قضايا

العشائرية تلك البذرة الخبيثة.. زرعها الإنكليز كخلية نائمة في أحشاء دولتناعند الولادة

hashem mosawiلقد وجد الإنكليز، عندما شرعوا بإحتلال العراق في بداية القرن العشرين، أن المنظومة التشريعية المطبقة في هذا البلد آنذاك هي الأحكام المعبّرة عن فلسفة الإمبراطورية العثمانية، والمستمدة قواعدها من أحكام الفقه الحنفي، متمثلة بالنصوص القانونية المثبتة في مجلة الأحكام العدلية، والتي كانت تسمى (المجلة)، وهي تدون فقرات ومواد القانون المدني للدولة العثمانية وبكافة الدول التي إحتلتها الدولة العثمانية . وبطبيعة الحال هذا النظام التشريعي لم يرق للمستعمر ولا ينسجم مع أفكاره، وذلك لأن هذه المظومة التشريعية لا تؤسس للمشروع الإستعماري ولا تلبي الطموح ولا تأتي بالنتائج التي يطلبها المستعمر. إضافة الى أن الإنكليز غير معنين بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، إن لم يكونوا خصما لتلك الأحكام .

وأمام هذه الحالة فلا بد من إيجاد البديل التشريعي لإدارة الأراضي المستعمَرة والذي بدأ يتشكل في ذهن المستعمر فعلا، وهم من دون شك ليس تشريعا ينزع نحو تأسيس دولة مدنية بمؤسسات تمثيلية تعتمد سيادة القانون بل البحث عن منظومة تشريعية توسع الإحتلال وتقويه وتلبي خططه وبرامجه  وتسرع في الوصول الى الأهداف  التي من أجلها تم إحتلال العراق .

هذا من جهة أ أما من جهة ثانية فإن المنظومة التشريعية المنوي تشريعها يجب أن تبقي العراق على حالة التخلف التي هو فيها .

ومن أجل الوصول الى هذه الرؤيا، فقد قرا المستعمر الواقع الإجتماعي والإقتصادي والموروث الثقافي للعراق بغية الوصول الى أفكار يمكن أن تشكل الأسس التي يمكن إعتمادها لوضع تشريع يتم بواسطته ضبط العلاقة بين أفراد المجتمع من خلال قواعد قانونية عامة مجردة ملزمة يلحق من يخالفها الجزاء والضمان .

ومن دون مزيد من العناء في البحث والتقصي، وجدوا في العشيرة الضالة المنشودة، بإعتبارها هوية جزئية أولا، ووحدة إجتماعية لها نظامها وصيرورتها ومقوماتها وأعرافها وتقاليدها البعيدة كل البعد عن توصيف المجتمع المدني إذ تم تدارس الأمر بعد توظيف المعلومات عن الأعراف والتقاليد التي تكم العشيرة وأنظمة الجزاء المخالف لتلك الأعراف والتقاليد، خاصة أن العرب العشائريين يخضعون لتلك القيم ذات الطابع الأبوي بعتبارها قيم الآباء والأجداد . أما العرب الحضريون فكانوا يخضعون للأحكام العامة في القوانين العثمانية . إذ عمد الإنكليز الى ترسيخ هذه التفرقة بين سكان المدن وسكان الريف، ودعموا العادات والتقاليد العشائرية،وإستقلال المجتمع العشائري وتأكيدا لهذا المبدأ فقد أصدروا بتاريخ 27/7/1918 وباللغة الإنكليزية نظام دعاوي العشائر والمترجم بشكل معيب الى اللغة العربية، أي تم تحويل القاعدة المعرفية العشائرية الى نصوص قانونية .

هكذا بحث الإنكليز في المجتمع عمن يمكن التعاون معه لتنفيذ برناجهم أولا، والمساهمة في تطبيق نظام دعاوى العشائر ثانيا، فوجدوا: (ن الشيخ هو الوسيط الأكثر جاهزية في متناول اليد والذي يمكن أن تمارس من خلاله إدارة الريف) هذا مايقوله "حنا بطاطو" في ثلاثيته . كما (لاحظ مسؤول سياسي بريطاني في العام 1918أن الحفاظ على النظام القبلي لأطول ما يمكن هو الأفضل) .

ترسخت العلاقة بين الإنكليز وشيوخ العشائر الى درجة تمكن "علي السليماني"، شيخ مشايخ الدليم من مخاطبة الملك فيصل بشكل مذل بالقول: (يافيصل، إننا نقسم على الإخلاص لك لأنك مقبول من الحكومة البريطانية).

وفي يومنا هذا  وبظل ضعف السلطة المركزية .. فقد عادت العصبية القبلية لتتسيد مكانا واسعا في المظاهر السياسية والإقتصادية والإجتماعية، والذي يوفر العرف العشائري وسائل الدفاع عن إبن العشيرة (ظالما أو مظلوما). وفي ظل هذه العصبية العاطفية عادت مظاهر الفوز عبر الغزو والنهب  والسبي، وأصبحت هذه الصفات وكأنها صفات ومزايا الفروسية والفرسان لدى القبائل.

.

د. هاشم عبود الموسوي

 

 

في المثقف اليوم