قضايا

التنمية الادارية وتمكين المرأة في المجتمع (1-2)

mohamad abdulkarimyousifمقدمة: تلعب المرأة الدور الأكثر أهمية في بناء المجتمعات وتقدمها فهي الأم والأخت والحبيبة والزوجة والصديقة . وتتنوع أدوارها وفق ثقافتها وبيئتها الاجتماعية والسياسية والثقافية والمعرفية . المرأة المهندسة والطبيبة والباحثة والعاملة لها دور إضافي في الحياة هو الأمومة يعطيها قيمة مضافة تشكل نصف المجتمع ثم تربي نصفه الآخر. بكلمة أخرى المرأة كل المجتمع . وإذا تمكنت المرأة من أداء دورها الشاق والنجاح فيه صار المجتمع سليما معافى وإذا فشلت المرأة في أداء دورها أصيب المجتمع بعاهات في سلوكه وتفكيره .

التنمية الادارية وتمكين المرأة

تساهم التنمية الادارية في تمكين المرأة من أداء دورها الفعال في المجتمعات والمنظمات والهيئات والحكومات . تعمل التنمية الادارية على تحليل واقع المرأة ودراسته وتشخيص المشكلات المختلفة التي تواجهها في حياتها والتي يمكن أن نلخصها بما يلي:

- العبء المتواصل والمستمر الذي يلقيه الفقر بمستوياته المختلفة على المرأة (الفقر المادي والفقر العقلي).

- التفاوت وعدم المساوة وعدم التكافؤ في الرعاية الصحية والخدمات.

- عدم المساواة في الهياكل السياسية والاقتصادية في معظم الأنشطة الانتاجية والاستفادة القصوى من امكانياتها .

- عدم المساواة بين الرجل والمرأة في تقاسم المسؤوليات واتخاذ القرار.

- عدم كفاية وكفاءة البيئة الحاضنة للنهوض بالمرأة على كافة المستويات .

- التمييز الجائر ضد المرأة من النواحي السياسية والثقافية والدينية .

ويمكن للتنمية الادارية في المجتمعات المختلفة أن تبدأ بتمكين المرأة من خلال خلق الظروف المناسبة التي تصبح المرأة من خلالها تمتلك مقومات النجاح لتصبح فاعلة في المجتمع عبر الثقة بالنفس والتعليم والرعاية واتاحة الفرص والثقة بها وبعملها في المواقع المختلفة .

التنمية وتمكين المرأة في عصر العلم والتكنولوجيا:

التنمية الادارية للمرأة تعني تحسين وضعها وزيادة معارفها والتوسع في مساعدتها لتأخذ دورها بجانب الرجل في مختلف نواحي الحياة . وقد أفرزت السياسات الدولية المختلفة والايديولوجيات أوضاعا متباينة للمرأة في مختلف المجتمعات في هذا الكوكب. وقد رافق هذه التغيرات مؤشرات عديدة يمكن أن نلخصها بما يلي:

- تغيرات في المفاهيم الفكرية والثقافية والاجتماعية .

- تغيرات في النمو الاقتصادي رافقها تنمية بشرية واجتماعية.

- التغيرات التي تجعل النمو قابل للاستمرارية والاستدامة .

- التنمية السياسية والحقوقية والديموقراطية .

والنقطة الأهم هنا هو الاستدامة في النمو والتعليم والتحديث والتطوير بالوسائل الثقافية والتعليمية والمادية والمعنوية حتى تتمكن المرأة من اتخاذ القرار والتحكم في مواردها ومواجهة ما يعترض طريقها .

لقد وفر العصر سرعة فائقة في الحصول على المعلومات فالانترنت يمكن المرأة الطموحة من التواصل مع مؤسسات عصية عليها . يمكنها الاستفادة من خبرات وتجارب المرأة في كل مكان عبر شاشة صغيرة . وهنا لا بد من التنويه أن القيمة المضافة للانترنت والتكنولوجيا لها ما يوازيها تماما من الخطورة في مكان آخر. ومن هنا كان للتعليم الثقافي والديني والوجداني والذكاء العاطفي للفرد أهمية قصوى في حسن اختيار وانتقاء ما تريده من الإنترنت .

مؤشرات التنمية التي تخص المرأة

تعمل التنمية الادارية على خلق معايير ومؤشرات يمكن من خلالها قياس مستويات تمكين المرأة في المجتمع نذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر:

- الانتاجية الفاعلة التي تؤمن للمرأة الاستقلالية المالية التي تمكنها من اتخاذ قرار مستقل ومسؤول.

- الانصاف والعدالة الاجتماعية التي تؤمن للمرأة حدا مقبولا من الاحترام والحب والتقدير.

- الاستدامة في التعليم والفرص والاحترام والحب.

- التمكين عبر الثقة بالمرأة وقدراتها وقراراتها واعطائها نفس الفرص التي يمتلكها الرجل.

التنمية الادارية الناجحة والتمكين

التنمية الادارية الناجحة تقدم فرصا عمليا تتضمن السياسات الاقتصادية والمالية والتجارية والزراعية والصناعية والبيئية وسياسات الطاقة والطاقة البديلة والعلاقات المستدامة على نحو يؤدي إلى تنمية مستدامة لها أثر باق في المجتمع على مدى طويل من الزمن ينعكس ايجابا على تطوير الذكاء العاطفي لدى المرأة ويحقق ما يلي:

- المشاركة الفعالة للرجال والنساء على حد سواء في بلورة وتطوير سياسات التنمية

- الاعتراف بأهمية الجنسين في المساهمة في عمليات التنمية والتحديث والتطوير وتوزيع الموارد والفرص على الجنسين بالتساوي.

- المسؤولية المشتركة في تصميم وتنفيذ برامج التنمية واشراك الجنسين في اتخاذ القرار.

- تنمية الموارد البشرية اللازمة لاستمرار التنمية وتوفير الأدوات اللازمة لنجاحها.

- تقبل ودعم القيادات الرسمية والأهلية والاجتماعية بما في ذلك الأسرة للمشروع التنموي .

شروط تمكين المرأة

قد يكون السؤال الذي يفرض نفسه أول الأمر " هل ترغب المرأة في التغيير أم أن واقعها الحالي يسعدها؟؟ "

تشير الدراسات السيكولوجية أن المرأة أحيانا لا ترغب في التغيير ولا تحب تحمل المسؤولية وتميل للوقوف خلف الرجل لا جانبه وترغب في الزواج من شخص أقوى منها ماديا وفكريا ومعنويا وهذا الاتجاه قد يكون أول عائق أمام تمكين المرأة وتنمية قدراتها . المسألة الأخرى هل يقبل الرجل بتمكين المرأة؟ هل يقبل أن تكون مديرته في العمل؟ هل يقبل أن تكون وزيرته مثلا؟

هناك عوائق كثيرة تقف أمام تمكين المرأة في المجتمع منها قانوني ومدني وجنائي وثقافي وحضاري واجتماعي وتراثي ومنها ما هو متعلق بالعرف والعادات والتقاليد . البيئة الحاضنة للتمكين والتنمية والتحديث والتطوير هي الأساس .

يمكن تلخيص شروط التمكين بما يلي:

- استعداد المرأة الداخلي (الأنا) لقبول التغيير .

- استعداد الأسرة الضيقة (الآخر) للتغيير .

- استعداد المجتمع المحيط للتغيير.

- توافر الاطار البيئي والثقافي للتغيير

- توافر الاطار القانوني للتغيير [وهو الأهم لأنه يوفر الحماية الكاملة للمرأة في المجالات المختلفة (حرية التعليم – حرية الزواج – حرية الاختيار – حرية التعبير - حماية الأسرة – تأمين حقوقها في الزواج والميراث – حقها في حماية نفسها من العادات والأعراف كالختان مثلا)]

ومن يراجع الأنظمة القانونية والأطر التشريعية التي تخص المرأة في الكثير من البلدان يجد أن شروط التمكين لا زالت منقوصة وتسير ببطء شديد .

 التطور التاريخي لتمكين المرأة في المجتمعات:

تشير الدراسات التاريخية إلى أن المرأة عبر التاريخ حصلت على مراكز مهمة في الدول التي انتمت اليها فقد كان لها دورا مهما في الحضارة البابلية والحضارات القديمة وحضارات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والحضارة الاغريقية وحضارة وادي النيل والحضارة الرومانية والبيزنطية ووصلت إلى مراكز قيادية في الدول والممالك والامبراطوريات التي عاشت فيها ولكن كل تلك التطورات كانت وليدة لحظتها وخلاصة تجربة شخصية ولم تكن مؤطرة في اطار قانوني يحمي المرأة في بيئة غير مؤهلة لقبول الآخر.

صحيح أن فكرة تمكين المرأة ولدت منذ عقود إلا أن التغيير القانوني والبيئي لم يتقدم بنفس سرعة فكرة التمكين بل كان عائقا أما تنمية المرأة وتمكينها من ممارسة الدور الذي يليق بها. يمكن أن نلخص التطور التاريخي لتمكين المرأة بما يلي:

• المرأة في التنمية

وينطلق هذا المنظور من افتراض أن المرأة غائبة كليا وبالتالي يتم اطلاق مشاريع صغيرة خاصة بالمرأة . يركز هذا المنظور كثيرا على المسألة الانتاجية ومحاربة الفقر (الحياكة – الصباغة – تربية الطيور – صناعة الأطعمة) ويتجاهل المسائل الفكرية والثقافية والعاطفية . وتكون مخرجات هذا المنظور قاصرة على العمل التقليدي الضعيف وتبقى فيه الفجوة كبيرة في المجتمع بين عالم الذكور وعالم الاناث على حالها من دون تغيير.

• المرأة والتنمية

يتجه هذا المنظور نحو الارتفاع بكفاءة المرأة الانتاجية وتحسين مهاراتها في العمل في كل المجالات من دون اللجوء إلى المشاريع الصغيرة كما يهتم بتطوير التكنولوجيا التي تسهم في تخفيف الأعباء على الأسرة بحيث تستطيع المرأة الوقوف إلى جانب الرجل في العمل الانتاجي . رافق هذا المنظور صراع قوي نجم عن قيام المرأة بأدوار متعددة في المجتمع (سيدة منزل وعاملة في نفس الوقت) وأحدث ذلك فرقا في الانتاج لكن في مكان ما أثر على الحالة الاجتماعية والتربوية للمرأة كونها صارت مثقلة بأعمال لا طاقة لها بها. وقد ساهم في تفاقم الصراع العادات والتقاليد في الكثير من المجتمعات التي تقول أن الرجل هو السيد في المنزل وأن كل أعمال الأسرة الداخلية من واجب المرأة فقط في حين أن العادات والتقاليد تعتبر مشاركة الرجل زوجته في أعمال الأسرة الداخلية نوع من فقد الرجولة .

• المرأة مبادرة في عمليات التنمية

يركز هذا المنظور على إدراج مفهوم المساوة النوعية الأخلاقية في الحصول على الموارد الانتاجية وإدارتها في ظل منظومة قانونية وثقافية وإدارية لا تقر بالمساواة بين الجنسين (وهو المنظور الحالي في معظم دول العالم وحتى في أوروبا وكندا وأمريكا) في هولندا وفرنسا واسبانيا على سبيل المثال (ومن تجربتي الشخصية) علمت أن هناك تمييز في الجنس تجاه من يشغل موقعا وظيفيا ما حيث يحصل الرجل على راتب أكبر من الراتب الذي تحصل عليه المرأة لنفس العمل . ويعتبر ذلك من العوائق أمام التنمية وتمكين المرأة العمل بحرية . يبدو أن إختلاف الأدوار والامكانيات والصلاحيات متصلة بطريقة أو بأخرى بالممارسات الاجتماعية وبطيبيعة الرجل البشرية (عقل الصياد) . ويجب أن ندرك جميعا أن المكانة الاقتصادية والاجتماعية الأنقى للمرأة ما هي إلا نتاج لنظام قانوني واجتماعي يميز بين المرأة والرجل ويحد من قدرتها .

• تمكين المرأة يعزز من التشاركية والتفاهم:

التمكين مفهوم حديث نسبيا بدأ في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين وقد انتشر كثيرا في أدبيات المؤتمرات الدولية التي تخص المرأة والمنظمات غير الحكومية وقد ركزت هذه الأدبيات على مشاركة المرأة في عمليات التنمية في مختلف القطاعات الانتاجية والثقافية والتقنية والأكاديمية وعلى مستوى الجامعات والمؤسسات والحكومات على افتراض أن تمكين المرأة ومشاركتها في بناء المجتمع وقيادته وتوجيههه تزيد من فرص التفاهم بين الجنسين وترتقي بالعلاقات الانسانية والمجتمعية على حد سواء . كما تساعد في خلق التوازن والاستقرار وتعزيز العلاقات وتنمية المهارات وبناء أجواء تنموية جيدة ومستدامة . لا تزال هذه الفكرة واعدة تتقدم ببطء بسبب الحواجز الاجتماعية والدينية والقانونية التي تقف أمامها .

مستويات تمكين المرأة

هناك ثلاثة مستويات لتمكين المرأة:

- المستوى الفردي: وهو قدرة المرأة السيطرة على نفسها وحياتها واحساسها بقيمتها وقدرتها على تحديد أهدافها والسعي لتحقيقها.

- المستوى الجماعي: وهو قدرة المرأة على تنظيم نفسها واحترامها للآخر واحساسها بقوتها كامرأة .

- مستوى المناخ السياسي والاجتماعي والقانوني: وهو تأمين القواعد الاجتماعية والحوار العام وتأمين البيئة الحاضنة السياسية والاجتماعية والقانونية التي تحمي المرأة من الآخر.

أنواع التمكين:

 للتمكين أنواع عديدة يمكن أن نلخصها بما يلي:

- التمكين الاقتصادي: ويتم ذلك من خلال تخصيص نسب من الوظائف الادارية والتنظيمية والتشريعية والمهنية للمرأة والاعتماد على الذات في تطوير القدرات، وقد ساعد على هذا النوع من التمكين حتى الآن الضغط المتواصل لوسائل الاعلام، والمناهج الدراسية، والاتفاقيات الدولية والتركيز على الغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة .

- التمكين الاجتماعي: ويتم ذلك من خلال تغيير تدريجي للعادات والأعراف وحمايتها بنصوص قانونية تسعى الدولة على حمايتها وتطويرها (الختان للصغيرات، الثأر، جرائم الشرف، حق الزواح، حق الطلاق، حق رعاية الأولاد، حق تسجيل الأولاد في حال كان الزوج أجنبيا، الحضانة) . يساعد التمكين الاجتماعي من التغلب على أنواع شتى من التمييز الاجتماعي نحو المرأة وتقليل السطوة الذكورية عليها ولنشر هذه المفاهيم عملت المنظمات النسوية على اطلاق مؤسسات ونوادي ومراكز متخصصة تنظم محاضرات وفعاليات وندوات تنشر فكرة التمكين .

- التمكين السياسي: يقاس عادة التمكين السياسي بعدد المقاعد الحكومية في السلطتين التشريعية والتنفيذية في الدول بالاضافة إلى عدد النساء في المدارس والجامعات ومراكز الأبحاث المختلفة . وقد أكد مؤتمر بكين عام 1995 على ضرورة تمكين المرأة وتخصيص حصة لها لا تقل عن 30 % من عدد المقاعد في مختلف المجالات بحلول عام 2005. تشير الدراسات إلى أن التقدم لا يزال ضئيلا في في هذا المجال.

- التمكين القانوني: وهو الأساس الذي يحمي المرأة في المجتمع ؛ يحميها من (الأنا) ومن (الآخر) . تلعب التشريعات القانونية والممارسات القضائية دورا هاما ومصيريا في حماية المرأة لذلك وجب إصدار التشريعات والقوانين التي تحمي المرأة من العادات والأعراف والتقاليد المتوارثة كما تحمي حقوقها المستحدثة بعد الزواج ناحية الهوية وتسجيل الأولاد والزواج والطلاق.

تجربة تمكين المرأة (سورية نموذجا)

يعمل النظام السياسي في سورية منذ الخمسينات على تمكين المرأة في الحياة والمجتمع وتعمل القوانين والأنظمة على تطوير نفسها نحو تمكين المرأة وحمايتها من (الأنا) و(الآخر) . فالدستور السوري لعام 2012، والقانون الأساسي للعاملين في الدولة رقم 50 لعام 2004 وتعديلاته، وهو المطبق على العاملين في القطاع العام، وقانون العمل رقم 17 لعام 2010 وتعديلاته، المطبق على العمال في القطاع الخاص والتعاوني والمشترك، بالإضافة إلى قانون تنظيم العلاقات الزراعية رقم 56 لعام 2004 وتعديلاته، المطبق على العمال الزراعيين، وقانون التأمينات الاجتماعية رقم 92 لعام 1959 وتعديلاته بالاضافة إلى القانون المدني كلها تنص على حماية المرأة ومساواتها مع الرجل في الحقوق والواجبات إلا أنها جميعا بحاجة للتطوير لأن بعض النصوص تتصادم أحيانا مع العادات والتقاليد والأعراف المعمول بها وتفضل الرجل على المرأة في العديد من المواقف القانونية فالمرأة ليست بمرتبة الرجل ناحية الحصول على الراتب التقاعدي فالمادة 90 الفقرة (ب) من قانون التأمينات الاجتماعية والناظمة لموضوع إرث الراتب التقاعدي، تنص على أنه يحق للأرملة أن ترث راتب زوجها مدى حياتها أو لحين زواجها أو التحاقها بعمل أو مهنة، في حين أن الرجل يستمر في استلام راتب زوجته التقاعدي بعد وفاتها حتى ولو تزوج مرة أخرى، وبالتالي فإن هناك تمييزاً قائماً على أساس الجنس حيث تفقد المرأة حقها في معاش زوجها التقاعدي إذا تزوجت. وفي موضع آخر يراعي قانون التأمينات الاجتماعية المرأة على حساب الرجل حيث يتقاضى الذكر الراتب التقاعدي في حال وفاة والده حتى يبلغ سن الرشد أما المرأة فتتقاضى الراتب التقاعدي في حال وفاة والدها حتى تجد عملا أو تتزوج . وفي موضع آخر تنص الفقرة (أ) من المادة 60 من قانون التأمينات الاجتماعية على منح المرأة المؤمن عليها تعويضاً مالياً من عملها في حال استقالتها بسبب الزواج أو الإنجاب، أقل من التعويض الذي يصرف للرجل في حال الاستقالة.

تجدر الاشارة إلى أن الحكومة السورية وفيما يتعلق بالمرأة صادقت على معظم الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية بالإضافة إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لعام 2006، والبروتوكول الخاص بها والتي تلزم الدول الأطراف باتخاذ جميع التدابير الملائمة لكفالة التطور الكامل والتقدم والتمكين للمرأة (المعاقة)، مشيراً في هذا الإطار إلى أهمية مصادقة الدولة السورية على اتفاقية دولية أخرى كالاتفاقية الدولية المتعلقة بحماية الأمومة والاتفاقية الدولية بشأن العمال وذوي المسؤوليات العائلية، والأخذ بأحكامها في التشريعات السورية.

ويمكن أن نلخص الاطار القانوني لتمكين المرأة السورية وفق القوانين والواقع بما يلي:

أولاً- حقوق المرأة والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها سورية

كانت سورية من بين الدول الـ 48 التي صوتت لصالح اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة التي انعقدت بتاريخ 10 كانون الأول عام 1948 كما صادقت على الشرعة الدولية الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966 بتاريخ 21/4/1969 وعلى الشرعة الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 بتاريخ 21/4/1969 وعلى اتفاقية حقوق الطفل عام 1993 وعلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة عام 2002 بالمرسوم التشريعي 330. هذه الاتفاقية التي تعتبر بمثابة إعلان عالمي لحقوق المرأة نظرا لما تتمتع فيه من شمولية في معالجة قضايا التمييز ضد المرأة في جميع ميادين الحياة العامة والخاصة والتي اعتبرت الأساس القانوني والعملي للقضاء على التمييز ضد النساء في العالم وبمثابة مؤشر على التزام الدول الأطراف في الاتفاقية بتحقيق المساواة أمام القانون في تشريعاتها الوطنية وتعديل ماهو مخالف لها.

ورغم تصديق سورية عليها إلا أنها تحفظت على مواد أساسية في الاتفاقية بما لا ينسجم مع غرض الاتفاقية وجوهرها ولا ينسجم مع الواقع الفعلي للمرأة السورية وما حققته من منجزات على صعيد التعليم والعمل والمشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية التي نصت عليها مواد الاتفاقية (3- 4- 5- 6- 7- 8- 10- 11- 12- 13- 14- 15) والتي تنسجم جميعا مع ما تحقق للمرأة في سوريا وكان التحفظ على المواد (2- 9- 15، فقرة 4 والمادة 16 الفقرات 1 بند ج- د- و- ز الفقرة 2) بسبب مخالفة تلك المواد للشريعة الاسلامية ومن العودة إلى تلك التحفظات نجدها تتركز على المساواة أمام القانون وما يتصل بالمرأة لناحية علاقاتها الاسرية وحياتها الخاصة.

إن التحفظ السوري على المادة 2 ينافي روح وجوهر الاتفاقية ولاينسجم مع السياسة التي انتهجتها سورية في قضايا النهوض بالمرأة وتمكينها ويتنافى مع مبدأ المساواة المكرس في الدستور السوري والقوانين (الانتخاب والعمل والمدني والتجارة والتعليم) والتي جاءت جميعا بشكل يتلائم مع مبدأ المساواة المشار إليه . التحفظ على المادة 2 يكرس التمييز بين الرجل والمرأة لأسباب وجدها المشرع السوري مبررة . كما

تحفظت سورية على المادة 9 الفقرة 2 لتعارضها مع قانون الجنسية في سورية.

ويحتوي قانون الجنسية في نصوصه موادا تلغي المساواة بين المرأة والرجل مع التمييز في الحقوق والواجبات وبشكل يناقض مبدأ المواطنة المنصوص عليه في الدستور السوري. كما تم التحفظ على الفقرة 4 من المادة 15 رغم أنه لايوجد لا في الدستور ولا في القانون ما يمييز بين المرأة والرجل لتلك الناحية، ولكن يوجد أمر دائم رقم 876 تاريخ 8/8/1979 صادر عن وزير الداخلية السوري يقضي بإعطاء الزوج الحق بمنع زوجته من السفر بتقديمه طلب خطي إلى دائرة الهجرة والجوازات يطلب فيه منعها. ويعطي هذا الأمر الدائم الحق لشخص بتقييد حرية مواطن ومنعه من الحركة أو السفر.

لقد تحفظت سورية على الفقرات) 1، ج- د- و- ز) والفقرة 2 من المادة 16 والسبب في ذلك يعود إلى التمييز ضد المرأة داخل الأسرة وفي العلاقة الزوجية في قانون الأحوال الشخصية والتشريعات الجزائية وفي المعتقدات الثقافية وهوما يتناقض مع مضمون هذه المادة.

ثانيا: وضع المرأة في سورية من الناحية التشريعية

في سورية حصلت المرأة على الكثير من الحقوق والتي جاءت منسجمة مع الدستور السوري لعام 1973 وحققت قضية المرأة تقدما شمل مواقع اتخاذ القرار في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والصحية وفي التعليم والعمل والتنمية الشاملة ولكن رغم تلك النقاط المضيئة مازالت هناك بعض المعوقات الاجتماعية والثقافية المتمثلة بمجموعة الأعراف والممارسات الاجتماعية والإدارية التي تشكل تمييزا ضد المرأة إضافة إلى بعض القوانين التمييزية التي تنظم علاقتها داخل الأسرة وحياتها الخاصة، كما أن عدم التطبيق الجيد لبعض القوانين المنصفة يعيق تقدم المرأة ومساواتها الكاملة مع الرجل في الحقوق والواجبات وتؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على مشاركتها في العمل العام حيث يستحيل فصل الشأن الخاص عن العام في قضايا المرأة لأن هذا يشكل ازدواجية قانونية وواقعية فكيف يعطي الدستور والتشريعات المدنية المرأة الأهلية الكاملة وتأتي قوانين خاصة بعلاقاتها الأسرية لتعتبرها ناقصة الأهلية؟ وكيف السبيل لتحقيق المساواة بين المرأة والرجل في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليم والعمل وحقوق المرأة مقيدة داخل الأسرة؟ فتنقلها وإقامتها وسفرها واختيارها لزوجها مرهونة بموافقة الولي إضافة إلى تهديدها بالطلاق والطرد من المنزل وحرمانها من أطفالها الملقى عليها واجب رعايتهم وإعالتهم وليس لها حق الوصاية أو الولاية أو حتى السفر بهم. (دعد موسى، 2003)

سنحاول تسليط الضوء على الواقع القانوني للمرأة في سوريا من خلال بعض القوانين والتشريعات ذات العلاقة بقضية المرأة وفقا لما هو وارد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومنهاج عمل مؤتمر بكين واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) والمعايير الدولية لحقوق المرأة.

ولتبسيط الفهم الواقعي لوضع المرأة السورية يمكن مقاربة الموضوع من جانبين أساسيين:

- تشريعات تتعلق بمشاركة المرأة في الحياة العامة والعمل والمهن والتعليم والصحة العامة

- تشريعات تتعلق بالحقوق المدنية والشخصية للمرأة وتنظم علاقاتها داخل الأسرة وحياتها الخاصة.

أولا: تشريعات تتعلق بمشاركة المرأة في الحياة العامة والعمل والمهن والتعليم والصحة العامة:

دستور الجمهورية العربية السورية: صدر الدستور الدائم عام 1973 مكرسا أسس المساواة للمواطنين جميعا ورسم صيغا أساسية وقواعد عامة وإطارا عريضا وعاما للحقوق والحريات والواجبات لجميع المواطنين بمن فيهم المرأة وجاءت مواده تعكس المساواة الكاملة بين المرأة والرجل وخطابه واحد لكلا الجنسين حين خاطب (المواطن –المواطنين) في سياق تعابيره دون تمييز واعتبرت المرأة السورية ذات مواطنية كاملة في الحقوق والواجبات (المواد 25- 26- 27) .

المبادئ العامة والأساسية للدستور كرست المساواة في الحقوق والحريات والواجبات بين المواطنين دونما أي تمييز وعلاوة على ذلك فقد خص دستورنا المرأة باهتمام حيث افرد مادة خاصة لدعمها وهي المادة 45 (تكفل الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع ..) حيث أكدت هذه المادة على مسألة تحرير المرأة وإزالة كافة العوائق التي تمنع من مشاركتها في عملية التنمية وإعطائها كافة الفرص لتساهم مساهمة فعلية في كافة ميادين الحياة.

ويعتبر الدستور مصدر التشريعات والقوانين والضابط لحركة الدولة بمؤسساتها المختلفة ويجب أن تكون القوانين كلها منسجمة معه وهو ما يعرف بـ (دستورية القوانين) والواقع العملي يبين إن بعض القوانين تتعارض مع الدستور مثل قانون الأحوال الشخصية وقانون العقوبات وقانون الجنسية التي لا تعتبر المرأة مواطنة كاملة الأهلية . وقد كرس دستور الجمهورية العربية السورية الجديد لعام 2012 نفس المبادىء ناحية حقوق المرأة .

(دستور الجمهورية العربية السورية لعام 2012)

قانون الانتخاب الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 26 تاريخ 14/4/1973:اعطى حق الانتخاب والترشيح لكل المواطنين السوريين نساء ورجال في حال توفر الشروط المطلوبة دونما تمييز بينهم وفق نص المادة / 3 / يتمتع بحق الانتخاب كل مواطن عربي سوري من الذكور والاناث أتم الثامنة عشر من عمره في أول السنة التي يجري فيها الانتخاب.

قانون الانتخاب الجديد رقم /5/ لعام 2014 حفظ للمواطن السوري (رجلا كان أم امرأة) حق الانتخاب والترشح في حال توفر الشروط المطلوبة . وقد نص في المادة /1/ على مايلي:

الناخب: كل مواطن يتمتع بالحقوق الانتخابية.

المقترع: كل ناخب مارس حقه في الانتخاب أو الاستفتاء.

المرشح: كل مواطن يرغب بترشيح نفسه لمنصب رئيس الجمهورية أو عضوية مجلس الشعب أو عضوية مجالس الإدارة المحلية. (قانون الانتخابات، 2014)

 

محمد عبد الكريم يوسف – كاتب ومترجم

 

 

في المثقف اليوم