قضايا

تسليع الانسان والحياة.. نحو كونية راديكالية

ali mohamadalyousifكلما تقدمت البشرية في عمرها الزمني، كلما بدا عرّي الانسانية اكثر ايلاما في تصّحر الضمير الجمعي وجدب الحياة وخواء الوجود.

فائض الوجود الانساني، يدور في حلقة مفرغة من اجترارعصورصراع الايديولوجيات والسرديات الكبرى العقيم غير المجدي الذي سار بخطى محتومة نحوانحلال البنى المعرفية والفلسفية والفنية التي رافقتها، وفشلت مجتمعة في اضفاء معنى عملاني مساواتي حقيقي للانسان، وكانت تلك البنى الثقافية والمعرفية غطاءا عبثيا للتستر على العقم الفلسفي والايديولوجي للخطاب السياسي العالمي في عجزه الأتيان بجديد، ينقذ الانسان من مصيره المأساوي، ووضغه القلق اللاانساني.

البنى المعرفية والفلسفية والفنية والايديولوجيات السياسية والدينية، مارست لعبة استغفال وضيعة في الاجترارالتراكمي الذي يعيد نفسه باسم الاضافة النوعية والتجديد، غير المنتج في عجزه تحقيق الافضل ومعالجة قضايا الانسان المصيرية.وقامت تلك البنى بحفريات تنقيبية، ونبش تجريبي معرفي - فلسفي جاءت جميع نتائجه على هامش الحياة الانسانية والتاريخ.وفشلت ولم تنجز او تضيف شيئا جوهريا مهّما. واعدمت فرص خلاص الانسان، بكتابتها تاريخا لا وجود للانسان الحقيقي فيه.وتغييبها تاريخا كان يجب ان يحدث و يكون.تاريخ الوجود المتكافيء.

الوجود الانساني اليوم تصنعه وتصّدره التكنولوجيا، والعلوم المتطورة التجريبية، التي اظهرت بامتيازمهمتها القذرة في تسليع الحياة الانسانية واعدام العدالة في حقوق الفقراء والمهمشين والشعوب المغيّبة من التاريخ.تحت هيمنة ووصاية التسليع السياسي العولمي.

التكنولوجيا الحديثة والمعاصرة سجون احتجازومؤسسات حديدية عملاقة، حشرت الانسان طوعا كأرادة واختيار قسري، مفروض بحكم الحاجة والتسليع، في سجنها الذي لا حياة خارجه ولا بديل عنه.سوى التسليم بطواعية تغوّل التسليع الاستهلاكي، وتغييب ومصادرة الوجود الحقيقي الانساني.

 التسليع التكنولوجي- السياسي القذر للحياة، وتجريدها من كل قيمة معرفية حقيقية او اخلاقية نبيلة وعادلة، جعلت البؤس والشقاء هما سيدا الموقف، وحزمت الوجود الانساني بعلامة استفهام يتفرع عنها علامات استفهام لا حصر لها في غير جدوى الخلاص، وكيفية الخلاص.في ظل غياب التوجه الحقيقي في البحث عن الخلاص.

تعيش البشرية اليوم حالة التوازي ما بين المعارف الانسانية، التي هي قشرة الوجود الحقيقي، كالاداب والفلسفة والفنون التي وصلت الطريق المسدود، طريق الاحتضارالاجتراري العقيم، بلا معنى ولا هدف حقيقي يؤصل الحياة ويجدد القيم الانسانية النبيلة الصادقة ويحقق العدالة للشعوب.وبقيت هامشا مغردا خارج سرب

الاحكام الايديولوجي السياسي المطبق لهيمنة التسليع المبرمج.

هذا التوازي الهامشي الاستغقالي الذي يسيرالى جانب هيمنة التسليع التكنولوجي- السياسي لحياة الانسان وفي خدمة من يمتلكه دائما، توازي مضلل خادع، جعل الحياة خواءا دائميا وعبثا وجوديا فاقعا، في تساؤل مريب الى اين!؟

الوجود الانساني اصبح مهزلة، الجميع يعيشها، لكن ليس الجميع مساهما بصنعها، ولا هي نتاج رغبات وطموحات المهمشين الانسانية المتواضعة.

لست الوحيد الذي يدرك، ان كل شيء في حياتنا يسيراليوم نحو نهاية مرعبة موحشة، يسودها القلق والفراغ والاجترار والتسليع وشبح الحروب المصّنعة، ولا معنى الحياة، ورعب المستقبل.

الفلسفات الوجودية الغربية ادركت الفخ، ونادت بوجوب التخلص منه، لكن من دون جدوى، لان التسليع القيمي والاخلاقي والوجودي كان وبقي مرهونا بهيمنة القرار السياسي القائم على تسليع الحياة بوسائط العلم والتكنولوجيا وجني المكاسب. كنتيجة منطقية لأرادة وتوجهات التسليع بعيدا عن الانساني ومتطلباته وطموحاته.

كل البنى المعرفية والفلسفية والثقافية السابقة في عهود البشرية انتهت صلاحيتها التداولية، في اصطدامها بجدار عولمة التسليع، ومحاولة تجنبها ان لاتكون تضليلا مقصودا مبرمّجا كما كانت لحقب تاريخية طويلة.

حين وضعت الوجود الانساني على محك المعالجة القاصرة والعجزليس بعيدا عن الاجترار والدوران حول مركزية وجوب الخلاص الحقيقي الذي لم يأت ولن يأتي.لأن الذي صنع التيه والنفق المظلم لا يريده ان ينتهي الى قرار ونهاية مشرقة لجميع الشعوب والامم، البنى المعرفية الجادة التي حاولت الاجاية عن الاسئلة الصعبة في الوجود الانساني، تراكماتها وتنوعاتها بقيت تدور بحلقة مفرغة، في اعادة الاجترار، وتكرار ما قيل وسحب العقل نحو مدارات فارعة في وجود، لا افق للخلاص من عبثيته التسليعية.

تلك هي الحياة التي لا يجد فيها الانسان امنه و سعادته في وجود مفعم بالتشييء والتسليع، في مستقبل مجهول مرعب.كانت ولا تزال الايديولوجيات والفلسفات والمعارف تمثل قشرة الوجود الهامشية في المعالجة، بينما يكون التسليع التكنولوجي للانسان هو المرتكز التي تدور من حوله قشور الاختلالات الوجودية الفكرية المعارفية.دونما اتاحة فرص امكانية الخلاص والتغييربها اوبواسطتها.

من يقوم بتسليع الوجود الانساني باستخدام العلم والتكنولوجيا سياسيا، هو نفسه لا يستطيع الخلاص من نتائج اللعبة البشعة التي ابتدعها، لكن ليس هو من يدفع استحقاقات اللعبة القذرة.بل هو من يجني ثمارها السامة من دماء الشعوب.

التطور التكنولوجي والعلمي المرعب، في تسيدهما الموقف بلا منازع، يؤشر انه آن الأوان لتعلن المعارف الانسانبة والفلسفات والفنون افلاسهما في الدوران المزمن التاريخي العقيم، حول جوهر المشكلة وخارجها فقط،  وان هذه الفعاليات استنفدت نفسها، ولا معنى للمكابرة الفارغة في امكانية ان يحيا الانسان بالتهويمات الخادعة امام تغّول الفقر والجدب المادي للانسان.وليس الخواء الروحي الذي اتخمت به البشرية في منافسة مع الايديولوجيات الوضعية المادية.

الشعوب المهمّشة تاريخيا وحضاريا هي التي مارست بغباء التخمة الروحانية، في محاولتها سد النقص والعجز في مجاراة الغرب المتحضر تكنلوجيا، في مقابل ممارسة المتنفذين التخمة المادية في التسليع، وكانت المحصلة افلاس الاثنين معا.عولمة التسليع وكونية الروحانيات.

هذه الثنائية المهزلة مادية الغرب وروحانية الشرق لم تسعف احدهما الاخر ولم تقدم اي شيء يخدم حاضر ومستقبل الانسان.صراع غير متكافيءمتعاكس الشد والجذب.

العالم بدأ يستنفد رصيده من الطاقة المكابرة الزائفة في السعي لتحقيق يوتوبيا السعادة الانسانية، التضليل البشع الذي اعتاشت عليه الايديولوجيات

والفلسفات والمعارف الاجترارية في استمرارية تسليع الحياة والانسان.

