قضايا

أخطر مايمكن أن تقرأ .. الرسائل اللاشعورية الخفية

nabil ahmadalamirهل سمع أحدكم عن ما يسمّى بـ (الإدراك الخفي)؟، و يسمى باللغة العلمية  Subliminal Perception .

هل تعلمون أنه يمكننا أن ندرك أموراً كثيرة دون استخدام أي من حواسنا الخمس التقليدية . . ونتفاعل ونتجاوب معها دون أي شعور منا بذلك .

وبمعنى آخر هو ليس كل ما ندركه نحسّه ونراه !! .

يتعرّض الناس للآلاف المنبهات والدوافع اللاشعورية يومياً، وتتمثّل هذه المنبهات بشكل أصوات و صور وحتى روائح، و يمكن أن تكون عبارة عن منبهات فوق صوتية، أو تحت صوتية، إشعاعية، رادارية، ومايكروموجية، وغيرها من منبهات، نتأثر بها ونستجيب لبعضها دون إدراك من عقلنا الواعي، لكنها تُسجّل في عقلنا الباطن (القسم الخفي من العقل)، ويكون لها أثر كبير على سلوكنا وتفكيرنا وشعورنا وحالتنا الصحيّة وتركيبتنا الفيزيائية . وقد بدأت الأبحاث تشير بشكل واضح إلى وجود مستويات متعدّدة من "الوعي" عند الإنسان .

فحتى أثناء النوم أو في حالة التخدير الجراحي، يمكن للإنسان أن يدرك أمور كثيرة من حوله، ويمكن لهذه الأمور أن تأثّر نفسياً أو جسدياً عليه بشكل غير شعوري . وقد بدأ الأطباء يوصون مؤخراً بعدم التحدّث عن حالة المريض في حضوره، حتى لو كان في حالة تخدير تام، لأنه يدرك كل كلمة يقولونها ويتفاعل معها لا شعورياً بالرغم من نومه العميق .

يعود الاهتمام بهذه الظاهرة إلى أواخر القرن التاسع عشر، حيث أقيمت أبحاث و دراسات سيكولوجية (نفسية) كثيرة حولها، تحت عناوين مختلفة تشترك بعنوان عام واحد هو الإدراك الخفي عند الإنسان .

ففي الحرب العالمية الثانية عندما تطورت صناعة الطائرات وأصبحت تُستعمل في الحروب وضرب مواقع العدو وبشكل أسراب كبيرة، ظهرت مشكلة ظرورة التعرّف السريع على الطائرات بالجو إن كانت صديقة او معادية حتى يمكن إتخاذ القرار السليم في التعامل معها، فتم إختراع جهاز (TachistoScope) وهو جهاز لعرض الصور بصورة سريعة لا تتجاوز بالزمن من ١٪ من الثانية، ليساعدهم في تدريب الطيارين الحربيين للتمييز بين طائرات العدو والطائرات الصديقة وبسرعة كبيرة تجعلهم يصدرون أحكاماً سليمة بشكل فوري قبل أن يفوت الأوان .

وبعد أبحاث متعدّدة على الطيارين وغيرهم وحتى بعض الحيوانات، توصلوا إلى نتيجة هي أن الإنسان (والكائنات الأخرى) يستطيع تمييز أي صورة أو كلمة أو شكل أو غيرها إذا مرّت في مجال نظره بسرعة خاطفة تصل إلى 300/1 من أجزاء الثانية،  والأمر الأهم هو أن هذه الصور الخاطفة التي لا تراها ولا تميزها عينه في أغلب الأحيان، يميّزها العقل الباطن، وتكون أكثر تأثيراً على تصرفات الفرد و تفكيره من تلك الصور التي يراها العقل الواعي في الحالة الطبيعية .

جذبت هذه الظاهرة (الفكرة الغريبة) المتخصّصون في مجال التسويق والترويج الإعلاني، وبدؤا بإستخدام الجهاز المذكور أعلاه في دور السينما حيث يتم عرض عبارات تظهر كل خمس ثوان بشكل خاطف ( 300/1 من الثانية ) على الشاشة أثناء عرض الفيلم، أي أن المشاهدين لم يلاحظوا ظهور هذه العبارات الخاطفة خلال مشاهدة الفيلم، أما العبارات التي أُطلقت فكانت تقول :

هل أنت عطشان ؟ .. اشرب كوكا كولا .

هل أنت جائع ؟ ... كل البوشار .

وبعد ستة أسابيع فقط، اكتشفوا ومن خلال مراقبة عملية البيع في الاستراحة الخاصة لدور العرض السينمائي، أن نسبة مبيعات مشروبات الكوكا كولا والبوشار قد ارتفع بشكل كبير !!!!!

بعد هذا الاكتشاف المثير، بدأت الفكرة والتطبيق تتنقّل بين المؤسّسات الكبرى و الشركات التجارية والإعلانية، وتم تسمية المشروع بـ (الإعلان الخفي Subliminal Advertisement)، وقد تناولت وسائل الإعلام هذا الاكتشاف الخطير باهتمام كبير، لكن ظهرت معارضة مفاجئة لهذه الفكرة الخطيرة، وأعلن مجلس الشيوخ الأمريكي أنه يجب ضبط هذه الوسيلة الخطيرة، ويجب إصدار قانون خاص يحكم هذا المجال و يستوعبه من أجل حماية "الشعب الأمريكي"، حيث أدركوا ان استعمال هذه الفكرة بدون ضوابط قد يأتي بتأثيرات سلبية على الناس والمجتمع، فأعلنت وكالة الاتصالات الفدرالية الأمريكية ضرورة إجراء المزيد من التجارب والأبحاث العلمية كي يتوصّلوا لنتيجة لها مصداقية علمية قبل اتخاذ أي قرار رسمي بهذا الموضوع و من ثم القيام بإجراء مناسب تجاهه .

وفي عام 1958م، ووسط هذه البلبلة الكبيرة، ظهر "فيساري"  (وهو مُكتشف الجهاز المذكور أعلاه) على شاشة التلفزيون وبدا شاحب الوجه وكأنه يتلفظ بكلمات كان مجبوراً عليها، وصرّح تصريحه الشهير بأن ما يسمى " بالإعلان الخفي" الذي ابتكره ليس له ذلك التأثير الكبير على عقول الناس وأن نتائج دراسته كان مبالغ بها !!!!!!!!!!!

وبعدها إختفى هذا الرجل دون أن يترك أثر، وإختفت أمواله المودعة في البنوك، وإختفت كل ممتلكاته المنقولة وغير المنقولة، حتى أن منزله لم يحتوي على أي أثر يخصّه، وكأنه لم يسكن فيه أبداً !!!!

لم تتأثّر الجهات والشركات الإعلانية كثيراً بحملات التكذيب والتعتيم على هذه التقنية الخطيرة التي لها فعالية كبيرة في التأثير على الناس لا شعورياً، وراحت تظهر من حين لآخر أحداث وفضائح (حتى بين السياسيين خلال حملاتهم الانتخابية)، تتناول إستعمال هذه التقنية، خاصة في سبعينات القرن الماضي .

وتبيّن لاحقاً أن الرسائل الخفية هذه ليست موجودة في الأفلام السينمائية فقط، بل في الصور والإعلانات المطبوعة على الورق، بالإضافة إلى الإعلانات والموسيقى المسموعة عبر الكاسيتات وإرسال الراديو .

تطورت الفكرة لأفكار وبدؤا مثلاً عام 1979م بتزويد المتاجر بأجهزة خاصة تم إختراعها تصدر موسيقى هادئة (سيمفونيات كلاسيكية)، لكنها تطلق بنفس الوقت رسائل مبطّنة تحثّ الزبائن على عدم السرقة من المتاجر، وهذه الرسائل هي عبارة عن عبارات مثل : " أنا نزيه ... أنا لا أسرق .... إذا قمت بالسرقة سوف أدخل السجن .

وتطلق هذه العبارات بسرعة كبيرة تجعل الانسان من الصعب تمييزها ! لكن العقل الباطن يلتقطها و يتجاوب معها ! .

وبعد عام واحد من إستعمال هذه التقنية الحديثة ومن خلال دراسات وبيانات تبيّن أن السرقات انخفضت بالمتاجر بنسبة كبيرة، واعترفت أحدى أكبر المتاجر بالولايات المتحدة، أنها قامت بتوفير مبلغ نصف مليون دولار خلال عشرة أشهر فقط !.

