قضايا

عولمة القيم: فوضى البشرية.. وخرافة حوارالحضارات ونهاية الإنسان (1)

يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا من سورة الحجرات 13

 أحبكم عند الله أحبكم لخلقه حديث نبوي شريف

 الناس صنفان: إما أخ لك في الدين أو أخ لك في الخلق .علي بن أبي طالب، من كتاب نهج البلاغة.

علينا أن نتعلم كيف أن نتعايش جميعا كبشر وكإخوة، وإلا فسوف نموت جميعاكأعداء وكأغبياء . مارتن لوثر كينغ

 كل إنسان يحمل في داخله الشكل الكامل للشرط الإنساني مونتين

 العلوم التقنية في تطور، الفلسفات تملؤالكتب، والإبداعات تغشى الآفاق والمتاحف والمعارض، ومع ذلك فالبشرية في المزيد من الإنحرافات، الجهل يغمرالعقول أكثر مما مضى، همجيات الحروب أصبحت هي القاعدة، والمشاكل الإنسانية تتغول والحلول تستعصي، والنهاية تتهدد الكرة الأرضية، فأصبح يتعلق الأمر الآن-وبإستعجال-بتعليم الإنسانية للإنسانية رودريغيز دو زاياس Rodrigo de Zayas:

فما أصغرذلك الشئ البديع المسمى ب الإنسان ومقارنته بتلك الأشياء الجليلة الجميلة والكبيرة التي تسمى ب الدنيا ، التي ما كانت لتكون، لولاوجود ذلكم الإنسان ...

فوضى البشرية ونهاية الحضارة

 لقد قيل لنا أن الديموقراطية إنتصرت بموجب النظام العالمي الجديد، وسيكون المستقبل للعلم ولحقوق الإنسان، وأن العقل قدإنتصر، والتاريخ بلغ نهايته، وحالما ننظرمن حولنا، نلاحظ أن الواقع لا يتوافق البتة مع الشعارات المرفوعة: فالتزمت إنتشربشكل مخيف، والخرافات والمعتقدات المزيفة إكتست القلوب والعقول. المفكر الفرنسي فيليب سولرس Philippe Sollers قال لنا المفكر والحكيم الصيني Yan Fu يان فو (المتوفي في عشرينات القرن الماضي الذي كانت ترجماته للتفكير الفلسفي الغربي إلى الصينية تأثيركبير في الفكر الصيني والغربي معا) بأنه يمكن تلخيص المسار التطوري للتقدم الغربي في الثلاثمائة سنة الماضية في هذه الكلمات الأربع: الأنانية، والمجازر، والفساد، والمجون ولم يستغرق الأمر سوى ثلاثمائة عام لكي يفهم العالم ذلك الشرالكتوم والمتربص وراء الحضارة الغربية ولعل المناهضين لتلك الحضارة حتى من داخل الغرب نفسه قد ساعد على ظهورقوى جديدة ساعدت على معرفة حقيقة الغربوأي شخص يشك في مسؤولية الغرب الأوروبي الولايات المتحدة وإسرائيل، في الفوضى الحالية التي أشاعوهافي العالم ، عليه أن يقرأ التاريخ الغير المروي للولايات المتحدة The Untold History of the United States الذي فصل فيه الكاتبان الأمريكيان أوليفر ستون وبيتيركزنيكOliver Stone و Peter Kuznickلبشاعة الغرب في مرحلته التطورية القصوى، المتمثلة في الولايات المتحدة .

