قضايا

التعالق الجنسي بين الاسطورة السومرية والتوراة

ali mohamadalyousif1- الطقس الجنسي في نشيد الانشاد: لقد كان منطقيا ان يكتب الملك الذي كان يقوم بدور الاله "دموزي" صفة الألوهية في اثناء الزواج المقدس، وهذا ما يفسر نعته بالإله وبالنعوت الاخرى الخاصة بالراعي دموزي وكانت مسحة التقديس تسبغ على اؤلئك الملوك الذين يقومون بدور الزواج / الآلهة .

ذلك بان تضاف الى اسمائهم علامة التقديس، وهي علامة النجمة، ويستلزم طقس الزواج المقدس قيام امرأة بدور الزوجة "الآلهة أنانا" عشتار، وقد جرت العادة على اختيارها من بين كاهنات المعبد باعتبارها زوجة في الطقس الجنسي المقدس(1) .

ففي اليونان كانت تطلق كلمة قديسات على البغايا المقدسات، وفي بابل يطلق عليهن طاهرات وآلهات فقد كان يعتقد، انهن يجسدن الالوهية، وكانت وظيفتهن مشابهة لوظيفة المشاركة القربانية، حيث كانت المرأة العاهرة تسمح للرجل من خلال الممارسة الجنسية على التماس الاختياري مع الألوهية (2).

كان الطقس الجنسي مقدسا عند السومرين والبابلين، ويجري برعاية واهتمام المعبد والكهنة ومن الثابت في تاريخ الانثروبولوجيا لحضارة وادي الرافدين القديمة "ميزابوتوميا" ان الكهنة أباحوا للمرأة مضاجعة أكثر من رجل، كما اباحوا للرجل مضاجعة اكثر من امرأة ,وان اول بيت للدعارة عرفته الاساطير القديمة، والتاريخ البشري، كان اوجده السومريون ستة آلاف سنة قبل الميلاد ويسمى ميثقديم Methikdiam، ويمارس الجماع الجنسي فيه داخل المعبد وتحت اشراف الكهنة، ليس باعتباره زنى محرما، بل لانهم اعتبروه عملا مقدسا، واعتبارهم الانثى اصل الخصوبة والنماء والربيع و الحياة  نتيجة هذا الجماع.

وعلى الرغم من تعدد الدراسات الخاصة بنشيد الانشاد وتنوعها، فانها اجمعت على ينابيعها الرافدينية، كما يذهب الباحث ناجح المعموري,  ولاسيما نصوص الزواج المقدس، ولم تستطع التأويلات اللاهوتية من انقاذ هذا السفر الاسطوري الميثولوجي من السرقة والاختلاس  والتزوير حتى ظل نشيد الانشاد، دلالة واضحة ومكشوفة للسطو التوراتي اليهودي.

وحتما فان عودة اليهود من بابل كانت مصحوبة بنصوص الزواج الألهي والكثير من الاساطير والعقائد والشعائر الموزعة في الاسفار التوراتية مثلها مثل الموروث المصري والسوري والكنعاني، وما يهمنا على حد تعبير الاستاذ الباحث ناجح المعموري هو نبات " اللفّاح" بوصفه نباتا كنعانيا، تآزر مع نصوص الخصب السومرية، فكان نشيد الانشاد (3).

2- التعالق الميثولوجي الاسطوري بين ديانتين:

يشيرالباحث ناحج المعموري الى نص سومري واحد لأغراض المقارنة والاستدلال على التشاكل الكبير بين ديانتين، أولاهما السومرية، وثانيهما اليهودية التي عاشت هامشا، طارئا على المحيط الجغرافي الواسع الذي انتج حضارات الشرق القديمة . نقرأ من النص السومري:

فرجي قرن هلال

فرجي قارب السماء

ملؤه رغبة كالقمر الجديد

وارضي متروكة بلا حرث

فمن لي أنا " أنانا"

بمن يحرث فرجي

من لي بمن يفلح حقلي

من لي بمن يفلح ارضي الرطبة

- أي سيدتي العظيمة

انا دموزي الملك سأحرث لكِ فرجك

- اذن احرث لي فرجي يا رجل قلبي

احرث لي فرجي

في حصن الملك ارتفع الارز

ومن حولهما نما الزرع عاليا

السبخات فلتسمع زقزقات الطيور

واصطخاب السمك(4)

 يلاحظ على النص المثبت اعلاه من قبل المعموري ان بيئة الاهوار السومرية القديمة في جنوب العراق، وفي (اور) او (اورك) تحديدا واضحة تماما . ففي منطقة الاهوار في جنوب العراق كانت ولحد الان يزرع في مياهها وبحيراتها ومستنقعاتها الارز،

كما تمثل هذه البيئة والجغرافيا موسما نموذجيا للطيور المهاجرة في رحلتها، ويعتاش اهلها على صيد الاسماك وتربية الابقار والجاموس.

الملاحظة الثانية ان النص الشعري السومري الديني الوارد في اعلاه يقرن ويجمع ما بين الجماع الجنسي المقدس بين الالهة (أنانا) او (عشتار)، والراعي الملك ذي المسحة الالوهية (ديموزي) او (تموز)، ان ثمرة هذا الجماع هو خصب الطبيعة واخضرار الارض، نماؤها وتلونها بازهار الربيع البرية، وعودة الحياة بكل خصبها بعد مرور سنوات من القحط وانحباس المطر قبل اتمام عملية الجماع الجنسي التي بعدها يعم الفرح والخير على الجميع.

كما يروي عالم النفس (يونج) عن بعض القبائل الاسترالية البدائية انهم اذا جاء الربيع يحفرون حفرة في الارض، ويحيطونها بالشجيرات لتمثل عضو الانثى، ويرقصون حولها طوال الليل وهم ممسكون بالحراب امامهم في هيئة تمثل عضو الذكر ثم يقذفونها في الحفرة وهم يصيحون : ليس حفرة بل فرج (5).

الملاحظة الثالثة الاهم عن النص هو تداخل النص السومري وتعالقه الشديد مع نشيد الانشاد اليهودي، وهذا الاندماج او الادماج القسري المتعمد المقصود، يفضح الاقتباس النصي والسطو اليهودي على تراث حضارة وادي الرافدين القديمة. كما يرى ميشيل فوكو ان لهذا الفن العظيم نشيد الانشاد السومري- التوراتي يحمل مزايا عديدة منها السيطرة المطلقة على الجسد، والمتعة الفريدة، ونسيان الزمن، والحدود، ويمثل كذلك اكسير الحياة، واستبعاد الموت وتحدياته (6).

كما عد المفكر التركي علي الربيعو البغاء المقدس واحدة من كبريات التظاهرات الايروتيكية الجنسية في العالم القديم، وهو التعبير الحي عن تفجر القدسي في العالم، انه السر الاعظم الذي يفرض على طالبه ان يمر بمجموعة من تجارب الامتحان من طقوس العبور ليثبت انه جدير بهذا السر، انه قربان عليه ان يحظى بجميع مواصفات القربان الاصيل الكريم، والمكانة الاجتماعية البارزة، جمال الصورة والجسد، الزهد في العبادة، وما يرافقها من خدمة في المعبد المقدس(7).

لم تكن الذهنية التوراتية مدركة المنزلق في النشيد الصارخ بينابيعه الكنعانية وهي ترديد لهيبة مخلّق اكبر وهو الألهة (ايل) عبر ثنائي الفسق والفجر، إذ ظلا متلازمين معا ليؤكد وظائف ايلية’/ كنعانية، ومن خلال نص توراتي وقع في فخ النقلية لنظام الخصب في سوريا وكنعان .

وهذا النظام المحدود المرسوم رمزيا بمخيال نشط ويقظ هو الملتم وسط بؤرة التمام، واكتمال مدورة النظم الاسطورية المعنية بكلية الحياة وبقائها الذي يستلزم التفاف كل الانساق الثقافية المجاورة لبعضها ضمن مجال مركزي اول، وبؤرة في قوانين الطبيعة ودورتها، والحياة وتجلياتها والقوانين السرية وتمثيلاتها عبر الانسجام والتوافق.(8)

وهذا هو المركز الاهم والمهيمن في الاسطورة والديانات الشرقية، هذه الهيمنة والتشاكل بين الانظمة الثقافية، ساعدت على تعميق اسطورة نبات (الّلفاح) المتصّفة بالتعددية الدلالية التي تنطوي عليها هذه الاسطورة التي قادت الى احالات واشارات تفضي بنا لثقافة ودين . اسهما في بلورة ملامح الحضارة الكنعانية وصورها (9).