رغم ظهور الكثير من الدراسات التي أثبتت فاعلية هذه الأجهزة المختلفة التي تتواصل مع العقل الباطن مباشرة عن طريق إطلاق رسائل خفية متنوعة، إلا أن الجماهير واجهت صعوبة في استيعاب هذا المفهوم الجديد والمعقّد نوعاً ما، لكن هذا لم يمنع الباحثين عن إجراء دراسات سايكولوجية (نفسية) مختلفة حول هذه الوسيلة الجديدة وتأثيرها على تركيبة الإنسان النفسية ومدى التغييرات الجوهرية التي يمكن إحداثها في سلوكه وعاداته المختلفة وتفكيره .

فالعلماء النفسيين يعرفون مسبقاً حقيقة أن الإيحاءات التي يتلقاها العقل الباطن هي أكثر تأثيراً في تغيير تصرفات الشخص وتفكيره وسلوكه، بينما الإيحاءات التي يتلقاها عقله الواعي هي أقل فاعلية في حدوث هذا التغيير الجوهري .

وقد توصلوا إلى هذه الحقيقة أثناء اللجوء إلى علاج التنويم المغناطيسي الذي هو إحدى الوسائل الكثيرة التي يتمكنون من خلالها التواصل مباشرة مع العقل الباطن والقيام ببعض التغييرات الجوهرية في تركيبة الإنسان النفسية والسلوكية . وقد نجح علاج التنويم المغناطيسي في مساعدة الأفراد على التخلص من الكثير من العادات السيّئة كالتدخين مثلاً .

وتوصل الباحثون إلى نتيجة فحواها أن عملية إطلاق الرسائل الخفية من أجهزة خاصة مثل (جهاز التاتشيستوسكوب) وغيره، لها تأثير كبير على الأفراد، وفاعليتها هي كفاعلية التنويم المغناطيسي، لأنها تخاطب العقل الباطن بشكل مباشر، لكن بطريقة مختلفة، ويمكن أن تكون أكثر فاعلية وتأثيرا،  فعند استخدام التنويم المغناطيسي يجب على الطبيب القيام ببعض الإجراءات التي تمكنه من إلهاء العقل الواعي كي يتسنى له الدخول إلى العقل الباطن والتواصل معه، أما عملية إطلاق الرسائل الخفية (بصرية، صوتية، أو غيرها)، فيستطيع الدخول مباشرةً إلى العقل الباطن دون إضاعة أي وقت في عملية إلهاء العقل الواعي، لأنه بكل بساطة لا يستطيع إدراك تلك الرسائل أساساً، فتمر الرسائل من خلاله مباشرة إلى العقل الباطن دون أي عقبة أو ممانعة منه .

نجح الخبراء في إثبات فاعلية الرسائل الخفية في سبيل استبدال الكثير من العادات السيئة عند الأشخاص بعادات حسنة، ولعبت دوراً كبيراً في القضاء على الجوانب السلبية في التركيبة النفسية للإنسان، فالنزعات السلبية كالشعور بالغضب أو الحقد أو اليأس أو الخوف أو النفور من المجتمع أو عدم الثقة بالذات أو غيرها من حالات نفسية يمكن أن تصيب الشخص خلال مرحلة مبكرة من حياته، يمكن التخلّص منها بهذه التقنية، وبما أن الرسائل الخفية هي موجهة للعقل الباطن بشكل مباشر، فيمكن لها أن تعمل على إعادة برمجة عقل الإنسان من جديد، وإزالة جميع السلبيات النفسية المتراكمة عبر السنين .

بعد إثبات هذه الحقيقة العلمية لفاعليتها و تأثيرها الكبيرين، راحت الشركات التجارية تنتج أشرطة فيديو وكاسيتات صوتية (موسيقى كلاسيكية مبطّنة برسائل وإيحاءات) خاصة لمعالجة الحالات النفسية المختلفة (حسب حالة الأشخاص)، كما قامت بعض المحطات الراديوية بإطلاق رسائل خفية مبطنة في برامجها اليومية كالموسيقى مثلاً، و هي تعتبرها خدمة مجانية للجمهور !. تبث رسائل خفية مهدّئة للأعصاب في المساء ! ورسائل منشّطة في الصباح !.