كما أنه لن يستطيع أي باحث في سائر العلوم الإنسانية والتاريخ المقارن، أوالإثنولوجيات، والإنثروبولوجيات وتخصصاتها بكل مدارسها، منذ البدايات الجدية لشرعنة علوم الأناسة في الغرب منذ القرن السابع عشر: أن يثبت لنا وجود مرجع أكاديمي موثق يتضمن ما يسمى ب حوار الحضارات ، ولوزرت كل المكتبات وتغشيت كل المنتديات الفكرية المغلقة والمفتوحة في مدينة العلم والفن والثقافة: باريس من أجل أن تجد موضوعا أو مبحثا جادا حول حوار الحضارات والثقافات الإنسانية- لما وجدت بغيتك – اللهم سوى حوارات التطبيع مع القذارات الغربية تحت مسميات الإنفتاح وضرورة التأقلم مع الواقع المعاش والأمرالواقع وقبول التفوقية الغربية، لتفرد الغرب ب حصرانية العقلنة l'exclusivité de la rationalité وبالتالي فلا يمكن مقارنة الذي هو أدنى بالذي هو أعلا. (اللهم إلا إذا كان تنظيم معرض للأكل التقليدي والقفطان المغربيان في عاصمة المرابطين مراكش، والترويج للموسيقى المغربية الأندلسية بتل أبيب على أنها موسيقى عبرية أما م صمت خبراء الموسيقى المغاربة والعرب ب حوارحضاري فبأس الحوار وخسأ معتنقوه )

وما شغفُ المفكرين منذ التسعينات باللهث وراء براديغمات المابعد سوى تعبيرا عن الإنهاك الذي أصبحت تعاني منه اليوم المنظومات الفكرية مما يدل على العقم الذي أصاب الفكرالإنساني عموما، حيث أغرقتنا الأسواق الفكرية الغربية منذ عقود، بمقولات الما بعد ، عندما أصرالغرب بعد نهاية الحرب الباردة على: إنهاء الحضارة و نعي الإنسانية ونهاية المثال بالترويج إلى أطروحات نهاية الإنسان ، ونهاية التاريخ، ونهاية الحضارة، لتعودالبشرية الى ظلمات ما قبل التاريخ، وما قبل الحضارة، وما قبل الإنسان، لتُفرَض في نهاية الثلث الأول من القرن الواحد والعشرين على الشعوب كحالات –عملاتية- بالحروب الهمجية في الزمن الذي كان من المفترض أن يبلغ فيه العقل البشري مداه وتعم الأنوارالكانطية -الهيغلية سائرالبشرية، ويصل النوروالتنويرالفولتيري إلى عقول سمج سكان سحيق مجاهيل الأدغال بإفريقيا، لتكتمل الدورة الحضارية الإنسانية الخلاقة، ويبلغ الإنسان غاياته، إن تحليل ودراسة كل هذه الترهات، تجعلنا على يقين بإنه لايمكن–فقط-إرجاع الإنحطاط النوعي والقيمي الحالي للإنسان المعاصر، إلى عدم إستيعاب النخب الثالثية للمعميات الغيرالمفهومة، لفلسفة التاريخ الهيغلية المدعية التفسيرالنهائي اليقييني للطبيعة الكينونة والوجودية للأمم والشعوب والحضارات، أوإلى مسوغات المقولات السوسيولوجية الدوركايمية التهريجية، القائلة ببدائيات أعراق بعض الشعوب المنحطة(الغيرالبيضاء)وبالأصول الحيوانية للبعض الآخر، كنطريات خولت ل عقلنة إستعمارالشعوب المدجنة الهمجية، وسوغت لشرعنة المنقبات الكولونيالية، وإلباسها مسوحا أخلاقية وإنسانية، تطبيقا لتنويرية نظرية وطأة الرجل الأبيض le «fardeau de l'homme blanc - وواجبه المقدس والأخلاقي والإنساني، في إحتلال الشعوب الدونية للبريطاني كيبلين Kipling التي بموجبها توجت هذاءاته بمنحه جائزة نوبل للأداب عام 1907، ثم قام بتحيينها وتطبيقها على الميدان البجيوسياسي المفكر التنويري ووزير التربية والتعليم الفرنسي جول فيري في عشرينات القرن الماضي، ( لتسويغ إحتلال المغرب وتونس ونهب أطنان الذهب من الكونغوالتي لولاها لما تمكن الفرنسيون من شراء الأسلحة الأمريكية حيث إشترط روزفلت الدفع ذهبا ) ,أوالترويج لطروحات تخذيرات أفيونية الديانات (التي تم إخراجها عن سياق قائلها ماركس)، ثم تبين لاحقا، أن هذه النظريات مجرد غنوصيات فكرانية إدعائية، وخزعبلات إرتدت لباس العلم والمنهجلوجيا، التي تبهر سفهاء مثقفي الأقوام الجوعانة، والتي لم يعد لها ذكرمن برشلونة إلى سيدني، ولم ترالشعوب المُحَقًرة من تنويرات الغرب الأنواري : الفرانكوفوني والأنغلوساكسوني سوى وعد بلفور وإتفاقية سايكس–بيكو ومعلمات الإستعمار، ومنقبات القرصنة والإحتلال، واللصوصيات المالية ونهب الخيرات، وتنصيب أنظمة كهوفية قبورية، والدفاع عنها بشراسة بالظفروالناب، ..كما لم يثبت قط أن هذا الغرب الملائكي الديموقراطي العقلاني روج لقيمه ومبادئه وتصوراته، بالتبليغ بالتي هي أحسن وبالعلم والتسامح والتحاورب العقل ، بل بالسلب وبالترهيب بالحديد والنار.

