تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

قضايا

أحمد محمد جواد الحكيم: من سمات أصحاب العقول المتحجرة

ahmad mohamadjawadalhakimلا تزال أحداث الحياة البشرية تثبت أن أصحاب العقول المتحجرة، يراوحون في مكانهم، مقتنعين بما هم عليه من الضعف ، منكرين، في الوقت ذاته، وجود أي تحديات فكرية لديهم ، رافضين أيضاً الاعتراف بوجود أي خلل في مؤسساتهم، مقللين من شأن الأزمات التي تواجههم. مقابل ذلك يظهرون تمسكهم بمواقفهم مهما  تكن نتائجها، وأن الأحوال على أحسن مايرام. كل ذلك يحدث بسبب ركود فكرهم ، وما هم فيه من سبات عقلي، وانعزالهم عن الواقع العملي، وفقدانهم المقدرة على إجراء التحليل الضروري للأشياء والظواهر في المجتمع. وخير تحليل، كما يقول برتراند رسل هو: أن ينطلق الإنسان من النتائج إلى المقدمات. لكنهم لا يتبعون ذلك .الصفة المميزة لأهل التحجر الفكري، هو إحاطة عقولهم بسور من الثوابت خاص بهم ، الأمر الذي يمنعهم من مناقشة أو مراجعة المعتقدات داخل هذا السور المنيع. فضلاً عن ذلك يحاولون حل المشكلات الملموسة ، وفقاً لوصفات جاهزة،يعتبروها حقائق مطلقة، متجاهلين ظروف هذه المشكلات المكانية والزمانية. أضف إلى ذلك هناك سمات يتصف بها هؤلاء ، نذكر منها:

1.إيمانهم قاطع بعصمة مفكريهم ، الأموات منهم والأحياء، عابدين ما ينتج عنهم من نصوص، ومدافعين دفاعاً محموماً، عن آراءهم ، بخاصة تلك غير المثبتة.

2.عملهم قائم حسب قاعدة "الانغلاق الفكري"، إذ يرفضون أي أفكار أو اقتراحات لا تتفق مع ما يؤمنون به  .بهذه الحالة كأنهم يضعون حجـْراً عقلياً على آراء المخلصين الصادقين. لكن الأمر لا يقف عند هذا إنما يتعداه أحياناً إلى استهانتهم واستخفافهم وتخطيئهم لهؤلاء، أو اتخاذ موقف اللامبالاة أو عدم الاكتراث.

3.إصرارهم على بقاء تلك الأسماء والعنوانين والموضوعات التي في فحواها لا تتفق مع الواقع ،أو التي تتناقض معه، أو التي ثبت فشلها.مقابل ذلك عدم قدرتهم على تغيير معتقداتهم عندما تتطلب الظروف الموضوعية ذلك.

4.تسيطر عليهم أوهامهم وأهواؤهم ، بحيث جعلتهم يتشبثون بوجهات نظرهم ، وأنهم يسيرون بالاتجاه الصحيح ،منزهين عن الخطأ، لذلك فهم راضون بما لديهم ومنشغلين بتكريسه وتثبيته وحمايته. هذه الأوهام هي العقبات الفكرية التي تحجب الإنسان عن رؤية الصواب ، هي الأوثان التي يعبدوها، حسب تعبير فرنسيس بيكون في كتابه " القانون الجديد".

5.عملهم وتنظيمهم ،ملؤه الرتابة والتكرار والاجترار وروح الاتباع،الذي ينتج عنه في كل مرة مواقف معروفة مسبقاً. مجمل ذلك يجري وفقاً للمركزية الشديدة، التي لا زالت تستخدم الورقيات والتقارير وغيرها. 

6.يرفعون شعارات جذابة عبارة عن أمنيات وآمال غير واقعية، يقابلها ممارسات غير ذات صلة.مثلاً رفع شعارات التجديد والإصلاح ، لكن بالمقابل يقمعون ممارسات النقد والتصحيح. أضف إلى ذلك ترديد عبارات نظرية تبدأ عادة بـ: " مالاينبغي" ، و"ما نحتاج إليه"، و"ما لابد"،  و"العمل على".

7.إن أقصى ما يسمح به نظامهم الرتيب، هو مجرد إعادة طلاء الجدران القديمة بطلاء جديد، مع ذلك أن أولئك الجدد، غالباً، لا يمكنهم القيام بوظائفهم خير قيام، بسبب القيود الموضوعة على نشاطاتهم.

