تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

قضايا

الضعفاء لا يتحدون

في البدء لابد من التوضيح أن مقولة "الضعفاء لا يتحدون"، ليست من بنات أفكاري، إنما هي لأحد المفكرين الباحثين، لكنها أثارت في ذهني كثيراً من الاستغراب والتساؤل والجدل، إذ كيف للضعفاء، ونحوهم من: المحرومين،الفقراء، المظلومين، الكادحين، المستغلين (بفتح الغين)، المساكين، المقهورين، أن لا يتحدوا، ولا يتضامنوا، ولا يتعاونوا، وأن لا يأخذوا حقوقهم في كتلة واحدة قوية ذات نفوذ وتأثير.ولهذا نجدهم متمسكين بالسير معاً لكن متفرقين. إن الفاحص للمقولة الضد، أي "الضعفاء يتحدون" يجدها صائبة من الناحية المنطقية المجردة، على الورق وفي الكتب، لكنها من الناحية الواقعية، وفي الممارسة غير عملية، ولم يحصل في التاريخ المعاصر أن اتحد الضعفاء، رغم مناداة ماركس وانجلز منذ أواسط القرن  التاسع عشر، وشعارهم المعروف " يا عمال العالم اتحدوا" أو "يا كادحي العالم اتحدوا".فضلاً عن ذلك ما يحدث في المجتمعات المتخلفة يثبت ذلك، حيث الضعفاء يشكلون نسبة عالية جداً، ومع ذلك لم يتحدوا أيضاً.  والمفارقة هنا، أننا نجد العكس، أي أن الأقوياء هم الذين يتحدون بوجه الضعفاء. إذن من الذي يمنع هؤلاء الضعفاء أن يتحدوا؟ هل هم الضعفاء أنفسهم ! أم الأقوياء؟ الحقيقة أن الأقوياء لا يمكن أن يكونوا هم المذنبين الوحيدين في هذه القضية، لأن طيبة الضعفاء وسذاجتهم تجعلهم مذنبين أيضاً. على هذا الأساس سنقوم بتفصيل أكثر للأسباب التي تمنع من اتحاد الضعفاء وتجعلهم متفرقين، هذه الأسباب قد تكون منفصلة أو متكاملة. لابد من التنويه هنا أن هؤلاء الضعفاء لا يشكلون فئة متجانسة فكرياً أو معيشياً أوغير ذلك:

1- تتشكل لدى الضعفاء نزعة تدميرية، متمثلة بروح المنافسة والحقد، ومحاربة بعضهم البعض، حتى لا يكون أحدهم أقوى من غيره وأكثر نفوذاً. كما تتمثل بمرض الحسد والخوف من الآخر.لهذا نجد أي فرد منهم يحسد من يملك أكثر مما يملك هو، ويخاف ممن يملك أقل.

2- السلبية المهلكة تجاه المشكلات، وانبثاق روح الأنانية المقيتة،حين يهتم كل فرد بمشاكله ومصلحته فقط،وانعدام التكافل مع العالم المحيط والإحساس به، والتغاضي عن آلام الآخرين ومشاعرهم أو التقليل من أهميتها،كذلك انعدام المشاركة الحقيقية، ليس بالتعاطف فحسب، إنما تحويل التعاطف إلى فعل وعمل. إن هذه السلبية تعني أن كل فرد يريد كل شيء لنفسه، وهو يجد المتعة في الاقتناء وليس في المشاركة مع الآخرين، كما تجعله يشعر أن يكون جشعاً، لأن هدفه هو التملك، وعليه يجب أن يكون خصماً للآخرين جميعاً، بخاصة منافسيه الذين يريد أن يقضي عليهم.

3- الفقر المعرفي لدى هؤلاء الضعفاء، والنقص في وعيهم السياسي، واختلاف أفكارهم، وتباين طموحاتهم، والصفة الحركية التي يتميزون بها، كل ذلك يجعل طاقتهم على التفكير السليم منخفضة، ومن ثم يصبحون دون هدف واضح محدد يتفقون عليه.

4- انهيار في قيمة الإنسان الضعيف، التي تعني الشعور بالنقص والدونية،كما تعني الافتقار إلى ذلك الإحساس بالقوة والقدرة على المجابهة والفعل والتأثير،وقصور في التعبئة والتنظيم. لذلك نجد كل فرد من الضعفاء، أما منسحباً أو مستسلماً أو متجنباً أو في وضعية المغلوب على أمره،وهو في حالة من التبعية واليأس والعجز والرضوخ والتخاذل والبرود الإنساني، والاتكالية على منقذ منتظر، لذا نجدهم متشعبين، متبعثرين في هذه الأمور.

5- سعي الأقوياء لاستغلال قسماً من الضعفاء، سواء بالوعود أو بغيرها .لذلك يتفرق هؤلاء الضعفاء نتيجة تبعية كل مجموعة منهم لهذا القوي أو ذاك. الشيء العجيب في الأمر، ليس فقط حصول حالة التفرق، إنما نجد أن الضعفاء يؤمنون بمن معه القوة،ومن ثم عبادته والدفاع عنه، والخوف من بأسه، وإلى الإذعان الأعمى لمشيئته. لابد لنا من التأكيد على قضية هامة، هي أن هؤلاء الأقوياء قد يكونوا من خارج فئة الضعفاء أو قد يبرزون من داخلهم. لكن في الحالتين لن يتوحد الضعفاء.لأن كل زعيم قوي سيلتف حوله مجموعة منتفعة تنسلخ عن أقرانها الضعفاء، وبالنتيجة سيبقى هناك ضعفاء متفرقين.

الخلاصة، أن هذه الأفكار التي ذكرناها لا تمنع حدوث حالات احتجاج أو تمرد انفعالية قد تنجح أو تكون انفعالية مؤقتة، لكن في الحالتين أيضاً لا تصل بالضعفاء إلى غاياتهم،لأن بالنهاية سيتحكم بالضعفاء، أقوياء. إذن المطلوب زيادة الوعي الفكري لجميع الضعفاء ومشاركتهم  النشيطة في الحياة السياسية، وليس لفئة معينة منهم تكون هي الطليعة  التي تمثلهم، وبالنهاية تحصل على جميع الامتيازات، ولا تشعر بأي رابطة إنسانية بالآخرين، والنتيجة تبقى الأغلبية كما هي ضعيفة محرومة.

 

أحمد محمد جواد الحكيم

 

في المثقف اليوم