قضايا

كائنات الفضاء الخارقة ونهاية التابو المحرم

ظاهرة الحياة: هل هي أرضية أم كونية؟

منذ فجر الإنسانية والبشر يتساءلون هل نحن وحيدون في هذا الكون؟ من البديهي القول أن الحياة ظهرت على كوكب الأرض منذ مليارات السنين من شكلها البدائي أحادي الخلية إلى شكلها المعقد العاقل والذكي الذي بات يغزو الفضاء ويحقق المعجزات التكنولوجية في كل يوم. ولكن كيف ظهرت الحياة؟ ولماذا على الأرض حصراً؟ لماذا لم تظهر في كواكب أخرى في المنظمة الشمسية؟ ومن يقول أنها لم تظهر في النظام الشمسي قبل الأرض؟ وماذا تعني الأرض بالنسبة لمكونات الكون المرئي المنظور والمرصود المليء بمليارات المليارات من السدم والحشود المجرية  والمجرات والنجوم والكواكب وغيره من المكونات المادية والطاقات المعروفة والخفية؟ وهل من المعقول القول أن الحياة وجدت في كوكب واحد في هذا الكون الهائل الاتساع والباقي مجرد ديكورات ؟ من العبث التفكير بهذه الطريقة وإنكار ما لانعرفه أو نجهله.  

نظرية الفيزياء جديد من الحياة تثبت أن نظرية التطور الداروينية في النشوء والارتقاء والانتخاب الطبيعي ما هي إلا جزء صغير من صيرورة أكبر وأوسع وأشمل

الغبار النجمي يحمل بذور بدء الحياة:

إن نظامنا الشمسي ملئ بالغبار الناتج عن العديد من التفاعلات بما فيها تكسّر المذنبات. لذا فإن رحلة صغيرة إلى مكونات الغبار النجمي ستنقلنا إلى عالم من الأجوبة حول كيفية بدء الحياة على كوكب الارض. قام جون برادلي من مختبر "لورانس ليفرمور" الوطني في كاليفورنيا وزملاؤه بدراسة على الغلاف الخارجي للغبار المستخرج من الغلاف الجوي الطبقي للكرة الارضية (الستراتوسفير). باستخدام مجهر متناهي الدقة استطاعوا ملاحظة وجود تجاويف مائية صغيرة تحت سطح ذرات الغبار.

يقول العلماء أن التجاويف المائية تكوّنت بفعل تعرض ذرات الغبار هذه إلى الرياح الشمسية المشحونة، حيث يتكون الغبار النجمي بمعظمه من السيليكات التي تحتوي على أوكسجين، وبينما يسافر هذا الغبار عبر الفضاء يصطدم بالرياح الشمسية التي تحوي على تدفقات من ذرات هيدروجين متأينة ذات طاقة عالية، عندها يندمج الأوكسجين والهيدروجين مشكلين بذلك الماء.

يعتقد العلماء أن الأرض تلقت أمطاراً من الغبار الكوني في فترة ما من مراحل نشوء الحياة الأولى رغم أن هذا لا يفسر حساب ملايين الكيلومترات المكعبة من الماء التي تغطي سطح الأرض. من ناحية أخرى تعتبر الكويكبات المحملة بالماء والمذنبات التي اصطدمت بالأرض في مراحل سابقة مصدرًا هامًا لوجود الماء على الأرض.

يأتي هذا الاكتشاف مرتبطًا بدراسات سابقة حول وجود مركبات عضوية في الغبار الكوني، حيث يتبين من النتائج وجود المكونات الأساسية للحياة كالكربون العضوي والماء في الغبار النجمي والكوني وبما أن ذرات الغبار هذه منتشرة بين جميع مجرات الكون فإن هذا يبشر بوجود حياة في مكان ما في هذا الكون.

جيريمي انكلترا، وهو فيزيائي البالغ من العمر 31 عاما في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، يعتقد انه وجدت الفيزياء الأساسية الدافعة أصل و تطور الحياة .

الحياة ظاهرة كيمائية:

من يصدق كيفية تطور العقل البشري ومستوى إدراكه خلال بضعة قرون قليلة وكان علماء فطاحل في زمنهم يؤمنون بمعتقدات ساذجة بعيدة عن العلم  وأقرب إلى الخرافة والخيال.

وليام هيرشل William Herschel مكتشف كوكب أورانوس ومستكشف السماء الموهوب كان يعتقد أن الشمس مسكونة، بل وحتى إسحق نيوتن كان يعتقد أن الشمس مأهولة بالسكان، ولقد استغل الكاتب ميلييه سنة 1904 هذه الثيمة في كتابه " رحلة عبر المستحيل متخيلاً عربات مجمدة ينقل فيها مسافريه إلى هناك، ولقد تبين للعلماء أن الشمس ساختة جداً لدرجة لا يمكنها أن تحتضن الحياة داخلها أو فوق سطحها. فدرجة الحرارة على سطحها تصل إلى 6000 درجة وأكثر من ذلك بكثير في أعماقها وهي درجات حرارة لا يمكن أن يقاومها أي كائن عضوي فالماء على سبيل المثال، ليس فقط سوف يتبخر على الفور  فحسب، بل سيتحلل إلى هيدروجين وأوكسجين فلا يمكن لأي كائن عضوي جزيئي مركب ان يبقى على قيد الحياة. وهناك نجوم أخرى أكثر سخونة بكثير من حرارة شمسنا وتبلغ درجة حرارة السطح في بعضها 1000000 درجة، في  حين توجد نجوم لا تتجاوز درجة الحرارة فيها 2000 درجة وهو من المستوى الرضي لأن القوس الكهربائي يسمح بالوصول إلى 3000 درجة، ومن أجل الدراسة الدقيقة للتأثيرات الحرارية، نحن نعرف أن الجزئيات البسيطة  لأوكسيد التيتان  والزركونيوم، يمكنها تحمل ومقاومة مثل هذه الدرجة الحرارية  ولكن لايمكن على افطلاق للجزيئات العضوية المركبة أن تقاوم ذلك.