وهناك تحقيقات كثيرة تدلّ على أن هذه التكنولوجيا تستخدم في السجون أيضاً !. عن طريق الموسيقى التي تطلقها إذاعة السجن، حيث اثبتت تلك الرسائل الخفية ان لها مفعول كبير على إعادة تأهيل المساجين، وساعدت في العمل على تهدئتهم لدرجة قللت فيها المشاكل والمشاحنات الدموية، التي يثيرونها دائماً، وأصبحت أقلّ بالنسبة للفترة التي سبقت إستعمال هذا الجهاز الجديد.

إن استخدامات هذه التكنولوجيا كثيرة جداً ومتنوعة جداً تطال جميع المجالات التي يمكن أن يستفيد منها الإنسان، لكن بنفس الوقت تعتبر هذه التكنولوجيا وسيلة خطيرة جداً يمكن استعمالها كسلاح دمار شامل للعقول والقناعات !. وبما أن الأعمال الخسيسة التي تقوم بها المؤسسات المالية والاقتصادية والإعلامية العملاقة تحاط بسرية تامة، فلا نعلم تحديداً كيف يستفيدون منها وبأي شكل يستعملونها، لكنها بالتأكيد .موجودة، ويتم استعمالها بشكل مفرط، وليس علينا سوى التنبّه لهذه الحقيقة، وإتخاذ الإجراءات اللازمة، وأوّل ما يمكن فعله هو عدم الاستماع ومشاهدة إذاعات وقنوات العدو الراديوية والتلفزيونية .

إننا نتعرّض يومياً للآلاف الرسائل الخفية، حيث تأتينا من كل مكان، وعلى شكل صور ومجلات وتلفزيون وسينما وراديو وإنترنت وحتى كاسيتات وسي دي تسجيلات، وتعمل هذه الرسائل على برمجة قناعاتنا لصالح جهات تجارية أو سياسية أو أيديولوجية وغيرها تكون لصالح جهة قد تكون معادية ولا تريد الخير للانسان او الوطن المقصود، دون أي شعور منا بذلك .

لكن بعد أن كتبت لكم هذا المقال وعلمنا وعلمتم بهذا الواقع الخطير، ماذا سنفعل ازاء هذا العمل؟ هل يوجد حل؟

فالرسائل الخفية قد تكون مرئية او مسموعة او موجات مغناطيسية يمتصها الجسد وتصل اشاراتها للمخ فيحللها وكانها اصوات او اوامر داخلية .

فالرسائل المخفية المرئية قد تكون غير منظورة للوهلة الاولى حيث يتم اخفائها في الخلفيات او تكون في صورة كادر سريع او لقطات سريعة تصل ١/٣٠٠ جزء من الثانية، او رموز خفية تصل للعقل الباطن ويخزنها دون ان يدركها العقل الواعي، وتشمل الافلام والاعلانات التجارية سواء التليفزيونية او غيرها وكذلك افلام الاطفال والصور المختلفة، اما في الموسيقى فتكون اما بجمل متداخلة او موجات متراكبة خفية فوق موجة الصوت المسموعة يدركها العقل الباطن ايضا، كما تعتبر الرسائل المعكوسة الباطنية نوع من الرسائل الخفية المشفرة .

وهنا تأكد لنا ولكثير من الباحثين أن المنظمات الإرهابية في مناطقنا كالقاعدة وداعش قد إستعملت هذه التقنية في كسب الشباب والبنات وغسل أدمغتهم من خلال رسائل تُبعث عن طريق أفلامهم ومواقعهم الإلكترونية، لذلك أصبح واجب على الدول محاربة وتدمير هذه الرسائل والافلام والمواقع .

في أواخر الخمسينات ظهرت الإعلانات بما فيها الرسائل الخفية في الميدان الإعلامي، وصادف هذا الظهور أيضا ولادة علم النفس المعرفي والذي اهتم بدراسة مستوى اللاوعي عند الإنسان، كما أولى اهتماما بالغا لدراسة الذاكرة .

تمخض عن هذه الدراسات النفسية عدد من النظريات الحديثة حول الذاكرة، فاستغلت في مجال الإعلان خصوصا والإعلام عموما .

وهذا المقال الهدف منه تسليط الضوء على بعض النتائج الخطيرة التي تلحق بالإنسان بما فيه الإنسان العربي والمسلم إثر التلاعب الخفي الذي مورس ولازال يمارس عليه، حيث يراد بهذه رسالة التمكّن من حدود اللاوعي عند الشباب والبنات  من خلال حواس الانسان ( السمع والبصر والشم...)، دون أن يلتقطه الوعي .

هي إذن رسالة قد تُدرك بحواسنا يلتقطها اللاوعي ويخزنها، ليتم تحليلها عن طريق الدماغ دون أن تصل إلى وعي الإنسان .

في تسعينات القرن الماضي اهتم علم النفس التجريبي بدراسة المظاهر اللاواعية للذاكرة عند الإنسان وخاصة قياسها، فكان الاهتمام بالغا بإشكالية إمكان المعالجة التلقائية للمعلومة خارج مستوى الوعي والإرادة .

علينا معرفة كيف يتم إلتقاط اللاواعي للرسائل الخفية، لنتمكن من متابعة الأمر في محاولة لوقف تأثير هذه الرسائل . فقد يرى الفرد منا إعلاناً مثيراً فيدركه بشكل لاواعي ويترك أثرا على أفكاره وشعوره وسلوكه، فالصورة الملتقطة من العين تبقى مطبوعة لمدة1/10 من الثانية عوض أن تختفي بشكل فوري في لحظة التقاطها، الشيء الذي يجعل من الصورة التي تلي تأخذ وقتا للعرض والوصول إلى العين .

فإذا أدرجنا صورة لا تمت بصلة مع أحداث الفيلم او الإعلان التجاري او غيره (مثلا مشروب ما: رسالة مدرجة بشكل صغير وفي وقت قليل)، فإن المشاهد لا يستطيع أن ينتبه لذلك بصفة واعية لسرعة عرضها، لكن سوف تلتقطها خلايا العين، وتمر بتحليلات من طرف الدماغ الذي يعطي لها معنى، فتُخزن وتصبح قابلة للتأثير على أفكار ومشاعر وسلوك المشاهد، وذلك في المواقف التي تستدعي الرجوع إليها، وهنا دور الذاكرة الضمنية، وكما نعلم أن اللاوعي هو خزان الخيال والأحلام والمخاوف، والاستجابات التي تأتي منه تكون أقل توقعا وأقل سيطرة وتمكنا عند الإنسان .

فالرسائل الخفية اُستخدمت في مجالات عديدة ومختلفة، كالمجال السياسي للتأثير في الانتخابات، والمجال الديني والعقائدي والقومي، وفي مجالات الإرهاب وتدمير المجتمعات والتأثير على سلوكيات الافراد واخلاقهم ومعتقداتهم، وحتى في الفنون التشكيلية والتجريدية والصور والإعلانات، وفي مجال الإعلام والأفلام والمسلسلات المصورة، وفي نشرات الأخبار، وألعاب الفيديو، وفي أيامنا هذه وصلت لأخطر وسيلة وصول وهو الانترنيت الذي دخل كل البيوت والعقول والمؤسسات والوزارات والدول وإستعمالاتها، فالهدف واحد وهو التأثير على سلوكيات الفرد، بهدف تجاري أو اقتصادي او سياسي وكثيرا ما كان أيضا عقائدي وإيديولوجي، وهذا ما يسمى في علم النفس با" الإدراك الخفي " perception subliminale " والذي يعرف عموما على أنه الحالة أو الموقف الذي يمر به الإنسان، والذي يتضمن مثيرات يدركها بدون الانتباه إليها .

صُنّفت ذاكرة الإنسان الى:

1- الذاكرة الضمنية" mémoire implicite"  . .

والتي تشير إلى عملية تخزين المعلومات بدون وعي بعوامل تعلمها أو تكتسبها .

والذاكرة الضمنية تساعد على التحسن أو التقدم في القدرة على القيام بعمل ما بعيدا عن الاسترجاع الواعي والإرادي لهذا العمل .

2- الذاكرة العلنية mémoire explicite . .

وتشير إلى التعبير عن التجربة الشخصية والواعية.

إن كل تقنيات إرسال الرسائل الخفية اللاشعورية استخدمت ولا زالت تُستخدم لحد الآن في الإعلان والإعلام، خاصة الأمريكي في (الجنس، رمزية الموت، التضمين والإخفاء، التلاعب بالصور، الموسيقى التصويرية، الصوت الذي يعد مهما جدا في التأثير اللاشعوري، الفلام الإباحية، افلام الرعب والأكشن)

يقال أن الإعلان هو فن الإقناع، فليس هناك في الإعلان الغربي ماهو صدفة فكل شيء مدروس وبشكل إحترافي للتأثير على اللاوعي عند الانسان، وعلينا أن نعي بأن هناك مراكز أبحاث ودراسات تشترك فيها كثير من الفعاليات والتخصصات المختلفة من علماء نفس وعلماء اجتماع واقتصاديين وسياسيين وعلماء لغة وفناني تخطيط لبلورة الإعلان والإعلام. الذي يصلنا اليوم . فلقد نجحت أجهزة الإعلام الغربية، من سينما وتلفاز ومجلات وصولاً لمساحات وأفق الانترنت غير المحدود برسائلها الخفية التي تتسرب إلى اللاوعي وتخزن في الذاكرة الضمنية لتساهم في تشكيل سمات لشخصية الإنسان الذي يريدونه ليدوس بالتالي على القيم الإنسانية والدينية السامية وتدمير الروح الفردية والمجتمعية .

وما استعمال الطفلة (نيرة) وهي فتاة كويتية لم تتجاوز 15 عاما والتي تم إدخالها للكونغرس الأمريكي ولمقر الأمم المتحدة بعد إجتياح الجيش العراقي للكويت عام ١٩٩٠، بصفة ممرضة بمستشفيات الولادة، لتدلي بشهادة تقول فيها أنها شاهدت بعينها الجنود العراقيين ينتزعون الأطفال الرضع من حاضناتهم ويلقون بهم أحياء في الشوارع ليموتوا، ولم تستطيع الطفلة نيرة إكمال المداخلة وتنهمر بالبكاء والدموع في مشهد أبكى الحاضرين ودفعهم لإتخاذ قرار التدخل وضرب الجيش العراقي، وتقول في مجلس الأمن ان (120) طفل ماتوا في المستشفى وشاهدت احد الاطباء بنفسه يدفن أربعين طفل منهم . . وبعد إنتهاء الحرب وحسب مانشرت ( نيويورك تايمز) أتضح أن (نيرة) لم تكن أصلا بالكويت، وليست ممرضة، وهي إبنة السفير الكويتي بواشنطن سعود ناصر الصباح، وأن عائلة الصباح تعاقدت مع شركة (هيل ونلتون للعلاقات العامة) وهي شركة يهودية، تم تدريب الفتاة على تمثيل المشهد والبكاء، فيما أعترفت منظمة العفو الدولية بعد مدة أن القضية مُختلقة حيث أكد رئيس البعثة الطبية العسكرية الفرنسية بعد استجواب العاملين في مستشفى مجمع الصباح الطبي كذب هذه المزاعم .

بل يذكر أن الرئيس الأميركي قد استشهد بهذه القصة الملفقة ست مرات في خطبه الرسمية . وأستعطف الشارع الأمريكي وحتى العربي بهذه الحادثة لتأييد قرار الحرب على العراق . . . ماكل هذا إلاّ مثال واقعي وحقيقي عاشه كل من سيقرأ مقالي لنوع من رسائل اللاوعب والتي نشاهدها يومياً ونتخذ بموجبها قرارات مصيرية تمس حياتنا او حياة الآخرين، بدون ان نشعر انها رسائل مفبركة الغرض منها التأثير على عقلنا الباطن للوصول لمآرب في أجندات الآخرين، فالرسائل الدعائية الممتازة بأنواعها يجب أن تكون مشحونة بالعاطفة حتى تمرر على العقول .

ولان المقال أعلاه طويل، ولأني أردتك ان تقرأ هذا المقال الخطير وللنهاية، فقد إستعملت في العنوان رسالة خفية لمخاطبة اللاوعي عندك .

إنشر المقال لتعم الفائدة لأكبر عدد من البشر .

وللموضوع بقية بإذن الله . . .

والله من وراء القصد .

 

 

في المثقف اليوم