قضايا

أبحاث المستشرقين مهدت لإصدار الظهير البربري في سبتمبر 1914م

eljya aysh (كشف حقائق عن سياسة فرنسا في  تأليب الجزائريين ضد بعضهم)

تعتبر منطقة القبائل المنطقة التي بذلت فيها فرنسا جهودها لمسخها وإبعادها عن هويتها وتخليها عن وحدتها القديمة، حتى أصبحت تسمية البربر أو الأمازيغ إن صح القول مفرغة من محتواها المطلق والموحد، وآلت إلى مجرد كلمة يشار إلى سكان يتحدثون اللغة القبائلية وبالتالي كانت فكرة "تجاهل الجزائري وإغراق " البربري" أو ما يسمى بالدعوة إلى "الجهوية" إحدى منتجات الإيديولوجية الاستعمارية من أجل خلق جزائريون جدد وحتى يكون الشعب الجزائري مجرد نواة استعمارية ينحدر من أصل فرنسي

دراسات عديدة أجريت في المناطق الجبلية الأكثر كثافة سكانية حول المجتمع القبائلي وعاداته المتميزة وذلك انطلاقا من فكرة مفادها أن "القبائلي عدوّ اليوم يمثل حليف المستقبل" وقد وصلت هذه الدراسات إلى الترويج لفكرة  " التكامل الفرنسي- البربري" بين "الشعب المعلم" و" الشعب التلميذ" وذلك كله من أجل الدعوة إلى الجهوية وتأسيس بذور التفرقة في الجزائر بين العرب والقبائل، وراح الباحثون يحددون الصفات التي يتميز العربي والقبائلي في مختلف المجالات، وتعدت هذه الأوصاف دعوتهم إلى التفرقة بين المرأة الجزائرية وخلق نوعا من الصراع بينها وبين قريناتها، بحيث رأوا في القبائليات يتمتعن بالحرية بخلاف المرأة العربية التي تعيش حبيسة البيت، وكانوا يصفون بلاد القبائل من الناحية السياسية بسويسرا البدائية، فعندما تشتد العداوة بين القبائل لا يحق أن يتدخل سوى "المرابطون"، إما لإقامة السلم أو الحصول على أقصى حَدٍّ ممكن من الهدنة، وفي فترة الانتخابات يبادر المرابطون باقتراح الشخص الذي يفضلونه لمنصب الحكم ثم يبايعونه بقراءتهم الفاتحة، كما وصفوا الجزائريين بأنهم شعب طفيلي وهمجي متقوقع حول مجده الزائف، ويرون كذلك أن الديانة المحمدية تنسجم أكثر مع المجتمعات التي توقعت مرحلة نموها عند "الأبرشية"  "الباترياركا"، كما يرون أن الحضارة العربية ليست من إنتاج العربي في إشارة إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، في قوله أن البدوي أسلم تحت قوة السيف، لكنه اضمحل أمام المقاومة الفكرية للأعراف الأصيلة، فانطوى على نفسه، والفضل يعود على المستشرقين..

كانت إستراتيجية الباحثين ومنهم "بومال" تقوم على تثمين العرق البربري الذي يرى فيه ذلك المجتمع المنظم المنسجم الذي يحترم فيه الأفراد بعضهم بعضا، وهكذا وجد المستعمر في العرق البربري الذي يتوفر وحده على قابلية الاندماج أو بالأحرى "التعايش" البديل الوحيد لضرب الوحدة الجزائرية، وبقي التحليل العرقي محل اهتمام الباحثين والأطروحات التي تعود إلى القرن الـ 18 تستند في منطق تفكيرها على القطيعة الكبرى الجزائرية- الفرنسية التي استبدلت بالتقسيم العرقي "عرب- قبائل"، لقد وجد الفرنسيون في بنية القبائلي القاطن في الشمال الشرقي (وادي ميزاب والأوراس) بعض الصفات التي تحثه إلى دفع التشابه، فهناك من رأى فيه مسيحيا قد أسلم بالقوة، وهناك من قضى بانحداره من السلتيين Celtes، وإن الرغبة في إدماج القبائل تدريجيا يُمَكِّنُ من ترسيخهم في أراضيهم الشخصية أو جعلهم مُعَمِّرينَ من الدرجة الثانية بمنحهم أراضي أخرى، هي في الحقيقة أراضيهم التي انتزعت منهم.