نعم التاريخ وصل نهايته اللااخلاقية التدميرية، ليبدأ الدوران حول

مركزية التسليع المعلنة، وفي التماهي الخادع مع افتعال السعي ونشدان المعالجة القاصرة سلفا.

يتوجب العودة الى الاصول في وجوب اخلاءالعولمة الرأسمالية التسليعية مواقعها ودورها القذر في ادخال الانسان نفق الضياع والتيه والحروب المصّنعة، والهاء الشعوب عن حقيقة معاناتها الوجودية، في اليومي من المعيشي والحياة.

لاتزال اليوم الايديولوجيات الكبرى تتصارع في محاولة فرض الارادات الغاشمة.

العالم اليوم يحيا مفترق اختيار واعي اما ان ينساق وراء المالثوسية الجديدة في استحداث الحروب وتصنيعها وتصديرها، واما محاولة الانقاذ باعتماد العالم لامكانياته ومؤهلاته اللامحدودة وبعث نوازع الخير والمحبة والسلام، وبالتجرد عن جميع الانحيازات العنصرية.والغاء التفاوت الطبقي اس البلاء.

ليست المجتمعات الرأسمالية وحدها ينخرها الظلم الاجتماعي والتيه والضياع، في وجوب ان تخلي الرأسمالية المعولمة مواقعها القذرة، بل ان العالم اليوم اصبح على اعتاب عولمة راديكالية اساسها الغاء ما كان يجب ان يلغى منذ الالفية الاولى، انه لم يعد العالم يتقبل التفاوت الطبقي الاجتماعي، ولا ما يسمى دول الشمال والجنوب في خلق وتصدير مجتمعات الاستهلاك الفوضوية وفي حجب حقيقة الاسفاف الوجودي في تهميش شعوب تعيش المتاهة الاستهلاكية، وتخدير معاناتها وآلامها الوجودية بوسائل خبيثة.

ستنحسر قريبا موجات التضاد الايديولوجي الافتعالية والصراعات العولمية التسليعية، وسيصارالالتقاء على حتمية تاربخية حضارية واحدة، هي ايجاد عولمة راديكالية جديدة تضع شعوب العالم ضمن قدراتها ومؤهلاتها على خط شروع اممي واحد، الكل يسهم به والكل ينعم بخيراته.راديكالية اليسار الجديد.،

كما فشلت ايديولوجيا التسليع في امريكا والغرب، فشلت معها بالتوازي جميع الايديولوجيات الدينية المتطرفة والروحانيات المتعددة المتنافسة في الشرق، بلا استثناء التي اتخمت الشعوب بروحانيات استهلاكية ظاهرها ملائكي، وباطنها يحرّكها الشيطان، ودفعت شعوب عديدة وامم نتائج تلك اللعبة الاستغفالية الكارثية القذرة بما تستحقه واكثر من ذلك.

ليست الرأسمالية المعولمة وحدها فشلت واستنفدت نفسها وطروحاتها بل تعدّى الامر ذلك ان التجارب السياسية والايدولوجيات المتصارعة المتنافسة التي قامت وتقوم على مرجعيات دينية، بمنطلقات روحانية مثالية ابتذالية، شاخت هي الاخرى في وقت مبكر وفقدت تاثيرها الهدّام في زمن قصير نسبيا، ودخولها مرحلة الاحتضارالسريري المحتوم.

التجارب السياسية القومية ومشاريعها الطوباوية الحالمة تراجعت بصمت الاموات وانتهى دورها ولعبتها الفوضوية، ودكتاتورياتها الكارتونية البشعة التي اوصلت انسانها الى الحضيض امثلتها النازية والفاشية ودكتاتوريات العالم الثالث التراجيدية المسخرة في الوانها واشكالها المتعددة.

من المتعذر اليوم ايقاف التاريخ الانساني ثانية على قدميه من غير ان تخلي الرأسمالية المعولمة التسليعية مواقعها القذرة، والدخول في مرحلة الراديكالية الكونية الاممية التي تضع الوجود الانساني على سكة الخلاص.

 

علي محمد اليوسف

 

 

في المثقف اليوم