بل إن الإسباب الرئيسة للإنحطاط الفعلي للإنسانية اليوم، تعود إلى النهم المفرط لتلك الأقليات من النخبوية الخفية الجشعة الشريرة المهيمنة، التي تسيرالأنظمة والحكومات العالمية، وتحرك العقول المسترزقة، وتضع الخطوط العريضة للتفاكيرالتلفسفية الجديدة وتستنعج بلهاء المتلقين بالتوجيه الثقافوي المخذرللعقل، والسيطرة على الإعلام القطري والدولي، من إجل أغراض شيطانية-متسترة وراء كل الأسماء والمسميات المتعالمة المتغيرة، والمتلونة البراقة، التي يعجزعباقرة متدكترينا-المنشغلين والمشتغلين بتوضيح معمياتها التي مهمة التفلسف الفلسفة–بالرغم من كثرة ضخ هذاءات الطوطولوجيات Tautologie اليومية للمتفلسفين العرب الجدد ..، مادام التفلسف–هو: أن ينسجم المتفلسف مع عقله ومن حيث ان الفلسفة أيضا بالإصطلاح-هي: فن التفكيرالمنفتح والمتصل بفن العيش، ومن حيث هي أيضا: بناء للأنساق وبلورة للأطروحات والحجج والنظريات ونقد للخرافات، وتبديد للأحكام المسبقة وللإيديولوجيات وليست هي ملكة الشطارات ، والقدرة على الإستظهارالإستعباطي الفج للمقولات والفلسفات.