ولم تكن الطبقة السياسية التي كانت تراقب السلطة الفرنسية آنذاك بحاجة إلى حليف في الأرض الجزائرية بقدر ما كانت حاجتها إلى تأليب القبائل ضد العرب، ولقد كان التحري حول تشتت اللغة الأمازيغية في الجزائر الذي طالب به الحاكم العام في عام 1910 قد تم استغلاله من قبل باحثين مختصين في الإسلاميات والجغرافية وعلى رأسهم "دوتي" و" قوتيي" لاسيما وهذا البحث كان له صلة وطيدة بين الثقافة العالمة la culture savante  والاستعمال السلمي، كما أن علاج هذا البحث سجلت نتائج تقهقر اللغتين البربرية والعربية عبر التراب الجزائري، فكانت الازدواجية اللغوية العربية والبربرية تؤذن بحلول لغة جديدة محل أخرى، وقد مهدت هذه الأبحاث إلى إصدار الظهير البربري في سبتمبر 1914م وهكذا أصبح الجزائري مجرد ديكور ويمكن الاستغناء عنه وكانت الحصيلة هي الجزم بإسلام تافه وتقاليد وقيم بالية، وفي الوقت الذي كانت فيه المجلة الأفريقية غارقة فيما لا يعني من الموضوعات أجمع المحللون على أن الجزائر المسلمة ما تزال في مرحلتها البدائية المتوحشة والوسطية " médiévale" .

وفيما بقيت منطقة القبائل محل دراسة كانت منطقة وادي ميزاب هي الأخرى موضوع نقاش أكثر من مناطق القبائل، لاسيما فيما يتعلق بالمرأة المزابية، والوضع الذي تعيشه هذه الأخيرة بمنعها من الخروج ووصف الدار المزابية بأنها دار هشة جدا، خالية من النوافذ، إضافة إلى أطروحات أخرى حول المرأة الشاوية في الأوراس وهي دراسة في علم الاجتماع البربري أجريت عام 1929، ودراسات أخرى كذلك أجريت عام 1939 حول الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمرأة القبائلية باعتبار أن القبائل الكبرى من المنطقة البربرية الأكثر أهمية في الجزائر وهي أيضا المنطقة التي بذلت فيها فرنسا جهودها لمسخها وإبعادها عن هويتها وتخليها عن وحدتها القديمة، حتى أصبحت تسمية البربر مفرغة من محتواها المطلق والموحد، وآلت إلى مجرد كلمة يشار إلى سكان يتحدثون اللغة البربرية، حتى اللغة البربرية فقد تراجعت ولم يبق في العديد من المناطق إلا القليل الذين يتكلمون بهذه اللغة، فمثلا بمنطقة القصر بتاغزيت لم يعد يتكلم البربرية إلا من تزيد أعمارهم عن الخمسين سنة.

وقد كشفت الإحصاءات الدالة على تقهقر اللغة الأمازيغية على وجود 40 ألف أمازيغي توقف عن التكلم بلغته الأم منذ 50 عاما، مقارنة مع العدد الإجمالي للبربر berberes آنذاك والذي يتجاوز 130 ألف أمازيغي، فحسب الأعمال التي قام بها " هانوتو HANOTEAU" تعتبر منطقة شلغوم العيد من أكبر المناطق التي انطفأت فيها البربرية بسرعة فائقة لا مثيل لها في هذا العصر، ويدقق هانوتو من خلال نصوصه أن من يعتبرون " بربرا" هم قبيلة "عبد النور، والتلاغمة" كانتا تتكلمان البربرية قبل 25 سنة، وحتى يتحول الشعب الجزائري إلى شعب جديد من أصل أوروبي عملت النخبة الغربية على أن تسيطر على الأهالي وتؤطرهم وذلك بين سنة 1860 إلى غاية 1912، وتجعل منهم أمّة مفرنسة، بتطبيق قانون 1889 المتعلق بـ: "التجنيس الآلي" .

إلا أنه ومع نهاية الأربعينيات خرجت بعض الأصوات الجزائرية والمتمثلة في "مالك بن نبي" الذي فتح أبواب النهضة الإسلامية والإعلان عنها والكشف عن مدلولها المأساوي وهو يعتبر نداء للشباب الجزائري المسلم ليجدوا في أصول الإسلام قوة للتجديد قائلا: " لكي يتوقف الاستعمار يجب أن تتوقف قابليتنا للاستعمار" وقد تجاوبت بعض الأصوات الجزائرية الأخرى مع دعوة مالك بن نبي للتصدي للقابلية للاستعمار في رواية الخريف لمحمد ديب التي ظهرت في مارس 1954، كانت بمثابة جمر بدأ يشتعل حيث بدأ الاستياء الفردي يتقنّن ويلتئم، وكذلك مولود فرعون الذي أبدى مقاومة اشد رغم الخناق الذي كان يحاصره من بعض الناقدين وذلك في كتاب له بعنوان "الربوة المنسية la colline oublié " تم نشره في إحدى مطابع المستعمر، ولأول مرة يتمكن جزائري من طبع كتابه الأول بدار نشر باريسية مشهورة، في حين لم يتمكن العديد من المؤلفين الفرنسيين من تحقيق مثل هذا النجاح ومع الكتابات وتطور البحث الاجتماعي تحولت الجزائر إلى إشكالية، إن اندلاع الحرب التحريرية لا تكفي وحدها إزالة التوحش ولا بلوغ الاستقلال، بل إعطاء الإسلام صورته الحقيقية والتخلص نهائيا من الهيمنة الاستعمارية التي زرعت عادات استهلاكية لا تتماشى مع الإمكانيات الحقيقية للبلاد.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم