قضايا

اليمين واليسار حينما يكونا من الإتجاهات الفكرية لا من سمات التموضع الجسماني في المكان

ali almirhigدأب كثير من المفكرين على تصنيف الفكر بتوجهاته السياسية إلى صنفين: اليمين واليسار، في إشارة منهم إلى أن من يمثل الحكومة هم من أصحاب اليمين، ومن يمثل المعارضة هم من يمثل المعارضة، وغلب على أدبياتنا في الفكر العربي الحديث والمعاصر على أن صفة اليمين تُلحق بالتيارات الأقرب لأصحاب التوجه الليبرالي بطابعه الأنكلو سكسوني ذو النفس الكولنيالي (الإستعماري) وبالحكومات التي أنتجها هذا الإستعمار أو الحكومات التي نهجت المنهج ذاته في تبعيتها للغرب أو من ظن به معارضوه أنه يُطبق أجندة غربية بعيدة عن الإسلام.

ولكن مفهوم اليمين هذا لا ينطبق كثيراً على حركات الضباط الأحرار التي كانت أقرب لمتبنياة دُعاة "اليسار" في نزعته الراديكالية "الثورية"، في بداياتهم، ولكن أغلب دُعاة حركات التحرر وقادته في بدايتهم يميلون للنزعة الثورية، ولكنهم بمجرد أن يتمكنوا من إسقاط النظام اليميني المحافظ، وبعد إطمأنانهم لإستمرارية حكمهم، نجدهم يتحولون لدُعاة للمحافظة على مُنجزات الثورة!!، فيسعون للمحافظة على مواقعهم الجديدة، ليبدأوا حرباً جديدة مع المعارضين لسياستهم  ممن يُمثلون الرأي الآخر من دُعاة التحرر لينعتوهم بأسوأ النعوت، مُستخدمين معهم لغة الوعد والوعيد، والتشكيك والتخوين وأنهم أذناب الإستعمار يرومون حرف الثورة عن مسارها، حتى وإن كان المعارضون الجُدد هم ممن شاركوا في الثورة وتغيرت قناعتهم فيها وبقياداتها بعد حين!!.

وسنجد معارضي الأمس ودُعاة الثورة من الأحرار إلذين يتحولون من المعارضة إلى السلطة، وفي سعيهم المحموم للما يعتقدون أنه إصلاح، سيتحولون بوعي وبقصد منهم أو من دون وعي وبلا قصد لخانة المحافظين، لينقلبوا وقد كانوا بالفعل "إنقلابيين" من اليسار إلى اليمين حسب منطق التصنيف وفقاً للإتجاهات حينما يكون أصحاب اليمين من المحافظين وأصحاب اليسار من المجددين، ولأن سياسة دُعاة النزعة "القوموية" أو "القومانية" أو "القومجية" باللهجة العراقية، قد تحالفوا مع الغرب لمواجهة المد الشيوعي "السوفيتي" على الرغم من تأكيدهم على تبنيهم للإشتراكية ومحاولة تطبيقها وهذا مُقترب أصيل بينهما؛ إلّا أن ميلهم لمسك زمام السلطة وقمع كل المعارضين، جعلهم أقرب للتحالف مع الغرب منهم للتحالف مع الروس بدعوى مخالفة الشيوعية لمتبنيات وقيم وعقائد المجتمع الذي يحكموه لأن أغلبيته من المسلمين.

في ضوء ذلك صار لفظ "اليسار" ومفهومه مقروناً بالحركات ذات التوجه الماركسي الذي أقصته الحكومات "العسكرتارية" "الوطنية"!!.

ولو كنا قد أدركنا أن "اليمين" و "اليسار" هي من جهات التموضع في المكان والحركة لأدركنا أن لا يمين ولا يسار في الفكر، إنما هناك فكرٌ راديكالي شوفيني مُتطرف وفي أقل الأحوال يُوصف بأنه "مُحافظ"، وآخر فكر مُنفتح يقبل بالتنوع والإختلاف، وفي أقل الأحوال يوصف بأنه "تجديدي"، ولا ضمانة في ثبات الإتجاهات وفق منطق الحركة و تغيير المسار والتموضع الجسماني، كما لا ضمانة لتغيّر الفكر وفق منطق التحولات وتغيير المسار العقلي وفق المصلحة الشخصية أو المصلحة العامة، والكبير في التفكير والتعقل هو الذي يُغير مساراته الفكرية لا وفقاً لرغباته "الوصولوية"، إنما وفقاً لمتطلبات الحال والأحوال المجتمعية لا إنصياعاً لنزوعه الغريزي "الحيواني" في أكل حقوق الغير وتغيير المنطق الطبيعي للجهات وفق غريزته لتغيير التوجهات والقناعات.

 

 

في المثقف اليوم