وبالنتيجة: وبعيدا عن لغط المتفلسفين العرب الجدد، ومثقفيهم النرجسيين، البعيدين كل البعد عن مسايرة التطورات الإبيستولوجيا في الغرب منذ نهاية الستينات، والتي أعلنت إفلاسها النهائي ونهاية الأطروحات مع بدايات التسعينات، حيث ما تزال نخبنا المستهبلة مكتفية بضخ الإستظاهرات المحنطة الفجة الفكرانية الغربية البائدة، التي لم يعد لها ذكرعلى الإطلاق في المنتديات الغربية، لنؤكد لهؤلاء هنا: بإن مراكزالبحوث في الغرب (أوروبا الغربية والولايات المتحدة وإسرائيل) المتخصصة في مجالات علوم الأناسة، والعلوم السياسية، والأنثروبولوجيات ووالعلاقات الدولية، ما فتئت تعاني من كل أنواع الخبط والخلط، ويزداد مفكروها إرباكا كل صبيحة يوم منذ نهاية الحرب الباردة، لكون المتخصصين في الغرب، قد فقدوا كل المرجعيات المتضمنة للمعاني والغايات والقصديات، التي أوجدها العقل الغربي نفسه منذ القرن التاسع عشر التي خف إشعاعها في الغرب نفسه مع تساؤلات العقل الغربي المتنور حول عبثية وبربرية الحروب الأوربية التي صدمت لاعقلانية الغرب نفسه وهمجيته ذلكم العقل الهيغلي–الكانطي– الدياليكتيكي. مما أدخل الفكرالإنساني كله في عصرجديد قد نسميه ما بعد المعرفة الذي هوعصر الأزمات الفكرية والهمجيات الحربية، وعصرالإنهاك والتوترات الفكرية والسياسية، كعصرإتسم بالزوروالخداع والبهتان، وغياب النظريات الكبرى المبدعة، بسبب تهاوي الإطارات المفاهيمية الشمولية المطيحة بكل الثوابت المعرفية، التي كانت تتحكم في الفكرالغربي إغريقيته إلى ما بعيد الحرب العالمية الثانية، حيث طغت على الفكر الغربي اليوم–بموجب رشوة أموال مارشال الأمريكية، -المسببة في خيانة عمالقة المفكرين والمبدعين والكاتبين–تعرض لهؤلاء زمنها كل من جورج أوريل وأليكسيس كارلايل اللذين تأثرا بآخرسيد الفكر الغربي منذ العشرينات روني غينون René Guénon،

وتفاقمت الأزمة الفكرية مع الخمسينات، ولم تظهرعلى الآفاق في الستينات أية بدائل قيمية من شأنها إنارة العقول المفكرة من أجل ترشيد البشرية على كافة المستويات، حيث بلغت الأزمة ذروتها مع نهاية الحرب الباردةـ المؤدية الى سيطرة التشويش على المستوين الثقافي والتفكير الستراتيجي، فهيمن الفراغ المرعب على المستوى التنظيري، فماتت البراديغمات الكلاسيكية كلها، ولم يعد هناك أي فكريمتلك القدرة التفسيرية لما يحدث الآن .

ولا يبدو في الآفاق-على المستوى المنظور -أنه سيتم إيجاد أي نسق نظري معرفي مفاهيمي، قادرعلى فهم وإستيعاب التحولات الجذرية السريعة الخطرة التي تحدث اليوم، تترجمها مهازل سيرك الإنتخابات الأمريكية والفرنسية والألمانية، والنظريات الفارغة المتسارعة اللامجدية تتبدى في التخبط في الشأن الإرهابي، والداعشي، والفلسطيني، والعربي والإسلامي والسوري والعراقي والليبي والخليجي والمغاربي واللاديني، ومهارات العولمة، والحروب الكبرى القادمة والمجاعات والأزمات المالية والمصرفية ووالهجرات العشوائية والحروب الأهلية المهددة للبشرية في كل بقاع العالم من الولايات المتحدة إلى الموزامبيق تفسرها; وتخبط الشعوب الأوروبية في الإختيار السليم للزعيم والقائد المناهض للنظام ، والعصي عن التدجين والخارج عن جوقة العولمة والأطلسي، فتقوقعت الشعوب الغربية على نفسها، و لم تعد تمتلك لنفسها أية حلول، لفقدانها الثقة في ثقافات الأنوار والتثوير وأطروحات التثوير (80 بالمائة من الشباب الفرنسي لا يثق في الساسة او في النخب المثقفة) فبدأت الشعوب الغربية تسوط على أحزاب وطنية محلية ذات الصبغة الدينية والقومية لتركب القطار الترامبي ، أو الروسي، عندما أدركت بفطرتها أنه يتم إستغفالها بالإستمراروعلى الدوام، مما يؤشر للمستقبل البشري المظلم، مادام: مبدأ اللايقين هو المبدأ الذي يحكم سير العالم منذ نهاية الحرب الباردة – حسب تعبير راموني إيغناسيو Ramonet Ignacio كما فسره في مبحثه في التسعينات عالم جديد Un nouveau monde

للبحث بقية

 

 

في المثقف اليوم