قضايا

المنهج التفكيكي والحفر الاركيولوجي

ali mohamadalyousifمصطلح التفكيك مصطلح فلسفي استعاره جاك دريدا من فلسفة هيد جر واطلق على منهجه استراتيجية التفكيك اي تفكيك النص لاظهار انه عبارة عن مركب يتألف من عدد من النصوص (1).

فدريدا ينظر الى النص كما لو كان يتألف من خيوط مختلفة تتداخل مع بعضها البعض. والتفكيك خليق بان يكشف عن الطريقة التي امكن بها تركيب النص في اول الامر. للتفكيكية مفهوم خاص عند المفكر اراكون من حيث اعتمادها كمنهجية اساسية لمشروعه النقدي. ومن حيث ترتيبها التسلسلي في بنية او هندسة المنهج الذي اعتمده. والذي لم يكن اعتباطا بقدر ما كان ضرورة فكرية منهجية نقدية في رفع سقف بناء العقل الاسلامي.

ان مشروع نقد العقل الاسلامي كما يبلوره اراكون يتمحور حول هدفين: الاول تفكيك مناخ الفكر العربي الاسلامي. والثاني تفكيك مناخ الفكر الغربي باعتباره نموذجا يحتذى، اما منهج المفكر محمد عابد الجابري فهو يقوم على نقد العقل العربي- الاسلامي وليس الاسلامي فقط كما هو عند محمد اركون حيث يقول اني اجد بان تحرير الارض مرتبط بتحرير السماء ولذلك اعطيت الاولوية للتحرير الديني او الاصلاح الديني على بقية انواع التحرير الاخرى من سياسية واجتماعية واخلاقية.

الجابري يعتمد البنيوية التكوينية في قراءة الفلسفة العربية الاسلامية. قراءة واعية غير مزيفة ويرى انه لابد من طرحها ايديولوجياً ليتمخض عنها اي عن هذا الطرح ما يطلق عليه الجابري –القطيعة الابستمولوجية – بين فلسفة المشرق العربي والتي هي في نظر الجابري فلسفة لاهوتية المعرفة والاتجاه. بسبب استغراقها في اشكالية التوفيق بين الدين والفلسفة. وان دمج الدين بالفلسفة عند فلاسفة المشرق العربي طغت عليها نزعة روحانية مثالية. جعلت القوى المتجهة الى المستقبل في المجتمع تعيش في احلام ما اخفقت تحقيقه في الواقع. وبالتاكيد يأخذ الجابري بفلسفة ابن رشد في المغرب العربي(2).

الجابري يحدد ثلاث مرتكزات في اعتماده المنهج البنيوي الذي يعتبره قاصرا فياعتماده تغليب الجزئيات على الكل. المرتكزات هي نقد العقل العربي الذي يشمل التراث العربي الاسلامي برمته. وليس الاسلامي تحديدا كما هو الحال عند اراكون. واعتماده المعطيات الشغالة في الايديولوجيا العربية. وكذلك اجراء نقد مقارن بين نهضة اوربا وتحقيق النهضة العربية المطلوبة دونما تبعية او استنساخ عن الغرب. بعكس اراكون الذي يجد راهنية نجاح تحقيق النهضة المعاصرة عربيا هو في اقتداء تحققها اوربيا في البدء من الاصلاح الديني عربيا-اسلاميا.

2: البنيوية التكوينية او البنيوية التوليدية

يعتبر لوسيان غولدمان وهو عالم اجتماع فرنسي روماني الاصل مؤسس هذا المنهج المعرفي الابستيمولوجي في علم الاجتماع . لكن النقد العربي الحديث وخاصة في المغرب العربي تلقف البنيوية التكوينية وتعامل مها بوصفها منهجا نقديا صرفا في نقد الشعر والرواية وقضايا الادب. دون العناية بالسياقات السسيولوجية التي نشأت وتطورت فيها هذه النظرية. (3)

وقد اعتمدت البنيوية التكوينية المنهج التوفيقي الذي يجمع بين ادبيات وافكار الجدل المادي والتاريخي في الفكر الماركسي وبين الابستيمولوجيا البنيوية التكوينية كما هي عند جان بياجيه باعتراف رائدها غولد مان الذي صرح علانية تاثره بفلسفة جان بياجيه ولا سيما استخدامه مصطلح البنيوية التكوينية. مؤكدا اننا عرفنا العلوم الانسانية الوضعية وبتحديد اكثر المنهج الماركسي بتعبير مماثل استعرناه علاوة على ذلك من جان بياجيه هو البنيوية التكوينية. (4)

كما اشرنا سابقا ان ابرز الذين تبنوا هذا المنهج التوفيقي في النقد الادبي والروائي هم المغاربة لقربهم من التثاقف الفرنسي وتعاملهم الثقافي مع اللغة الفرنسية الى جانب العربية وكتاباتهم باللغتين.

ويذكر الاستاذ جابر عصفور انه خلال الفترة الزمنية التي استمرت (16 عاما على ظهور نظرية غولدمان لم يترجم من مؤلفاته الى العربية شيئا. مقابل ترجمة (9) كتب له الى الانكليزية في مقدمتها كتابه (الاله الخفي). والكتابان اللذان ترجما لغولد مان الى العربية احدهما هو (مقدمات في سيسيولوجيا الرواية) سنة 1993 ترجمة بدرالدين عرودكي الذي صدر بالفرنسية عام 1964 كما يعتبر الكتاب الثاني (دليل الناقد العربي) للباحثين د. ميجان الرويلي ود. سعد البازعي رائداً في المنهج البنيوي التكويني في مجال النقد الادبي العربي الحديث.

وعن الظاهرة التوفيقية التي تعتبر ركيزة وعماد البنيوية التكوينية اصدر د. محمد جابر الانصاري كتابه الرائد في هذا المجال بعنوان (تحولات الفكر والسياسة في الشرق العربي 1930 – 1970) عالم المعرفة الكويت – تشرين ثان 1980.

ويشير الباحث عبد الستار جبر ان الانصاري الّف كتابه هذا ليثبت ان ظاهرة التوفيقية هي التي تحكم وتوجه الفكر العربي المعاصر بل والقديم ايضا. فالانصاري يرى ان هذه الظاهرة تعود جذورها الى التوفيقية الاسلامية القديمة في مزاوجتها الدين والعقل في دراسة مختلف المؤثرات المتباينة المتعارضة التي هضمتها الحضارة العربية الاسلامية بعد ان قامت بعملية التوفيق بينهما.

ويقول عبد الستار جبر على لسان الانصاري ان الهدف من تأليفه الكتاب هو البرهنة على حقيقة كون هذه الروح التوفيقية نافذة الى صميم التكوينات التاريخية المجتمعية الحضارية وانعكاساتها العقلية والشعورية في هذه المرحلة من التاريخ العربي. ص 224 من الكتاب.

ويضيف انه من الجدير بالذكر ان المفكر صادق جلال العظم الماركسي العلماني تناول ظاهرة التوفيقية في كتابه (نقد الفكر الديني) الذي اثار ضجة كبيرة وجدلا واسعا حوكم قضائيا على أثرها المؤلف. والكتاب كما هو معلوم تحليل ماركسي توفيقي في معالجته اسباب نكسة حزيران 1967. ويقول د. سعد البازعي ود. ميجان الرويلي في كتابهما المشار له سابقا ان البنيوية التكوينية او التوليدية فرع من فروع البنيوية نشأ استجابة لسعي بعض المفكرين والنقاد الماركسيين التوفيق بين طروحات البنيوية في صيغتها الشكلانية واسس الفكر الماركسي او الجدلي كما يسعى احيانا في تركيزه على التفسير المادي الواقعي للفكر والثقافة عموما.

كما يعتبر عبد الستار جبر التوفيقية البنيوية من عوامل استنبات البنيوية التكوينية في المغرب العربي تحديدا والوطن العربي عموما من حيث (ثمة نزعة توفيقية تحكم الفكر العربي المعاصر وتوجه طرائق تعامله مع الواقع وهي تشتد في الظروف التاريخية التي تضع هذا الفكر في صراع بين خيارين اما التمسك بالتراث او محاكاة الآخر الاقوى (الغرب) فتدفعه لانتاج صيغ توفيقية في قطاعاته المعرفية السياسة، الاجتماع، الاقتصاد، الادب. . الخ.) كما ان البنيوية لاتعنى دراسة الادب فقط بل بوصفها تصورا علميا للحياة الانسانية.

ويؤكد عبد الستار جبر على لسان احد النقاد المغاربة الى ان النقد الادبي في المغرب العربي كان سباقا في توظيف البنيوية التكوينية شغوفا باصطلاحاتها ومفاهيمها وتمكن بنوع من العدوى من ايصالها الى المشرق العربي حيث عرفت هناك انتشارا محدودا. والنزعة التوفيقية واضحة عند نقاد الادب المغاربة فهذا نجيب العوفي يقول: (وأرى ان تفاعلا بين المنهج البنيوي الشكلاني والمنهج الواقعي الجدلي في اطار نظرية نقدية ناظمة وهي امكانية واردة يزكيها ويشجع عليها مشروع غولدمان.) (5)

 

علي محمد اليوسف

................

(1) ميجان الرويلي ودكتور سعد البازعي دليل الناقد الادبي صفحة 108.

(2) وثاب آل جعفر– نقد العقل بين اراكون والجابري، ص431 رسالة دكتوراه وبتصرف منا –

(3) عبد الستار جبر-البنيوية التكوينية والنقد المغربي الحديث-مجلة الاقلام العراقية-ع2حزيران 2010ص203

(4) المصد السابق نفس الصفحة

(5) اعتمدنا في هذا التلخيص دراسة عبد الستار جبر بعنوان : البنيوية التكوينية والنقد المغربي الحديث – مجلة الاقلام العراقية – ع2 حزيران 2010 ص 201 . 

 

 

في المثقف اليوم