والعلاقة قائمة ضمنيا بين عناصر الخصب الكنعاني – الوثني والديانات الاغريقية ممثلا لها ببعض الآلهة . وكذلك الديانة اليهودية ومن بعدها الديانة المسيحية . ولهذا العلاقة المركزية ظلت طاغية ومكرّسة في الديانات السماوية . إذ حاولت اليهودية انكار البعلية والتعتيم عليها تماما بينما توجد في الديانات المسيحية اشارة لها واعتبرت التشاكل مع البعل تطورا منطقيا للعقائد والطقوس، ومن المحتمل بان التعميد امتداد طقوسي وتطوير بعلي . لان الاله الشاب البعل اله المطر والسحاب، ومن دونه تتعطل وظائف الارض .(10)

ان الانتقال الانبعاثي الى اليسوعية حصل بدوافع تحاورية وانفتحت امامه ايضا الحضارات والديانات المجاورة . وقد اخذت منه واضافت عليه باعتباره حوارا انسانيا خلاقا مبدعا، وهذا هو الذي جعل من الخصب الكنعاني مشروعا ثقافيا ومقبولا في الديانة الاغريقية والمسيحية. وبهذا الصلاح تنوعت الدلالات في النظام الثقافي الكنعاني وعمقته المجاورة المتحاورة معه والمتبادلة واياه، وعمقها التنوع ولم يعطلها . مثلما حصل في الديانة اليهودية واسباب العطل معروفة لان اليهود حاولوا الغاء اصولها الحضارية وبذلك شطبوا على مكوناتها الاولى وهي كثيرة، لان اليهود لم يكونوا خلال تاريخهم جماعة واحدة مستقرة في مكان واحد، بل كانوا جماعات مختلفة مرتحلة دوما الى جهات مختلفة ما بين الرافدين وجزيرة العرب وكنعان وحران ومصر.(11)

بالاساطير دائما ارض غنية خصبة متعددة المستويات والطبقات، ومن الخطأ ان لم يكن خطيرا ايضا ان نفسرها تفسير قريبا ويسيرا، وان نقيم لها حدودا من الشرح المنطقي او معادلات تربط بين الرمز والرموز كأنها معادلات الرياضة والحساب (12).

ان سحر الاساطير يكمن في مقدرتها على مس طاقات النفس الانسانية على تعاقب العصور وعلى استثارة شحنات في الانفعال تستعصي على ان يستنفدها الشرح المنطقي العقلي الصاحي وهي بذلك اقرب ما تكون الى الموسيقى، لها لغتها الخاصة التي يستحيل نقلها الى اية لغة اخرى (13).

وفي محاولتنا قراءة الخصب الكنعاني التي حققت انفتاحا واسعا على المحيط الحضاري في الشرق وسعت من اجل الامساك بالعناصر الاسطورية والثقافية، التي بلورت ديانة كنعان بوصفها واحدة من اهم ديانات الشرق القديم، واجتهدت ايضا في الكشف عن الجذور التزويرية لتسلط عليها الضوء لايضاح الينابيع المسهمة بتكريس الاكذوبة التوراتية، وما ساعدنا على هذا الافضاء الواسع والعميق هو التعالق القائم بين الخطابات الاسطورية والطقوس والشعائر ضمن مجالاتها الحضارية البهية (14)

 

علي محمد اليوسف

........................

(1) د. ناجح المعموري/ ملحق الاديب الثقافي العراقي/ ع 93 تشرين الاول 2005 ص20

(2) د.عيسى الشماس الجنس والتربية

(3) ناجح المعموري مصدر سابق.

(4) المصدر السابق.

(5) غالي شكري ,ازمة الجنس في الرواية العربية ص7، نقلا عن د. شكري عياد، البطل في الادب والاساطير.

(6) ناجح المعموري، مصدر سابق.

(7) نفس المصدر سابق.

(8) المصدر السابق

(9) المصدر السابق

(10) المصدر السابق

(11) المصدر السابق

 (12) المصدر السابق

(13) المصدر السابق

(14) المصدر السابق

 

في المثقف اليوم