قضايا

فساد الثقافة والاعلام

ali mohamadalyousifفي حمأة نقدنا وانتقادنا المشروع للسياسيين العراقيين الحاليين، نتناسى فساد السلطة الرابعة (الصحفية والثقافية) المقروءة والمرئية والمسموعة في تفشي الانتهازية والتكسب فيها . فمعظم الصحف والفضائيات العراقية العاملة داخل وخارج العراق هي وسائل اعلام مملوكة لاحزاب وطوائف وقوميات ومناطق، وبعضها تمتلكها شخصيات سياسية او توظفها من خارج العراق اجندات مشبوهة وسياسات غير وطنية، ومن غير تسمية اسماء صحف وقنوات واذاعات يمكن لاي مواطن عراقي ان يفرز منها القليل الضائع، وسط بحر متلاطم ممن يعملون بوسائلهم الاعلامية تجذير الفساد والتناحر السياسي والتكالب على الامتيازات والمناصب، واقل ما يقال عنها انها معادية للعراق ولا تريد الخير له ولابنائه قط .

نترك هذا الجانب المتشعب الواسع المثقل يتفاصيل لايمكن لمقال الالمام بها في هذا المجال، وندخل في جزئية صغيرة هي المطبوع العراقي، فمعظم الذين لهم علاقة بالشأن الثقافي والمشهد الاعلامي العراقي من العاملين في المؤسسات الرسمية وغير الرسمية يعلمون انه كان للنظام السابق غرفة في وزارة الاعلام العراقية المنحلة تسمى (شعبة) رقابة المطبوعات، غرفة تقع في الطابق الرابع من البناية يجلس فيها موظفان، احدهما والسيكارة بفمه وعلبة السكاير امامه على المنضدة، يمسك سجلا قديما للوارد من المخطوطات في مختلف الاجناس الادبية والثقافية المراد طبعها ونشرها، والموظف الاخر يتناول المخطوطات بعد تسجيلها ليحتفظ بها في دولاب من الصفيح القديم بجانب مقعده، ليقوم بعدها بتوزيعها بالتسلسل وبالقسطاس العادل على خبراء!! مختصين كلا حسب موضوع المخطوط لقراءته وتقييم صلاحيته للطبع، وخلوه من الافكار المعادية، ليوصي بعدها بالموافقة على طبع ونشر الكتاب ايضا على وفق التسلسل العادل وبالترتيب على نظام (السره) .

وهذه الغرفة هي الطريق الوحيد لعاثري الحظ من ادباء ومثقفي المحافظات الذين يدفعون بمخطوطاتهم ومؤلفاتهم مكرهين محزونين لهذين الموظفين الاثنين اصحاب غرفة الرقابة ومدخنة السكائر . ويخرج البعض من اصحاب المخطوطات من مبنى وزارة الاعلام يتعثر بخطواته ليبدأ دوامة البحث عن (الواسطة)، (التزكية)، (التوصية)، (المكالمة الهاتفية) وغيرها من المحاولات البائسة .

احفاد بؤساء فكتور هيجو من ادباء ومثقفي المحافظات وبعض من هم في العاصمة بغداد ايضا ممن لادعم لهم، ولا سند يسوّقهم مع منتوجاتهم الوطنية الادبية الثقافية، فحيف وحسافة على مصاريف السفر والتعب من المحافظة الى بغداد، والمبيت في ارخص الفنادق واكثرها عفونة، واميزها رطوبة ونتانة . واشدها حرارة بالصيف، وقساوة في برد الشتاء.

وهؤلاء غير الذين يمتلكون اسما متداولا لامعا في صحف ومجلات العاصمة الرسمية، ويمتلكون علاقات مميزة بوزارتي الثقافة والاعلام، فهؤلاء امورهم خاصة بتسهيل النشر لهم، وهم غير ما للعامة من الادباء والكتاب من معاملة مسخرة مهينة.

كان المحسوبون على وزارتي الثقافة والاعلام انذاك – واليوم اكثر ضراوة في المحاصصة الطائفية والقومية – فلهم حصة الاسد بافضلية الطبع والنشر، مجموعة شعرية قصائد سريالية، مجموعة قصصية سرد انشائي باهت، خريط حداثوي نقدي، رواية جنسية هابطة ....الخ . يعقبها حفلة توقيع كتاب جديد مع استضافة يعلن عنها في (تايتل) على فضائية او اكثر تشير للكتاب واستضافة الشاعر المبدع المغترب فلان الفلاني على قاعة الجواهري في الاتحاد العام للادباء والكتاب!!

امثال هؤلاء لم يكونوا في السابق ولا الان بحاجة الى ختم رقابة المطبوعات بالموافقة، ولا هم اليوم بحاجة انتظار اكثر من ثلاثة اشهر ليروا مجاميعهم الشعرية والقصصية والنقدية قد سبقهم الحديث عنها داخل وخارج العراق قبل اتمامهم ترتيبات حفل توقيع الكتيب المطبوع في سوق المتنبي او في احدى المؤسسات الثقافية.

في السابق ولحد الان المخطوطات الادبية الثقافية التي كانت تمتلك نصيبا واضحا من الابداع وتجد عبور طريق رقابة المطبوعات، وروتين دائرة الشؤون الثقافية العامة غير سالكة، فالمخطوطات تدفع الى خبراء مختصين، ومن حق كل خبير اجازة طبع المخطوط من عدمه وبتوصية منه، وليس هناك على توصيته ورأيه القاطع مجال استئناف او فيتو اعتراض وحتى في حال تشكيل لجنة صورية من اثنين تؤيد من دون جلسة مع الخبير قرار الخبير المختص وتبصم على القرار بالابهام الايسر .

وبهذه الوسيلة كانت تضيع وتسرق مخطوطات كتب ومؤلفات قيمة اما بأستنساخها او بالادعاء انها ضاعت او بحجة تأخير اعادة الخبير لها وبذلك يتم السطو الكامل على المطبوع.

ننتقل الان الى جزئية ثقافية اخرى انه يجلس الان في بعض مؤسسات وزارة الثقافة في العاصمة والمحافظات من يمثلون نقابات الصحفيين والفنانين واتحاد الادباء و(البيوت الثقافية) –اللهم لا حسد على البيوت الثقافية في المحافظات والقائمين على ادارتها- فهؤلاء لا يعنيهم شيء اكثر من اعداد الموظفات لشاي وسندويش الضحى ! كما لايشغل اهتمامهم اكثر من رائحة الايفادات، واخبار توزيع الاراضي، واشاعات جنى المكاسب المادية .فلا مدير البيت الثقافي ولا موظفيه يفقهون كتابة انشاء لدراسة متوسطة، او كلمات تقديم لمحتفى به من غير عشرات الاخطاء اللغوية والنحوية، فهم لا يهمهم معنى جلوسهم وادارة مرفق ثقافي تصرف الحكومة له ايجار بناية ورواتب موظفين بلا عمل.كذلك هم في غنى عن اعتماد صيغة تعامل ثقافي حضاري في كيفية كسب حضور وتواجد المنتسبين وذوي الشأن الثقافي، كما يجهلون اعتماد الية منهجية ثقافية تحرك الانشطة التي تبث الحيوية في المشهد الثقافي في المحافظة .

 جميع المرافق الاعلامية والثقافية في العاصمة والمحافظات تسودها الشللية والعلاقات المبتذلة الرخيصة والمناكدات في تبادل الاتهامات وتهميش هذا المبدع وذاك والتعتيم عليه واطلاق صنوف الاشاعات المسمومة للنيل منه ومن ابداعه، في مقابل تلميع ذاك الدعي الفاشل وممارسة النفاق والازدواجية في التعامل، والتهريج والصراخ في طمس الفساد والتعتيم على حقائق الامور ومجرياتها من خلف دعم الحزب المعين ماديا ومعنويا، او تلك الكتلة السياسية ودفعها للمعلوم في مقابل خلط الاوراق، ودور الطائفة وعطائها المقسوم، وسند المليشيا وطرقها في التهديد والابتزاز، او بأسم الاقليم المهيض الجناح، او بأسم المحاصصة ام المكاسب والامتيازات والعطايا.

يعرف الكثيرون ممن لهم علاقة واطلاع ربما افضل مني بالاوساط الثقافية بالمحافظات والعاصمة، انه يتبؤا الان خاصة بالمحافظات بعض انصاف المثقفين واجهة الثقافة، ممن كانوا يحلمون توظيفهم في جريدة او مجلة كمراسلي صحف، او مقدمي برامج، او محرري منوعات، او ناقلي معلومة رسمية او خدمية، او القيام بتغطية مشاكل خدمية اجتماعية، معظمها يستنسخ عن اخبار الفضائيات ووكالات الانباء، وتسرق عن مواقع الانترنت .يعني بالحرف الواحد هذه ليست مهنة اعلام وثقافة وانما (حيلة رزق) .

بعض هؤلاء اليوم مشرفين عامين على مرافق اعلامية هامة، ورؤساء تحرير في اكثر من اثنتين او ثلاث صحف في المدينة الواحدة في وقت واحد، مدعومين من قبل متنفذين رسميين وغير رسميين، والفساد الذي يتاجرون بالكلام عنه ليل نهار هم غارقون فيه حتى قامات رؤوسهم يمارسونه في السر والعلن .

ودائرة ازدواجية المثقف في البيت والشارع والسوق ومكان العمل، وبين عامة الناس، تتسع وتكبر لتصل الى عقد لقاءات تلفزونية ساذجة تداعب عواطف الناس البسطاء قبل عقولهم، مليئة بالكذب والمزايدة وتشويه الحقائق، تضع مصلحة الوطن العليا في اخر اهتماماتها قبل شرط جني المكاسب والحفاظ على الامتيازات .

ان سوق هؤلاء المهرجين الفاسدين والمفسدين ثقافيا واعلاميا ربما يكتب لها الرواج بعض الوقت، لان غذاء الاعلام الكاذب ومادته الاساسية هو الاعتياش على التخلف وهيمنة الجهل وانتشار الفقر والبطالة . لكن من غير المرجح ان تعبر بسهولة على المثقف العراقي الجاد المركون بالظل لتسطع اضواء الطفيليين المزيفين مرتزقة الثقافة والاعلام.

فالمثقف الحقيقي هو من تجده الناس يتطابق مع ضميره الوطني الانساني الثقافي مع هموم مجتمعه بصدق ونزاهة .ولا يجب ان يتناسى المثقف الطارىء ما تحفظه ذاكرة الناس، انهم بتطاول قاماتهم القميئة قد تحولوا في ليلة وضحاها الى مواقع ماسحي اكتاف السياسيين غير الوطنيين الذين نصبوهم قضاة يوزعون دروع الابداع وفرمانات التزكية الثقافية في انتشال وابراز فلان على حساب حق وابعاد واقصاء علان، فدوام الحال من المحال.

 

علي محمد اليوسف - الموصل

 

في المثقف اليوم