قضايا

الوجودية عند سورن كيرككورد (2)

لقد أقلق كيرككورد معاصريه ومازال يقلقنا حتى الأن، لأنه عالج مقولات فلسفية وجودية تخص جوهر وجود الانسان وذلك من خلال علاقتها بحياة الفرد واختياراته الواعية والتي ما زالت تمتلك حيويتها.

إن معارك كيرككورد كانت متمركزة حول الذات البشرية من خلال إيمانها وعلاقتها المطلقة بالله المطلق بدون اي وسيط آخر كالكنيسة أو الرهبان .

وقد رسم كيرككورد ثلاث مراحل لذات الانسان وتطورها في مدارج الكمال:

1- المرحلة الجمالية أو الحسية: وفي هذه المرحلة يخضع الانسان لغرائزه وملذاته وشهواته الحسية، وحين ينغمس في ملذاته الحسيه، يتحول الى كأئن لا يعبأ بأخلاق، ولا ينضبط سلوكه بقواعد سامية، ولا يكترث بقانون، ويصبح غارق في حالة يأس وقنوط وقلق مرعب.

ويمثل نموذج إنسان المرحلة الحسية لدى كيرككورد (دون جوان)، وشعاراته فيها:(تمتع باللحظة الراهنة)، (اقبل على كل ما هو سار في الأشياء، وارفض ما هو غير سار منها).حب دون جوان حب جنسي ولا يرغب في المرأة ان تكون له زوجة، إنه يريد المرأة لأنوثتها.

2- المرحلة الأخلاقية: في هذه المرحلة يرتقي الانسان في مدارج الصعود، فينعتق من غرائزه وشهواته الحسية، بعد أن ينهكه اليأس والقلق والسأم الوجودي، هنا يكون الانسان أمام مصيره، فإما ان يلبث في حياته الحسيه، فيمكث أسير وجوده المتناهي، او يختار اليأس، وقتئذ يختار ذاته في وجودها الأبدي.وحين يغور في حياته الباطنية، يتحقق بذلك وجوده الأخلاقي.وربما يمثل هذا دعوة سقراط:(اعرف نفسك بنفسك)

ان السمة الرئيسية التي يمتاز بها إنسان المرحلة الأخلاقية هي اتخاذ القرار والاختيار.

3- المرحلة الدينية أو الايمانية: في هذه المرحلة يتسامى الانسان بفضل الايمان بالله.ولا يتحقق ذلك إلا عبر قفزة في المجهول، توقدها عاطفة متدفقه، يكون فيها لانسان في حضرة الله.

ولايمان عند كيرككور ذاتي فردي، مرتبط بالارادة الفردية، ولا يمكن ان يرقى الى مرتبة الحقيقة الكلية العامة.الايمان عند كيرككورد لايتحقق من خلال الاستقراء أو الاستنباط، او المنهج التاريخي، او بالمنطق او الفلسفة او العلوم، ذلك ان حقل الايمان مستقل عن كل ذلك، ولا يمكن تحقيقه إلا عبر مخاطرة وقفزة في المجهول، والعواطف هي التي تقود الى هذه المخاطر وتنتهي الى أن يكون الانسان بين يدي الله.

كانت فلسفة كيرككورد مونولوجا داخليا متواتر، وكان يريدها أن تكون تعبيرا عن وجوده الخاص الذي هو نسيج من المتناقضات، وأن يستخرج من اعماقه ما يشعر به من ألم وعذاب ومعانات ليكون نظرية عن الانسان بصفة عامه، فما يعانيه من قلق ويأس وشعور بالخطيئة ومرض نفسي ....الخ ليس حالة خاصة بة وحده، لكنها تمثل عوامل تتألف منها الذات البشرية.

ان فلسفة كير ككورد تحدثنا عن الفرد كمركز للوجود وكمنهج حياة الذات باتجاهها نحو المطلق، نحو الله، ولا يتم هذا الا عندما يمتلك الفرد (الوعي الذاتي).

من هنا تأتي اهمية دراسة فلسفة كيرككورد باعتبارها فلسفة مهمتها إعادة وعي الذات بنفسها من جديد.

يقول الدكتور عبد الجبار الرفاعي: نحن اليوم بأمس الحاجة لهذا اللون من التفكير الديني غير النمطي، من اجل استكشاف تجاربنا الدينية، والبحث عن آفاق تتخطى الاتباع في دراساتنا الإسلامية، والتعرف على ما تحفل به حياتنا الدينية من ظواهر متنوعه، واكتشاف أوهام، وثغرات، وتبسيط أدبيات الجماعات الاسلامية، وما أشاعته من ثقافة وتربية دينية بعيدة عن مقاصد الدين واهدافه الإنسانية.وهيمنتها على المجال العام، وتفشي موجة تدين مفرغة من روح الدين، ومشبعة بشتى أنواع التعصب والكراهيات، ويجري فيها تزوير حقيقة الإيمان، ومسخ جوهر الدين، وتشويه الحياة.

 

احمد حامد .ذي قار

...................

المصادر:

د.عبد الجبار الرفاعي -الحب والايمان عند سورن كيرككورد

د.إمام عبد الفتاح - سرن كيركجور رائد الوجودية

مجدي كامل - الوجودية

 

 

في المثقف اليوم