قضايا

مأزق النهضويّن العرب!!

السؤال الذي لا أجد جوابا واضحا عليه، هو لماذا لم ينجح الرواد النهضويون العرب في صناعة الأمة المعاصرة؟!

وهم الذين بدؤوا ما يسمونه بالتنوير الحضاري منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ومعظمهم قد زار الغرب وعاش فيه وما تعلم منه بل نقم فأسقط بأسباب التأخر عليه، دون مبررات موضوعية وأدلة ذات قيمة معرفية، وجاء بنفسه ليوهم الأجيال بأن ما يقوله ويكتبه فكر ومنطلقات حضارية، وبهذا الخداع والتضليل والتحريف وربما التخريف وصل الحال بالعرب إلى ما هو عليه اليوم وقبله وبعده.

ومن المؤسف القول بأن قراءة كتب المفكرين العرب لا تأتي بجديد، لأنها تدور في ذات المحاور وتتناول ذات الموضوعات التي بدأها الرواد في القرن التاسع عشر، فلا يوجد سوى الإسقاط والتبرير والتفسير السلبي وتعزيز الإحباط، وتأكيد الدونية والتبعية والإنكسارية، وإشاعة ثقافات الهزائم والويلات والتداعيات والمظالم والعاهات النفسية والسلوكية.

لا جديد في إنتاجهم سوى إجترار الترسيخ السلبي لكل سلبي، ونفي الإيجابي عن قلب الأمة وجوهرها، وكل منهم يحسب نفسه صاحب حق " وجدتها"!!

وفي هذا صياغة مضطربة منحرفة أودت بالأمة وأذهبت عقلها وأججت عواطفها، ودفعت بأبنائها إلى تصديق المنطلقات الوهمية التي لا تمتلك رصيدا واضحا من الواقع، وإنما مبنية على ما يجيش في نفوس الناقمين على الآخرين، وكأنهم لا يمكنهم أن يكونوا ويتحققوا بسبب كينونة الآخر وتحققه.

فالحقيقة المغيبة أن الأمة لا تحتاج لأية أمة أخرى لكي تعرف طريقها وتكون، فلا حاجة لأمة العرب لتجارب غيرها، لأنها الأمة الغنية بالمعارف والتجارب والقدرات الفكرية والثقافية والمادية اللازمة لتحققها والتعبير عن دورها الحضاري.

فالأمة تكنز في مسيرتها من العطاءات والتجارب والسرديات والمدونات، والخطابات والقصص والحكايات والأشعار والأنوار الفكرية والتشريعية ما يغنيها عن باقي الأمم.

لكن العلة السرطانية والعاهة الطاعونية،  أن الرواد النهضويون قد أغفلوا ما عندهم وراحوا يتكلمون بأبجديات الإنبهار والدهشة، وربما الصدمة، وبآليات الجهل والأمية عما عند الآخرين، فأضاعوا الحالتين أو المشيتين.

فهم الذين كانوا في الغرب وما عاشوا فيه، شأنهم شأن الملايين من المهاجرين الذين في مهاجرهم، ولكنهم لا يعيشون فيها، ولا يستوعبون مفرداتها السلوكية والحضارية، ولهذا تجد في بعض الدول العربية أن حكوماتها من الذين عاشوا في دول غربية ديمقراطية، لكنهم عبروا عن التطرف والإستحواذية والإنتقامية والفئوية، وما حققوا تجربة ديمقراطية ذات قيمة وطنية أو إنسانية، وإنما إرتكبوا حماقات وجرائم ضد الإنسانية.

ذلك أن العربي عندما يكون في بلاد غريبة يتمترس حول ذاته، ويمعن أو يفرط بالتعبير عما يؤكده ويميزه ويعزله عن الواقع الذي هو فيه، ولهذا فأن رؤيته للغرب تكون مضطربة وغير صادقة، وإنما مبنية على رؤيته الشخصية الممزوجة بآليات دفاعية وتبريرية سقيمة، وهذا ما نراه حتى في الوقت الحاضر في كتابات العرب الذين يعيشون في دول غربية ديمقراطية، فتتعجب من أساليبهم المضادة لكل ما هو ديمقراطي وإنساني وحق طبيعي، إذ تسود كتاباتهم الأراجيف الفئوية والتحزبية والطائفية والتطرفية المقيتة.

ولهذا فأن على الأمة أن تتبصر وتتنور وتتحرر من البلاء المستطير الذي يخيم عليها منذ عقود طويلة، وترى مواضع خطواتها وتؤمن بذاتها، وتستخرج جمان أفكارها وتتحقق بها، لا أن تبقى تطارد خيط دخان، وسراب كان.

فالأمة ثرية بالأفكار الحضارية والإرادات المتوثبة، لكنها مرهونة في خنادق وأنفاق، وكأنها لا تريد أن تكون كما هي، بل كما يُراد لها أن تكون!!

فما أحوج الأمة للإيمان بنفسها وذاتها وموضوعها، وعزيمتها على أن تتجدد وتنطلق وتلتقي مع جوهر ما فيها، فالأمة لا بد لها أن تكون وستكون حتما، بعيدا عن أفكار المغرضين الذين ربما كانت كلماتهم ذات تمويل فائق ومصدر عيش رائق!!

فالأمة كائنة وما علينا إلا أن نعترف بكينونتها لكي تزدهي وترتقي وتعاصر!!

 

د-صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم