قضايا

الثقة بالنفس وطريق وصولها

nabil ahmadalamirبالبداية يجب معرفة الفرق بين الصفة والميزة لنتمكّن من تحديد مُبتغانا من هذا المقال ونعرف بالتالي، هل الثقة بالنفس صفة أم ميزة.

فالصفة يمكن أن تكون عند الإنسان عند ولادته حيث يرثها من ابويه وأجداده، لكن الميزة هي التي يكتسبها الإنسان خلال حياته من التجربة او الدراسة أو التدريب .

لذلك علينا بالبداية معرفة بديهية: إنّ الثقة بالنفس تُكتسب وتتطور خلال حياة الإنسان ولا توجد فيه حين مولده، فكل من نراهم حولنا ممن يوصفون بالشخصيات ذات الثقة العالية بالنفس والذين يتعاملون مع الأحداث والمواقف بسهولة وحكمة وثبات، هم إكتسبوها خلال حياتهم من التجربة أو التدريب .

أما انعدام الثقة في النفس .. فهي ميزة تضع صاحبها دائماً في موضع الشك والتساؤل وعدم القدرة على التكيّف مع الأحداث او المواقف الصعبة والمفاجئة .

فعدم الثقة بالنفس هي نتيجة لسلسلة مرتبطة ببعضها البعض تبدأ من :

- بإعتقاد الشخص أنّ الآخرون يرون ضعفه وسلبياته .

- وكنتيجة للقلق بفعل هذا الإحساس والتفاعل معه.. سيصدر عن هذا الشخص سلوك وتصرف سيِّئ أو ضعيف، وفي العادة لا يمت إلى شخصيته وأسلوبه .

- الإحساس الدائم للشخص بالخجل غير المبرر من نفسه وممن هم حوله .

وهذا الإحساس السلبي بالقلق والخجل غير المبرر سيقود الشخص عديم الثقة بنفسه بالتأكيد إلى نتيجة .. وهي تدمير حياته ونفسه وقدراته وطاقاته .

وللعلاج من هذا الإحساس السلبي عليك أن تبدأ بخطوات تبدأها بــ . .

١- تحديد مصدر الإحساس السلبي . .

يجب معرفة أين يكمن مصدر هذا الإحساس، وهل هو بسبب التعرض لحادثة بالصغر، أو بسبب سوء التربية المنزلية، او الضغط السلبي من الأصدقاء بالمدرسة والشارع، أو يكون بسبب الفشل في أداء مهمة أو شيء ما كان عليك وجوباً تأديته (كالدراسة مثلاً) .

وهناك أسئلة كثيرة حاول أن تسأل فيها نفسك وتتوصل إلى إجابة، لتعرف كيف تعالج المشكلة .

وعليك بالضرورة أن تكون صريحاً مع نفسك في السؤال والجواب .. ولا تحاول تحميل الآخرين أخطاءك، وذلك لكي تصل إلى الجذور الحقيقية للمشكلة لتستطيع حلها، وحاول ترتيب أفكارك واستخدم ورقة وقلم، واكتب كلّ الأشياء التي تعتقد أنها ساهمت في خلق مشكلة عدم الثقة لديك، وتعرّف على الأسباب الرئيسية والفرعية التي أدت إلى تفاقم هذه المشكلة .

٢- البحث عن حل ...

بعد أن توصلت إلى مصدر المشكلة، وجب عليك البدأ في البحث عن حل، فبمجرد تحديد المشكلة، ستبدأ الحلول في الظهور في رأسك، لذلك إجلس في مكان هادئ وتحاور مع نفسك، حاول ترتيب أفكارك، وكيف تُسيطر فيها على نفسك ومخاوفك وتستعيد الثقة بنفسك .

فإذا كان الأهل أو الأقارب أو الأصدقاء طرفاً أو عاملاً رئيسياً في فقدانك لثقتك .. حاول أن توقف إحساسك بالاضطهاد تجاههم، ليس لأنّه توقف بل لأنّه لا يفيدك في الوقت الحاضر بل سيسهم في هدم ثقتك ويوقف قدرتك للمبادرة بالتخلص من عدم الثقة .

وإقنع نفسك بفكرة أن من حقي أن أحصل على ثقة عالية بنفسي وبقدراتي، ومن حقي أن أتخلص من هذا الجانب السلبي في حياتي، لأن ثقتك بنفسك تكمن في اعتقاداتك .

ففي البداية احرص على أن لا تتفوه بكلمات يمكن أن تدمر ثقتك بنفسك.. فالثقة بالنفس فكرة تولدها في دماغك وتتجاوب معها أي أنك تخلق الفكرة سلبية كانت أم إيجابية وتغيرها وتشكلها وتسيرها حسب اعتقاداتك عن نفسك... لذلك تبنى عبارات وأفكاراً تشحنك بالثقة وحاول زرعها في دماغك، وانظر إلى نفسك كشخص ناجح وواثق، واستمع إلى حديث نفسك جيداً واحذف الكلمات المحمّلة بالإحباط، فإن ارتفاع روحك المعنوية هي من مسؤوليتك وحدك، لذلك حاول دائماً إسعاد نفسك .. واعتبر الماضي بكل إحباطاته قد انتهى من حياتك .. وأنت قادر على المسامحة، وإغفر لأهلك ولأقاربك ولأصدقائك، اغفر لكل من أساء إليك لأنك لست مسؤولاً عن جهلهم وضعفهم الإنساني، وابتعد كلّ البعد عن المقارنة، أي لا تسمح لنفسك ولو من قبيل الحديث فقط أن تقارن نفسك بالآخرين .. حتى لا تكسر ثقتك بقدرتك، وتذكر أنّه لا يوجد إنسان كامل وعبقري في كلّ شيء .. وركّز على إبداعاتك وعلى ما تعرف أبرازه، وحاول تطوير هواياتك الشخصية ... وكنتيجة لذلك حاول أن تكون ما تريده أنت، لا مايريده الآخرون .. ومن المهم جدّاً أن تقرأ وتفهم وتستوعب عن الأشخاص الآخرين، وكيف قادتهم قوة عزائمهم إلى أن يحصلوا على ما أرادوا .. وإختر مثلاً أعلى لك وادرس حياته وأسلوبه في الحياة، وإمشي بخطاه .

يقودنا النقص الزائد في الثقة بالنفس مباشرة إلى ذاكرة غير منتظمة، فالعقل يشبه البنك، فإنك تودع يومياً أفكاراً جديدة في بنكك العقلي، وتنمو هذه الودائع وتكوِّن ذاكرتك، فحين تواجه مشكلة أو تحاول حل مشكلة ما فإنك في واقع الأمر تسأل بنك ذاكرتك، ماالذي أعرفه عن هذه القضية ؟.. فيزوّدك بنك ذاكرتك أوتوماتيكياً بمعلومات متفرقة تتصل بالموقف المطلوب . بالتالي مخزون ذاكرتك هو المادة الخام لأفكارك الجديدة .. فإنك عندما تواجه موقفاً صعباً ... فكر بالنجاح، ولا تفكر بالفشل، وإستدعي الأفكار الإيجابية والمواقف التي حققت فيها نجاحاً من قبل، ولا تقل او حتى تفكر بأنك قد تفشل كما فشلت في الموقف الفلاني .. لأن التفكير بالفشل سيدع الأفكار السلبية تتدفق إلى بنكك ... وتصبح جزءاً من المادة الخام لأفكارك . فحين تدخل في منافسة مع آخر، إعتقد جازماً أنك كفئ لتكون الأفضل، ولا تفكّر كونك لست مؤهلا ً، وإجعل فكرة (سأنجح) هي الفكرة الرئيسية السائدة في عملية تفكيرك .

يهيئ التفكير بالنجاح عقلك ليعد خططاً تنتج النجاح، وتجنب التفكير بالفشل فهو يهيئ عقلك لوضع خطط تنتج الفشل . لذلك احرص على إيداع الأفكار الإيجابية فقط في بنك ذاكرتك، وإحرص على أن تجعل أفكارك إيجابية ولا تسمح لأفكارك السلبية أن تتخذ مكاناً في بنك ذاكرتك .

العوامل التي تزيد ثقتك بنفسك . . .

عندما نضع أهدافاً وننفذها بنجاح، تزداد ثقتنا بأنفسنا مهما كانت هذه الأهداف صغيرة .. وسواء كانت على المستوى الشخصي أو على صعيد العام .. ومهما كانت الاهداف المُختارة صغيرة، يجب قبولها وتحمل المسؤولية، فهي تجعلك تشعر بأهميتك .. لذلك تقدم ولا تخاف، وإقهر الخوف في كلّ مرة يظهر فيها اليك .. والقاعدة تقول افعل ما تخشاه يختفي منك الخوف، وكن إنساناً نشيطاً، وإشغل نفسك بأشياء مختلفة، وإستخدم العمل لمعالجة خوفك يجعلك تكتسب ثقة أكبر .. وحدّث نفسك حديثاً إيجابيا ً.. ففي صباح كلّ يوم ابدأ يومك بتفاؤل وابتسامة جميلة .. واسأل نفسك ما الذي يمكنني عمله اليوم لأكون أكثر قيمة ؟، وتكلم فالكلام فيتامين حقيقي لبناء الثقة .. وتمرّن على الكلام، وحاول المشاركة بالمناقشات واهتم بتثقيف نفسك من خلال القراءة في كلّ المجالات .. فكلما شاركت في النقاش تضيف إلى نفسك ثقة أكبر، وكلما تحدثت أكثر، يسهل عليك التحدث في المرة التالية أحسن، ولكن لا تنسَ مراعاة أساليب الحوار الهادئ والمثمر . وإشغل نفسك بمساعدة الآخرين، وتذكر أن كلّ شخص آخر هو إنسان مثلك تماماً يمتلك نفس قدراتك، وربما أقل ولكن هو يحسن عرض نفسه وهو يثق في قدراته، وإهتم بمظهرك ولا تهمله .. لأن المظهر هو أوّل ما يقع عليه نظر الآخرين .

وبعد دراسات مستفيظة قام بها العديد من علماء الإجتماع وعلم النفس، إستطعنا وضع برنامج بسيط نساعد فيه الشخص الذي ينوي تطوير ثقته بنفسه من إعداده وتطبيقة بكل بساطة وأريحية، وهدفنا من عرض هذا البرنامج هو الوصول للنتائج المطلوبة .

وهذا البرنامج سوف يكون من إعداد الشخص نفسه لمدة عشر ايام، ولكن يجب الالتزام به، ولكي تتمكن من عمل هذا البرنامج عليك ان تتعرف على الاساسيات التالية :-

- ما هي حقيقة الثقة بالنفس؟

- كيف تنشأ الثقة بالنفس؟

- كيف تتكون الثقة بالنفس؟

والمطلوب هو التفاعل والتنفيذ .

يُعرف نجاح البرنامج النفسي عند تحقيق مجموعة من العادات والطباع الحسنة والممتازة، أما الإخفاق فيه فهو الإبتلاء بمجموعة من العادات والطباع المذمومة والغير سوية .

لذلك لابد أن تعوّد نفسك على السلوكيات الحسنة مثل الثقة بالنفس، لتسترسل في تبني السلوكيات الناشئة عن الثقة بالنفس تلقائياً، حيث يتوجب نفوذ الثقة بالنفس إلى ضميرك اللاشعوري (عقلك الباطن) وإنسيابه منه نحو الخارج . فأغلبية ذوي الثقة المتجذرة بالنفس ربما لا يبذولون جهداً لإحرازها . إنهم يحرزون تصديق الذات والإعتماد على النفس هكذا بالتعوّد على التنفيذ والممارسة، ويجب العمل على تحويل السلوكيات الحسنة الى عادات تُمارس بشكل طبيعي دون بذل أي مجهود لتطبيقها .

ولتحويل أي سلوك حسن جديد إلى عادة تألفها، لابد لك من مواصلته، فأي سلوك يجب أن يدخل حيز التنفيذ أولاً ثم يتم تكراره حتى يتحول إلى عادة ثابتة وفي النهاية إلى جزء من طباعك وشخصيتك (ملكة راسخة) .

أما التنفيذ والممارسة، أو التكرار والتواصل لأي عادة ثابتة طبيعة أو شخصية يجعلها جزء من سلوك الحياة اليومية، فجميع سلوكياتنا سيئها وحسنها، تتحول إلى عادات بهذا النحو .

فالمعتاد على الكذب يكون قد أختبر الكذب ذات يوم ولأول مرة ثم كرر الكذب حتى تحول لديه إلى عادة وربما صار يلجأ إليه اليوم دون أية إرادة منه .

ومن هنا يتوجب عليك من أجل إيجاد أي من الطباع الحسنة لديك أن تواصل ذلك السلوك أو الطابع، وهكذا بالنسبة للتحرر من أية عادة مذمومة يجب أن تحرص على تجنب تكرارها على طول اليوم . بالضبط مثلما تتثبت الذكريات، التي تتواصل عرضها ذهنياً أو لفظياً بالتحدث عنها في نظام الذاكرة، بينما يخفت وميض الذكريات المهملة تدريجياً حتى يتم نسيانها .

واصل إستدخال الشعور بالثقة وكرر أي سلوك ينشأ عن الثقة بالنفس حتى تغدو طبيعة وملكة مترسخة لديك، وتدرّب على ذلك حتى تصدر عنك مثل هذه السلوكيات تلقائياً ولا شعورياً، دون أن تبذل أي جهد يُذكر .

فهذه العادة ستأخذ يدك لبلوغ النجاح . وأي نجاح عظيم وكبير، فبرنامج إحراز الثقة بالنفس خلال أيام، هو محاولة وجهد تتدرب من خلاله على التنفيذ، وعلى التكرار، وعلى تكوين العادة (عادة الثقة بالنفس) .

فأغلب المضطربين الفاقدين للثقة بالنفس يمكنهم إستدراج الثقة بالنفس وتحقيق نتائج مدهشة ومذهلة من خلال تمرين التكرار المتواصل والحرص على التنفيذ .

أما ذوي الثقة المتدنية جداً بالنفس والذين يمكن وصفهم بأنهم فاقدي للثقة بالنفس، فربما يحتاجون إلى مدة أطول قليلاً، لتنفيذ هذا البرنامج.

ولكن ما نقطع به على أية حال هو أنه بإمكانك ترسيخ طابع الثقة العالية بالنفس وتنميتها في وجودك بتنفيذ هذا البرنامج وخلال أيام قليلة .

ويمكننا تنمية روح المثابرة بقرار تحديد البرنامج وتنفيذه للنهاية دون التوقف بالطريق، فقد يحدث كثيراً أن نتخذ قراراً ما ونبدأ بتنفيذه، ولكن نترك العمل به قبل أن نبلغ نهايته . لذلك حدد لنفسك برنامجاً معينا ً، وثابر على تنفيذه حتى النهاية.

ومن أمثلة النجاح في برامج الثقة بالنفي هو معاهدة النفس على الإلتزام بنظام غذائي خاص (الرجيم) والإلتزام به دون التأثّر بمغريات وطيب الطعام، أو عندما تضع برنامجاً لمذاكرة دروسك، حيث خططت أن تحرز تقدماً في مجال الدراسة، وبدأت بالفعل بتنفيذ جميع البرامج المتعلقة بالمثابرة وتواصل الجهود دون توقف او ملل .

وإليك عدة أمور وإقتراحات لإحراز وديمومة روح المثابرة لتنفيذ برامج الثقة بالنفس:

1- ترسيخ الشعور بالإرتباط بالله سبحانه وبوجود الله في نفسك .

2- الإيحاء إلى الذات بقناعة النجاح .

3- تحاشي إنتقاص الذات .

4- التدرب على الإعجاب بالذات .

5- مساعدة الآخرين .

حدد برنامجك وسلوكك بالإستناد إلى هذه الأوليات الخمس، وإحرص على إضفاء التنوع على كل منها .

عند التدرب على الإعجاب بالذات، ركّز تمارينك فيما يخص المجالات والأعمال التي كنت تتجاهلها أو تحجب عن تنفيذها أو تواجه الصعاب فيها عادة .

وبهذا الاسلوب تحرز خلال أيام من التعمق في سلوكك، ثقة مرموقة بالنفس، وهي من المتطلبات الأولية لأي "نجاح بلا حدود".

وللموضوع بقية بإذن الله . . .

والله من وراء القصد .

 

د. نبيل أحمد الأمير

 

في المثقف اليوم