ولكل درجة حرارة جسم، يوجد طيف ضوئي كما نلاحظ لدى الحدادين، وهو حال  درجة حرارة النجوم التي تتجلى من خلال الطيف الضوئي القادم منها والحساس لأية تغيرات تمسه. إن دراسة درجة حرارة  النجوم تدفع للتفكير أن الحياة لا توجد في النجوم، كما لا توجد في الفضاء مابين النجمي أو  الفراغ النجمي بين النجوم، ومع ذلك تخيل عالم الفلك الإنجليزي فريد هويل وجود حياة على الشمس في كتابه " الغيمة السوداء Nuage noir " ولا يوجد هناك من يعرف كيف يمكن للحياة أن تتواجد وتخلق في مثل هذا الوسط الضعيف الكثافة حيث يطغى فراغ أفضل من أية فراغات مطلقة يمكن الحصول عليها على الأرض فالغيوم النجمية التي يراقبها علماء الفلك مكونة من مواد منحلة ومخففة على نحو لايمكن تصوره. وبلغة  كل يوم البسيط يعني ذلك أن كل مكعب  من 10 كيلومترات لأطوال أضلاعه في الفضاء يحتوي على نفس القدر من الذرات الموجودة في سنتمتر مكعب في الهواء، وبالتاتلي لا يمكن للتفاعلات الكيمائية أن تحدث لعدم تلاقي الذرات .  ومن البديهي القول أن الحياة بحاجة إلى مصدر طاقة مثلما لا يمكن لأي محرك أن يعمل بدون وقود، فلا يمكن لأي كائن عضوي حي  أن يتحرك  وينمو ويتطور ويتكاثؤ بدون طاقة. والحال لا توجد طاقة كافية مرئية في الكون، هناك بالطابع الطاقة السوداء أو الداكنة أو المعتمة التي لا نعرف عنها شيئاً ونجهل ماهيتها تماماً، لكننا نتحدث هنا عن الطاقة  المرئية  المألوفة والمعروفة لدينا. هناك طاقة تتواجد بالقرب من النجوم وفي داخلها  لكنها شبه غائبة في المسافات الاصلة بين النجوم والتي تحسب بعشرات و مئات وآلاف بل و بملايين السنين الضوئية أحياناً داخل مجرتنا . من هنا، لو أردنا أن نوفر الشروط الضرورية اللازمة، كثافة المحيط، درجة الحرارة، والطاقة الضرورية، فمن الضرورية أن نركز جهودنا وأبحاثنا عن الحياة، على الأجرام ذات الكثافة العالية ودرجات الحرارة المتوسطة، التي تستمتد طاقتها من المصدر النجمي، والتي ستكون بمثابة الأجرام أو الكواكب الشقيقة للأرض، في الأنظمة الشمسية الأخرى داخل مجرتنا درب التبانة.

الاستثناء الأرضي:

كما قلنا، يجب أن تتوفر ظروف خاصة لكي تظهر الحياة التي نعرفها، المبنية على كيمياء الكاربون، ولكي تنمو وتتطور وتدوم على الأرض، ولكن هل هذه الشروط المسبقة تعني أو تفسر  ندرة الحياة الذكية والعاقلة في الكون المرئي؟ السجال مستمر والمناقشات والأبحاث متواصلة منذ قرون عديدة، وعلى نحو خاص منذ ظهور نظور التطور والانتخاب الطبيعي لشارلس دارون.

تمكن الإنسان، بفضل المسابر الآلية والروبوتات والمركبات بدون رواد فضاء بشر، من استكشاف جزء كبير من نظامنا الشمسي بالرغم من عدم تمكنه لحد الآن من الوصول غلأى المناطق البعيدة جداً داخل نظامنا الشمسي. ونجح العلماء  في اكتشاف آلاف الكواكب التي تدور حول شموسها في أنظمة شمسية أخرى خارج نظامنا الشمسي  داخل المجرة، ويتصاعد إقاع الاكتشافات مع التطور والتقدم العلمي والتكنولوجي الذي يحققه البشر في كل يوم صنع جيل جديد من الأجهزة والمعدات.  ولم ينجح البشر إلى لحظة كتابة هذه السطور في أيلول سبتمر 2016، في اكتشاف آثر ملموس لحياة، في أي مستوىً كان، مجهرية  أولية أو عاقلة ذكية، خارج  الحياة على الأرض. إن مغامرة الاستكشاف في بدايتها على مستوى الزمن الجيولوجي للبشر وللفلك، بالنسبة لعمر الكون المرئي التقديري وهو 13.8 مليار سنة. العلماء منقسمون بين متفائلين ومتشائمين، بخصوص ظاهرة الحياة في الكون المرئي. القسم الأول يعتقد أنها عادية ومبتذلة ومنتشرة في كل مكان تقريباً في الكون المرئي وقد توجد في كل نظام شمسي يشبه مجموعتنا الشمسية. والقسم الثاني يعتقد أن ظاهرة الحياة نادرة جداً وقد تكون وحيدة في الكون المرئي. فأرضنا تمتعت بظروف استثنائية وإن ظهرو الحياة العقلة  الذكية على سطحها يعزى إلى معجزة لم تتكرر. القسم الأول يمتلك سلاح الأرقام والإحصائيات ففي مجرة واحد هي مجرتنا درب التبانة توجد أكثر من 300 مليار نجمة وأغلبها يحتوي على مجموعة من الكواكب والأقمار التي تدور حولها. ولو قلنا أن هناك أكثر من 200 مليار  مجرة مرصودة حالياً في الكون المرئي، فإن الإحتمالات والإمكانيات  المكنة لوجود الحياة، الأولية البدائية، أو العاقلة الذكية، كبيرة جداً، بل وهائلة. وهذا ما يجعلهم يعتقدون بأنها لا يمكن أن تكون حكراً على الأرض وحدها وهذا النمط من التفكير والاعتقاد يعرف بـ " مبدأ العادية principe de médiocrité " وهو امتداد لتفكير الرائد الأول كوبرنيك الذي كان أول من جرد الأرض من مركزيتها الكونية وقدسيتها واعتبرها جرماً سمائياً عادياً ومبتذلاً لا يحتل موقعاً متميزاً في الكون المرئي، وإن الحياة تكونت بفعل تفاعلات وتقاربات ذرية موجودة ومنتشرة في جميع أنحاء الكون المرئي، لذلك فإن ما نتج عن ذلك هنا على سطح الأرض يمكن أن يكون قد حدث مليارات المرات على كواكب مماثلة أو شبيهة بالأرض .

الكوكب النادر أو الجوهرة الوحدية في الكون المرئي:

 على النقيض من فرضية تعدد الكواكب الأرضية  الشبيهة بكوكبنا، هناك أنصار  أطروحة  الكوكب النادر أو الفريد من نوعه وهو الأرض، الذي توفرت له بمحض الصدفة، جملة من الظروف التي ساعدته على على أن يحتضن الحياة بين جوانبه، بل وأكثر من ذلك وفر لها سبل النمو والتكاثر والبقاء لتتطور وتغدو حياة عاقلة وذكية . فالأنظمة الشمسية في مجرة درب التبانة لا تتساوى في سبل الحماية  وشروط ظهور الحياة في أحضانها فلكل مجموعة شمسية موقعها المميز داخل المجرة، فهي قد تكون في الأطراف والضواحي البعيدة، أو قريبة من المركز. وكلما كانت قريبة من مركز المجرة كلما زادت نسبة تلقيها من إشعاعات إكس rayons X، وإشعاعا غاما   rayons gamma ، وهي إشعاعات مميتة للمكونات العضوية les organismes  الحية، لذا من الأفضل تفادي التواجد في المناطق النجمية الكثيفة، وذلك لعدة أسباب، منها، أن النجوم الضخمة والهائلة لا تعيش طويلاً وتنهي حياتها في إنفجارات مهولة، وكذلك الاضطرابات الجاذبية أوالتقلبات الثقالية perturbations gravitationnelles، التي تولدها كتل النجوم الضخمة المتقاربة وتسلطها على الأجرام الصغيرة كالمذنبات والنيازك والكواكب القزمة التي يمكن أن تقذف خارج مداراتها وتتحول إلى أجرام سيارة مميتة أو قاتلة عند اصطدامها بغيرها. وفي نفس الوقت لاينبغي التواجد بعيداً جداً عن مركز المجرة حتى لا تعاني الأجرام السيارة من ندرة أو فقدان العناصر الثقيلة اللازمة لتكوين الكواكب الصخرية . هذه هي النغمة التي تتردد على ألسنة علماء الفلك والفيزياء الفلكية وعلماء الكونيات الذي يصفون الأرض بأنها الكوكب المعتدل النادر، planète Boucles d'Or، فمن حسن الأرض أنها ولدت  من رحم شمس لا هي بالكبيرة ولا هي بالصغيرة القزمة، ففي الحالة الأولى تكون الشمس العملاقة قد استهلكت كامل وقودها قبل أن تتيح الفرصة للأرض لكي تولد وتظهر للوجود، وفي الحالة الثانية كان سيتعين على الأرض الوليدة أن تكون أقرب بكثير مما هي عليه الآن من الشمس لكي تبقي المائل فوق سطحها في حالة سائلة، وفي هذه الحالة تتعرض دوماً لمخاطر التوهجات والمقذوفات الشمسية éruptions solaires . والحال هذه، غت شمسنا نجماً مثالياً، وفوق ذلك كله، تواجد الأرض في المنطقة المناسبة، منطقة السكن la zone d'habitabilité القابلة للحياة وعلى المسافة المثالية ايضاً بينها وبين الشمس، مما أتاح لها إمكانية الاحتفاظ بمائها على هيئة سائلة، وهوشرط اعتبر أساساً ولا بد منه لظهور الحياة،  وبخلاف ذلك يتبخر الماء، وهو المصير الذي واجهه كوكب فينوس، المعروف  خطأ بنجمة الراعي أو نجمة المساء étoile du berger، إلى جانب وجود قمر يعمل على استقرار وتوازن محور دوران الأرض .         

لماذا لا توجد حياة في كل مكان في الكون المرئي وفي جميع نجومه وكواكبه ؟

الفرضيات السائدة  تقول أن الحياة انبثقت من الحساء البدائي، بعد تعرضها  لصواعق كهربائية كانت بمثابة الطاقة المحفزة لبدء التفاعلات الحيوية والكيميائية ولكن لا أحد يعرف ما إذا كان ذلك قد حدث بمحض الصدفة أم بتخطيط مسبق ومتعمد، المهم هو أن ذلك تم وفق جملة من القوانين الساسية للطبيعة .

