قضايا

فلسفة الموت

من أين جئنا؟ ومن نكون؟ والى أين نمضي؟.. أسئلة أثارها الإنسان في كل زمان ومكان، دون أن يتمكن يوما من الإجابة عليها إجابة كافية .

والموت موضوع ينطوي على كثير من المفارقات والتناقضات، وهو ايضا موضوع كريه مزعج لا يشجع على التفكير فيه او الحديث عنه. والظاهر أن الناس قد فطنوا إلى ذلك - من قديم الزمان - فنراهم قد دأبوا على نسيان الموت أو تناسيه بشتى الحيل والأساليب.وقد أوضح"باسكال" هذه الفكرة ورأى"أنه لما كان الناس لم يجدوا علاجا للموت والشقاء والجهل، فإنهم قد وجدوا أن خير الطرق لأن ينعموا بالسعادة ألا يفكروا في هذه الأمور على الإطلاق".

ويرى بعض المفكرين أن الحياة ما هي إلا الموت نفسه، والانسان يقوم بيده ينسج خيوط فنائه وموته.ذلك لأن كل لحظة يمر بها هي لحظة نحو الفناء.وعلينا ان نتقبل مصيرنا المحتوم، علينا أن نسير في طريقنا مدفوعين بإرادة الحياة (كما يسميها شوبنهور) او بالقوة الحيوية (كما يسميها برجسون).

ويرى اخرون، ان الموت نقيض الحياة أو انه مرادف للعدم.لذلك رأى بعض المفكرين أن الانسان هو الحيوان الوحيد الذي يفكر في الموت، وهو أيضا الذي يراوده الشك في أن الموت هو نهاية الحياة.وفكرة الخلود التي تحتل عقله وتراوده (فتتأرجح مشاعره بين الامل في البقاء الذي لا زوال له، أو الفناء الذي لا حياة بعده).

شغلت مشكلة الموت أيضا علماء الأحياء أو البيولوجيا، حيث عرف البعض الحياة بأنها "مجموعة الوظائف التي تقاوم الموت" والبعض الآخر رأى أن"الحياة هي الموت". حيث ان جميع الوظائف الحيوية هي بالضرورة نتيجة لعملية الاحتراق العضوي وبالتالي هي هدم الأنسجة البشرية.

أما من وجهت نظر علم النفس، فقد نوقشت مسألة الموت لدى بعض الباحثين في ضوء المشكله الخلافية التي طال الجدل حولها ألا وهي "مشكلة العلاقة بين العقل والجسم" ومن ناحية أخرى، فإن الموت -على المستوى السلوكي - كف دائم للوعي والشعور، وتوقف المخ عن أداء دور "القائد أو المايسترو" بالنسبة للعمليات الحركية والحسية والوظائف العقلية.

إن اتجاهنا نحو الموت -بوجه عام- اتجاه حتمي، ولكننا مع ذلك نكرهه ونمقته، ولكن معظمنا يود من صميم قلبه أن يتاخر مجيئه، نعتقد أنه لا مفر منه ولا مندوحة عنه، ولكننا نعتبره مشكلة آجلة أو غير عاجلة.نرى أن الموت حق على الجميع، ولكننا نجهل متى يجيئ الأجل فيطرق بابنا"الطرقة الاخيرة" على الرغم من ان جميع البشر فانون و{كل نفس ذائقة الموت} آل عمران آية ١٨٥ و{أينما تكونون يدرككم الموت} النساء آية ٧٨.

ولكن قد يتيح للإنسان أن يراوغ فكرة الموت بمهارة فائقة وان يؤجل الموت من خلال تقدم الطب والنظافة العامه وممارسة الرياضة والابتعاد عن التدخين والمخدرات، {وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا} آل عمران ١٤٥.

والحق أن الإنسان مازال في أعماقه يفضل الخلود في الحياة الدنيا، وإذا استطاع أن يختار بين الحياة والآخرة، لاختار - بكل بساطه- أن يظل في الحياة إلى الأبد سواء أكان سعيدا أم تعيسا.

وعبثا يحاول الفيلسوف أن يضعنا بإزاء قياس الإحراج الذي يقول لنا: إما حياة بلا خلود، أو خلود بلا حياة، فإننا -في مثل هذه الحالة - لا نملك سوى أن نتصرف كالطفل الذي يريد كلا الأمرين، لأننا نريد "الحياة"ونريد-في الوقت ذاته- "الخلود".

 

أحمد حامد . ذي قار

 

 

في المثقف اليوم