قضايا

الاغتراب والمثالية.. الاغتراب لازمة انسانية

ali mohamadalyousifان لفظة الاغتراب كمصطلح حديث Alienation المشتقة من الفعل alienate تعني تحديداً: يغدوا غريبا او يجعل شيئا ما ملكا لآخر او تعني الذي لا يملك ذاته.

وقد ميز الألماني هرمان جلوكنر (بين لفظة (غربة) في الألمانية Entremdung وبين لفظة الاغتراب Entansserung وفي كل الاحوال  فالمعنى المراد والمضمون المقصود من لفظة اغتراب اهم بكثير من الدلالة اللغوية الصرفة لها (1).

ويقول (والتر كوفمان) ان الفيلسوف اليوناني افلاطون (427-347)ق.م . كان اغترابه عن مجتمعه ليس بحاجة الى ان نستنبطه من تاملاتنا حول اصل الفلسفة كما اننا لا نحتاج الاعتماد على المقتطعات المتناثرة في كتاباته , فاذا ما تأملنا عمله الضخم في الفلسفة السياسية والاجتماعية وهو كتاب (الجمهورية) الذي يعتبر بصفة عامة – رائعته الحقيقية لوجدنا انه عمل رجل مغترب عن المجتمع الاثيني وعن سياسات واخلاقيات عصره انه رجل لا يخضع للمؤثرات والاوهام وتسيطر عليه القناعة بانه من العبث بالنسبة له تماما ان  يحاول الاسهام في الحياة العامة لمدينته. وهو يعتقد ان ما هو مطلوب ليس سلسلة من التغيرات التي يمكن الاخذ بها في اطار النظام القائم بل وليس المطلوب اصلاح هذا النظام ذلك انه يتعين اما ان يصبح الملوك فلاسفة او يغدوا الفلاسفة ملوكا(2).

ويبدوا ان اول من استعمل لفظة الاغتراب بمفهومه الفلسفي الحديث في معان ادبية وشعرية وانفعالية عديدة قبل القرن التاسع عشر هو (روسو)(3).

ولم يصبح الاغتراب مفهوما فلسفيا حديثا الا عند فيخته (1762-1814) فاغتراب الأنا  لديه هو خلقها لعالم مجرد لا حياة ولا صراع فيه(4) . وهو مفهوم مثالي تجريدي لمعنى ومضمون الاغتراب وحسب تعبير (فوير باخ 1804-1872) فالاغتراب لديه انقلاب الأنا الى الآخر اذ يذهب في كتابه (جوهر المسيحية) الى ان الاغتراب الديني لدى الإنسان اغتراب زائف غير حقيقي يمثل ثيولوجيا الدين أي لا جوهر الدين ، لا حقيقة الدين(5). وعنده ايضا الاغتراب الديني اصل ومنشأ كل اغتراب يعانيه الإنسان والحلم لايكون في السماء بل على الارض(6). وكان ان اشار كالفن 1509-1564 بعد فوير باخ قائلا: (ان الموت الروحي ليس شيئا سوى اغتراب الروح عن الله). ويجمع معظم المعنيين بظاهرة الاغتراب على ان مفهوم الاغتراب بالنظر لتعدد وتباين دلالاته الفكرية، الدينية، الفلسفية ومضامينه الاجتماعية ، الثقافية ، التاريخية شابه ويشوبه الغموض في تعدد استعمالاته واختلاف جوانب الرصد والتناول والمعاينة والبحث فلا يوجد معنى واحدا للاغتراب كما يقول والتر كوفمان وليس له بعدا واحدا من الابعاد ايضا ومن المتعذر الاجماع على مصطلح الاغتراب في دلالة معينة واحدة.

