قضايا

السلفية العَلمانية الثورية "الراديكالية" والسلفية الإسلامية الثورية "الراديكالية"

ali almirhigيبدو ليّ أن ما نُعانيه اليوم وبالأمس، هو هذا الصراع المحموم بين دعاة الحق، ممن هم من العلمانيين الراديكاليين السلفيين الإتباعيين لكل حركات الغرب التحررية ونزعاته الفكرية التي تبنوه وكأنها "طوق النجاة" لأممنا المغلوبة بالقهر والظلم والإستبداد، فلم يختاروا حلولاً وسطاً لمشكلاتنا الفكرية والمجتمعية، وآمنوا بمقولة "من لم يكن مع فهو ضدنا" "يابيض ياسود" ولا توجد منطقة وسطى ما بين الجنة والنار، لكن جنة العلمانيين الثوريين هي في الأرض، والإنسان الثوري هو الذي قدّرت له الطبيعة دوره في أن يكون المحفز والفاعل في التغيير والإنقلاب الجذري، الذي يهب عاصفة على سياسة الفساد، فيُعيد تنظيم إستقامتها بعد أن كانت مقلوبة تمشي على رأسها ليجعلها تسير وفق منطق القانون الوضعي الذي يُشرعه الإنسان لتسيير حياته، قانون لا علاقة لثيولوجيا الدين والمتدينين واليوتوباويين الحالمين من فلاسفة المثالية الغارقين في الخيال. وهؤلاء سُميّوا بدُعاة "العلمانية الصلبة" أو "المتطرفة أو الثورية أو الراديكالية التي تُقصي كل نزوع ديني لتبقيه محدوداً بعوالم الفرد الذاتية، ولا مكان له في الحياة السياسية، وليس المشكل في وجود مثل هكذا فكر، ولكن المشكل الحقيقي هو ما أنتجه من ممارسة إقصائية وقمعية راديكالية ضد كل فكر مغاير لسياسة "الحزب القائد" أو كان ناقداً للممارسات هذا الحزب أو قائده، وصُنفَ كل معارض لهم في خانة "العملاء" أو "الطابور الخامس"، فصار كل المعارضين وإن إختلفت متبنياتهم فمنهم من كانوا شيوعيين وكثيرٌ منهم مصُنف آيديولوجياًَ على أنه من ضمن دعاة العلمانية الراديكالية، فصارت الحكومات ما سميت بالوطنية، التي حكمت بعد تخلص الدول العربية من الكولنيالية "الإستعمار" تضع الشيوعيين والإسلاميين الراديكاليين في سلة واحدة، أنهم "عملاء الإستعمار"!!.

ورغم كل قمع السلطات أو ما سُميت بالوطنية ذات الطابع العلماني الراديكالي في الحكم لقمع الراديكاليين الإسلاميين واليساريين، إلّا أن دعاة هذين الإتجاهين المضطهدين من السلطة لم يتجاوزا خلافاتهما الفكرية والعقائدية والآيديولوجية من أجل إنشاء جبهة وطنية غايتها الأساسية بناء الدولة لا الموت من أجل شعارات وطنية صارت سبباً في موت الوطن!!.

والأدهى من ذلك أن اليساريين في العراق، إتفقوا مع البعثيين لإقامة جبهة وطنية، وعرف البعثيون كيفية القضاء عليهم.

والأشد الأمر أن المرجعية الشيعية في العراق ممثلة بآية الله السيد الحكيم قد أفادت القوميين من البعثيين الراديكاليين في فتواها الشهيرة "أن الشيوعية كفرٌ وإلحاد" فكان ما كان مما كنا ولا زلنا نعرفه، أن بعض القوميين لعبوا على وتر الجمع بين "القومية والإسلام" بخديعة إنطلت على كثير من البسطاء ممن يُطيعون المرجعية، و من المؤكد أن المرجعية بفتواها الشهيرة هذه لم تكن لها غاية و مسعى سوى الدفاع عن "بيضة الإسلام" كما يُقال، ولكن الفتوى خدمت البعثيين والقوميين، أو أنهم عرفوا كيفية توظيفها وجعلها تصب لصالحهم للتخلص من مُنافس شديد له تاريخ نضالي عتيد هو "الحزب الشيوعي العراقي".

والأمر نفسه حصل في مصر حينما تحالف عبدالناصر مع "الإخوان المسلمين" للقضاء على منافسيه من اليساريين، وبعد تمكنه من مسك زمام السلطة أطاح بالإخوان المسلمين، والأمر نفسه فعله السادات حينما أتاح للأخوان المسلمين مساحة للتحرك السياسي للحد من التيارات الوطنية المعارضة والمد اليساري، ولكن السحر إنقلب على الساحر، فكانت محاولته هذ سبباً في تمكن الإخوان المسلمين من إغتياله.

في الجهة المقابلة، يوجد النقيض الراديكالي الثوري المتطرف الذي يرى أن العلمانية كفر وإلحاد وتقليد وإتباع للغرب ولا خلاص لنا ولا نهضة مرجوة إن لم نعد لينابيع نهضتنا الأولى المتمثلة بالثورة المحمدية وبما أحدثته من تغيير في عوالم الجزيرة العربية المتناحرة، ليكون العرب بناة الحضارة الإسلامية التي نهل منها الغرب الكثير. وهذا في حد ذته تصور له مبرراته التاريخية، ولا مشكل في تبنيه، لكن المشكل الحقيقي أيضاً هو ليس في تبني دُعاة هذا الفكر لمثل هكذا رؤية، إنما المشكل الحقيقي هو بما دعى وسعى إليه من عمل همجي للخلاص من مخالفيه عبّر مطبقة الفكر للممارسة، فكان من نتاجه الحركات السلفية المتطرفة، وأهمها الوهابية التي إجتاحت الجزيرة العربية، ومكنت آل سعود من تأسيس دولتهم القائمة على تطبيق الشريعة وفق تشريعات وفقه محمد بن عبدالوهاب، ليمتد هذا الفكر لينشر التطرف في العالم الإسلامي، وليكون له أثر وتأثير في مصر وفي فكر محمد رشيد رضا تلميذ محمد عبده الذي تحول مما يُمكن تسميته بالسلفية التجديدية التي مثلها الطهطاوي والأفغاني رغم نزوعه الثوري ومحمد عبده والكواكبي، فتحول رشيد رضا للسلفية الراديكالية الثورية المتأثرة بالوهابية وبتجمعات الأخوان فيها ليأتي حسن البنا الذي تأثر بآراء رشيد رضا المتأخرة ليُنتج لنا حركة "الأخوان المسلمين" التي طور أطروحاتها سيد قطب في كتابه "معالم في الطريق" ذلك الكتاب الذي صار منهاجاً لجُل الحركات الإسلامية بعده، سنية كانت أم شيعية. والتي آمنت أيضاً بمقولة "من لم يكن معنا، فهو ضدنا" وأن من ليس معنا فهو "عميل للغرب" مؤيد للكفار، لأن من معهم هو من دار الإيمان ومن يعرضهم فهو من دار الكفر ومصير التقتيل والتشريد ونار جهنم وبئس المصير!!.

فصار مصير الدول العربية التي بدأت بها حركات التحرر النضهوي رهين وضحية دُعاة التطرف والراديكالية من كلا قطبي التطرف، "العَلماني السلفي الراديكالي الإتباعي" و"الإسلامي السلفي الراديكالي الثوري الإتباعي".

 

 

في المثقف اليوم