قضايا

الحضارة والارهاب

ali mohamadalyousifالتطرف الديني الاسلامي الذي نشهده ليس من مظاهر وافرازات الحضارة الاسلامية المتحفية!! لكنه بالتاكيد ابرز مظهر سياسي رافق نشوء العولمة. علينا التاكيد هنا ان المظهر الحضاري هو احد اهم افصاحات ومكونات التاريخ، لكن أي مظهر حضاري مهما امتلك من مقومات القوة والحداثة والتقنية العلمية العالية لا يستطيع ولا يتمكن من اختزال تمثيل كل (التاريخ) البشري متمركزا في البؤرة الحضارية فقط .. والعكس من ذلك صحيح ايضا اذ لا يمكننا اختزال أي تاريخ لأي امة او شعب في البؤرة الانثروبولوجية لمساره التاريخي ضمن التاريخ البشري عموما .. او تاريخ بعض الامم . يصبح هناك احيانا تشاكل أي عدم تماثل بين المسار التطوري للتاريخ كبنية تحتية مادية مع البنية الفوقية المعرفية الحضارية له .. اذ يمكن لشعب متخلف في بنيته التحتية والاجتماعية لكن تجد انه ينفرز عن تلك البنية المتخلفة ظواهر عمرانية مدنية ومعارف وادآب وفنون ومظاهر حضارية متقدمة جدا .. مثال ذلك انسان ما قبل التاريخ في بدائيته المعيشية ابهر العالم في مجال الفنون التي تركها على جدران الكهوف، النظام العبودي الرق الذي كان سائدا في مصر الفرعونية انتج الاهرامات كمعجزة او طفرة حضارية سواء بالقياس لنمط العلاقات التي كانت سائدة اجتماعيا ومعرفيا او حين مقارنتنا لها بوسائل معطياتنا الحضارية السائدة الآن .. ومثل ذلك حدث في حضارة وادي الرافدين السومرية والبابلية والاشورية والحضارة الفينقية والعربية وكذا في الشام والاندلس والحضارة اليونانية ..

جميع اشكال الارهاب وليس حصرا ارهاب بعض المنظمات الاصولية الاسلامية ظاهرة لا تنفرز ابدا عن معطى حضاري .. والاسلوب الارهابي الدموي الذي يدينه أي انسان يعتز بآدميته هو اسلوب همجي واحد .. وبذلك يمكننا وضع ممارسات المجرم شارون بابشع اشكالها الارهابية وان اسرائيل ليست دولة متحضرة لانها تمارس الارهاب بكافة صوره وتخلط امامها المذنب والبريء ولو كانت اسرائيل تمثل الحضارة والتمدن كما تدعي وسط محيط عربي متخلف لما انفرز عنها اسلوب ابادة الفلسطينيين ارهابيا واقامة جدار العزل العنصري وتهديم المنازل على ساكنيها ولما احتلت منذ اكثر من خمسة عقود اراض عربية سورية وفلسطينة ولبنانية فلماذا لا يصح صدام الحضارات مع اسرائيل الارهابية !؟ واي شيء حضاري قدمته اسرائيل للبشرية منذ قيام دولتها والى يومنا هذا؟.

التراكم الكمي والكيفي الحضاري للبشرية الذي يمكننا احتسابه انه دام منذ قبل اكثر من عشرة الاف سنة حسب ما يذهب له جوليان هكسلي التي انقضت منذ التحسن المناخي النهائي الذي اعقب العصر الجليدي ثم اصبحت امكانات التقدم الذي تكشفت للانسان البدائي انسان ما قبل التاريخ لا حد لها بعد ان تفتحت عيناه على افاق التطور. لا يمكننا الغاؤها ولا يمكننا تاكيدها بالصورة الحتمية التي يراد تسويقها للعالم في نشدان نهاية التاريخ وصراع الحضارات ممثلا في اقسى وافزع مظهرية مبتذلة في الاصطدام الارهابي كما يرغب ويريد هنتوكتون لاعطاء مسوغ مشروع في تمرير مفهوم العولمة انه التطور الطبيعي للتاريخ الانساني والمسار الوحيد المتبقي للبشرية في الحفاظ على ابقاء رقيها وتقدمها العلمي – الحضاري يؤكد ذلك قول هينتكتون : (العولمة الامريكية والواحدية في منطق القوة والتفوق التكنلوجي لاسلحتها التدميرية تعد نهاية للتاريخ) .

في تأكيدنا أن التاريخ الإنساني ليس مقطراً تقطيراً إتلافياً ليتمركز في ناتج المظهر الحضاري المتبقي منه امريكياً فقط وليس عالمياً، وبهذا المعنى يصح القول بحسب ماذهب له هينتكتون وفوكوياما بأن نهاية التاريخ هو نتيجة لسيادة " منطق القوة والتفوق التكنولوجي في امتلاك اسلحة التدمير الشامل والابادة النووية " .

أي أن نهاية التاريخ حسب التعليل الامريكي إما أن تسود مفاهيم العولمة وتهيمن على العالم وإما لايوجد بعدها هناك تأريخ للعالم . لا إنتقاص أن الحضارة ألامريكية الحديثة ممثلةً بالنيوبرالية و (العولمة) امتلكت مقومات مدنية عالية متطورة جداً علمياً وتقنياً ومعلوماتياً وإتصالاتيا وفي كل مجالات الحياة التي لها تأثير مباشر على العالم أجمع سياسياً وحداثياً لا يمكن اغفاله أو التقليل من أهميته في رسم ملامح مستقبل عادل وآمن وتعايش للبشرية .. ولكن هل من الصواب توظيف كل هذه الامكانات الهائلة التي لاتحد على إبراز التفوق الحضاري الذي فعلاً تمتلكه سياسياً وتكنولوجيا لكنه يمكن إعتباره ثانوياً في حربها على إجتثاث ومحاربة الإرهاب عالمياً والعالم بغالبيته وبضمنه الدول والشعوب العربية والاسلامية غالبيتها يقفون الى جانبها في تحقيق مسعاها الذي هو فعلاً مسعى يجنب الانسانية كوارث ومآسي هي في قياسات توازي ماجرى في الحرب العالمية الثانية من ناحية التدمير والمآسي للإنسانية. بدلاً من رفع شعار صراع الحضارات وتهديد البشرية بالفناء إن لم يرضخ العالم إلى أن التاريخ توقف قطاره في محطة العولمة الأمريكية وأنتهى عصر الأيدولوجيات ومضى زمانه. ولماذا إختيار صراع الحضارات وتحديداً إختيار "الحضارة الإسلامية المتحفية!!" هل أصبحت كل وجميع حضارات العالم قديمها وحديثها متمدنة وحضارية مسالمة تحب الخير للعالم بإستثناء " الإسلامية !! " إن لم يكن وراء هذا الإستفزاز الديني المتعمد المقصود مصالح ونوايا سياسية يراد تمريرها ويرفضها معظم العالم باستثناء إسرائيل !؟ وإلا إذا اتخذت أسلوب الردع والقوة وفرض إملاءات القوي على الضعيف .

وأمتلاك أمريكا للحضارة بل قمة الحضارة الغربية هو أمر مسلم به لكن يجب عليها أن لاتختزل كل تأريخها في منطق وأسلوب صراع الحضارات وتصدير العولمة بإسلوب القوة الغاشمة .. ربما تتمكن من ذلك كونه أسلوباً يفضي لحل جميع او بعض المشاكل الملّحة . الجانب الحضاري للأمة الامريكية المفصح عنه في التكوين والمباديء الانسانية المطروحة ممثلة في حرية الشعوب واحترام سيادتها،حقوق الانسان والديمقراطية , الغاء التمييز العرقي , وتقليل الفوارق بين الغني والفقير التي تحملها هو احد مكونات التاريخ الامريكي خاصة في رفع شعار الحرية لكن كل ذلك لا يمثل تاريخها كاملا, هذا الفهم يفيد ويخدم المباديء الامريكية الانسانية اذا صدقت النوايا اولا ويفيد العالم في صرف الاهتمام والانظار ان مفاهيم العولمة الاميركية لا يمكنها ان تسود العالم وتنفذ استراتيجيتها من غير اسلوب القضاء على الارهاب الذي هو ظاهرة محكومة بالزوال من غير تصدير ورفع شعار صراع الحضارات الذي هو شعار استفزازي عنصري عرقي ديني غير حضاري ليس للعرب والمسلمين فقط وانما لجميع شعوب وامم العالم التي تحترم تراثها الانساني وهويتها المميزة وخصوصياتها المحلية .

العولمة ان كانت فعلا تمتلك مقومات حضارية انسانية تريد تعميمها لخير البشرية بلا تمييز لا انساني وغير عادل فانها بذلك تكون فعلا انهت وانقذت البشرية وخففت عنها سوءات الاحتمالات المضنية لتاريخ الانسانية البدائي – البدئي الذي تخللته الحروب الدائمة المدمرة والفقر والظلم والاستبداد والكوارث الطبيعية والامراض .. وانبثاق عصر وتاريخ جديد للانسانية في ترسيم مستقبل البشرية مع مساهمات غيرها من الامم والشعوب بما يعمل على تقدم البشرية ورخائها وينتهي على الأقل من تاريخ العالم المستقبلي,مراحل طويلة وعديدة من التطاحن الحربي تحت عدة اشكال وانواع من الاحتماءات الشعاراتية الفارغة كشعار صراع الحضارات .

صوموئيل هنتكتون في مقولته صراع الحضارات

clash of civilyzation ويقصد بذلك الحرب والقتال بين نوعين من الحضارات مملكة للشرق فاسدة متخلفة التي هي حضارات الشرق والشرق الاقصى بالضد من الحضارة الغربية مملكة الخير والرفاهية والتقدم وحليفتها على حد تعبير هنتكتون – لا يحدد هنتكتون من هو حليف الحضارة الغربية الذي يعيش في الشرق الاوسط غير اسرائيل التي لم يسمها بالاسم - ضد الاسلام والحضارة الصينية القديمة (الكونفوشوسية) منفردتين او متحالفتين معا لا فرق .

التاريخ المعاصر للبشرية الذي يمكن افتراض بدايته العولمة الجديدة الذي في هذا التاريخ ينتفي ويختفي التسلسل الاستقرائي الانثروبولجي ليحل محله عصر الاقتصادات المتكاملة المفتوحة بلا حدود عصر الالكترونيات والانترنت والحاسوب، الانسان الآلي، عصر الفضائيات،الطفرة في الهندسة الوراثية والجينات، زرع الاعضاء، طفرة الاتصالات النوعية، المعلوماتية واختزال الزمن .. تغييب عاملي الجغرافية والتاريخ، سيادة الكارتلات الاقتصادية السوق الحرة ومنطق الهيمنة، نشر الامتثال والتبعية للشعوب سياسيا اقتصاديا ثقافيا، سلوكا استهلاكيا، صهر واذابة جميع الملامح والخصوصيات المحلية والقومية التي تقف عائقا في وجه مسيرة توحيد العالم ضمن منطق هيمنة العولمة ومفاهيمها الخاصة وتصدير انماط من المدنية الاجتماعية والاخلاقية والدينية والسلوكية، تدوير عجلة نزعة الاستهلاك المتغيرة بلا توقف ودوران عجلة الموديلات المتنوعة المتسارعة. اصبح الان امامنا من السذاجة ان نتساءل هل سيكون هناك تناقض او يوجد الآن ما بين ما اطلقنا عليه التاريخ البدائي – البدئي المتحفي للانسان، وما بين التاريخ الحي المعاصر الجديد المتمثل بمفاهيم وتاريخ العولمة من جهة اخرى!؟ على اعتبار جميع المراحل والحقب التاريخية

السابقة على حقبة العولمة انما تمثل غياب التاريخ الحقيقي للانسان.

الجواب المباشر.. لا!؟ ببساطة لعدم وجود وانتفاء الاختيار .والندية المتكافئة في الصراع المراد. لماذا … !؟ لأن التناقض الذي يحكم جدل المراحل التاريخية بالتغيير تراجع الآن إلى الخلف بحقب تاريخية زمنية طويلة جداً وبدأ مساره البطيء لأبعد الحدود وامتداده الطولي في المتراكم الكمي فقط … في حين يحتاج جدل التاريخ الذي يحكم جميع ظواهر ومكونات الطبيعة والانسان والحياة ان يكون المسار الطولي للتاريخ إلى أمام تصاحبه سرعة زمنية لانضاج عوامل الذاتية في داخله والعوامل الموضوعية المحيطة به في استباق الحصول على قفزة نوعية … وهذا لن يكون في ظل سيادة مفاهيم حكمت على التاريخ بالنهاية … صحيح أن نهاية التاريخ تعني نهاية عصور صراع الايدولوجيات وارادات الاحتراب, لكنما يتم هذا فقط على صعيد جدل تغيير السياسات التي تحكم العالم … انما ان التاريخ لا يتقدم أو ينتهي انسانياً بالوصول إلى محطة اسمها (العولمة) فهذا خارج ارادة الانسان أو حتى خارج ارادة مجموع البشرية على الأرض.

نعم العولمة ربما أخذت من عمر البشرية أو تأخذ ما لم يأخذه زمنياً قبلها عصر من عصور التاريخ البشري لكن أن تبقى العولمة بنفس المنهج والمفاهيم لقرون عديدة فهو المحال والمستحيل بعينه ….اذن العولمة فعلاً جعلت التاريخ في نهايته ان لم يكن تركته فاقداً للوعي يحتضر في أفضل الحالات . لا يوجد الآن في استفراد القطب الأمريكي الواحد مسار تاريخي آخر يسير بمحاذاته يحمل مواصفات وامكانات المجاراة في القوة والتقدم ولا قابلية التضاد والاصطدام … وهذا لا يعني أبداً ان التاريخ البشري لم يعد ينجب شيئاً جديداً يماثل العولمة. ربما لا يحتاج التطور التاريخي حين سيادة نوازع ومميزات وتوجهات العولمة بصفاتها واستراتيجيتها الانسانية إلى مسار آخر معزول أو مضاد لها من جهة, والاحتمال الثاني ان يفرز المسار التاريخي نوعاً مغايراً من العولمة أو غيرها من التسميات اما ان يعدل مسارات وانحرافات وأخطاء العولمة … واما ان يعمق فيها كل صفات ومميزات التحضر والتمدن والسلام والرخاء للبشرية عامة.و ليست العبرة في كثرة وتعدد المسارات التاريخية لكن العبرة في المحصلة النهائية من هو الأقدر والأكفأ ان تتقبله البشرية في مقابل تأمين مستقبل اجيالها واسعادهم . ابان الحرب الباردة والى الآن في الوقت الحاضر عشنا ونعيش أكثر من مئات النظريات في السياسة والاقتصاد والثقافة … الخ، لكن السؤال الأهم هل عاشت البشرية بسلام وعدل وكفاية في مختلف الاحتياجات … هل زالت الفوارق الطبقية ؟ هل تم القضاء على الأوبئة والأمراض والفقر وكثير غيرها ؟ هل انتهت الحروب، هل تخلصت البشرية من رعب أسلحة الدمار الشامل بما يجعل جميع شعوب وأمم البشرية تعيش بسلام واطمئنان وأمان؟ كل هذا ولا حتى بعضه لم يحصل.

ليست البشرية تسير بمسار تاريخي معبأ بالتضاد والاختلاف مع مسار العولمة حتى وان امتلك كل المؤهلات والامكانات الذاتية – الموضوعية ليتبوأ مركز الند للعولمة وهو غير المطلوب أساساً في الوقت الحاضر وربما ولا في المستقبل أيضاً … أول وخير مثال على ذلك ان العولمة التي بشرت البشرية بعصر انساني جديد تنعم فيه البشرية بالسلام العادل والأستقرار اصطدمت بظاهرة الارهاب الذي يتسم ببشاعة قلّ نظيرها في مراحل سابقة مرّ بها العالم .

ربما يتبادر إلى الذهن تساؤل آخر يقترب كثيراً من بؤرة التمركز في الاشكالية التي نعيشها خاصةً الشرق العربي الاسلامي سواءً في تخلفها على أكثر من جانب حياتي في حين يعتبر من أغنى أغنياء دول العالم بموارده الطبيعية والبشرية أو في اشكالية الصراع العربي – الاسرائيلي الذي دام نصف قرن ولم توجد وتوضع لمشاكله حلاً عادلاً انسانياً مرضياً … التفاؤل الذي يحاول فيه الكثيرون تلمس طريق الخلاص من المشكلة أو الظاهرة التي طرحت نفسها والافلات من فوضوية وهمجية ظاهرة الارهاب المدموغ بها الشرق الاسلامي عالمياً، كيف يتم … ومتى !؟ .

هذه النزعة العدوانية لظاهرة الارهاب التي يدين العرب المسلمين تطرفها الديني باسلوبها الارهابي هي نفسها تنسحب على عدوانية تسم العولمة وتدينها أيضاً بغض النظر الأمريكي عن ممارسات الارهاب الاسرائيلي ضد الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين … بمعنى آخر ليست عدوانية ارهاب الشرق الأوسط هو واقع استفزازي يحتم ويضع على عاتق أمريكا ان تسلك مفاهيم مزدوجة ومعايير مختلفة تحكمها الوقائع والمصالح السياسية باستعمالها هي واسرائيل معاً اساليب فرض القوة والاكراه والعنف والواقع المأساوي على العرب بالقوة الغاشمة التي تناقض مفاهيم العولمة الانسانية المعلنة!! .

لماذا اذن تنصيب الحضارة الاسلامية العدو الأول اللدود للعولمة الأمريكية!؟ الحقيقة التي تعرفها اسرائيل وأمريكا ان استخدام تعبير اقحام الحضارة الاسلامية في أتون الاحتراب والصراع الارهابي بين الأمريكان واسرائيل من جهة والمنظمات الارهابية المحسوبة على الاسلام من جهة أخرى , هو خلط غريب غير دقيق فلا الجانب الأمريكي يعتمد ثوابت يدين بها الحضارة الاسلامية في اقحامها بحرب ارهابية – لاحظوا لم يبق للحضارة الاسلامية التي أعطت البشرية في عنفوانها بسخاء وكانت سببا ًمباشراً في النهضة الأوربية غير ان تستخدم سلاح الارهاب الدموي وسيلة للتحاور وهو معاداة الحضارة الأمريكية – كذلك يؤكد العرب والمسلمون انهم براءٌ من أفعال هذه الجماعات الارهابية وان هي استطاعت التستر بالاسلام لكنها لم ولن تستطيع تمثيل المسلمين والعرب ولا تمثيل حضاراتهم المشهودة ثوابتها كما ليس لهم الحق ولا يمتلكونه أيضاً من نيل ذلك والحصول عليه.

نحن طبعاً لا نقصد من هذا الاستطراد الذي أدرجناه سابقاً ان نقترح على أمريكا بعد الذي حصل محاورة الارهابيين . اين هذا المثال من عدم تمييز أمريكا لأسباب نجهلها بين الحضارة الاسلامية واختلافها عن الارهاب المدموغ به الاسلام مما أعطى للارهابيين دفع نفسي وديني أصولي انهم يمثلون الدين والحضارة الاسلامية فأخذوا يعدون بعد كل عملية تفجير يقومون بها ان ذلك نصرٌ للاسلام وان الموت في مثل هذه التفجيرات التي تطال الكثير من الأبرياء شهادة وجهاد في سبيل اعلاء كلمة الله ودخول الجنة واتخذوا من ذلك اسلوب تعبئة تضليلية بعيدة عنها جداً .

بعد مناقشتنا هنا لمسألة الحرب على الارهاب سياسياً ننتقل الآن لنناقش عدم صحة رفع شعار صراع الحضارات كرديف يتبع أو يسبق مسار العولمة في نواحي أخرى ولنأخذ مصطلح هنتكتون صراع الحضارات وليس مصطلح القضاء على الارهاب على محمل الجد وحتمية المسيرة الصحيحة للتاريخ الانساني وان هناك ضرورة قائمة تهم مستقبل البشرية في التصدي للحضارتين الاسلامية أولاً والكونفوشوسية الصينية ثانياً وهذه الأخيرة احتمال الاصطدام بها بالأمد المنظور بعيد جدا ولن يحصل.

الحضارتان الاسلامية المرشحة الأولى للاصطدام بها والحضارة الكونفوشوسية المرشحة على جدول الاصطدام بها كلتاهما حضارتان (متحفيتان) وتعتبران من حضارات ما قبل العولمة بزمن طويل وهما تدخلان ضمن التاريخ المضغوط المكبوس البدائي – البدئي للانسانية ويفترض ويكفي بهذا توافر سبب عدم (تصنيع) الاصطدام بهما وبالأخص الاسلامية منهما … الاسلام ابان القرون الوسطى التي مرت بها أوربا كدين وحضارة ساد ثلاثة أرباع المعمورة تقريباً في ذلك الوقت تقريباً وعمر الحضارة العربية الاسلامية الف وخمسمائة عام إذن يمكن افتراض تصنيع الحضارة الاسلامية كخصم يتحتم الاصطدام به ومحاربته لغايات سياسية يراد تحقيقها حاضراً ومستقبلاً من اعتبارها – أي الحضارة العربية الاسلامية – حضارة فاعلة مؤثرة حاضراً حتى في ترسيم ملامح المستقبل للأمة العربية وربما الاسلامية . هذا كما أشرنا إذا أخذنا ترشيح الحضارة الاسلامية الغابرة في التاريخ بعيداً عن اية نوايا ومطامع اسرائيلية تريد تحقيقها اسرائيل على حساب العرب والمسلمين بواسطة قوة أقوى دولة في العالم تساندها تتوفر لديها القابلية والاستعداد الكاملين لبسط هيمنة تبطن في دواخلها وأحشائها دوافع سياسية اقتصادية وسطوة واستحواذ وتبديل خارطة الشرق الأوسط بأكملها على وفق حسابات ترضاها اسرائيل قبل غيرها وإذا تمكنت في مرحلة لاحقة بالمدى المنظور القريب تضييع وتشويه عاملي الجغرافيا والتاريخ للمنطقة العربية وتهجين خصوصيات الهوية المحلية والقومية العربية وخاصة فيما يهم الحسابات الجيوسياسية والوصاية الكاملة على اقتصادات الدول العربية وإذا ثبت ان مكافحة واجتثاث الارهاب هو لتحقيق مكاسب سياسية اقتصادية جغرافية لاسرائيل وأمريكا يصبح حينها من حق وواجب المتطرفين الخروج على الانتماء العربي والاسلامي ممثلاً بأنظمة عربية واسلامية معتدلة واعتبارهم انهم انتهوا كأنظمة حكم تحرص على مصالح ومستقبل الأمة العربية . وانهم هم أي المتطرفين البديل الحقيقي المفروض على الساحة عيانياً واقعياً هم الأكثر حرصاً على تحقيق طموحات الأمة العربية والاسلامية وإذا ما توفر لهم – وهو احتمال ضعيف جداً - حكم قطر عربي واحد يكون موطئ قدم لهم فيكون عصر العولمة هو نسخة مكررة من ناحية الفترة الزمنية فقط وليس من ناحية الاختلاف بالمعتقد الديني – حروب صليبية ثانية – نطلق عليها الحروب التحريرية الارهابية التي دامت كذا مئة عام ساحتها العالم بأجمعه في القرن الحادي والعشرين.

 

علي محمد اليوسف-الموصل

 

في المثقف اليوم