قضايا

رشيد العالم: هَل الإسْــلامُ ضِدَّ الأمَـازيغيَّــة؟

rasheed alalimوهَذا الإكرَاه الذي حَرَّمَهُ الإسلام لا يَشمَلُ الدِّينَ والقنـَاعَة الرُّوحيَّة للفـَرد فقط، بَل يشمَلُ أيَّ شَكل مِن أشكـَال الإكرَاه التِي تمَارَسُ باسم الدِّين، سَواء كانَ إكرَاهًا لغـَويًّا عن طريق إجبَار جَمَاعَةٍ مِنَ النـَّاس على تـَغيير لغتِهم ولسَانِهم بدَعْوَى أنَّ العَربيَّة هِي لغة القرآن ولغـَة الله، أو كانَ إكرَاهًا ثقافيـًّـا عَن طريق فـَرض هُويَّة لا تتجَانسُ ولا تتطـَابقُ مَع بَيئة وعُرفِ وثقافـَةِ و(هُويَّة الأرض) حسَب مفهوم المفكر (مُحمد بودهَان) أو إكرَاهًا فكريـًّا عَبر دَس تـَاريخ مُلفـَّـق وتدليس حَقائِــق مُعيَّنـَة بهَدفِ خلق جيــل يَخضَعُ لسلطةٍ أيديولوجيةٍ  أو فكريَّةٍ مُعيَّــنة.

قال الله سُبحَانـَه فِي سُورَة (هُود):

"وَلو شَاء الله لجَعل النـَّاسَ أمَّة واحِدَة، ولا يَزَالـُون مُختلِفِينَ إلا مَن رَحِمَ ربُّــك ولذلك خـَـلقهُم " الآية َ118

ففي هذه الآية دليلٌ عَلى أنَّ فكرة (الأمَّة الوَاحِدَة) أو (الأمَّة الإسلاميَّة) أو (الخلافـَة الإسلامِيَّة الكـُـبرَى) فِكرَة بَاطلـَة وليسَت مِن التعَالِيم القرآنيَّة ولا مِن أركـَان الدِّين ولا مِن فرُوعِه وأحكـَامِه، فالله سُبحَانـَهُ أقرَّ في هَذِه الآية مَفهُومَ الاختِلاف بكـَافـَّة أبعَادِهِ الدينيَّة، والاجتمَاعيَّة والثقافية واللغويَّة...إلخ كما أقرَّ سبحَانـَهُ عَدم مَشِيئتِهِ في جَعل النـَّاس أمَّة واحِدَة لأن ذلك مُخالفٌ لإرَادَة الله ولحِكمَتِهِ مِن إسكان بنِي آدَمَ الأرض.

وفِي سُورَة (يُونس) دَليلٌ آخرٌ على عَدم جَوَاز الإكرَاه الذِي يَتشَدَّدُ فيه بَعْضُ (الأمَازيغ المُتعَصِّبين) وَيُغـَالـُونَ فِي القـَول بأنَّ الإسلام دِينُ إكرَاهٍ واستعْمَار وتوَسُّع وسَفكِ دمَاءٍ وتعْريبٍ وتخْريب...إلى غير ذلكَ مِن الأكاذِيب التِي تنمُّ عَن حِقدٍ وشَحْنـَاءٍ وكرَاهية ذمِيمة وعُنجُهيَّةٍ مَقِيتـَة.

إذ يُخاطب الله سُبحَانه نبيَّـهُ الكـَريم قائلا " وَلو شَاءَ رَبُّكَ لأمَن مَن فِي الأرضِ كلهُم جَمِيعًا، فأنتَ تكرهُ النـَّاسَ حَتى يَكـُونوا مُؤمنين "

سُورَة يُونس الآية 99

وهَذا الخطابُ الإلهي مُوجَّهٌ إلى النـَّبي مُحمد، حَيثُ أخبرَهُ الله بأنَّ الاختلافَ مِن حِكمَةِ الله، وأنهُ لا قدرَة لهُ ولا لغـَيْرهِ عَلى جَعل كافـَة النـَّاس مُؤمِنين أو مُسْلمِين.. لأن الله لم يَبعَثـهُ إلا بَشيرًا ونذيـرًا:

" إنْ أنتَ إلا نـَـــذِيــرْ " سورة فاطر 22

لم يَقل الله مَثلا: " إنْ أنتَ إلا مُكِره " أو " إنْ أنتَ إلا مُجْبر أو مُتـَجَبِّر.." ولو وَرَد ذلك فِي القرآن، لكان لزَامًا عَلينـَا أن نرْتمِيَ بَينَ أحضَان (الأمَازيغ المُتعَصِّبين) أمَا وأنَّ الإسلامَ دِينُ رحْمَةٍ وليسَ دِينَ إكرَاه، فإننِي أدعُوا هَؤُلاء المُتعَصِّبين إلى التحَرِّي بالرُّشد والمَوضُوعيَّة والحِكمَة والحِس العَمِيق والنقد الذاتِي والنـَّظرَة المُسْتقبَليَّة، وأن يَعوا تمامًا بأنَّ الإرهَاب وَلِيدُ الكـَـرَاهيَّة وأن الكرَاهيَة وليدَة التـَّعَصُّب.

إن الدَّوَافِع التـَّاريخِيَّة التِي قـَادَت العَرَب الفـَاتحِين إلى شَمَال إفريقيَا خلال (الفتح الأوَّل) إبَّـان دَولةِ الخِلافة الرَّاشِدَة بقيادة (الحارث بن الحكم بن أبي العَاص) وخلال (الفتح الثـَّاني) إبَّانَ الدَّولـَة الأمويَّة  ضِدَّ الإمبرَاطوريَّة البيزَنطيَّـة ومَنْ وَقفَ لجَانبهَا مِن الأمَازيغ، كانَ  سِيَاسِيًّا فِي الأصل كمَا كانت التوسُّع المَسِيحِي سِياسيًّا واستعمَاريًّا وتبشِـيريًّا.. ففِي عَصر الفتـُوحَات بَرَز مَا يُسمَّى بـ: (الإسلام السِّيَاسِي) و(التمَدُّد الإسـلامِي) مِن عَهد (عُمر بن الخَطاب) الذِي بأمره انتشَرت الفتـُوحَات إلى ولاية (عُثمَان بن عَفـَّان) الذي خَطب في النـَّاس بضَرُورَة الجهَاد وأمَدَّهُم بالسِّلاح والزَّاد.. إلى ولايَة عَلي.. فاقتحام الصَّحابة والتابعِــين لمَيدَان السِّيَاسة قـَادهُم إلى التمَدُّد القـَومِي والتوَسُّع الجُغرَافِـي بدَعْوَى نشر الإسلام الذِِي انقلبَت نصُوصُ قرآنِهِ وأحَاديثُ نبيِّهِ إلى مَنبعْ تشحَنُ وتشحَذ ُ بهِ جُيوش المُسْلمِين والعَرَب لقتـَال البيزَنطيِّــين والبَرْبَر وغيرهِم..

الإسلامُ عَكس مَا يروجُ البَعض دين التعَدُّديَّــة ودِينُ سَلام ومَحبَّة، وإذا كان الفاتحُونَ قد ارتــَكبُوا أخطاءً تاريخيَّة وسيَاسيَّة وَزَاغـُوا عَن جَوهَر الخِطـَاب الإلهي، خطاب الرَّحمَة والحِكمَة والمَحبَّة والخـَير والسَّلام..  فيجبُُ عَلينـَا أن لا نلقي اللــَّوم على الإسلام ونتهمَهُ بأنه دِينٌ يُحَرضُ عَلى القتـْل وعلى الاستعمَار.

أفهَم السَّبب الذي أدى بكثير من المُفكرين ومناضِلي القضِيَّة الأمازيغيَّة إلى إعلاء الحَرب على الدِّين واللـُّـجُوءِ إلى العَلمَانيَّــة كبدِيل، طبعًا العلمَانيَّـة لا تعني القضَاء عَلى الدِّين، ومَن قـَال غَيرَ ذلك فهُو لم يَفهَم العلمَانيَّة بَعد، وأيُّ علمَانيّة تدعُو إلى الإلحَاد وتزدري الأديَان فهي ليسَت علمَانية في الأصل وإنمَا هِي أيديولوجية فاسِدَة مَبنيَّــة على أسَاس عُنصُري وتمييزي وحِقدِي..علمَانيَّة تفسدُ أكثرَ ممَّا تصلح.

الإسلامُ إذا لم يكن مُستثمرًا من قبل مُتعَصِّبين عَرب، فهُو مَع القضيَّة الأمازيغية ومَع غيرهَا مِن قضَايَا وحُـقـُوق الأقليَّات في العَالـَم، لأنه يُقِـرُّ بالتعدُّديَّة الهويَاتيَّــة واللغويَّــة واللسَانيـَّة والثقافيَّـة.. بل ويَحُث على التعَارف والتسَاكن " وجَعلنـَاكـُم شُعوبًّا وقبَائِل لتعَارفـُوا "

ومَن كان يَستعمِلُ الإسلام ضد الأمازيغ فحَالهُ كحَال الإرهَابـِي الذِي يستعمِلُ الأحزمَة النـَّاسِفـَة لقتـْـل الأحرَار والأبريَاء.

 

 

في المثقف اليوم