قضايا

إتخذ لك رداءً يخدمك لا رداءً تخدمه

ali almirhigوكم من إنسان بيننا كان همه وإنهمامه في تجميل مظهره، لتجده مكوناً وكائناً لخدمة ملبسه الذي إختاره وإعتنى به أكثر مما إعتنى بتجميله وتحسينه بقدر تجاوز فيه حد عنايته بتطوير قدراته العقلية والذهنية، حتى صار كثير منّا أسارى تعديل الطلة والمظهر، أكثر مما نحن أسارى لتعديل الخِلّة في عقولنا والجوهر. ولا أنتقد من إهتم بالزينتين: "زينة المظهر و زينة الجوهر" طِبقاً لقول الإمام الرضا "قل وظن حرم زينة الله".

والرأي عندي أننا لم نصل بعد لإدراك الفرق بين التعقل والتجمل ولا نمتلك فهماً ولا إستطاعة ولا قدرة عندنا للتمييز بين رداءين: رداءٌ نخدمه، وآخر يخدمنا.

فخدمة رداء نلبسه حينما يكون هذا الرداء "إطار فكري" يمارس تنويماً اجتماعياً لعقولنا - بعبارة الوردي - لنسير وفق متطلبات "الحس الجمعي" ليُحركنا ذات اليمين وذات اليسار مكانياً وفكرياً، ولا قول عندنا ولا تغريدة لنا خارج السرب، فلا نقد وإنتقاد لكل مهاوي الجمع وأخطائه أو خطاياه، فما كان رداء الآيديولوجيا ليتسع لولا خطايا الجمع الذين غيبوا عقولهم ليتبعوا خُطا القادة، فليس بمقدور تابع تغيير ردائه أو جلبابه، لأن لا رداء له ولا جلباب أو قميص إلّا قميص قمصه له قائد الجمع، والكل تابعون وراضون مرضيون بعطايا قائد الجمع في إلباس أجسادهم وتقميصهم أو "تقميطهم" بما رغب من جميل أو قبيح التقميط أو التقميص، ولا مخرج ولا مقدرة لعقولهم على تغيير قناعاتها إلّا وفقاً لرغبات قائد الجمع في التغيير في نمط اللبس أو التفكير، فكل التابعين يتخذون أو يلبسون رداءً يخدمونه لا رداءً يخدمهم.

أما الذين يتخذون من الرداء أو اللباس ستراً لهم من عورة أو وقاية لهم من حر ومن برد، فأولائك هم المميزون القادرون على كسر الأطر الفكرية أو "الأسيجة الدوغمائية" بعبارة محمد أركون، وهؤلاء هم من يمكن أن نُطلق عليهم تسمية "الأحرار" الذين يمتثلون لمقتضيات عقلهم الجدلي أو البرهاني، ليصنعوا لهم أردية أو قُمصاناً، أو أن يكونوا ممنجج لديهم القدرة العقلية والبصيرة النافذة ليكونوا صُناعاً لموضة الملبس الجسدي أو تلبيس إلعقل بأسئلة إبليس وبرغبات آدم في قضم تفاحة التعقل لينزل من سماوات الرحمة ليُصارع تقلبات أرض النقمة.

ولأن حال إبليس وحال آدم مُتماثلان في المعصية وفي رفضهما للطاعة، فقد كان مصيرهما التصارع مع الطبيعة لغلبتها أو السيطرة عليها.

ولم يكن حالهما كحال المُمتثلين والمطيعين، ف "حال الطاعة: إجتناب شجرة المعرفة"..."و حال المعصية: الإقتراب من شجرة المعرفة"، فكل من رام نيل المعرفة عبر المنطق والحجاج والإحتجاج والمجادلة، فقد شاءت قُدرت الله أن يُطرد من الجنة، كما "طُرِد آدم من الجنة بناءً على المعصية والأكل من شجرة الوعي والمعرفة والتمييز والدراية، فصار وزوجه الخجول يخصفان عليهما من ورق الجنة، فقد هالهما من المعرفة وعي، وهالهما من الوعي معرفة إنتباه إلى العُري عُريهما، فطفقا يَخصفان عليهما من ورق الجنة بأمر الرب، وصارا من الطرودين جزاءً بالذي أكلاه من شجرة الوعي والمعرفة والدراية والتمييز والإنتباه إلى العُري بعد الغفلة.

 

.............

العنوان عبارة مدني صالح

مُستوحى من: مدني صالح: مقالات في الدرس الفلسفي، ص159-1

 

 

في المثقف اليوم