قضايا

إدارة الوقت بين التقليد والابداع

mohamad abdulkarimyousifمقدمة: الوقت من الثروات التي يمتلكه الفرد والجماعة والمؤسسة والوطن من دون أن تسجل في الميزانيات الفردية أو الجماعية أو الحكومية رغم أنه يشكل ركنا أساسيا من العمل الفردي والجماعي والمؤسساتي والحكومي . وهو من الثروات المهدورة عن قصد أو غير قصد على جميع المستويات. فإن أردنا أن نعرف قيمة الوقت علينا أن نسأل شخصا فاته القطار بسبب تأخر 50 ثانية، أو شخصا أخر يسخن وجبة بالمايكروويف حيث تطول الدقائق كثيرا، أو امرأة أجهضت بعد حمل استمر ثمانية أشهر، أو طالبا رسب في الامتحان . وقد اجتهد الفلاسفة والمفكرون في اعمال عقلهم ودراسة الوقت ومناجمه وأساليب صرفه وترشيد استهلاكه . لكنه لا يزال من الثروات المهدورة في معظم الأماكن وعلى كافة المستويات الرسمية وغير الرسمية .

تعريف الوقت

الوقت بعد فيزيائي رابع للمكان حسب نظرية النسبية الخاصة، لكنه لا يعدو كونه وسيلة لتحديد ترتيب الأحداث وتتابعها بالنسبة لمعظم الناس . وقد اعتاد القدماء والمسنون في أيامنا هذه على تدوين التواريخ المهمة في قرية أو ناحية أو مدينة وتسجيل الظواهر الطبيعية والأحداث الغامضة وما يرافقها.

ربما يكون مصطلح الوقت عصي على التعريف، فالزمن أمر نحس به أو نقيسه أو نقوم بتخمينه، وهو يختلف باختلاف وجهة النظر التي ننظر بها بحيث يمكننا الحديث عن زمن نفسي أو زمن فيزيائي أو زمن تخيلي .

يمكننا حصر الوقت مبدئيا بالإحساس الجماعي للناس كافة على توالي الأحداث بشكل لا رجوع فيه، هذا التوالي الذي يتجلى أكثر ما يتجلى بتوالي الليل والنهار وتعاقب الأيام فرض على الناس تخيل الزمن على أنه نهر جار باتجاه محدد لا عودة فيه للوراء .

يعبر الوقت عن المسافة الزمنية الفاصلة بين الأحداث أو التعبير عن نقطة ما على الخط الزمني . وحدات قياس الوقت والزمن تشمل الثانية والدقيقة والساعة واليوم والأسبوع، كما تستخدم كسور هذه الوحدات للتعبير عن الوقت أيضا، أما الشهور والسنين فإن استخدامها كوحدات لقياس الزمن فهو غير دقيق بالرغم من شيوعه، وذلك لاختلاف أطوال الشهور وأطوال السنوات كالسنوات الكبيسة  (ويكبيديا 2017)

وقد درجت العادة لدى الأفراد والمؤسسات والحكومات أن تربط أعمالها ومشاريعها بالوقت بأشكاله المختلفة وصارت مسألة سرعة التنفيذ (مدة التنفيذ) لها قيمة مادية في الكثير من الأعمال والمشروعات التي يقيمها الأفراد والمنظمات والهيئات والحكومات . الوقت نوع مخلف من النقود . ومن يمتلكه يمتلك المستقبل ومن يهدره يهدر المستقبل (نظام العقود رقم 51 /2004 / سورية) .

سارقو الوقت

نشعر أحيانا أننا نفقد السيطرة على وقتنا الذي ينفذ بسرعة مدهشة . تخيل نفسك أمام شخص مشغول تطلب منه شيئا ما ويجيبك قائلا: ليس لدي الوقت الكافي أنا مشغول بأداء واجباتي الكثيرة .أسمهان يوسف صديقة من قرية بلوزة في ريف بانياس تقول لي دائما مشكلتي هي الوقت. هناك من يسرق وقتي ويفرض علي أشياء تؤثر كثيرا على أعمالي وأحيانا على أولادي . سارقو الوقت هم السبب لأنهم ينتشرون في عصرنا الحالي كالوباء  أنت لست وحدك في هذا المضمار، لكن يمكنك تحسين إدارة وقتك بطريقة أفضل. يمكنك التعرف على سارقي الوقت وتقديمهم لبوليس نيوتن وأنشتاين (Take one step, 2017).

فمن هم سارقو الوقت؟

-  الزيارات غير المتوقعة

-  المكالمات الهاتفية

-  المقاطعات أثناء الحديث

-  الفوضى

-  عدم وجود جدول زمني لأداء الأعمال

-  القضايا الطارئة

-  الاستجابة الخاطئة للمواقف

-  مشكلات في التنظيم والترتيب

-  الاجتماعات واللقاءات غير المخطط لها وغير المدروسة جيدا

-  التأخر في اتخاذ القرار

-  الاجابة على مكالمات تخص العمل خارج أوقات العمل

-  الانترنت

-  المحاولات العشوائية المتكررة لحل المشكلات

-  الأزمات النفسية والعائلية والسياسية

-  الأعمال المتراكمة .

وكلما نجحنا في محاصرة هؤلاء السارقين، نجحنا في تطوير أعمالنا وإدارة شؤوننا الداخلية والخارجية  (نيولاين ايدياز 2017 ) .

مراحل إدارة الوقت

الوقت سلعة فريدة أعطيت بالتساوي لكل فرد بغض النظر عن العمر أو الموقع . ويسير الوقت دائماً بسرعة محددة وثابتة، ولكن يبدو أنه لا يوجد شخص لديه الوقت الكافي . وبما أننا لا يمكننا أن نخلق وقتاً أكثر، ينبغي علينا أن نحافظ على الوقت المخصص لنا . كل المؤسسات تسجل بعناية موجوداتها المالية في كشوف، ولكن هذه الكشوف المالية لا تذكر أهم ممتلكات الشركة الذي لا يعوض إنه الوقت وبما أن الوقت لا يظهر كبند في الكشوف التشغيلية للشركة كثيراً ما يعتبر أمراً مسلماً به . كثيرا ما تكون اتجاهات وممارسات إدارة الوقت عرضية ومتساهلة وفكرة متأخرة أيضاً . فإن  كان الوقت مساوياً للمال، ينبغي أن نعتبره مورداً قيماً لا يتجدد .

كلما تقدم الإداري في السلم الوظيفي للمؤسسة وجب أن يحدث تحويل أيضاً؛ أي من عملية التنفيذ إلى عملية الإدارة، ويجد الكثيرون ذلك تحدياً صعباً؛ إذا تتطلب مسؤوليات المدير الإضافية انتقالاً من استغلال الأشياء إلى استغلال الأشخاص والأشياء معاً . وتتطلب كل ترقية زيادة في الإدارة إذا أراد الإداري أن يستخدم بفاعلية الموارد البشرية المتزايدة التي في متناول يده. هذه العملية والفوائد الناتجة عنها يفهمها معظم الإداريين، ولكن الكثير منهم يقاومون التفويض الكامل، ولهذا يفشلون في استغلال وقتهم بفعالية. ولهذا السبب وبسبب تصنيف أولى الأولويات في علوم الإدارة التفت المنظمات والمؤسسات والحكومات إلى تنظيم الوقت كمورد أساسي في اليات التحديث والتطوير كما حدث في التجربة الألمانية واليابانية والكورية والماليزية  فقد نهضت هذه الدول من العدم بعد الحرب العالمية الثانية وصارت في مصاف الدول الراقية  بسبب تنظيم الوقت والمواعيد والدقة في التنفيذ. وقد مرت إدارة الوقت منذ الانتباه لأهميتها بمراحل عديدة نسميها في علوم الإدارة أجيالا نلخصها بما يلي:

الجيل الأول: يعتمد على استخدام المذكرات والاجندات وتأشير ما تم انجازه ورقيا أو بوسائل أخرى شعاره الدائم : لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد. يقوم الجيل الأول من مناهج إدارة الوقت على المذكرات أي التقاويم التي تحمل المواعيد. وهذا يعتمد على مبدأ السباحة مع التيار، مع الاحتفاظ بسجل للأعمال التي تريد أن تقوم بها، مثل ذلك كتابة تقرير، أو حضور اجتماع، أو إصلاح السيارة، أو تنظيف (الجراج) . وهذا الجيل يتميز بالمذكرات البسيطة وقوائم المهام. وإذا كنت من هذا الجيل فأنت تحمل هذه المذكرات والقوائم حتى لا يفوتك القيام بالمهام المطلوبة. في نهاية اليوم، وبشيء من التوفيق تكون قد أنجزت المهام التي تريد إتمامها، وتقوم بشطبها من القائمة، أما المهام التي لم تنجز بعد فغالبًا ما تقوم بتأجيلها إلى قائمة اليوم التالي.

الجيل الثاني: يعتمد على التخطيط والاستعداد لإنجاز الأعمال ومتابعتها عبر خطط يتم تتبعها شهريا لقياس مدى تقدم العمل. وهو جيل يختص بالتخطيط والاستعداد. وهو محكوم بالتقاويم ودفاتر المواعيد. وهو يقوم على الكفاءة، والمسئولية الشخصية، وإنجاز الهداف الموضوع، والتخطيط للمستقبل، وجدولة المهام والأحداث المقبلة . فإذا كنت من هذا الجيل فأنت تحدد مواعيد الاجتماعات، وتحدد تواريخ الانتهاء من المهام، وحتى تحدد مواقع الأحداث والاجتماعات . وعادة ما يكون لديك حاسب أو شبكة معلومات تحفظ لك كل هذا.

الجيل الثالث: يعتمد هذا الجيل على تحديد الأولويات والرقابة والمتابعة ووضع أهداف قصيرة المدة وأهداف بعيدة المدى مع استخدام السجلات وقواعد البيانات في انجاز الأعمال وقدرة أكبر على التعامل مع الوقت .

لقد ساهمت هذه الأجيال الثلاثة إلى حد كبير في جعل حياتنا أكثر فاعلية. ولعل عناصر مثل الكفاءة والتخطيط، وتحديد الأولويات، وتحديد القيم، ووضع الأهداف قد ساهمت إيجابيًا في هذا الاتجاه إلى حد بعيد.

ولكن على الرغم من زيادة الاهتمام والكتابة في هذا المجال، إن بقيت الجودة قائمة بالنسبة لأغلبية الناس بين ما يعتبرونه هامًا في حياتهم وبين الأسلوب المستخدم في إنفاق الوقت . ففي كثير من الأحيان تصبح هذه الفجوة مؤلمة. يقول الكثيرون:  “ نحن عملنا الكثير في وقت قليل، ولكن أين العلاقات العميقة، أين السلام النفسي، أين التوازن، أين الثقة في أن ما نقوم به هو أهم ما يجب أن نقوم به خير قيام؟ “ .

فكان الجيل الرابع من إدارة الوقت. (فن إدارة الوقت، 2009)

الجيل الرابع: الجيل الرابع يركز على الهدف والإنجاز الأعظم في حياتك، والذي تسمو للوصول إليه. تلك الإنجازات التي ستحقق من خلالها رضا ذاتك . يبتعد الجيل الرابع بكل مفاهيم عن أوهام الادارة التقليدية للوقت كوهم التحكم ووهم الفعالية ووهم التقدير.  ويركز بشكل رئيس على فضاء الانسان الداخلي أكثر من فضائه الخارجي ويجيب على أسئلة مختارة " ليس المهم كم ساعة عملت المهم ماذا عملت "  وربما نجد إشارة لذلك عن الروائي الانكليزي أرنولد بينت في روايته الرائعة " أنا من المدن الخمسة " حين تسأل السيدة ستن السيد ماينرز معلم المدرسة  قائلة:

" سيد ماينرز . كيف الدروس؟.

 فيجيبها قالا: رائعة . لدي 70 طالبا في الصف .

 فتعقب السيدة ستن قائلة:  ليس المهم عدد الطلاب المهم نوعية الدروس "

ربما هذا هو جوهر الجيل الرابع من إدارة الوقت .

 تبين لنا الدراسات والتجارب أن معظم الناس يدرون ويحللون خبراتهم وخبرات الآخرين، يعلمون أننا جميعاً لدينا حاجات أساسية لتحقيق الإشباع الإنساني . إن لديهم الإدراك لبعض ما يعرف بمبدأ الشمال الحقيقي الذي يتحكم في نوعية حياتنا . لقد كان لديهم بعض الخبرة مع الملكات التي تمكنهم من التوجه نحو الشمال الحقيقي .( First things first , S.Covey 1994)

ويتضح لنا أيضاً أن معظم الناس يودون أن يصلوا إلى الجيل الرابع لإدارة الوقت. إنهم يودون وضع البشر قبل جدول المواعيد، وأن تأتي البوصلة قبل الساعة . إنهم يريدون حياة مليئة بالمعنى والعطاء . إنهم يودون حياة مليئة بالحب، والتوازن، والمتعة .

تبقى الرؤية التقليدية لإدارة الوقت كعقبة في طريق الوصول إلى الجيل الرابع. فأدوات الجيل الثالث من إدارة الوقت، متمثلة في المفكرات وجداول المواعيد والمخططات، تجعل تركيزنا منصبًا على الطارئ من الأمور بدلاً من التركيز على الهام منها . إن هذه الأدوات تشعرنا بالذنب عندما نفشل في إنهاء المطلوب في موعده . إنها تقتل المرونة والتلقائية داخلنا . إنها تلغي الانسجام بين الأمور الهامة في حياتنا وبين أسلوبنا في ممارسة هذه الحياة يومياً . في الحقيقة إن معظم من يستخدمون هذه الأدوات لا يستخدمونها لتحقيق الأهداف التي وجدت من أجلها.

والخلاصة إن القوة المطلوبة لإيجاد نوعية حياة أفضل لا تجدها في المخططات الزمنية وجداول العمل. إنها ليست في أية وسيلة أو أي أسلوب نطبقه. إنها ليست محدودة بقدرتنا على تخطيط المطلوب في يوم معين . لا أحد منا يملك معلومات لا نهائية، ولا أحد منا يعلم بالضبط كل الفرص، والتحديات، والمفاجآت، والمآسي، والمتع غير المتوقعة التي ستحدث في اللحظة التالية من حياتنا.

إن قدرتنا على تحسين نوعية الحياة تكمن داخلنا، هي في قدرتنا على تطوير البوصلة الداخلية بحيث نتصرف بنضج، وكرامة، لحظة الاختيار، سواء كانت تلك اللحظة هي تخطيط العمل خلال أسبوع قادم، أو مواجهة مشكلة، أو صحوة ضمير، أو بناء علاقة، أو التعامل مع عميل غاضب، أو القيام بنزهة. فلكي تكون فعالاً لابد من استخدام وسيلة تتمشى مع هذه الحقيقة بشكل يدعم استخدام البوصلة الموجدة داخلنا.

 

بقلم : محمد عبد الكريم يوسف

...................

مصادر

الموسوعة العربية – دمشق

فن إدارة الوقت / د مصطفى هاشم البنان

كتاب العالم / فيلد انتربرايز كومباني / 2011

الأولويات أولى  ستيفن كوفي وأخرون /1994

إدارة الوقت في الأعمال التجارية  / محمد يوسف / الشركة السورية لنقل النفط/ 2013

إدارة الوقت / المعهد الوطني للإدارة / سورية 2010

 

في المثقف اليوم