قضايا

هل يأتي شيء من لا شي

كان الثالوث الفلسفي اليوناني العظيم (سقراط – افلاطون - أرسطو) من المؤمنين بوجود إله للكون، بناء على الأدلة العقليه، وعندما تصدى أرسطو لمعضلة خلق العالم سقط في الشرك نفسه الذي سقط فيه معظم الفلاسفة السابقين واللاحقين، ألا وهو عدم قدرتهم على تصور أن شيئا يمكن أن يأتي من لا شيء، اي من العدم.

مما جعل أرسطو الى القول بموجود قديم غير متشكل (أسماه الهيولى Hioly وتعني: الاصل) كان هو المادة الخام التي خلق الإله منها الوجود. وبذلك قال بوجود موجودين قديمين (لا اول لهما)، الإله والهيولى، مما يعد شركا عند المتدينين.

وعندما تصدى أفلوطين (فيلسوف الإسكندرية الكبير) للقضية، رفض القول بقديم آخر مع الإله، وقال بأن الإله قد خلق الوجود من ذاته، ومن ثم فالوجود كله جزء من الإله، اي إن المخلوقات تفيض عن الإله اسماه المبدأ الاول، وقد تأثر التصوف الفلسفي الاسلامي الى حد كبير بها، وهذا هو المقصود بوحدة الوجود التي يرفضها بشدة معظم المتدينين.

قضية الكون قديم ام كون له بداية، إحدى القضايا المحورية التي تشغل علماء الكونيات والفلاسفة ورجال الدين.

ومن اساسيات المنهج العقلي في الفلسفة، ان ننطلق عند تحليلنا لأي نظام من نقطة بداية لا نطرح لها سببا ولا نطلب لها تفسيرا.

وقد اعتبر الفلاسفة الملحدون وجود الكون والقوانين الطبيعية التي تتحكم فيه، هي نقطة البداية التي لا يطلبون لها تفسيرا عند دراسة كل ما يتعلق بالكون.

أما الفلاسفة المؤلهة فيعتبرون وجود الإله الخالق لهذا الكون ولقوانينه الطبيعية هي نقطة البداية التي ليس لها تفسير.

وقد طرح العلماء نظرية الانفجار الكوني الأعظمBig Bang Theory كأكثر النظريات قبولا لتفسير بداية خلق الكون. وتؤكد النظرية أن الكون قد نشأ نتيجة لا نفجار هائل حدث في نقطة تتجاوز كل قوانين الفيزياء المعروفه، وتسمى هذه النقطة (المفردة Singularity). لقد ثبت علميا ان الكون له بداية ترجع الى حوالي 13.7بليون سنه مضت.

لم يقف الأمر عند ذلك، فقد طرح العلم مفهوم آخر شديد الدلالة، وهو ان الكون قد نشأ من عدم. يخبرنا العالم الفيزيائي إدوارد تريون بأن طاقة الكون عند بدايته كانت صفرا، ذلك لان قوة الجاذبيه الممسكة بعناصر الكون تمثل بالسالب في المعادلات الفيزيائية؛ إذ إنها تعمل في اتجاه معاكس للقوى الأخرى، كالقوة الطاردة المركزية التي تدفع بالإلكترونات بعيدا عن النواة، وتدفع بالكواكب بعيدا عن شموسها. كذلك إذا عادلنا الشحنات الموجبة بالشحنات السالبة لذرات الكون أصبحت طاقة الكون صفرا.

كذلك يؤكد ستيفن هوكنج ومؤسسو فيزياء الكم، ان الفيزياء الحديثة تشير الى نشأة الكون من عدم.

لا شك ان الفلاسفة الملحدين قد أصيبوا بالإحباط، لقد قدم العلم الدليل على أمرين شديدي الأهمية:

الأول: أن للكون بداية، وانه ليس مغرقا في القدم إلى ما لا نهاية.

والثاني: ان الكون نشأ من عدم.

في البداية، لم يتصور علماء الكونيات الأبعاد الفلسفية والمعرفية وراء نظرية الانفجار الكوني الأعظم التي توصلوا إليها، وعندما أدركوا الموقف بدأوا في البحث عن مخرج مادي يفسر كيف كانت بداية نشأة الكون.

يقول ستيفن هوكنج في كتابه تاريخ موجز للزمن (إذا كان لا مفر من الإقرار بأن للكون بداية، فلا بأس من القول بكون مكتف بذاته. اي أنشا نفسه بنفسه).

ويقول إدوارد تريون، أنه يمكن تفسير بداية الكون ببساطه بأنه احد الاشياء التي يمكن أن تحدث تلقائيا من وقت لآخر.

كذلك رفض أساطين فيزياء الكم اعتبار أن نشأة الكون من عدم كانت نشأة تلقائية.

ولم يقبل الفلاسفة الملحدون الإقرار بأن الإله هو الذي خلق الكون، ويبنون رفضهم على تبنيهم لمبدأ التثبت (ما لا نستطيع أن نرصده بحواسنا، لا وجود له) وهذا مذهب الفلسفة الوضعية المنطقية، التي ترفض مجرد مناقشة مفهوم الإله.

ومن اشد المعارضين للبحث عن مصدر لنشأة الكون فيلسوف الالحاد الشهير ديفيد هيوم. ولا شك ان اهم أخطاء هيوم المنهجية رفضه لمفهوم ارتباط السبب بالنتيجه، واعتبار ان العلاقه بينهما لا تخرج من توافق بالمصادفة، ومن ثم فلا معنى للبحث عن سبب لنشأة الكون.

ويستمر الفلاسفة الملحدون في المماحكة،  فيقولون: إن العدم شي قديم لا أول له، ويرفضون اعتباره لا شي، ويصرون على إمكانية نشأة الطاقة والمادة تلقائيا من هذا العدم القديم.

وتصدى ريتشارد سوينبرن لادعاءات الملحدين بإعادة طرح ما يعرف ببرهان فترة الترك، يقول سوينبرن: إذا كان العدم يمتد الى ما لا نهاية في القدم، وإذا كان للكون بداية، فلم نشأ الكون في هذا الوقت الذي نشأ فيه؟ لم ترك الكون دون نشأة لفترة، ثم حدث في وقت ما في الزمن اللانهائي أن خرج الكون للوجود؟ لابد أن هناك عاملا مرجحا دفعه للوجود.

 

احمد حامد

.................

المصادر

- رحلة عقل،  .د. عمرو شريف

- فرضية الإلحاد. أنتوني فلو

 

 

في المثقف اليوم