قضايا

مُسْــتقبَــل الأديـَــان

rasheed alalimالأديان السماوية شهدَت خاصة فِي بدَايَة الألفية الحالية تجديدًا عَميقـًا سَوَاءً على مستوى قرَاءَة النصُوص المُقدسَّة، أو على مستوى تأويل التـُّرَاث الدِّيني وإسقاطِه بفهم جَديدٍ عَلى وَاقع السِّياق التَّاريخِي المُعَاصر ذِي الطَّبيعَة المُتغَيِّرَة والمُتحركة، وبالتَّالي فالفترَة الرَّاهنـَة تعَدُّ أشَدّ مَرحَلةٍ تمرّ عليهَا سَواءً الأديَان التوحِيديّة (اليَهودية، المَسيحيّة، الاسلام) أو الأديَان الآسيوية (الهندُوسيّة البوذية، الطـّاوية، السّيخية) وغيرهَا مِن الأديَان الرّوحَانية الجَديدة والتيَّارَات الفلسفية ذات الطَّابع الدِّيني، لأنها سَتكونُ فِي مُوَاجهَة تامة مع المعطيَات العِلميّة والمُستجدّات العَولمِيّة والتحَدِّيَات السياسيّة والانسَانيّــة والحَضَاريّــة.

لا شكَ أنّ تصادم العَقل الديني عند المُجَددين مَع مُعطيَات الوَاقع الآني، خلق لدَى الزعمَاء الرُوحيين فضَاء تقارُبٍ وانسجام وتوَادُد، وهذا مَا كانت تفتقدُهُ الانسَانيّــة فِي العُصُور الأخرَى، فصِرنـَا نسمَعُ بـالديبلومَاسيّة الدينيــة أو الرّوحية حَيثُ يجلسُ مُمثلـُو الأديان على طاولةٍ واحِدة ويتبادلـُون زياَرَة أمَاكِن الصلاة، ويتنَاولـُونَ موقف الدين مِن مَسألة كــذا وكــذا...

يحسبُ للحداثة أن أزَالت تلكَ الهَوَاجس الأيديُولوجية التِي كانت حَجَرة عَثرة أمَام التسَاكن الرُّوحي والتعايش الديني وحِوَار الأديان.

المُلفت للنظر هُوَ أنهُ فِي الآونة الأخيرة تناسقت فِيه أرَاء كثير مِن مُمثلِي الأديَان فيمَا يَتعَلقُ بمسَاءل كثيرَة مِن بينهَا: (العلمَانيّة، الحُرُوب والنزَاعَات الإقليميّة والدّوليّة، الارهَاب، الطائفيّة، تغيير الدّين، قضيّة المَوت الرَّحِيم، العَولمَة الرَّقميَّة، الاجهَاض، المِثلية الجنسيّة، الاندماج في الدّول الأوروبية، التجميل وزرع الأعضَاء البشريَّة، زرع الخَلايا الجدعيّة...إلخ,)

المُلاحَظ أنَّ مُمثلِي الأديَان لم يَعُودُوا يتعَاملونَ مَع مثل هَذه القضَايَا بنظرة الأمس وإنمَا بنظرة وَقتية تجديديّة، لأنَّ الدِّينَ كمَا قال الفيلسُوف الفرنسِي ديدرو " يندثرُ إذا لمْ يتجَدّد وفق سيَاق المتغيرَات ''

الحَداثة والعَولمة شَكلتـَا مُحَرك دفع بالنسبة للاهُوتِيّـين والمُفكـّرين الدِّينيّـين والمُصْلحين لتبنِي مَوَاقف لا تزيغُ عمّا يُؤمنُ بهِ العَقل الفلسفي المُعاصِر الحداثي، فإذا كانت الأزمنة السّالفة أزمنة '' الأديان الغـيبيّة '' فإن الزمَن الحَالي هُو زمنُ '' الأديَان العَقليّـة ''

عِلم مُقارنَة الأديَان يأكد هَذه الفرضية بمَا لا يدع مَجَالا للشك، غير أن الأمر الذِي أودُّ أن أشير إليه، هو أن الأديان رَغم الحُرُوب والنزاعات السياسية الاقليميَّــة والدولية شهدَت تلاحُمًا قويًا، وبالتالِي بَرز تيَارٌ يدعُو إلى التعايش والتسَامُح بيْنَ مُختلفِ الأديَان,

الدراسات الحديثة أثبتت أنّ الأديان تنصَّلت مِن عقد التاريخ حيثُ كانت الحَطب الذِي يُذكِي نيرَان الحُروب، ومنهُ لا أستبعِدُ فِي العُقود القادمة _ إذا ما تحَرَّرَت المُؤسَّسات الدينية من السُّلطة السياسية ومن التبعية للمؤسسات المالية الكبرى بشكل نهائي _ أن تلعب أدوارًا هَامة في إخمَاد نيرَان الحُرُوب، بعدَ كلّ هَذا التقارب، فعَلى سَبيل المثال ندَّدَ البَابـَا فرنسيس بالمَسْح العِرقي الذِي يَتعَرَّض لهُ جماعة الرُّوهِينغيَا، كمَا دَعا الدلايلاما رئيسة بورما أون سان سو كيي إلى وَضع حَدٍّ لهَذِه الجَريمَة ضِدّ الانسانية، كما ندَّد اتحاد المُنظمات البُوذية بأوربَا ، وكنائس مسيحية كاثوليكية وبروتيسنانتية بذلك..

مُستقبل الأديَان سَيكون مُختلفًا عمَّا كان عَليهِ في السَّابقة، فانتشار الأديان لن يَمنع مِن بُرُوز تيَّارَات دِينية و رُوحَانية أخرى، ومن المتوقع أن المجتمعات ستنتقل مِن التدَيّن التقليدِي الشَّعَائري الفولكلوري، إلى التدَيّن المَعْنوي، القـَلبي والرُّوحي... ولعَل إقبَال النَّاس عَلى الحَرَكات الصُّوفية فِي العَالم الاسلامي، وعلى التيَّارَات الرُّوحَانية الشَّرقية فِي العَالم الغربي، دَليلٌ قويٌّ عَلى هذا الأمر...

...يتبع

 

رشيد العالم

 

 

في المثقف اليوم