قضايا

المفكر محمد عابد الجابري وحضارية اللغة

ali mohamadalyousifالنص الادبي الثقافي الشفاهي أو المكتوب، المرئي أو المسموع يرجع في الاصل إلى نسق جمالي فني منظم في رصف الكلمة والعبارات بواسطة (اللغة)، الغاية توصيل طاقة ابداعية وجدت على ايدي المؤلف أو الكاتب في متعين (نص) لمستقبل –بكسر الباء – قارئ أو متلقي . يستثنى من ذلك الفنون التشكيلية بانواعها التي تقوم على خامات غير اللغة، مثل اللون والحجر والفرشاة، والطين...الخ ويستثنى ايضا النص الموسيقي الذي لايعتمد الكلمة المعتادة بل توزيع الايقاع واللحن للكلمة صوتا ونسقا هارمونيا فقط، وان كانت جميع هذه التنويعات الفنية هي نوع من اللغة ايضا واكثر من ذلك يشير جاك دريدا :على ان لغة التخاطب أو الكلام انما هي كتابة عقلية قبل ان تكون اصواتا لغوية مخالفاً بذلك دي سوسير وقد نشر جاك دريدا ذلك في كتابه (علم الكتابة) عام 1967(1).

قبل الاف السنين قبل الميلاد ظهر الحرف المعبر عنه بالرسم والصورة في تعبير الانسان عن فكرة، أو عملية يراد التعبير عنها باسلوب اخر غير الصيحات والايماءات والاشارات والحركات، ولم يكن رسم أو شكل الحرف (صائتا) صوتيا، بل معبّرا ولم تصبح الكلمة المفردة اساسا في تطور اللغة إلى شكلها المستقر الذي نتعامل معه في مجمل مناحي حياتنا، الا بعد ظهور الكتابة واكتشاف التدوين... فصار الصوت هو دالة الحرف المنطوقة، ودالة ميزته التخاطبية مع الاخر، وشكله المرسوم دالة ميزته الكتابية في التواصل مع الاخر والاخرين. وانتقلت دلالة الحرف المكون مع غيره من الحروف (المقطع أو الكلمة المفردة، ثم العبارة او الجملة) التي تعبر عن (حركة) (مقدس) (فعل) (رقص) (صيد) وهكذا.. ومع تطور اللغة العربية في موطنها الاصلي اليمن وشبه الجزيرة العربية. اخذت اللغة العربية تبني استقلاليتها بمرجعيات دلالية ذاتية لغوية خاصة بها. واصبح لها كيانها القائم بذاته المستقل بحكم الضرورة الحياتية والبيئية والدينية ايضا، عن اللغات الام لها كالارامية، والسامية، والسريانية، واذا كان اصل ومنشأ اللغة العربية السامية في اليمن والجزيرة، فان ميزة تطور اللغة إلى لغة تخاطب وتدوين لم تتم الا في رعاية حضارة وادي الرافدين لدى السومريين والاكديين والبابليين والاشوريين. والحضارة الفرعونية المصرية.

انقسمت اللغة العربية بحكم الضرورات الحياتية والبيئية والتاريخية وبروز الحياة الرعوية الاجتماعية التي استوجبت تشكيل النظام القبائلي في تسيير امور الجماعات البشرية، انقسمت من حيث الوظيفة وفاعلية عامل التطور إلى قسمين أو إلى اسلوبين استخداميين متمايزين مختلفين. الاول هو استخدام اللغة المنطوقة، بلهجات متعددة، في اعتمادها وظيفة تخاطب وكلام متبادل بين مجموعة من الناس، والمجموعات القبائلية التي تتواصل مع بعضها البعض بحكم ضرورات الحياة. فكانت وظيفة اللغة تجارية في تسهيل عملية البيع والشراء، والتعامل اليومي، وشؤون الحياة وفي الاسفار والترحال. اما الاستخدام الوظيفي الثاني للغة المنطوقة المدونة كتابة فاتجهت لاشباع عواطف واثراء وجدان الانسان ونزوعه نحو التقدم، وبعث قيم لغوية قولية كان قول الشعر سيدها ويقف على رأسها بينما ذهب التناقل المنطوق والمكتوب بعضه ايضا في وصف ايام العرب، الفخر، السيادة، الكرم، الرثاء، الصيد، وصلتنا كموروث اطلق على تسميته (نثر) اللغة، تمييزا توصيفيا ووظائفيا بانه ليس (شعرا) محكوما بالوزن الايقاعي ووحدة القافية وله معنى. في هذا المفترق التاريخي الهام من تطور اللغة العربية بين تكريس وظيفة اللغة الشفاهية تخاطبا وتواصلا متعددة اللهجات القبائلية من جهة ومن جهة اخرى فان وظيفة اللغة المكتوبة المدونة وضعت حدا قاطعا بين الشعر وبين النثر، واعتبروا النثر المتناقل والمكتوب لايرتبط بمقومات الشعر الموزون المقفى بخصائصه المنبرية الخطابية والغنائية الايقاعية المثيرة، سوى ان اداة قولهما واحدة هي (اللغة العربية) وان بعض النثر مسجوع النهاية فقط في تقفية موحدة أو متجانسة لم يعاملوه معاملة الشعر قيمياً ،معتبرينه خطبة نثرية،  ولا يزال امرنا في لغة التعبير قائما، كما كان قبل اكثر من الفي سنة في تحديد فرق (الشعر) عن (النثر) . وقد برزت  في الشعر بحكم التطور التاريخي تجديدات وصلت به اليوم إلى حدود تذويب الحدود النظمية الايقونية القارة التي دامت عشرات القرون كفروقات تعبيرية مابين الشعر والنثر. فالنص الشعري اليوم يجري حثيثا للاندماج بالقصة والرواية والمسرحية والفيلم السينمائي وظهرت مدارس عديدة تدعو الاخذ بوحدة النص الابداعي الحديث بحكم الاستخدام المزدوج، للنص المسموع المرئي المقروء، والتصويري التشكيلي ايضا، فدخل النص ميدان السياسة ووسائل الاعلام، ودخل الاغنية ووظف ذاته في التعبير التشكيلي والسينمائي والتفلزيوني وهكذا تعددت الوظيفة الازدواجية للنص الحديث. ومن تقصي هذا التداخل النصي في مختلف ضروب الفن والابداع باتت علاقة النص بالمتلقي، مسألة تعنى بها الدراسات الادبية والفنية (علوم اللسانيات واللغة) على انها احدى اهم مرتكزات ما بعد الحداثة، كما دعى لذلك رولان بارت، دريدا، رايموند وليامز، امبرتو ايكو، وجورجين هامبرس الذي وظف نظرية التواصل والتلقي وادخلها مجال الفلسفة ،واهم كتبه في هذا المنحى (الاخلاق والتواصل) عام 1983 .(2) واخرون عديدون. ونجد اليوم دراسات دورية متخصصة تؤكد وحدة النص المكتوب رغم ما نلحظه عليه من استعمالات توظيفية متعددة له. فهو في المحصلة الاخيرة يرجع إلى ثنائية كاتب (مؤلف) مرسل، ومتلقي (قارئ) مستقبِل. وقد ذهب ليفي شتراوس إلى المناداة بموت المؤلف في استقصاء ارهاصات وتوجهات وموقع النص، أي مكانته المعرفية، ولا يفوتنا هنا التنبيه الى رومان جاكسبون (1894-1964) وهو عالم لساني روسي يعد من كبار علماء اللغة واللسانيات في القرن العشرين، وهو مشهور بأقتراحه نموذجا لنظرية التواصل في سنة 1964 ، وحسب نموذجه تعتبر الوظيفة الاساسية للغة هي التواصل الذي تتألف بنيته العامة من عناصر ستة، هي : السياق ،المرسٍل ، المرسل اليه ، القناة ،الرسالة ،ثم الشفرة ، ولكل واحد من هذه العناصر وظيفة خاصة ، وقد انتقل هذا المفهوم بعد ذلك من اللسانيات الى العلوم الاجتماعية والانسانية .(3)

 كذلك نجد بحكم تيارات الحداثة وما بعد الحداثة في التجديد الادبي والفني بأن النص المكتوب اليوم لا يكتفي ولا يرضى بالقارىء الواحد، او المنفرد بتعاقب ، بل طموح النص اصبحت اليوم مجاوزة احادية القراءة الواحدة أو المتعددة في كتاب أو مطبوع ورقي، فهو يعمد الايغال بوسائل الاتصال الحديثة معرفيا، كالانترنيت والتلفزيون والسينما.... والتشكيل بمختلف اساليبه واشكاله، والموسيقى والغناء ، وبذالك يستحضر التلقي جمهور واسع في آن واحد .

لم يعد النص المكتوب في عالمنا اليوم محتفظا بمقومات النمطية الوظيفية الاحادية. فلا النص الشعري اصبح غريبا بعيدا عن الموسيقى والغناء ولا بمستطاع الاغنية والموسيقى الاستغناء عن الاندماج بوحدة التناص. ولا النص القصصي أو الروائي يكتفي بالعيش منعزلا عن التلفزيون والسينما. وهكذا في ثنائيات تناصية مالا يمكننا حصر التداخل والتكامل الابداعي بينهما بما اطلق عليه في الآداب والفنون (النصنصة).

يشير عبدالله اوج لان إلى منشأ اللغة ووظيفتها الاجتماعية وعمقها التاريخي الكهنوتي في حضارة وادي الرافدين قائلا: لقد اعتمد الشكل البدائي للغة على الاشارات ولم تكن تحولت بعد الإيحاءات والرموز إلى المستوى الصوتي المتكون من الكلمة في ذلك العهد. ومن المعروف بأنه عندما يثبت عدم التخلي عن الحياة الاجتماعية والقوة التي هي نتاج لها، وانعكاس الممارسة العملية لهما في الدماغ يكون التطور من الفكر باتجاه اللغة أكثر سرعة، ويوصف هذا التطور أول واكبر ثورة في التاريخ الانساني، وكلما اكتسب الكيان الثقافي الذي يمكن ان نعرفه بأنه يشمل كل شيء والذي يعد نتاجا للتطور الاجتماعي حتمية باعتباره الادراك الرابع بعد العوامل الثلاث، الجماد، النبات، الحيوان، فانه يكتسب معنى باعتباره نمطا اساسيا ضروريا للبنية المادية للفكر(4) .

كذلك الدكتورة ريتا عوض كتبت في إحدى مقالاتها في عدد من مجلة (العربي): (ان شبه الجزيرة العربية في الفترة السابقة من تاريخها على الدعوة الإسلامية كانت تعيش ما اسماه المستشرق (ديللافيدا) عصورها الوسطى بعد انهيار تجارتها الخارجية وضياع قوتها السياسية وغلبة البداوة على التمدن. ووسط هذا المحيط المتسم بالتفكك الاجتماعي والسياسي والانهيار الاقتصادي وبالرغم من مرحلة الانحدار الحضاري، كانت اللغة العربية تتكون وتحقق ذاتها بنية مكتملة مترسخة وكانت اشكال التعبير الفني باللغة تتخذ صيغا متطورة وناضجة ولعل الامر يبدو متناقضا للوهلة الاولى، فهل يمكن ان يتواصل تطور التعبير الثقافي في قفزات نوعية تحقق التحول في فترات الانحسار والانحدار الحضاريين!؟). وقد تكررت هذه المسلمة التاريخية التي ذكرتها د.ريتا عوض ثانية في التاريخ العربي إذ ان اوج ازدهار الحضارة العربية الإسلامية كان في القرنين الرابع والخامس الهجريين، اللذان تردت ابانهما البنى التحتية للمجتمع وتصدعت الامصار العربية الإسلامية وتنامى الاحتراب بينها وتفاقم التنافس على السلطة والنفوذ، وهيمنت انواع الملذات حتى وصلت امور الناس الاجتماعية والاقتصادية إلى الحضيض، في نفس الوقت التي تطورت فيه العلوم والفلسفة والادب وبرز على سبيل المثال المتنبي والفارابي و الخوارزمي واخوان الصفا وانشئ بيت الحكمة، وغير ذلك كثير من مظاهر حضارية.

هذه الحقيقة – المفارقة كان قد طرحها د. حسين مروة قبلها في كتابه النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية، وعالجها في تحليل ينتهي إلى الاقرار بالاستقلالية النسبية للغة والثقافة والبنى الفكرية عن الظروف والشروط الموضوعية التي تنشأ فيها مؤكدا ان المعرفة المستقلة نسبيا عن حركة الوجود المادي مصدر الانعكاس وينشأ عن ذلك ما تتميز به من ايقاع خاص يتصف بالبطء، أي بزمنية ذاتية لا تتناسب مع ايقاع زمن الواقع الخارجي، ومن هنا يتأخر تشكيل البنى الثقافية عن التشكيل للبنى الاجتماعية.

وكتب المفكر الجابري: (الحركة الثقافية العربية كانت وما تزال حركة اعتماد لا حركة نقلة وبالتالي فزمنها مدة يعدها السكون لا الحركة، وهذا على الرغم من جميع التحركات والاهتزازات والهزات التي عرفتها) – نقد العقل العربي-

نفهم من عبارة الجابري ان الثقافة العربية بمجملها كانت وما تزال حركتها ذاتية حول محورها في متراكم الموروث المعرفي الاجتراري الذي يعيد نفسه باستمرار بمحيط دائري وانه لم تشهد الثقافة العربية وهو صحيح جدا، قفزات وطفرات حراك تقدمي تطوري لا على صعيد تثوير البنى الاجتماعية وتنويرها ولا على مستوى الفكر في انبثاق مدارس وتيارات تجديد راسخة تمثل ركائز التقدم إلى الامام، ولا تزال الثقافة العربية بعيدة عن تحقيق طفرة أو طفرات متوالية متتابعة يحكمها جدل المعرفة والمادة والقوانين والاشياء في جوهر الوجود والحقائق والظواهر، لذا وحسب حديث الجابري بقيت (السمة البارزة في هذا الزمن الثقافي العربي الواحد، هو حضور قديم لا في جوف الجديد يغنيه ويوصله، بل حضوره معه جنبا إلى جنب ينافسه ويعيق تقدمه ويكبله) – نقد العقل العربي-

ويصف الجابري العربي قائلا: (العربي حيوان فصيح فبالفصاحة وليس بمجرد العقل تتحدد ماهيته) ولم يقل الجابري عبارة الانسنة الانثروبولجية الدارجة، ان العربي حيوان ناطق واكتفى. بل اراد تأكيد ان العربي مولع بالكلام والخطابة إلى مستوى القداسة وعنده لكل مقام مقال خطابي يبطل فعل العمل ويلغيه، ودرجة تقديس العربي للخطاب والفصاحة التي يؤكد من خلالها (ماهيته) هي أكثر من درجة اهتمامه بالعلم واحترامه وتقديسه للمعرفة والحداثة في جميع مناحي الحياة. بحجة حماية الموروث، وتأصيل الهوية المغيبة أصلا بالموروث القديم وليس بالحداثة، وليس مراده العربي في فصاحته اللغوية تقف عند حدودها الطبيعية كما هي عند اجناس وامم وشعوب العالم. وانما تصل عنده – أي العربي – فصاحة الخطاب في كل تنوعاته (مقدسا) تعويضيا لسد النقص الفعلي العملي الواضح. وبخاصة حين يرتبط الخطاب بالدين فيأخذ طابعا تقديسيا متكاملا لايقل أهمية عن الدين ذاته.

وحين يرتبط الخطاب الثقافي بالايديولوجيا السياسية، يكون في اعلى مراحل التبعية والجمود الذي يلغي التجديد ويبطله ليكون في خدمة الحاكم والسلطة.

والجابري يؤكد (ان اللغة العربية لا تاريخية فهي حين تعلو على التاريخ لا تستجيب لمتطلبات التطور، وان لا تاريخية العربية مثلها مثل طبيعتها الحسية ليست فضيلة فيها ولا ممكن لفلسفة موهومة خاصة بها وبأهلها يجب استخراجها وابراز أصالتها) – نفس المصدر السابق -  فالطبيعة الحسية للغة والثقافة يلغي (تجريديتها) أي يلغي تحويل اللغة إلى لغة رياضية، لغة عقل وتجريب علمي عملاني تدخل باب العلوم بدلا من بقائها واقفة امام ابواب الاكتفاء ألتنظيري الذاتي في الخطاب السماعي الشفاهي او المكتوب . يؤكد ذلك ما نجده مشابها لنا في الثقافة الإفريقية حيث يصفها البروفيسور الشاعر الرئيس السابق للسنغال ليبو لد سنغور بقوله: (ان القدرة الحقيقية للثقافة الافريقية تعتمد على الحس العاطفي أكثر من اعتمادها على التجريد الفكري).