وعنى (هيجل) بظاهرة الاغتراب عناية مركزة واعتبر الإنسان مغتربا (بالضرورة) وان تاريخ الإنسان هو تاريخ اغترابه بحد ذاته واشار في كتابه (ظاهرات العقل الذي ظهر عام 1807 في تحليله للروح المغترب )(7). اذ اطلق على الاغتراب (الوعي التعس) كما تنبأ هيجل في كتابه هذا تحول مفهوم الاغتراب من الميتافيزيقي الاصيل في اشارة منه الى فلاسفة اليونان والرومان ومن تلاهما من السابقين عليه واعتبر مفهوم الاغتراب كان ميتافيزيقيا ولا هوتياً...

وبانتقالة مفهوم الاغتراب الى المضمون المادي المحسوس من بعدهم على يديه – هيجل – ليتطور من بعده في ابعاد سيسيولوجيا في كتابات ماركس ، (لاحقا محققة ذلك التنبؤ الهيجلي بانتقالة نوعية في مفهوم الاغتراب كان مهد لها قبل (ماركس) مجموعة من الشبان الهيجليين الالمان من امثال : شتراوس 1808-1874 وباور 1762-1860، وفوير باخ 1804-1872، وشترنر 1806-1856.)(8).

******

ربط ماركس (مفهوم الاغتراب بالواقع المادي الاقتصادي – الاجتماعي في نظرية (العمل المغترب) لدى (هيجل) واعزى ماركس (اغتراب الطبقة العاملة نتيجة تقسيم العمل في المجتمع الرأسمالي التي هي ايضاً امتداد جدلية مقولة (هيجل) اغتراب الإنسان نتيجة اغتراب العمل)(9).

ان منطلق ماركس في تناوله الاغتراب باعتباره ظاهرة (سيسيولوجية - تاريخية) تطورت عبر العصور منشأها وجذورها (العمل المغترب) الارضية المشتركة لكافة اشكال الاغترابات الانسانية الناتجة عنها حددها ماركس بمظاهر اربعة رئيسية هي:

اغتراب الإنسان من الطبيعة(10). كونه كائنا طبيعيا وجزءا من الطبيعة ذاتها متميزا عنها محتدما معها.

اغتراب الإنسان عن ذاته(11). كونه كائنا نفسيا ذكيا متأملا تجريديا.

اغتراب الإنسان عن وجوده ككائن نوعي(12) كونه كائناً اجتماعياً بالطبيعة المؤنسنة وبالضرورة البيولوجية ايضا.

اغتراب الإنسان عن غيره من الناس(13) كونه كائنا انسانيا له خصائص وراثية وبيئية وعقلية متباينة.

ولدى (ماركس) كما لدى غيره قبله وبعده يحصل ان يكون الاغتراب سمة مشتركة تختص بها طبقة معينة او شريحة اجتماعية في مجتمع معين واشتراطات ظرفية زمانية – مكانية معينة ايضا ولكن لاتكون كل اغترابات هؤلاء المجاميع وتلك التجمعات من نوع الاغترابات الايجابية التي تدخل في علاقة جدل بالمحيط لاختلافات واسباب منوعة وعوامل معقدة . فمثلا اغترابات الطبقة العاملة في المجتمعات الرأسمالية قبل تسلحها بالمنطلقات النظرية الثورية لتطبيق المفاهيم الاشتراكية على وفق ما فعله (لينين) بعد وابان انتصار الثورة البلشفية الروسية عام 1917. وربما نقول قبل صدور البيان الشيوعي في عام 1848 من قبل ماركس وانجلز فقبلها لم تكن هناك ايديويولجية ثورية تخلص الطبقة العاملة من اغترابها السلبي و التي تجهل كيفية خلاصها وبين (ماركس) ان العامل / والرأسمالي / وناتج رأس المال - هذا المثلث بجميع مكوناته وتداخلات علاقاته وانفصاله جميعهم مغتربون.

