المادية، بقيم ونواميس تجعله يسير على الطريق القويم، الذي يرتضيه الله سبحانه.

هذا الاتجاه المادي المغروس في ذات الانسان، انتج العديد من المدارس الفلسفية،التي حاولت وضع الافكار التي تفسّر تصرفات الانسان الفردية والجمعية، لتَخّْلُصَ الى نظريات فلسفية، هدفها استشراف مستقبل الانسان، والكشف عن معوقات تطوره.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، فان الفيلسوف الالماني، (فردريك نيتشه) (1844 - 1900م)، الذي تقوم فلسفته، على اساس عنصر القوة، فالبقاء للأقوى، من أبرز مفاهيم (نيتشه). فمن يمتلك القوة يمتلك الثروة والسلطة، يقول (نيتشه): (أقوى وأسمى إرادة في الحياة لا تتمثل في الكفاح التافه من أجل الحياة، وإنما في إرادة الحرب، إرادة السيطرة).

وكذلك يؤمن (نيتشه) بأن البقاء للأقوى. والأقوى هو العنصر الأصلح والأسمى في الوجود. والأقوى سيكون العنصر الفاعل، في تطور الجنس البشري وتكاملة في الحياة. فان فلسفة القوّة، أَلغَت من الوجود، الانسان العفيف المسالم الوديع، واعتبرته عنصراً معوّقاً للارتقاء البشري.

الحال لا يختلف كثيراً في فلسفة ماركس(1818 – 1883 م)، الذي يعطي كل توجهاته لموضوع (التَّعارض والتَّضادّ والتَّناقض)، الذي أُطلق عليه مصطلح (الديالكتيك)، وهو العنصر المتحكّم بالوجود الانساني. فالتطور ماهو إِلّا صراع دائم بين الطبقات الاجتماعية؛ طبقة اصحاب وسائل الانتاج (الرأسماليين الأغنياء)، وطبقة العمّال (البائسين المقهورين من قبل الرأسماليين).

وبسبب الدمار الكبير، الذي احدثته الحربين العالميتين الأولى والثانية، ظهر تيار فكري، تزعمه الفرنسي (جون بول سارتر 1905 - 1980)، وزوجته (سيمون دي بفوار 1908 – 1986 م). وجوهر هذا التيار، أن يكون الانسان حراً، مُطّْلِق العنان لشهواته ولذّاته، وما تشتهي نفسه.

لو قارنا هذه الفلسفات والافكار، مع ما كان سائداً، في زمن الجاهلية. سنجد هناك تطابقاً كبيراً بين هذه تلك.

1. ففي الجاهلية، كان القويّ هو الذي يحكم، وهو الذي يفرض ارادته على الأضعف.

2. في الجاهلية، كان الصراع الاجتماعي والطبقي، ظاهرة موجودة على أرض الواقع.

3. المجتمع الجاهلي، كان منغمساً في الملذّات، وغارقاً في الشهوات الرذيلة.

وعندما بلَّغ النبي محمد (ص) برسالة الاسلام، لم يَلقَ الطريق سهلاً أَمامه، فقد قاومته الجاهلية بعنّف، خوفاً على مصالحها. لكن بالنتيجة، انتصر الاسلام على الجاهلية، وأستبدل كل المفاهيم الضالة والظالمة، بأخرى مستقيمة عادلة.

إن تجربة الاسلام، لم تستمر على النهج الذي رسمه الله تعالى، فقد اختار الناس، طريقاً غير الطريق، الذي اوصاهم رسوله الله (ص) باتّباعه. لقد كانت وصية النبي (ص) لقومه:

(إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا).

لم تتمسك الأُمّة بوصية نبيها(ص)، فأصبحت في حالة من الضعف والتشرذم، حتى تمكّن منها اعداء الاسلام، الذين تآمروا عليها، وانتجوا من أَبنائها، عصابات مجرمة توغل في قتل الانسان، وتعتدي على عرضه وتسرق ماله، تحت غطاء الجهاد المزيف، الذي صنعه اعداء الاسلام.

و بالوقت الذي نستذكر فيه، ذكرى انتقال الروح المقدسة لنبينا محمد (ص)، الى بارئها سبحانه، يجب علينا ان نراجع قيم الاسلام الصحيحة، لنكتشف طول المسافة، التي تُبعد الكثير جداً من المسلمين، عن الاسلام الصحيح.

نحن بحاجة الى صحوة اسلامية، خالية في كل مساحتها، من دجل الدجالين، وخرافات المنافقين. حتى نستدرك إِبعاد جيلنا الحالي والمستقبلي، من منزلقات الجهل بتعاليم الاسلام، الذي اعتمد في فلسفته الاخلاقية، على مبادئ العدل والحق واحترام الانسان، دون التمييز في الدين والعرق والقومية. فالجميع محترم في الاسلام، بشرط عدم المساس بالخطوط العامة التي شرّعها الاسلام.

وللتذكير فقط أقول:

ألم يحفظ الاسلام في عهد رسول الله(ص)، حرية غير المسلمين في العبادة والتجارة ومخالطة المسلمين؟.

فلمَ يخاف الغير من الاسلام المحمدي الصحيح والأصيل؟.

فسلام عليك يا رسول الله، يوم ولدت، ويوم توفاك الله تعالى، ويوم تُبعث حيّا.

 

مُحَمَّد جَواد سُنبَه -  كاتِبٌ وَ بَاحِثٌ عِرَاقي

 

في المثقف اليوم