قضايا

إله الفلاسفة والمتصوفة وإله المتدينين "الفقهاء"

ali almirhigهناك قول يتردد بأن قراءة أو دراسة القليل من الفلسفة يؤدي إلى الإلحاد، وكثير تمعن فيها يؤدي إلى الإيمان، ولكن يبقى إله الفلاسفة هو غير إله المتدينين "الفقهاء، كما يبقى إله المتصوفة غير إله الفلاسفة العقلانيين ومختلف جدا عن إله الفقهاء، فالإله عند الفلاسفة العقلانيين هو مهندس الكون ومنظم قوانين الطبيعة، وهو الأزلي الثابت الذي تتحرك الأفلاك له على سبيل الشوق، بعبارة أرسطو، لأنه المتحرك الذي لا يتحرك، لأن في الحركة فساد وكون، وهذه من عوارض الموجود لا من جوهرية الوجود بأزليته، وهو الذي وضع نظاماً للكون لا يحيد عنه، وإله الفلاسفة غير مشغول بالمتغير العرضي ولا بالجزئي الزائل، فهو مهندس الكون كما أكد آينشتين ف "الله لا يلعب النرد"، وهو إله الكون الذي يحل فيه ليَصير للوجود وحدة مع المُوجِد كما ذهب إلى ذلك إبن عربي وإسبينوزا في تصوره لوجهتي الوجود "الطبيعة الطابعة" = "الله" و "الطبيعة المطبوعة" = الوجود، وكلاهما وجهان لعملة واحدة.

إن إله الفالسفة إله لا يُعاقب بقدر ما يُثيب، نُدركه وفق قاعدة "البناء والبنّاء" فلا بِناء من غير بَناء وندركه وفق مبدأ السببية، فلا وجود لسبب من دو مُسبب، وندركه طبقاً لما في الطبيعة والوجود وتكوينية النظام الجيني والبايلوجي في الكائنات الحية وما فيه من إنتظام كبير تجاوز كثيراً من بعض هنات الوجود وفوضاه التي نعيش.

أما إله المتصوفة، فهو إله العشق والجمال المتوحد مع موجوداته التي يَحل فيها ليُزيل سنيناً ضوئية من العزل بين العاشق والمعشوق، ليكون هو العاقل والمعقول بلغة ابن رشد لا وفق ما تقتضيه العقلانية بطابعها البرهاني، بل بقدر ما تُتيحه بعض مساحات الوجدان للخروج من النمط الإستدلالي الفلسفي التجريدي المُستغرِك في في الإنبهار بقدرة العقل الإنساني في تجاوز البعد الوجداني.

وبين إله الفلاسفة وإله الصوفية يوجد إله الفقهاء الذي لا يرى في الإله سوى دائم الطلب لتنفيذ العبد لمتطلباته، وفي الإنصياع لأوامره في تنفيذ خضوع المؤمن لمنظومة عبادية غايتها الإلتزام بتطبيق توصيات التشريع الفقهي بطابعه التعبدي الشكلي، الذي يقتضي إلتزام العبد بطاعة المعبود الكامنة ليست في ما ينبغي لنا إيجاده من تجليات الوجود الإلهي في الفكر والعمر وفي التعبير والعبر، إنما تتجلى عبادة الله عند الفقهاء في الإلتزام بأوقات الصلات وبإيتاء الزكاة وفي حج بيت الله الحرام، ولم يكن الإيمان بإله الفقهاء من المسلمين، سُنة وشيعة، مرتبط بالإلتزام بالأصول والثوابت هذه المعروفة في الإسلام، إنما تعدى ذلك لأن نكون إتباعيين مُقلدين ببغاويين لمسلك التراثيين في تنميط حياتنا في القول والمأكل والملبس، وكأن الزمن ساكن ولا قبول لتغيّره وتجديده حتى وإن كان في قبول التغيّر والتجديد تأكيداً لفاعلية النص القرآني في التغيير والتجديد في إعادة صياغة العلاقة بين الدين والأخلاق، لا على قاعدة أن الدين مرادفٌ للأخلاق، لتغغيب الأخلاقيات المجتمعية لصالح الدين وجعل الأخلاق جزء من كل هو "الدين" الذي يروم دعاته جعل الأخلاق مطوية من مطويات الدين، وصيرها دعاته ومبشريه وكأن الدين أصل والأخلاق فرع منه، وتناسوا ألا وجود لدين من غير رؤى أخلاقية قد مهدت لقبوله ولقناعة به تطابقاً مع الحديث النبوي "إنما بعثت لأُتمم مكارم الأخلاق"، فالأخلاق موجودة كأصل لوجود المجتمعات، وجاء الدين ليُزيد من أهميتها وحضورها وفاعليتها في الأمة الإسلامية التي

 أدركت قول الشاعر أحمد شوقي: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبوا أخلاقهم بقيت".

 

 

في المثقف اليوم