فالرأسمالي يجد اغترابه الذاتي قوة وخير ومنفعة ورفاهية دائمة له ، ويجد العامل في اغترابه الذاتي انه لا حول ولا قوة له وان وجوده لا انساني ومن ثم يحافظ الرأسمالي على هذا التناقض ولا يرضى التنازل عنه في حين يرغب العامل تدميره(14) . ويعتبر ماركس (اغتراب رأس المال) حسب تعبيره (اعظم اغتراب للانسان في تاريخه) فهو يبقي العامل والطبقة العاملة (البروليتاريا) في فوضى اغترابها فوضى استلابها الإنساني وتمزقها وعجزها عن امتلاك وسائل خلاصها في استردادها كرامتها المصادرة وحقوقها الاقتصادية المهضومة.

يقول (ايريك فروم) في مقدمة كتابه : مفهوم ماركس عن الإنسان(15): (ان فلسفة ماركس شأنها في ذلك شأن قطاع كبير من الفكر الوجودي تمثل احتجاجا على اغترابه (اغتراب الإنسان) وفقده لذاته وتحوله الى شيئ انها تحرك ضد نزع إنسانية الإنسان وتحوله الى آلة وهما ظاهرتان تضربان جذورهما في تطور حركة التصنيع الغربية).

ان مقولات ماركس حول فائض القيمة واغتراب رأس المال تعتبر في حينها الفجوات والثغرات التي ظهرت فيها على صعيدي النظرية والتطبيق تعتبر اصدق وانضج تعبير فلسفي علمي عن تطور ظاهرة الاغتراب. سيسو تاريخية في تفسيره وتعليله التطور التاريخي الحضاري للمجتمع في وجهة النظر المادية  التاريخية الجدلية ويمثل الاغتراب بؤرة جذب مركزية ولابد لنا من وضع بعض هذه اللمحات الفذة في نقل ظاهرة الاغتراب من فلسفتها المثالية الى ارضية جدل الواقع والحياة والتاريخ.

يقول ماركس  في هذا الصدد : ان ماهية الاغتراب لا تكمن في كون الإنسان يموضع ذاته بصورة غير إنسانية وفي تعارض مع ذاته ولكن كون الإنسان يموضع ذاته في تمايز عن الفكر المجرد وفي تعارضه معه.(16)

وقوله ايضا: (المثقف في الوقت الذي ينتج فيه الحضارة فانه ينتجها في شكلها المغترب ويلزم من ذلك ان الحضارة في تناقض مع الإنسان )(17). ان هذه النتيجة التي توصلها (ماركس) بروعة تحليليه ظاهرة الاغتراب يعني ان الحضارة الانسانية متجددة في تراكم معرفي نوعي حافزها اغتراب الإنسان الابداعي غير السلبي الذي يتماشى دوما مع جوهر الطبيعة الانسانية في تجاوزها المستمر لنفسها وفي ذلك يقول ميرتون : (الاغتراب هو احد العوامل للتغيير الاجتماعي القائم الهامة ومن ثم فهو ظاهرة تاريخية لازمة لتغير المجتمعات والقضاء على التناقضات التي ينطوي عليها بناؤها الاجتماعي)(18).

كما اعتبر هربرت ماركوز الاغتراب سمة العصر ورمز الصراع الإنساني في صنع حضارته وتقدمه . واكد على هذه المفاهيم في كتبه (العقل والثورة) الصادر عام 1941 (والانسان ذو البعد الواحد) و(العشق والحضارة).

ومن الحقائق الهامة التي ياتي على ذكرها والتركوفمان : ان الاغتراب لم تجر مناقشته في العالم الناطق بالانكليزية حتى في اوج قمة المثالية الانكلو–امريكية فليس امرا مدهشا ان المثاليين ركزوا على اعمال (هيجل) ولم يهتموا بالظاهريات لـ (هيجل) بصفة عامة الا قليلا ...(19) (يقصد كتاب ظاهريات العقل) لـ (هيجل).

وفي الخمسينيات جعل عدد محدود من اللاجئين الالمان النمساويين الاغتراب شيئا مألوفا في الولايات المتحدة فقد ذكرته كتب (اريك فروم) (المجتمع السوي) الصادر عام 1955 واريك كالر (البرج والهاوية) الصادر عام 1957 وكتاب (جينا اريندت) (الوضع الإنساني)(20).