فمن وجهة نظر الفيزياء، هناك فرق جوهري واحد بين الكائنات الحية و غير الحية ألا وهو  تعاطي كتل من ذرات الكربون بعضها يميل على نحو  أفضل بكثير من غيرها في التقاط الطاقة من بيئتها و تشتيت تلك الطاقة على شكل حرارة . وقد قام العالم البريطاني جيريمي الأستاذ المساعد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا البالغ من العمر 31 عاما، باشتقاق صيغة رياضية  يعتقد أنه بموجبها يمكن تفسير هذه القدرة. وتتلخص هذه الصيغة الرياضية، حسب أسس الفيزياء المعمول بها، بحصول تفاعلات كثيرة، ينفرز منها يدل مجموعة من الذرات تقاد بواسطة مصدر خارجي للطاقة ( مثل الشمس أو الوقود الكيميائية ) و تحاط بحمام الحرارة (مثل المحيط أو الغلاف الجوي)، وبالتالي، و في كثير من الأحيان تقوم تلك التركيبات الناجمة من التفاعلات بإعادة هيكلة تدريجية لنفسها من أجل تبديد متصاعد للمزيد من الطاقة. وقد يعني هذا أنه في ظل ظروف معينة، يكتسب الأمر حتما السمة الأساسية المادية المرتبطة الحياة.

كريستيان بيترز:

ففي  تجربة مختبرية على الخلايا من أفيني الطحلب Plagiomnium مع البلاستيدات الخضراء المرئية، تتشكل العضيات التي تجري عملية التمثيل الضوئي من خلال التقاط أشعة الشمس. تبدأ العملية مع أجمة عشوائية من الذرات، ومع توفر  تألق الضوء المسلط عليها لفترة طويلة بما فيه الكفاية، فإنه لا ينبغي أن يكون من المستغرب جدا أن تحصل على نوع من  النبات البدائية. وهذه الفرضية ليست بديلة لنظرية داروين حول النشوء والتطور عن طريق الانتقاء الطبيعي، لكنها توفر وصفاً قوياً للحياة على مستوى الجينات الحية، ما يعني أن الفرضيات الداروينية ليست خاطئة، بل على العكس،  ولكن من وجهة نظر الفيزياء يمكن اعتبار نظرية التطور الداروينية  حالة خاصة من ظاهر أعم واشمل.

وقد شكلت هذه الفرضية الجديدة خطوة شجاعة جدا ومهمة جدا "، كما قال الكسندر غروسبيرغ Grosberg Alexandre، أستاذ الفيزياء في جامعة نيويورك الذي تابع العمل في انجلترا منذ مراحله الأولى. وقال Grosberg أن لديه " أمل كبير " في أن هذه الفرضية التجديدية  قد تحدد مبدأ المادية الكامنة الدافعة كأصل و تطور للحياة . تعتبر النتائج النظرية لفرضية جيريمي في الفيزياء الحيوية في مختبر الفيزياء الكيميائية عموماً صالحة وأصيلةوأفكاره مثيرة للاهتمام وواعدة كما قال يوجين شاكنوفيتش يوجين Shakhnovich، أستاذ الكيمياء والبيولوجيا الكيميائية والفيزياء الحيوية في جامعة هارفارد، فهذه الصيغة ربما تمثل القوة الدافعة وراء فئة من الظواهر في الطبيعة التي تشمل الحياة بيد أنها لا تزال غير مؤكدة . ولكن بالفعل، هناك أفكار حول كيفية اختبار هذا التفسير في المختبر.

وقد قام فريق العالم جيريمي وزملائه عبر محاكاة جهاز الكمبيوتر بتبيان نظام من الجسيمات المحصورة داخل السائل اللزج الذي يؤمن مدفوعة الجسيمات الفيروزية من قبل قوة تتأرجح . مع مرور الوقت (من أعلى إلى أسفل)، وقوة يتسبب في تشكيل مزيد من السندات بين الجسيمات. القانون الثاني للديناميكا الحرارية موجود  في قلب فرضية جيريمي، والمعروف أيضا باسم قانون زيادة الانتروبي حيث تباشر الأشياء الساخنة بالبرودة، وينتشر الغاز عن طريق الهواء، وتحصل حالة من التدافع حيث تميل الطاقة إلى تفريق الجسيمات التي انتشرت مع مرور الوقت . والكون هو مقياس هذا الاتجاه،أي  قياس كيف فرقت الطاقة بين الجسيمات في هذا النظام، وكيف تنتشر تلك الجزيئات في جميع أنحاء الفضاء. كما أنه يزيد مسألة بسيطة من احتمال : هناك المزيد من الطرق للحصول على الطاقة إلى أن انتشرت من أجل أن تكون مركزة. وهكذا، كما حال الجزيئات في نظام التحرك و التفاعل، فإنها، من خلال الصدفة،وتميل إلى اعتماد التكوينات التي تنتشر الطاقة بها. وفي نهاية المطاف، وصول النظام في حالة من أقصى الكون تسمى حالة " التوازن الحرارية "، حيث يتم توزيع موحد ومتسق وتماثل للطاقة. وهذا ليس بالجديد فقد جادل عالم الفيزياء الكمومية أو الكوانتية إروين شرودينغر بدراسة مؤثرة نشرت  في كتاب " ماهي الحياة" سنة   1944 بشأن التوسع الكوني، قائلاً : أن هذا هو ما يجب أن تفعله الأشياء الحية . كالنباتات، على سبيل المثال،التي تمتص أشعة الشمس بعملية حيوية للغاية، تستخدم لبناء السكريات، وإخراج ضوء الأشعة تحت الحمراء، وهو شكل مركز للطاقة أقل بكثير من المعتاد. المحيط الكلي للكون يزداد خلال عملية التمثيل الضوئي كما تبدد أشعة الشمس، وحتى النبات يمنع نفسه من التحلل من خلال الحفاظ على بنية داخلية منظمة.