ويمضي الجابري قائلا ان الزمن الثقافي الاوربي صنفه الأوربيين إلى ثلاثة عصور:

- العصر القديم (الاغريقي - اللاتيني).

- العصر الوسيط (المسيحي).

- العصر الحديث (عصر بداية النهضة في القرن الخامس عشر).

فتصبح الثقافة أو التاريخ استمراراً (لمرجعية)  تشكل إطارا ثابتا واضحا سواء اكانت هذه الاستمرارية المرجعية حقيقية ام موهومة وسواء نظر اليها على انها تمتد بحركة متصلة ام عبر قطائع، فإن المهم هو وظيفتها على صعيد الوعي، انها تنظم التاريخ وتفصل فيه بين ما قبل وما بعد.. ويجب ان نعترف نحن العرب المسلمون، اننا ألفنا هذا التاريخ الممزق، واذا نحن نظرنا إلى المسألة من خلال ما نعبر عنه هنا بالزمن الثقافي واللاشعور المعرفي ادركنا خطورة هذا التاريخ الممزق على صعيد الوعي التاريخي عند العرب – نقد العقل العربي-

ان الامر – حسب الجابري – يتعلق بالحقيقة بين منظومتين مرجعيتين مختلفتين تماماً، لكل منهما زمنها الخاص، الشيء الذي يجعل وعينا بالزمن محكوما بوعينا بالمكان فنتعامل هكذا معه الزمن كما نتعامل مع المكان. الزمن حاضر ساكن واذا غاب عن وعينا جزء منه فغيابه يكتسي صورة الغياب المكاني، الغياب الحسي، لا المعنوي، الغياب الذي يزول بعودة الحس، وهكذا يتناوب الماضي مع الحاضر على ساحة الوعي العربي بل قد ينافس الأول منهما الثاني منافسة شديدة وكأنه نفسه الحاضر.

ويضرب لنا الدكتور الجابري على ذلك مثلا: (العقل المستقيل للغزالي الذي انتصرت فيه الهرمسية وهي تيار غيبي نشأ في الامبراطورية الرومانية، الهاربة من الدنيا إلى الفقيه المتكلم المناضل من اجل الدنيا والدين) (ابن رشد) ليس على الصعيد المعرفي وحسب بل على الصعيد الديني والوطني – الاسلامي . صعيد واجب الجهاد وحماية الثغور، اشارة إلى الموقف السلبي الذي وقفه الغزالي من احتلال الصليبيين للقدس حيث لم يتحرك ولم يثر ولم يحض على قتال، وكذلك الصوفية الذين دافع عنهم الغزالي وقفوا موقفا سلبيا متخاذلا من الصراع ضد الصليبيين. وعن الحداثة الاوربية وظاهرة الاستعمار يرى الدكتور الجابري انه لايمكن فهم هذه العلاقة الا باستحضار النظام الفكري العربي الذي طغى في اوربا خلال القرن التاسع عشر، فبأسم العقل والعلم والتقدم وهي الأسس التي قامت عليها الحداثة الاوربية في القرن الثامن عشر برزت في القرن الذي يليه نزعات فكرية تصب كلها في مجرى واحد وهو تكريس فكرة تقدم الانسان الاوربي وجدارة اوربا بالهيمنة على العالم لتمدينه ونشر الحضارة في ارجائه من أهم هذه النزعات (النزعة التاريخية، النزعة العلمية، النزعة الاستشراقية الاستعمارية) فمعروف ان ماركس برر احتلال انكلترا للهند بكونه سيعمل على نقل الهند إلى مستوى المجتمع الحديث ناظرا إلى التوسع الاستعماري الانكليزي بوصفه عملية ارساء المجتمع الغربي في اسيا ومن هنا جاء الحديث عن العبء الملقى على كاهل الرجل الابيض.

 

علي محمد اليوسف-الموصل

...................

الهوامش:

(1) الثقافة الاجنبية/ الكتابة من وجهة النظر التفكيكية، لوسيان فاسيال باجيو، ترجمة د.عبد الحميد ناصر سعد، ص20، العدد1، لعام 2010.

(2) د. عبد الرزاق الدواي مج 41 ، ع 2، 2012 ،ص 54.

(3) نفس المصدر السابق نفس الصفحة .

(4) من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية/الجزئين الاول والثاني .المؤلف عبدالله اوجلان.

 

في المثقف اليوم