يقرر والتركوفمان حقيقة على جانب هام جدا التي تؤكد نحن الاخذ بها، على ضرورة اغتراب الإنسان عن مجتمعه وعصره ايجابيا وابداعيا قائلا : ينبغي الا نسعى للاحساس بالألفة في هذا العالم ذلك اننا يتعين علينا ان نكون مقتنعيين بعدم  واقعية هذا العالم وان نضع ثقتنا في عالم اخر يسمو فوق كافة التجارب الحسية ويقع وراء التغيير و الزمن(21). ولدى (هيجل) ان الخير هو تطابق الواقع الموضوعي مع وعي الذات .

يتضح ان اغتراب الإنسان الابداعي المتميز منه لم يكن صورة انكفاء من الخارج باتجاه الداخل ، من الموضوع نحو الذات وأنما بصورة استحواذ الذات في السيادة المطلقة على الموضوع . وأشكال الاغتراب الابداعي معظمها يتجلى بفقدان (التناسق) الخاطئ غير السوي مع المحيط امام تحقيق رغبة الإنسان في السيطرة الدائمة على الظواهر الطبيعية و العلاقات الاقتصادية و الاجتماعية المنحرفة التي تعيق تحقيق ذاته الاصيلة وذات المجتمع السوية العادلة ومحاولته الامساك بالاسباب التي تقرر مصيره ووضع مستقبله وازاحة قوى الاستلاب التي تعترض طريقه وهو ما أسهم في حل تعقيدات الوضع الإنساني في مختلف المجتمعات بما يؤمن لللانسان الامان والاستقرار وازاحة كابوس قلقه المشروع الدائم الذي يصفه (سورين كيركارد) في هذا المعنى ان حالة القلق والاغتراب كامنة في الاعماق السحيقة للوجود الإنساني والقلق ظاهرة إنسانية فالانسان هو الكائن الوحيد الذي يمتزج في كيانه الروح بالجسد والناس ليسوا ملائكة تستغرقهم الروح وليسوا انعاما توجههم الغريزة ويعيش الناس بين روحانية الملائكة وغريزة الحيوانات لذا يعيشون في حالة قلق واغتراب يغتربون عن الروح في سلوكهم الغريزي ويغتربون على الجسد في عباداتهم الروحية(22) .

وهكذا يؤصل (كيركارد) حالة القلق الاغترابي القابع في صميم اعماق الوجود الإنساني ومن ثم يكون الاغتراب حالة حتمية وظاهرة إنسانية طبيعية تنطوي على طاقة خلاقة لا غنى للانسان عنها ... وفي ذات المعنى يؤكد الروائي الايطالي البيرتومورافيا في مقابلة صحفية معه بقوله: الإنسان في جميع الازمنة وفي كل الامكنة منفصم الشخصية بصورة لنسمها طبيعية وكان هذا الانفصام يدعى مرة بعد اخرى روحا وجسدا عقلا وغريزة نفسا وجسما انا ولا وعيا.

يمكننا الاستنتاج ايضا ان الاغتراب لازمة ضرورية لصنع الحياة ليس من المنظار الوصفي الخارجي المتباين الاشكال لاغترابات الإنسان وانما من خلال التاكيد على ان اغتراب الإنسان يرتبط بروابط عضوية ان يكن مركزها عقل الإنسان فان امتداداتها نفسية وسلوكيات وتجارب الإنسان وتعامله اليومي مع الحياة في رفض اشياء وقبول اخرى وهكذا.

يقول ريتشارد شاخت : من الطبيعي انه اذا ما اريد استخدام مصطلح الاغتراب بصورة وصفية فحسب وعلى نحو تقويمي فان ذلك لن يضع حدا للنقاش حول اذا ما كانت الظواهر التي توصف بانها موضوع للاغتراب وعكسها امورا مرغوبا فيها من عدمه.

وبوسع المرء ان يميز بين الاستخدام النقدي للاصطلاح الذي يفهم على انه ينقل التزاما قيميا وبين الاستخدام غير النقدي الذي يفهم على انه لا يتضمن مثل هذا الالتزام مرتبطا بطرح او تأكيد ان الظاهرة موضع التناول غير مرغوب فيها ... وفي الحالة الأخيرة وعلى العكس من الاولى فان اولئك الذين يأخذون بوجهة النظر القائلة بأن الظاهرة غير مرغوب فيها سيظلون قادرين على قبول وصفها بانها نمط للاغتراب تماما..(23).

فالاغتراب قيمة لازمة وضرورية لصنع حياة افضل وتحقيق تطلع الإنسان الدائم لبناء حضارته وازالة بعض اشكال اغترابه لان امنية ورغبة ازالة كافة الاشكال الاغترابية او حتى معظمها التي يعانيها الإنسان في حياته بالغة التعقيد اذ هي اشكال اغترابية مختلفة متباينة جدا باختلاف وتنوع الدوافع والاسباب مبعث اغترابات الإنسان حسب مزية كل مجتمع وتكوين ونفسية وقدرات و مؤهلات كل فرد في تفاوتها , امنية صعبة التحقيق ان لم تكن مستحيلة فعلا وليست في صالح الإنسان وصالح حياته التي تستوجب التناقض والغرابة والخروج على المألوف وكسر رتابة المعتاد .

اغتراب الإنسان الابداعي انواع واشكال ومضامين مختلفة ومواقف تعبيرية تتخذ اغلب الاحيان الاطر الفكرية الجمالية والادبية والفنية المراد توصيلها للاخرين ، الى الغير، وتختلف باختلاف المبدعين الاغترابيين منتجي عملية الخلق الابداعي .

والاغتراب الابداعي في امكانية تواصله كتجربة وكـ(لغة) تخاطب الآخر هي على العكس تماما من مفهوم (برجسون) للتجربة الصوفية والحدس .

الا اننا يمكننا القول بعجالة هنا ، ان الاغتراب الابداعي تجربة إنسانية تقبل التجزئة وتتقبل الاختلاف وتقوم على مبدأ التباين تبعا لتباين واختلاف وسائلها في التعبير والاتصال بالاخرين ، على العكس من بعض التجارب الذاتية او الحدسية فهي تجارب منكفئة نحو الداخل في اغوار النفس ليكون اتصالها بالواقع المادي على شكل (ومضات) و (صدمات) كهربائية تقريبا ، وتفتقد الانتظام الممنهج العام لتسلسل الافكار منطقيا في العلاقة بالآخر والمحيط .

فهي بهذه الصفة المنغلقة تختلف عن انفتاحية تجربة الاغتراب التي يظنها اغلب الناس على انها تجربة انغلاقية تشوبها عوامل نفسية عصابية او وظيفة مرضية فسلجية عقلية او ذهانية في عمل وظائف الدماغ الطبيعية .

فالتجربة الحدسية او التصوفية الذاتية – ولا اقصد الدينية هنا-حسب التفسير (البرجسوني) لها لايمكن ان تتحول  دائما الى رموز لغوية او الى تعابير اتصالية سمعية او بصرية ، او كشفية شفاهية اكانت ام مكتوبة . او حتى ادراكية يسهل على المتلقي الآخر فهمها او تقبلها بسهولة و الافادة منها دونما يفقد البعض مميزاته الانسانية الطبيعية التي يتطلبها حتى ولو بأدنى الدرجات ، الاخرين و المحيط بعلاقتهما به.