8.عشقهم وتهالكهم نحو إقامة المهرجانات والاحتفالات والخطابات البليغة والهتافات ، فضلاً عن فرحهم بالتهاني والتبريكات المعدة سلفاً.كذلك بهجتهم في حضور علية القوم، ولا يتحرجون كون هؤلاء من الفاشلين في إدارة الدولة.

9.جحودهم ونكران جميل كثير من الأفراد الذين هجروهم وتركوهم، بل عدم اكتراثهم بذلك.

10.لا يبدو عليهم التأثر بفشل كثير من التجارب التي تعتمد على أفكار مناظرة لمعتقداتهم، كأنما تجربتهم مختلفة عنهم.

11.لهم القدرة على حشد عدداً لانهائياً من الأسباب والحجج المختلفة لتبرير صحة أفكارهم،مقابل ذلك يصّرون بعدم امكانية نجاح أي رأي لا يتفق مع معتقداتهم. إنهم تبريريون.لهذا فهم لا يبحثون عن الحقيقة، إنما التفتيش عن معلومات تدعم تصوراتهم لهذه "الحقيقة".

12.لم يَعد معيار الاقتراب من عامة الناس المستضعفين والمحرومين، هو المعيار الأساسي لاختيار قياداتهم، إنما أصبح هو الحصول على المؤهلات الأكاديمية العالية، والطوفان في أرجاء المعمورة ، وليس الطوفان بين هؤلاء المستضعفين.والشيء المؤلم أنهم يفتخرون بهكذا مؤهلات لاتقترب من الواقع.

13.لا يهمهم الضعف والعجز الذي أصابهم، ولا يكترثون أن معتقداتهم لها نتائج غير مقبولة،ولن توصلهم لأهدافهم، أو أنها لا تحل المشكلات التي يعاني منها المجتمع، أو أن تطبيقاتها غير فعالة لمنهج غير وثيق الصلة بمجتمعهم. لكن المهم عندهم ، أن لهم حضور مهما صغر حجمه.

14.يستعصي عليهم استيعاب الواقع المعقد، بخاصة في المنعطفات الخطيرة، لذلك نجدهم يرتبكون ، ويتخذون قرارات خاطئة ، غير مدروسة، لأنهم ينحازون إلى الثابت والسائد، ويخافون من مواجهة المتداخل والمتشابه.

15.ليس لديهم الجرأة في طرح تصوراتهم ، أمام أصحاب القرار، لذلك نجدهم يستخدمون سياسة التقيّة والترضية والمجاملة ، بعدم اغضاب الآخرين.

16. يوهمون أنفسهم أن معتقداتهم الفكرية لا تتعارض مع ما هو سائد في المجتمع. ذلك ، لأن الآخرين قد صمتوا أو غضوا الطرف عنهم. لكنهم نسوا أو تناسوا أن هذا الصمت هو مؤقت ، وأنه بسبب ضعفهم وقلة حجمهم. لكن لو افترضنا أن أصحاب العقول المتحجرة أصبحوا أقوياء، ففي هذه الحالة سينبري لهم الآخرون المناقضين لهم بالفكر، وسيهاجموهم بشتى الوسائل، والتاريخ القريب شاهد على ذلك، لكنهم لا يرجعون للتاريخ ،القريب منه ،والبعيد.

أخيراً ، نحن لا نقصد فئة بعينها ، إنما نقصد فقط أولئك الذين يخشون من مفكريهم الموتى، أن يخرجوا من قبورهم شاهرين سيوفهم بوجه كل من يحاول أن يغير أو يعدّل من تلك المعتقدات الميتة.هؤلاء المتمسكين بكبرياء مصطنعة تتحكم بمشاعرهم وتكرس بينهم الجمود والتحجر.كما نقصد أيضاً أولئك الذين يعتبرون المراوحة حكمة، والحفاظ على الرتابة أقصى الممكنات،هم عَبدة النصوص والوسائل ،الذين يعيشون على الآمال الواهية . وقد وصفهم الله عزوجل في القرآن الكريم خير وصف بقوله تعالى: (ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويـُلههم الأمل فسوف يعلمون) الحجر/3.

 

في المثقف اليوم