الحياة لا تنتهك القانون الثاني للديناميكا الحرارية، ولكن حتى وقت قريب، كان شرودينغر غير قادر على استخدام الديناميكا الحرارية لشرح السبب في أنه ينبغي أن تنشأ في المقام الأول سيرورة فيزيائية يمكن أن تحل معادلات الديناميكا الحرارية فقط لأنظمة مغلقة موجودة في حالة توازن . ولكن سلوك الأنظمة التي لا تزال بعيدة عن التوازن، مرتبط بالبيئة الخارجية و بقوة مدفوعة بمصادر خارجية للطاقة، لا يمكن التنبؤ بها، كما  أشار عالم الفيزيائي البلجيكي إيليا بريغوجين (الذي فاز بجائزة نوبل في الفيزياء 1977) سنة 1960 بتحقيق التقدم على توقع سلوك النظم المفتوحة  الضعيفة المدفوعة من مصادر الطاقة الخارجية مثل الموجات الكهرومغناطيسية .

تغير هذا الوضع في أواخر 1990، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى عمل كريس جارزينسكي Jarzynski، الأستاذ في جامعة ميريلاند،، والذي يعمل الآن في مختبر لورنس بيركلي الوطني . أظهر كريس جارزينسكي أن الكون نجم عن سيرورة تنتجها عملية الحرارية، مثل عملية تبريد كوب من القهوة، وذلك وفق معادلة بسيطة : احتمال أن الذرات ستخضع لتلك العملية مقسوما على احتمال حدوثها من خضوعه لعملية عكسية (أي، والتفاعل بشكل عفوي في مثل هذه الطريقة) . كما يزيد من إنتاج الكون، لذلك ووفقاً لهذه النسبة : يصبح سلوكاً منظماً أكثر وأكثر و" لا رجعة فيه ". وهذه الصيغة ومع كونها صارمة بسيطة إلا أنها يمكن من حيث المبدأ أن تطبق على أي عملية حرارية، بغض النظر عن مدى السرعة أو البعد عن التوازن. فمفاهيمنا عن توازن الميكانيكا الإحصائية تحسنت كثيرا "، حسب غروسبيرغ Grosberg الذي تخصص وخاض غمار كل من الكيمياء الحيوية و الفيزياء، في مختبره الخاص في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا و قرر تطبيق المعارف الجديدة في الفيزياء الإحصائية على علم الأحياء.

استخدام جارزينسكي  Jarzynski ' صياغة  رياضية، قال انها مشتقة من تعميم القانون الثاني للديناميكا الحرارية لكي يحمل لنظم الجسيمات بعض الخصائص : إذ أنها هي التي تحرك أنظمة بشدة بفعل مصدر خارجي الطاقة مثل الموجات الكهرومغناطيسية، ويمكن تفريغ الحرارة إلى المحيط الساخن . هذه الفئة من النظم تشمل جميع الكائنات الحية. وقد تم تحديد كيف تميل هذه الأنظمة لتتطور مع مرور الوقت لأنها تزيد إمكانية التكرار. " ومن  هذه الصيغة الرياضية يظهر أن أن نتائج التطورية الأرجح ستكون تلك التي استوعبت و تبدد المزيد من الطاقة كما هو الحال مع محركات الأقراص الصلبة الخارجية، و البيئة في طريقها إلى الوصول إلى ذلك. بات من المنطقي التفكير ببديهية أن الجزيئات تميل إلى تبديد المزيد من الطاقة عندما يتردد صداها مع القوة الدافعة، أو التحرك في الاتجاه الذي يدفع لها، و أنها أكثر عرضة للتحرك في هذا الاتجاه في أي لحظة .

" وهذا يعني أن كتل من الذرات تكون محاطة بما يشبه الحمام بدرجا حرارة متباينة، مثل الجو أو المحيط، إذ يتعين أن تميل مع مرور الوقت لترتيب نفسها ليتردد صداها أفضل وأفضل مع مصادر الأعمال الميكانيكية، الكيميائية أو الكهرومغناطيسية في مختلف البيئات  .

البداية المجهولة:

مايزال  إلى اليوم ظهور العنصر الحي في الوجود لغزاً بالنسبة للعلم الحديث.هناك بعض المؤشرات والمداخل الافتراضية نساعدنا على تكوين فكرة تقريبية عن الطريق الذي سلكته المادة لتصنع الجزئيات macromolécules الأولية للحياة وهي البروتينات protéines، و الحمض النووي ADN، بغية تنظيم نفسها في خلايا قابلة للإنقسام الذاتي  والتكاثر البدائي من خلال ذلك.

كانت مسألة الخلق المادي للكون démiurge، وكيفية الإنتقال من الجماد اللاحي inanimé، إلى الحي المفعم بالحياة animé، هي التي تطرح نفسها بإلحاح على عقول  العلماء وتقلق مضاجعهم. كيف يمكن تحويل العناصر البسيطة جداً التي تشكلت مباشرة بعد الانفجار العظيم أو التي تشكلت في قلب النجوم الأولية على هيئة كينونات مجهرية عضوية قادرة على  بناء وإعادة بناء نفسها وفق برنامج  تبادلات بين المادة والطاقة والمحيط البيئي المغلف لهما ومن ثم القدرة على التكاثر والاستنساخ reproduire، وهنا يتجلى ثراء علم الأحياء أو البيولوجيا La biologie، ويمكننا أن نتخيل أن جسم الكائن البشري يحتوي على عدد من الخلايات يعادل أو يزيد على عدد النجوم في مجرة واحدة كدرب التبانة.