فالتجربة الذاتية الاغترابية التي يظهر من خلالها التضارب بين الوجود والماهية او كما يصفها (هيدجر) عملية تنافر بين وضع الإنسان الفعلي الوجودي و(طبيعته الجوهرية) تجربة اغترابية سلبية منغلقة جوّانيا ومنكفئة أملا ان تعيش علاقة روحية فردانية متسامية على العكس من تجربة الاغتراب الابداعي المتحققة المتموضعة بشكل او بآخر من اشكال التعبير الذي يؤكد الطبيعة الجوهرية للذات والطبيعة الانسانية للآخر . ويمكننا هنا الاستشهاد بنص نحن نعتبره شكلا من اشكال الاغتراب السلبية التي بذرت بذور استنبات الاغترابية السلبية التي اخذت بها الوجودية الحديثة واحتضنتها لدى سارتر على وجه الدقة . تلك هي تجربة المتصوف الغربي الالماني (هرمان هسّه) اذ حضى بتقدير قل ان يحظى بمثله كاتب آخر من قبل اولئك الذين يعتبرون انفسهم مغتربين وكانت الرواية التي شكلت نقطة ومرتكز وثوب (هسّه) الى مكانته المميزة هي رواية (دميان) التي صدرت تحت اسم مستعار عام 1991 ولم يعرف في البداية انه هو الذي ألفها وكانت العبارة التي صدرت بها الرواية تنويعا على مقولة (هيراقليطس) الشهيرة عن نفسي ابحث والتي جاء في الرواية (لا أنشد شيئا الا ان احاول ان اعيش كل هذا الذي تصنعه نفسي انطلاقا من ذاتها ... ترى لِمَ يصعب ذلك للغاية!؟)(24).

 

علي محمد اليوسف - الموصل

.......................

المصادر والهوامش

(1)  الهامش : لفظة (تخارج) في اللغة العربية هي الاقرب لمعنى ومضمون الاغتراب . وقد اعتمد الفكر العربي الثوري الايديولوجي هذه اللفظة بمعنى (الانقلابية) واريد بها انقلاب الثوري على الذات والموضوع معا بمعنى نقد الفرد لذاته وتخليصها من سلبياتها الموروثة والمكتسبة بغية تحقيقها – أي الانقلابية في المجتمع وتبديله وتخليصه من امراضه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتحقيق المنشود!!

(2)  حتمية الاغتراب مقدمة كتاب ريتشارد شاخت ترجمة كامل يوسف ص42.

(3)  عالم الفكر : مج10 مصدر سابق مشار له د.حسن حنفى ص70

(4)  مصدر سابق الاغتراب الديني عند فوير باخ د.حسن حنفي ص45.

(5)   نفس المصدر السابق ص56.

(6)  نفس المصدر السابق ص57.

(7)  عالم الفكر مج10 ع6 1979 الاغتراب . د.احمد ابو زيد ص6.

(8)  نفس المصدر السابق د.حسن حنفي ص40.

(9)  نفس المصدر السابق د.احمد ابو زيد ص8.

(10)  الاغتراب وازمة الإنسان المعاصر مصدر سابق د.نبيل السكندر ص87.

(11)  الاغتراب وازمة الإنسان المعاصر مصدر سابق د.نبيل السكندر ص87.

(12) الاغتراب وازمة الإنسان المعاصر مصدر سابق د.نبيل السكندر ص87.

(13) الاغتراب وازمة الإنسان المعاصر مصدر سابق د.نبيل السكندر ص87.

(14) عالم الفكر مصدر سابق الاغتراب الكوني د.مراد وهبة ص76.

(15) مقدمة والتركوفمان، حتمية الاغتراب ص33 مصدر سابق.

(16) نقلا عن د.مراد وهبة الاغتراب والوعي الكوني مصدر سابق ص105.

(17)  نفس المصدر السابق ص107.

(18)  الاغتراب وازمة الإنسان المعاصر مصدر سابق ص310.

(19) حتمية الاغتراب والتركوفمان مصدر سابق ص73.

(20)  نفس المصدر السابق ص78-101.

(21)    نفس المصدر السابق ص102

(22) الاغتراب وازمة الإنسان المعاصر د.نبيل رمزي ص280.

(23)  شاخت ص209.

(24) حتمية الاغتراب ، مصدر سابق ، والتركوثمان، ص54.

 

 

في المثقف اليوم