تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

قضايا

العلاقة غير الودية بين السياسيين ومراكز الأبحاث

هناك علاقة تباعد وجفاء وفجوة كبيرة نلاحظها بين السياسيين وصانعي القرار، من جهة، وبين مراكز الأبحاث والدراسات، من جهة أخرى. وتتجلى هذه العلاقة التي عادة ما تكون غير ودية، في العديد من المؤشرات الواقعية الملموسة، من أهمها :

1.اعتماد هؤلاء السياسيين على أنفسهم بالدرجة الأولى، لاعتقادهم أنهم يمتلكون قدرات عقلية عالية، فلا حاجة بهم إلى مراكز الأبحاث والدراسات، لكنهم في أحسن الأحوال يعتمدون على أشخاص معدودين يطلق عليم " مستشارين"، وهي الطريقة القديمة التي كان يسير عليها الخلفاء والسلاطين السابقين، لكن هؤلاء المستشارين الحاليين، بدورهم ليس لديهم اهتمام بالدراسات والأبحاث.

2.إن السياسيين، سواء كانوا في السلطة، أم خارجها، ليس لديهم خلفية معرفية في البحث العلمي أو خبرة في الممارسة العملية، فضلاً عن ذلك ليس لديهم اطلاع على المفهوم الشائع الآن الذي يسمى " مخزن الأفكار" ( Think tank).

3.ليس عند السياسيين قناعة أو إيمان بنتائج مراكز الأبحاث، لذلك فهم يعتقدون أن هذه النتائج لا تعدو سوى رأياً استشارياً، غير ملزم، ولايمكن السير على ما فيه.

4.إن نتيجة الابتعاد عن مراكز الأبحاث تظهر في طبيعة القرارات التي يتخذها هؤلاء السياسيين، التي غالباً ما تكون فردية، ارتجالية، مظطربة، نتائجها ملموسة من فساد مالي وإداري وحصول أزمات وانتكاسات وأخطاء عديدة، يواجهها المجتمع باستمرار.

5.الخشية من نتائج الأبحاث، بخاصة، تلك التي يعتقد السياسيون أنها تهدد مصالحهم ووجودهم، لأنها تطرح إعادة صياغة الواقع وتغييره ببدائل واحتمالات جديدة.

  1. يعتقد هؤلاء السياسيون أنهم أدرى بالواقع على الأرض، من أولئك الباحثين الذي يعتبرهم أشخاص نظريين مجردين من الواقع، على هذا الأساس يشكك هؤلاء السياسيين، بنتائج الأبحاث والدراسات، لذلك ينطبق عليهم قول المعلم الثاني، الفارابي، الذي نعيده في كل مناسبة، وهو: أن للرؤساء همماً ينفردون بها عن سواهم من الناس، وهي أنهم يعتقدون في جميع من دونهم الاستخدام، وفي أنفسهم الإصابة في جميع ما يأتونه.
  2. إن نظرة السياسيين وتقيمهم لمجريات الأحداث في المجتمع، يكتنفها الغموض والعشوائية، سواء كانت في المستويات الإدارية والاقتصادية، أم على المستوى السياسي.
  3. لا يسمح هؤلاء السياسيون بوجود مراكز ذات مضمون سياسي، إلا إذا كانت خاضعة لهم، وأن لا تتعارض مع توجهاتهم وأفكارهم .
  4. الرغبة الشديد لدى السياسيين في الاستحواذ على صنع القرار وعدم اشراك الاخرين معهم بما فيها مراكز الابحاث، الامر الذي ينسجم مع توجهاتهم في السير على طريق المركزية الشديدة، التي ترفع من قيمتهم وأهميتهم في إدارة الدولة.

وأخيراً نأمل من السياسين أن يشجعوا ويدعموا تقديم الحوافز المادية من حيث الإنفاق الحكومي على مراكز الأبحاث التي ينبغي أن تكون مركزاً للبيانات والاحصائيات المجردة لتحليل مسيرة المجتمع ولتوقع ماذا سيحدث، من أجل أن تدعم المسؤولين في التطوير والتقييم، هذا إذا كان هناك من يسمع أو يقرأ!!

 

أحمد محمد جواد الحكيم

 

في المثقف اليوم