تكرار الذات المجهرية  autoréplication:

في القرن التاسع عشر، أعلن العالم الفرنسي باستور بأن الحياة لا يمكن أن تظهر على نحو عفوي من المادة . لذلك تم الفصل بين نوعين من المادة، من جهة، هناك المادة الجامدة أو الجماد inerte، التي تخضع لقوانين ميكانيك محضة، وهناك المادة الحية vivante، التي تتمتع بخصائص ومزايا شبه إعجازية، كالاستقلالية الذاتية والانتخابية  والتكاثر أو إعادة الإنتاج الذاتي والقدرة على الحركة. فهناك الأحجار والصخور والجبال والنجوم، وهناك النباتات والحيوانات والبشر. وكلها تعيش متجاورة على الأرض ولكل منها قوانينها وسلوكياتها وتفصل بينهما هاوية abime، وكان أول جسر يربط بين عالم الجزئيات  الخاملة أو الجامدة  molécules inertes، وكيمياء الأحياء، في نهاية القرن التاسع عشر فقد قام علماء كيمياء بجمع وترتيب وتركيب مجموعة من الذرات المختلفة، داخل المختبر وصنعوا جزيء سبق اكتشافه في بول الحيوانات. ومن ثم اكتشف العلماء تدريجياً أن المادة تتجلى في مختلف  المستوياتالتنظيمية من البنية الأكثر بساطة إلى البنية الأكثر رقياً وإتقاناً sophistiquées، وإن هناك استمرارية  بين مختلف المستويات. وتنتقل المادة عفوياً من مستوى إلى آخر، من المستوى المجهري المكيروسكوبي إلى المستوي المجري  الكوني، من اللامتناهي في الصغر إلى اللامتناهي في الكبر. ففي المستوى المجهري تتجمع الذرات مكونة بنية تمتص وتبث الضوء، وفيما بعد فإن الجزيئات الناجمة عن عملية التفاعل هذه، والمكونة من الذرات، تتذبذب  وتدور حول نفسها، وتنطوي على نفسها وتتلوى se contorsionnent، وفي المستوى الماكروسكوبي الكبير تتشكل المجرات من النجوم وتولد بدورها نجوم جديدة من الغازات ما بين النجمية وترافق النجوم كواكب وأنظمة شمسية على غرار مجموعتنا المشسية التي استمرت علمية التطور وتنظيم المادة على سطح أحد كواكبها وهو الأرض إلى ابعد الحدود الممكنة وأرقة المستويات التطورية ألاوهي الحياة الذكية العاقلة المتمثلة بأعقد شكل لها ألا وهو الدماغ البشري الذي يتساءل ويطرح السؤال على نفسه ماهي الحياة وماهو الكون؟ أي إن الحياة هي أحد اشكال التنظيم الراقي للمادة في إطار عملية تركيب معقدة وفائقة للغاية متنامية ومستمرة، وإن هذه الاستمرارية هي التي تطرح إشكالية عندما نحاول تقديم تعريف علمي شافي ووافي للحياة. وفي سنة 1871 تحيل الأب  الحقيقي لنظرية التطور والانتخاب الطبيعي شارلس دارون في رسالة أرسلها لصديقه العالم  والخبير الزراعي دالتون كوكر قال فيها:" في بعض المستنقعات الدافئة أو الساخنة وبوجود عدة أملاح  وآمونياك  وحمض الفوسفوريك  والضوء  والحرارة  والكهرباء الخ .. يمكن أن نركب كيميائياً البروتين protéine، والذي سيتعرض لجملة من المتغيرات المعقدة والمركبة أكثر فأكثر". وهي الكيمياء السابقة لانبثاق الحياة والضرورية لها في آن واحد لأنها تنشيء نوع من الحساء البدائي الأولي soupe primordiale، حيث قام عالم أحياء أمريكي شاب يبلغ من العمر 23 سنة  عام 1953، وهو ستانلي ميللر Stanley Miller، بتهيئة الظروف الأولية التي كانت متوفرة على الأرض لحظة انبثاق الحياة على الأرض قبل بضعة مليارات من السنين، ولكن في المختبر، ووفر خليط من الميثان والآمونياك  والهيدروجين وبخار الماء وعرض الخليط لإشعاع برقي كهربائي محاكياً العواصف القوية العنيفة بغية تقديم الطاقة اللازمة للتتفاعل البيولوجي المنشود. وبعد مرور بضعة أسابيع حصل ميللر في المختبر على خميرة brouet، صفراء اللون تحتوي على الأحماض الأمينية  acides aminés، وهي الجزيئات الأساسية للحياة، واللبنات الأولى للأحماض النووية acides nucléiques، والأنزيمات les Enzymes، وهي مادة البناء الأولية للـ ADN، الحمض النووي، والـ ARN في العناصر العضوية الحية.

رحلة الحياة من البكتريا إل البشر:

منذ ظهور الخلية الحية الأولى إلى أعلى أشكال الحياة رقياً، أنجب التطور تنوع لا يصدق في كم ونوع الكائنات الحية. فقراءة وتحليل الحفريات الحية أتاح للعلماء إمكانية إعادة رسم وتشكيل أجزاءكثيرة من السيرورة التطورية  التي تبلورت بالرغم من المعوقات والاضطرابات  المناخية  الأرضية. فقبل 4 مليار سنة بدأت كيمياء الحياة انطلاقتها في المحيطات . ويعود تاريخ أو اشكال الحياة إثر التطور الكيميائي إلى ما يقارب 3.6 مليار سنة. إن تلك العناصر العضوية بدائية النوى procaryotes، كانت تعيش ربما في بيئات ساخنة حارة قرب مصادر هيدروحرارية أو قرب الفتحات الحرارية المائية sources hydrothermales، وتستمتد طاقتها من جزيئات الوسط المحيط ومن خلال تفاعلات التخمير réactions de fermentation. وبعد ذلك قامت بعض البكتريا في تطوير وسائل استرداد  أو استعادة طاقة الإشعاع أو الضوء الشمسي وحدوث عملية التركيب الضوئي photosynthèse، من خلال تدخل الكتريا الزرقاء cyanobactéries، إذ تمتلك هذه الأخيرة على أصباغ الكلوروفيل pigments chlorophylliens، التي صممت أنظمة التركيب الضوئي photosystèmes. ومن خلال عمليات تفاعلية يغدو بمقدورها توليف الجلوكوز synthétiser du glucose، عندها تصبح تلك الجزيئات العضوية مستقلة تماماً عن أي مصدر غذائي في البيئة، إذ إنها تصبح عناصر عضوية ذاتية التغذية organismes autotrophes، أو التي تنتج المادة العضوية التي ستحتل كل المحيطات . والتي هي بدورها مصدر توريد الطاقة لكافة العضويات التي لا تقوم بعملية التركيب الضوئي وتعتمد على غيرها في غذائها، أي عضوية التغذية hétérotrophes. البكتريا الزرقاء هي الأساس لأولى الحفريات بسبب نشاطها الأيضي métabolique، الستروماتيلات stromatolites هي الهيكليات الأولى  للبنيات الحيوية bioconstruits، وهذه البناءات تظهر على هيئة أكوام monticules مؤلفة عموماً من عناصر على شكل فطريات أو سلاسل يعود تاريخها إلى 3.4 أو 3.5 مليار سنة . ثم غزت بكتريا التركيب الضوئي كافة المياه الضحلة غير العميقة حيث يمكنها التقاط ضوء الشمس. ومن المعروف أن عملية التركيب الضوئي تؤدي إلى تكوين غاز الأوكسجين الذي تراكم وتزايد في الطبيعة مما أدى إلى هلاك العديد من الكائنات اللاهوائية anaérobies، أو التي لا تتنفس الهواء . فيا تكيفت كائنات أخرى وطورت لنفسها أنظمة للتنفس التي تحيد الأوكسجين، وتصبح شيئاً وشيئاً معتمدة على الكائنات ذاتية التغذية للتغذى  بها. وفي نفس الوقت يغتني الجو بالأوكسجين ويفتقر أكثر فأكثر لثاني أوكسيد الكاربون المستخدم في عملية التركيب الضوئي . وفي الجو يتعرض الأوكسجين إلى تاثيرات الإشعاعات فوق البنفسجية ليتحول جزء منه إلى آزون أو نتروجين وبفضل ذلك تشكلت بالتدريج مع مرور الوقت طبقة من الآزون مهمتها حجب جزء كبير من افشعاعات الشمسية المضرة أو المميتة. في تلك الفترة كانت أغلب الكا\نات من نوع أحادية الخلية unicellulaires. تطورت بعض من تلك الخلايات فاقدة حوافها ومطورة شبكة من الأطراف البدائية أو شبكات الأغشية réseaux membranaires، المتخصصة بعدة وظائف، تجمعت وارتبطت بعدة خلايا أحادية  في حالة من التعايش الجواني endosymbiose، مكونة أولى الخلايا حقيقية النوى eucaryotes، قبل حوالي 2.6 مليار سنة . كانت تلك الكائنات الحية البدائية الأولية وحيدة الخلية لكنها أكبر من سلفها ولها نواة تعزل المادة الوراثية matériel héréditaire.

اجتمعت الكائنات من حقيقيات النوى eucaryotes  مع نخبة الطائعيات والأولانيات  les protistes، على شكل مستعمرات مجتمعية بدائية وشكلت فيما بعد بالتدريج أولى الميتازوريات métazoaires، أي الكينونات المتعددة الخلايا. ويعود تاريخ أولى تلك التشكيلات إلى 700 مليون سنة، ولقد تم العثور على بقايا حفريات عن تلك الكائنات المجهرية الحية مؤخراً. واستطاع العلماء أن يتأكدوا عام 2010 من أن تاريخها يعود إلى أبعد من ذلك بكثير. عالم الآثار عبد الرزاق الألباني يقدر أنها تعود إلى 2.1 مليار سنة لكن الانعطافة الحقيقية في مسيرة الكائنات الحية المتعددة الخلايا حدثت قبل 600 مليون سنة وانتشرت في جميع أنحاء الأرض. ومع مرور الوقت ظهرت كائنات متخصصة وخلايا عصبية  وخلايا هاضمة أو تساعد على عملية الهضم digestives، واختفت قبل 542 مليون سنة ثم أعقبها الإشعاعات التطورية للكمبريات cambriens، وفي تلك الحقبة  ظهرت الرخويات    mollusques  ثم من الرخويات القديمة   gastéropodesظهرت المفصليات وأقدم المفصليات من فصيلة ثلاثية الفصوص قبل 530 مليون سنة . وحدث تطور جديد حينما استخدمت العناصر الكيمياوية الخارجية في الطبيعة لتشييد  الهياكل العظمية المعدنية squelletes minéralisés، أي ذات البنيات الصلدةالمقاومة والحامية ومنها ولدت الهياكل الخارجية exosquelettes، والهياكل العظمية الخارجية  squelettes extèrnes والهياكل العظمية الداخلية squelettes intèrnes، حوالي 500 مليون سنة حيث انتشرت كافة أشكال  اسلاف الحيوانات الحالية وقد انتشرت بكثرة حيوانات الكمبري في الأوساط المائية aquatiques.

الخروج من الماء:

كانت أولى الكائنات الحية التي استعمرت القارات اليابسة هي النباتات وتمكنت بعض الطحالب algues  والأشنات lichens من البقاء على قيد الحياة  على اليابسة خارج المياه بالقرب من ضفاف  وشواطيء المحيطات قبل 460 مليون سنة. أول نبات ذو أوعاء سمي الكوكسونيا Cooksonia، لكنه بدون أوراق و لا زهور بل مكون فقط من حزمة من قضبان مستقيمة منقسمة في قمتها وبعد بضعة ملايين من السنين تطورن النباتات وازدادت تركيبا وتعقيداً وطولاً وارتفاعاً وامتلأت الصحاري بسجادات من العشب  النباتي ازدهرت فيها المفصليات anthropodes . وبين 410 و 435 مليون سنة غامرت أنواع من الحشرات  والعث والعناكب للانتشار في القارات في اليابسة وتطورت حيوانات فقرية vertébres، الملتهمة للمفصليات وهكذا بقية القصة التطورية التي فصلها كتاب أصل الأنواع لدارون وصولاً إلى الثدييات البدائية التي انحدر منها الإنسان مروراً بالزواحف بأنواعها وهيمنة عصر الديناصورات، التي اندثرت بفعل  الكوارث الطبيعية وتعرض الأرض لهجمات النيازك والمذنبات الضخمة إلى أن ظهر الإنسان العاقل Homo sapiens قبل 200000 عام ومن ثم الإنسان الذكي المعاصر المبدع للشعر والنحت والفن  والصناعة والزراعة والتكنولوجيا.

الشبكة الكونية للبرانات أو الأغشية:

يمكن للكوازار المكثفة، مثل مصباح يدوي، أن تضيء جزءا من الشبكة الكونية المحيطة. وفي هذا العمق الكوني المذهل تسبح بنيات أو هيكليات بالغة التعقيد والتطور قادرة على فعل كل شيء، عاقلة ذكية مفكرة،سميت بعقول أو أدمغة بولتزمان cerveaux de Boltzmann، أو برانات بولتزمان بالانجليزية Boltzmann brains، على إسم العالم الإنجليزي لودفيغ بولتزمان Ludwig Boltzmann. أحد آباء قانون الثرموديناميكا، أو الديناميك الحراري، حيث كانت المقاربة الإحصائية له قد أستخدمت كاساس  للفيزياء الكمومية أو الكوانتية. إن " أدمغة بولتزمان" هي بمثابة كينونات عاقلة وذكية ومفكرة ولكن ليس لها وجود مادي بل نظري بحت لدى ما افترضوا وجودها وليس لها ماهية مادية ملموسة بل طاقة وقدرة لانهائية لا بد منها لأنصار نظرية الأكوان المتعددة من فطاحل العلماء ومن بينهم أندريه ليند Andrei Linde و آلان غوث Alan Guth، واللذين يعتقدان أنه إذا كانت ظاهرة غير مرجحة الحدوث قد حدثت بالفعل مثل الحياة على كوكب ليست له قيمة كونية ولا يتصف بأية مزايا استثنائية  تجعله فريداً من نوعه في الكون المرئي، فمن  المنطقي اعتبار  وجود مثل هذه الكائنات أو الكينونات العاقلة منتشراً . تم تخيل وجود عقول بولتزمان كجواب على المفارقة التي فرضها القانون الثاني للدينمايك الحراري حيث ينص هذا الأخير على أن الأنثروبي entropie  أو انعدام النظام ونسبة الفوضى أو الاضطراب في نظام معزول تزداد بالضرورة مع مرور الوقت فالأنثروبي ليس إلا مقياس للاضطراب mesure du désordre، الذي يفسر حالات مثل استحالة إعادة ترميم كاس مهشم مائة بالمائة  بطريقة عفوية أو على نحو ذاتي، وكل حياتنا اليومية ما هي إلا تعبير عملي ملموس لهذا المبدأ .فالتنظيم يتنازل ويخلي  المكان للفوضى والاضطراب، ما خلا البنية أو الهيكلية الكونية وللكينونة الحية . ففي كوننا المرئي، نظمت الغازات والسحب والأغبرة الكونية، نفسها على شكل مجرات التي تكونت بدورها من جراء تنظيم النجوم  المكونة لكل مجرة لنفسها على هذه الهيئة المجرية وحول النجوم تشكلت الكواكب في أنظمة شمسية على غرار نظامنا الشمسي، وتمكن أحد هذه الكواكب، في أحد هذه الأنظمة الشمسية العديدة، من احتضان  الحياة  خلال حقب زمنية جيولوجية  وحمل على متنه كائنات حية راقية التنظيم، من هنا يمكننا القول أن تاريخ الكون المرئي وغيره من الأكوان الأخرى المتعددة، ما هو إلا عبارة عن نظام متنامي، ولا يشذ كوننا المرئي عن هذا المبدأ الثاني للدينمايكا الحرارية.  إذ يلاحظ أننا نعيش داخل كيان عالي التنظيم ونعيش في تركيبة فائقة التنظيم  سيكون المقابل لها كون آخر يتصف بالحد الأقصى من الفوضى والاضطراب.

فذكاء أدمغة بولتزمان هو الأرجح  والأكثر احتمالاً. فالثرموديناميك مؤسس على وسائل حسابية وإحصائية محسوبة انطلاقاً من التقلبات والتأرجحات، وإن هذه التقلبات الطاقوية أوالتأرجحات في الطاقة بمكن أن تفسر وتشرح  البنية المنظمة كالتي يتحلى بها  كوننا المرئي \ن الذي يجد التعويض في خارجه. وفي نفس الوقت، كلما كانت البنية منظمة ومتسقة، كلما كان انبثاقها غير مرجحاً أو غير محتملاً لأن الطاقة التي تحشدها ستكون هائلة . والنتيجة هي إن عقلية فضائية ذكية وعاقلة من نوع أدمغة بولتزمان أكثر احتمالاً في وجودها من وجود كوننا ذاته أو الحياة التي فيه التي تمكنت من التطور رغم تعقيدها، ولم يبق سوى اكتشاف الآثار والمؤشرات التي تدلنا على هذه الكينونات الذكية التي لاتستبعدها الفيزياء النظرية .

 

د. جواد بشارة 

 

 

في المثقف اليوم