قضايا

ورقة في إصلاح قانون انتخابات مجالس المحافظات

haidar abdalwialzaydiقانون الانتخابات قضية مهمة، ولعله الأهم بالنسبة لشعوب خرجت للتو من ديكتاتورية، وصراعات وحرب أهلية وطائفية، وتزداد اهميته إبان الازمات السياسية التي تحدث بين الفرقاء والتي لها تداعيات سياسية وإقتصادية واجتماعية وشعبوية، ومن أهم مافي قانون الانتخابات هو النظام الانتخابي والذي هو ببساطة الوسيلة التي يتم بواسطتها تحويل اصوات الناخبين الى مقاعد في البرلمان او اي سلطة تشريعية اخرى، ويحرص  السياسيون كثيراً على اختيار نظام انتخابي يلبي طموحهم ويحقق احلامهم واهدافهم السياسية، وهذا حق مشروع لكل حزب او ناشط سياسي ...

ولقد قيل (ان الانظمة السياسية تنتج انظمة انتخابية من نفس صنف دمها ) ...

النظام الانتخابي يحتل اهمية قصوى في اولويات الحلول التي على (النظام السياسي) إتباعها للخروج من الازمات او لتصحيحها أو حتى تقزيمها في أضعف الأحوال، ولايزاحم النظام الانتخابي اهمية في بعض المفاصل التاريخية شئ، حتى انه يكون اكثر اهمية من الدستور نفسه، وكيف لا وهو الذي يحدد المستقبل القريب للبلاد مالياً وإقتصادياً وسياسياً ، ومن يحكمها وكيف ...

في بلاد العالم الكثير من الانظمة الانتخابية، وفي الحقيقة هي أنظمة  تناسلت وتولدت من فعل الازمات والطريق الطويل الذي شقته الديمقراطيات للخروج من مشاكلها وازماتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والطائفية  ...

دارَ في  العراق حديث طويل عن النظام الانتخابي، بعد سقوط نظام صدام حسين الذي كانت البلاد تحكم في عهده حكماً مباشراً كما نعلم،  وتم اختيار النظام النسبي كونه من الانظمة الجيدة التي تتلاءم مع دولة مثل العراق، فالنظام النسبي له ميزات وخصائص، يعطي تمثيلاً عادلاً،  فالذي يفوز بنسبة ٤٠٪‏ من الاصوات فإن له مانسبته ٤٠٪‏ من المقاعد، وكذلك يمنح فرصاً للاقليات والنساء للحصول على تمثيل، وبعد دراسات طويلة لحالة العراق وجدَ ان النظام النسبي مازال يشكل اولوية الصدارة كنظام مناسب لاوضاع العراق، ولكن في التفاصيل تكمن المصائب كما يقال ...

ان النظام النسبي يمثل منذ ظهوره الى الحياة الديمقراطية بديل عملي، فرضته حالات التطور والقفزات الهائلة التي شهدها العالم في ظروف ونوع المشاركة السياسية، واللوائح الدولية المتعلقة بحقوق الانسان عامة، والاقليات والمرأة خاصة، وكذلك  لتجاوز السلبيات التي يخلفها نظام الاغلبية القديم والذي مازال يهيمن على صناديق الاقتراع في الديمقراطيات العريقة كامريكا وكندا والهند بهذا الخصوص ...

طبق في العراق النظام النسبي بالقائمة المغلقة، وبعد تعالى اصوات المعارضين تم العدول الى القائمة المفتوحة بنفس النظام، حيث يتم تقسيم عدد الاصوات على المقاعد المخصصة، وبذلك ينتج لدينا قيمة رقمية تعمل كقاسم انتخابي، بعد توزيع المقاعد على القوائم بحسب ماحصلت عليه من اصوات، فإذا بقيت مقاعد لم توزع بعد، عندئذ يتم اللجوء الى صيغة رياضية للتوزيع والذي عرفناها بمسميات  ( هير، دروب، إمبريالي، معادلة دي هونت، وصيغة سانت لاغ المعدلة )، لكن ظل النظام النسبي بصيغه الرياضية جامداً ولم يحقق التغييرات التي يطمح لها الشعب العراقي، لأن المشكلة ليست في الصيغ التوزيعية وانما في جوهر النظام نفسه، وهناك حديث طويل حول هذا الموضوع، فالنظام النسبي يطبق في اكثر من ٦٠ دولة، وفي المانيا وايطاليا يطبق بصيغته العراقية الاولى (القائمة المغلقة) ولكن الحاضنة الاجتماعية والسياسية والتراث الديمقراطي يختلف في اوروبا عنه في العراق، ولذلك فإن الخبراء والمحللين الديمقراطيين يؤكدون على قاعدة ذهبية في الانتخابات وهي (إن النظام الانتخابي لايعمل منفرداً ...) فهو يتأثر بالبيئة والنظام السياسي بمفهومه الواسع، ومن أجل أن يعمل النظام النسبي في العراق بجودة أفضل  لابد أن يصار الى تعديل هيكليته الداخلية من خلال:

1. تقسم المحافظة (أي محافظة عراقية)  الى دوائر متعددة، وليس دائرة واحدة، وأفضل وسيلة وأقربها للواقع هو اعتماد القضاء كدائرة انتخابية واحدة، وهذا يوفر للناخب والمرشح  مناخاً انتخابياً سليماً تنضج فيه العلاقة بينهما، بحيث يدلي الناخب بصوته لمرشح يعرفه جيداً،وبالامكان محاسبته مستقبلاً، فالدائرة الانتخابية المحددة هي الوسيلة الفضلى لتوطيد العلاقة بين طرفي العملية الديمقراطية والانتخابية ...

2. عدم تحويل اصوات الفائز للذي يليه، مهما كانت تلك الاصوات، فقد يحدث ان تفوز قائمة بخمسين الف صوت، وتجد ان المرشح تسلسل واحد قد حصل على اربعين الف صوت وسعر المقعد خمسة عشر الف صوتاً وبذلك فإن هذا المرشح الفائز سيمنح الفائض من اصواته للذي يليه بالقائمة حتى وان لم يكن عندهم اصوات تذكر، وبذلك سيفوز مرشحون بأصوات غيرهم وهذه هي مشكلة جوهرية في النظام النسبي في العراق منذ تطبيقه ...

3. يجب ان يكون هناك نسبة حسم، اي ان على القائمة اجتياز نسبة محددة من الاصوات للسماح لها بالدخول في عملية احتساب الاصوات، وتختلف الدول في ذلك فالمانيا حددتها ب ٥٪‏ من الاصوات، وفي تركيا ١٠٪‏، وهذه النسب تعمد اليها دول تهتم بشكل ونوع وايديولوجيا الاحزاب التي تشارك في الانتخابات، فالالمان يضعون هذه النسبة للوقوف ضد صعود احزاب شوفينية او عنصرية او حتى احزاب ليس لديها برنامج انتخابي واضح، ونسبة الحسم تلقن الناخب درساً مهماً في المشاركة السياسية حيث يتعلم جيداً اين ومتى ولمن يمنح صوته، فإذا كان الحزب او المرشح لايستطيع ان يتعدى هذه النسبة فإن الناخب لايرغب ان يذهب صوته سدىً وبلا جدوى، وبذلك فهو يبحث عن جدوى الاقتراع ومردوداته وليس مجرد الادلاء بالتصويت ...

4. تكون الدائرة (القضاء) محددة بعدد معلوم سلفاً بحصتها من المقاعد والتي تمنح لها حسب حجمها السكاني وفق معايير وإحصائيات المفوضية العليا للانتخابات والتي تستند أصلاً على قاعدة بيانات البطاقة التموينية، وعليه فأن لكل طوبغرافيا سكانية تمثيل عادل ومضمون لها في المجلس النيابي او مجلس المحافظة ...

5. عندما يدلي الناخب بصوته فإنه يؤشر للمرشح والقائمة التي ينتمي اليها، وبعض الناخبين قد يدلون بالصوت للقائمة فقط دون المرشح، عليه فإن أصوات القائمة هذه تساعدها فقط في عبور مرحلة الحسم والتنافس على عدد المقاعد من دون ان يكون لها دور في حجم الاصوات التي حصل عليها المرشحون ..

هذه ليست فكرة جديدة، او اختراع نظام انتخابي، ولكنها الوسيلة الافضل للخروج بتصويت له آثار واضحة وعملية في أداء مجالس المحافظات  والتحالفات الحزبية سواء قبل الانتخابات او بعدها لغرض إنتخاب المحافظ وطاقمه الإداري والحكومي  او الانخراط التحالفي في المعارضة والرقابة داخل مجلس المحافظة ...

إذا ماطبقت هذه الاصلاحات في النظام الانتخابي القادم،  على الأقل في إنتخابات مجالس المحافظات، فإن العراق سيقطع طريقاً مهماً وحساساً نحو الخلاص، وتشكيل حكومات محلية قوية  تستند الى مجلس محافظة تشريعي رقابي  فاعل بمعارضة منسجمة، ونحن شهدنا المراحل التي مرت كلها، وجربنا ان النظام الانتخابي الجامد والاعزل من الفاعلية ينتج لنا مجالس محافظات متناقضة، تكون صدىً لتحالفات مركزية لم تراع واقع وخصوصية المحافظات وكذلك فإن التحالفات المركزية تنكرت لنتائج انتخابات المحافظات وأدخلت مجالسها في صفقات حزبية هجينة ومحطمة للآمال والطموحات الديمقراطية ومفهوم المشاركةالسياسية، وضربت عرض التجاهل واقع وإرادة الناخبين وأصواتهم، وعلى طاولة المساومات وتقاسم الحصص بمفهوم العصور الوسطى،  تم  توزيع الإدارات الحكومية المحلية وفق خريطة تحالفية ارتبطت بتحالفات مركزية صودرت  مجالس المحافظات بموجبها وأصبحت صدىً نشاز لما يجري في الوزارات وتحولت من مجالس للتشريع والرقابة الى مطابخ سياسية وتنفيذية، وبذلك فقدت جوهر وشرعية وجودها، والذي بالنتيجة الحتمية افقدها ناخبيها وكل يوم يمر والفجوة تتسع بين الفائز وناخبيه ...ناهيك عن الشلل التام في مفاصل المجالس وعزلتها وفشلها في انجاز مهامها الرقابية والتشريعية ...

 

 

في المثقف اليوم